ديميتري ترينين مدير مركز كارنيغي في موسكو. صدر له مؤخراً كتاب بعنوان "ماالذي تخطط له روسيا في الشرق الأوسط؟"(What is Russia Up To In the Middle East?) عن دار النشر "بوليتي" في كانون الأول/ديسمبر 2017. قبل انضمامه إلى مركز كارنيغي، خدم في الجيش الروسي وتخرّج في العام 1997 من المعهد العسكري التابع لوزارة الدفاع في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية. في العام 1984، نال ترينين دكتوراه في التاريخ من معهد الدراسات الأميركية والكندية التابع لأكاديمية العلوم السوفياتية. شارك مؤخراً في المؤتمر السنوي لمركز كارنيغي في الشرق الأوسط، حيث تحدّث عن الخطوط العريضة للسياسة الروسية في الشرق الأوسط.  التقت" ديوان" ترينين  في مطلع كانون الثاني/يناير الجاري لمزيد من الاستفاضة حول هذا الموضوع.

مايكل يونغ: قلتم في السابق إن روسيا لاتسعى إلى التنافس مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. إنما يبدو أن هذا مايحدث بالضبط الآن على ضوء الخطوات الروسية. كيف تشرحون ذلك؟

ديميتري ترينين: روسيا ليست الاتحاد السوفياتي. هي لاترى في الشرق الأوسط منطقةً يمكنها السيطرة عليها. تنحية الولايات المتحدة عن الموقع القيادي في الشرق الأوسط يتخطّى إلى حد كبير القدرات الروسية، وإبقاء المنطقة تحت النفوذ الروسي يتطلب أكثر بكثير من الموارد الروسية المتاحة. مانشهده الآن ليس تكراراً للمبارزات الأميركية-السوفياتية على النفوذ التي حدثت في المرحلة الممتدة بين الستينيات والثمانينيات. تعمل الولايات المتحدة، منذ عهد باراك أوباما، على تطبيق سياسة انكفاء لتعزيز قواعدها في الداخل وخفض الالتزامات الخارجية. وقد واصل الرئيس دونالد ترامب السير في الاتجاه نفسه من خلال مايتّسم به من حيوية وتبجّح شديدَين. من المؤكّد أن روسيا أفادت من تراجع الاهتمام الأميركي بمنطقة الشرق الأوسط، ففي غياب الانخراط النشط من الولايات المتحدة، تستطيع روسيا أن تتصرّف بثقة وسهولة أكبر. إنما ليست روسيا هي مَن هندست، في المقام الأول، التحوّل الكبير في السياسة الأميركية.

يونغ: هلا تعرضون لنا المبادئ الموجِّهة الأساسية في السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط اليوم؟

ترينين: أعتقد أنه يمكن إيجاز بعضها بصورة تقريبية جداً على النحو الآتي:
أولاً، تصرَّف دائماً بمايصبّ في مصلحتك الذاتية. لاتحاوِل إصلاح الآخرين أو فرض نموذجك على بلدان أخرى أو على المنطقة برمتها؛

ثانياً، روسيا هي، بصورة أساسية، قوة منعزلة. لاتُصادِق أحداً أو تُعاديه إلى مالانهاية. العلاقات الدولية شديدة التقلبات، وعدو اليوم يمكن أن يصبح صديق الغد والعكس صحيح؛

ثالثاً، حافِظ على علاقات وظيفية مع جميع الأطراف ذات الصلة داخل البلدان والمنطقة، بما في ذلك مع الأفرقاء الذين قد يعتبرون بعضهم بعضاً ألدّ الأعداء؛

رابعاً، برهِن دائماً عن تصميم وقوة ، والتزام المسار الذي تسلكه. تحظى القوة الشديدة بقيمة كبيرة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط.

