المصدر: Getty

الأزمة الطائفية في العراق: إرث من الإقصاء

لايزال العنف والتوتّر بين السنة والشيعة والأكراد يهدّد استقرار العراق وديمقراطيته الهشَّة. يحتاج العراق إلى ميثاق سياسي يقوم على المواطنين الأفراد أكثر منه على الهويات الطائفية.

 حارث حسن
نشرت في ٢٣ أبريل ٢٠١٤

بعد مرور أكثر من عشر سنوات على سقوط نظام صدام حسين، لايزال العنف والتوتّر بين السنة والشيعة والأكراد يهدّد استقرار العراق وديمقراطيته الهشَّة. فقد فشلت النخبة السياسية العراقية في تطوير نظام للحكم شامل للجميع، وتعزّزت الانقسامات الداخلية بسبب تداعيات الربيع العربي، وخاصة تأثيرات الانتفاضة السنّية ضد النظام السوري وتعزيز الطائفية العابرة للحدود الوطنية. وللحيلولة دون حدوث المزيد من التشرذم أو ظهور نظام استبدادي جديد، يحتاج العراق إلى ميثاق سياسي يقوم على المواطنين الأفراد أكثر منه على الهويات الطائفية.

العراق وهوياته المتعدّدة

  • ركّزت مقاربة بناء الأمة في العراق على إيجاد ممثلين طائفيين أكثر من تركيزها على التغلّب على الانقسامات الطائفية.
  • الطائفية مستحكمة في القواعد والممارسات الخاصة بالعملية السياسية. إذ يهيمن الشيعة على جهاز الدولة، في حين أصبحت المؤسّسات إقطاعيات للأحزاب المتصارعة التي تتنافس على السلطة والموارد والمنزلة.
  • تمكّن رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي من تعزيز سلطته، الأمر الذي أثار انزعاج منافسيه الشيعة لكنّه لم يدفعهم إلى الخروج عن الصف الطائفي.
  • يشعر أهل السنة بأنه يتم تهميشهم، مما يقوي التيارات المتطرفة بينهم ويمنح الجماعات المتطرفة بيئة مثالية للتعبئة والعمل.
  • تتزايد حدّة التوتّر بين من يرغبون في توطيد السلطة من خلال سلطة تنفيذية قوية (بزعامة المالكي) ومن يرغبون في مزيد من اللامركزية (الأكراد في المقام الأول).
  • يواصل المالكي وزعماء السنّة في التركيز على تعبئة دوائرهم الانتخابية وحاضنتهم الاجتماعية بدلاً من سدّ الفجوة بين الطوائف. وأصبحت سياسات الهوية والاختلاف الطائفي محط الاهتمام وفي مركز الصدارة، بينما يزداد الانقسام بين السنة والشيعة عمقاً.

الآثار المترتّبة على مستقبل العراق

معالجة مشاعر الاغتراب والنفور لدى السنة أمر بالغ الأهمية. ولكي يتم بناء الشرعية والاستقرار، تحتاج الدولة التي يهيمن عليها الشيعة إلى إطلاق خطة جادّة للمصالحة.

لابدّ من معالجة الخلل في النظام السياسي. يمكن استبدال النظام الانتخابي الحالي، الذي يميل لصالح المنافسة في الدوائر الانتخابية الكبيرة، بآخر يقوم على الدوائر الصغيرة. كما أن ثمّة حاجة إلى إجراء تعديلات كبيرة على الدستور، وإصدار قوانين جديدة للأحزاب السياسية وإدارة الموارد، وتوزيع السلطة على أساس الجغرافيا وليس على أساس الهويات الطائفية والعرقية.

من غير المرجح أن يتم إنجاز التحوّل السياسي الذي يحتاجه العراق في المدى القريب. لم يقم خصوم المالكي بصياغة رؤية واضحة للمستقبل، وليس هناك وسيط دولي قوي يدفع باتجاه التغيير. وإذا مابقي المالكي في السلطة بعد الانتخابات العامة المقررة في نيسان/أبريل 2014، فسيكون التحوّل بطيئا، وتزداد الانقسامات الطائفية عمقاً، فيما يرجّح أن تترسّخ السلطوية القائمة على الاقتصاد الريعي وسياسة الإقصاء أكثر.