خامساً، انسَ أمر الأيديولوجيا والقيَم الأخلاقية العالية التي يُنادى بها في أوروبا والولايات المتحدة: الشرق الأوسط منطقةٌ صُنِعت للسياسة الواقعية الكلاسيكية؛

سادساً، توخَّ الحذر في إدارة مواردك، لاتستطيع روسيا المنافسة إلا إذا كانت أشدّ تأنّياً ودهاء بالمقارنة مع منافسيها أو خصومها.

يمكن أن تتحوّل هذه المبادئ إلى نموذج معتمَد في السياسة الخارجية العالمية التي تنتهجها روسيا في القرن الحادي والعشرين.

يونغ: بماذا تختلف السياسة الخارجية الروسية في المنطقة عن السياسة الخارجية للاتحاد السوفياتي؟ وماهي أوجه التطابُق؟

ترينين: لقد تغيّرت القواعد التي تتبعها موسكو، غير أن الاتحاد السوفياتي هو مجرد اسم تاريخي لروسيا، تماماً مثل الأمبراطورية الروسية أو الاتحاد الروسي الراهن. عامل الاختلاف الأساسي هو أنه في حين أن الاتحاد السوفياتي انخرط بشدّة في أنحاء الشرق الأوسط عبر إنفاق الأموال على مشروع عقائدي وجيوسياسي، ينشط الاتحاد الروسي في المنطقة في محاولة منه للحصول على المال. كان الاتحاد السوفياتي يتمحور حول فكرة. أما الفكرة الروسية فهي عن روسيا نفسها.

يونغ: أظهرت الولايات المتحدة تقليدياً نزعة إلى وضع القيم في صلب السياسة الخارجية التي تسعى إلى تطبيقها، في حين أن روسيا أبدت استعداداً أقل للقيام بذلك. لماذا، وماهو الدور الذي تؤدّيه القيَم في التفكير الروسي بشأن التعاملات الروسية في الخارج؟

ترينين: على غرار الاتحاد السوفياتي، تنازلت روسيا، باسم القيم، عن أمور أكبر من تلك التي تنازل عنها أيّ بلدٍ آخر تقريباً، بما في ذلك الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، شعر الروس بخيبة مريرة، وأصبحوا فاقدين للثقة إلى حد ما في مجال الشؤون الخارجية. وهم يدركون أيضاً أنه يتعذّر عملياً قولبة الآخر من جديد ليكون على صورتنا. كما أنهم يرون في الترويج الأميركي للقيم الديمقراطية أداةً من أدوات السياسة الخارجية لارغبة حقيقية في مساعدة الشعوب الأقل حظوة. في الوقت الراهن، تحتل القيم مرتبة متأخرة إلى حد كبير بالمقارنة مع المصالح في السياسة الخارجية الروسية. القادة الروس واقعيون وقوميون على السواء – بمعنى أنهم يعتمدون مبدأ "روسيا أولاً".

يونغ: كيف تتوقّعون أن تتطوّر السياسة الخارجية الروسية في الشرق الأوسط خلال العقد المقبل، وماذا ستكون أولويات موسكو؟

ترينين: من الصعب لابل المستحيل توقُّع كيف ستتطوّر روسيا نفسها ككيانٍ سياسي خلال العقد المقبل. غالب الظن أن الأعوام العشرة إلى الاثنَي عشر المقبلة ستشهد محطة محورية أخرى في التاريخ الروسي. سوف تتوقّف السياسة الخارجية الروسية بالكامل على مايحدث داخل البلاد. في مايتعلق بالشرق الأوسط، آمل بأن تستمر روسيا في ممارسة ضبط النفس على صعيدَي التطلعات التي تُحدّدها لنفسها في المنطقة والموارد التي تلتزم بتخصيصها. تشتمل المصالح الروسية على إبعاد الإرهابيين وإبقائهم تحت السيطرة؛ واستقطاب التكنولوجيا والاستثمارات؛ وتوسيع الوصول إلى أسواق المنطقة، ليمتدّ من الأسلحة إلى المنتجات الزراعية. من شأن السعي إلى التشبُّه بممارسات الاتحاد السوفياتي السابق أو الولايات المتحدة أن يُضِرّ بالمصالح الروسية.