مقدّمة

شكّل التنافس بين الأغلبية الشيعية وبين الأقليّة السُنّية في العراق محور الصراع السياسي في الدولة منذ سقوط الرئيس صدام حسين آنذاك في العام 2003. فقد أعاقت التوتّرات الطائفية عمليات بناء الدولة وزعزعت استقرار البلاد. غير أن الحكومة العراقية لم تقم بأي محاولة واضحة للتغلّب على هذه الانقسامات وبناء هويّة وطنية مشتركة. لابل أن العديد من الإجراءات التي اتّخذت حتى الآن لم تؤدِّ إلا إلى مزيد من تفتيت الدولة.

تاريخياً، كانت الخلافات حول القضايا السياسية واللاهوتية والعقائدية هي السبب في الانقسام بين السُنَّة والشيعة، بيد أن التنافس على السلطة والموارد والمكانة هو الدافع وراء مظاهرها وتجلياتها الحديثة. وشيئاً فشيئاً، هيمنت فكرة التمثيل الطائفي على العلاقات السياسية بدلاً من تمثيل المواطنين، الأمر الذي أدّى إلى تفاقم الانقسامات القائمة بدل تخفيفها.

 لم تقم الحكومة العراقية بأي محاولة واضحة للتغلّب على هذه الانقسامات وبناء هويّة وطنية مشتركة.

أدّت مأسسة الهويّات الطائفية إلى نشوب صراعات حول مكانة وحجم وحدود وقوة كل طائفة. وقد كان لهذه الصراعات أثر مزعزع للاستقرار، خاصة عندما كانت تضفي مشروعية على أعمال الجماعات التي تمارس العنف والتي تدَّعي تمثيل طوائفها. كما فاقم اعتماد العراق على النفط كمصدر رئيس للدخل هذه الصراعات بسبب عدم وجود صيغة صريحة وواضحة لإدارة الموارد.

تترافق الصراعات الطائفية مع نوع من الاستقطاب الشامل الناجم عن تزايد سلطويّة رئيس الوزراء نوري المالكي. فقد تمكّن رئيس الوزراء من تعزيز سلطته، وتهميش البرلمان والمؤسّسات المستقلة، والسيطرة على الأجهزة العسكرية والأمنية، وإخضاع القضاء، وتوسيع دائرة دعمه السياسي على حساب منافسيه. وبينما أثار هذا قلق منتقديه الشيعة، فإنه لم يدفعهم إلى الخروج عن الصف الطائفي. إذ لايزال المالكي يسيطر على أكبر جمهور من الناخبين الشيعة، ويُتوقَّع أن يحافظ على هذا الوضع بعد الانتخابات، على الرغم من أنه من غير الواضح كم سيكون حجم جمهوره.

ما من شكّ في أن العراق يبقى منقسماً. فقد أصبحت الطائفية أداة يستخدمها أصحاب المشاريع السياسية، حيث تؤثّر الشكوك المتبادلة والتعبئة الطائفية على سلوك النخبة السياسية التي تتطلّع إلى تكوين جمهور ناخبين، وحشد الدعم الشعبي. ويبدو هذا صحيحاً بصفة خاصة خلال مواسم الانتخابات، عندما يتبنّى القادة خطاباً صدامياً لاستمالة المؤيّدين. ولذلك فإن تقسيم القواعد الانتخابية السياسية إلى ثلاث جماعات طائفية وعرقية رئيسة - الشيعية والسُنّية والكردية - سيكون السّمة المميّزة البارزة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في 30 نيسان/أبريل.

بعد أكثر من ثمانين عاماً على قيام الدولة العراقية الحديثة، تطوّر الحس الوطني العراقي لدى الغالبية العظمى من السكان العرب في البلاد. غير أن فكرة الجماعة الوطنية المجرّدة لم تكن كافية لتوحيد البلاد، والتي لاتزال تفتقر إلى سرديّة وطنية حقيقية قادرة على تسوية الانقسامات الطائفية. إذ إن لدى شرائح مختلفة من المجتمع ذكريات وسرديّات تاريخية مختلفة حول ماهيّة العراق أو ماينبغي أن يكون عليه. كما أن فشل القيادة في جمع هذه الخيوط ضمن مبدأ وطني واحد وشامل يعزّز الانقسامات الطائفية والحدود بين الطوائف.

ولكي تتم معالجة الانقسامات الكبرى في البلاد، فإن العراقيين بحاجة إلى إجراء مراجعة جوهريّة للقواعد التي تحكم النظام السياسي الحالي في البلاد. يجب أن يتحوّل التركيز إلى المواطنين بعيداً عن الطوائف. فالتغيير الحقيقي يتطلّب إجراء تعديلات كبيرة على الدستور والنظام الانتخابي العراقي إضافة إلى سنّ قوانين جديدة بشأن الأحزاب السياسية وإدارة الموارد. ويتعيّن أن تصبح السلطة أقلّ نخبويّة وأكثر بعداً عن المركزية وأكثر تعبيراً عن احتياجات الناس.

لايزال المالكي يسيطر على أكبر جمهور من الناخبين الشيعة، ويُتوقَّع أن يحافظ على هذا الوضع بعد الانتخابات، على الرغم من أنه من غير الواضح كم سيكون حجم جمهوره.

غير أن من المستبعد أن يتمّ هذا التحوّل في المستقبل القريب، وخاصة إذا بقي المالكي في السلطة. كما أن افتقار معارضيه إلى رؤية واضحة وعدم وجود وسيط دولي قوي، يعوق إحراز أي تقدّم. وإذا ما استمرت الاتجاهات الحالية، فإن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو استمرار الانقسامات الطائفية وظهور سلطويّة جديدة في بغداد تقوم على سياسة الإقصاء.

انقسامات عميقة 

الفجوة بين السُنَّة والشيعة في العراق ناجمة في الأصل عن تحوّلات جيوسياسية واجتماعية وثقافية متعدّدة. فقد أدخل تأسيس جمهورية إيران الإسلامية في العام 1979 نظاماً جديداً للحكم يقوم على أساس اللاهوت الشيعي، وغيّر ميزان القوى في المنطقة وخلق مظلّة إيديولوجية للجماعات الشيعية المحرومة. وساعد ذلك في تقوية الجماعة الشيعية في العراق وشعورها بأنها تمتلك هوية متميّزة.

أصبحت التنظيمات الإسلامية الشيعية، من بين جماعات المعارضة العراقية، أقوى وأكثر تنظيماً وإعداداً فكرياً لتعبئة القطاعات الاجتماعية. كما ان الديناميكيات السياسية والاجتماعية التي خضع إليها العراق في العقود الأربعة الماضية (مثل الطبيعة القمعية والإقصائية لنظام الرئيس السابق صدام حسين وزيادة التديّن) أدت إلى اضعاف الأحزاب العلمانية والليبرالية.

ينظر إلى العراق الآن باعتباره مجتمعاً يتكوّن من جماعات عرقية وطائفية، وهو مايجعل فكرة "الهوية العراقية" في موضع شكّ. ففي ظل الاحتلال الأميركي، الذي بدأ في العام 2003، جرى تطوير المؤسّسات لإدارة الفترة الانتقالية بين نظام صدام حسين وبين تشكيل حكومة جديدة. غير أن محاولات تشكيل الدولة واجهت العديد من التحدّيات. فقد برز صراع حول أي "مجموعة" سيكون لها النصيب الأكبر من السلطة، وأي طائفة ستكون مهيمنة، وأي سرديّة وطنية ستكون لها الغلبة.

بالنسبة إلى أولئك الذين التزموا بفكرة الوطنية بوصفها أعلى قيمة سياسية، تم تفسير عملية بناء الأمة الجديدة بصورة سلبية ورديئة باعتبارها تهدف إلى تفتيت البلاد. وبالنسبة إلى آخرين، كان النموذج الجديد يمثّل عودة إلى "الخطيئة الأصلية" ومحاولة "لإعادة بناء" الأمة من خلال قاعدة أقوى من الشرعية وليس من خلال رسم خطوط على الخريطة.

كان النظام السياسي الجديد حلاً وسطاً بين الفكرة التي تقول إن الأمة العراقية موجودة بصورة مستقلة عن الجماعات الفرعية، وفكرة أن الأمة العراقية ليست سوى مجموع جماعاتها الفرعية. وكان للمضاعفات المتناقضة لهذين التيارين أثرها على العملية الدستورية والصراعات السياسية والديناميكيات الاجتماعية. 

صوَّر الأنموذج السائد لبناء الأمة العراق بوصفه مجتمعاً متعدّد الثقافات تحتاج جماعاته المكوّنة إلى وضع نظام حكم شامل للجميع. وهذا يتناقض مع المفهوم الكلاسيكي لبناء الأمة والذي هيمنت عليه مقاربة قومية اندماجية تراتبية من أعلى إلى أسفل، تنطوي على تعزيز مركز مهيمن وتهميش الهويات المحلية والطائفية.

لكي تتم معالجة الانقسامات الكبرى في البلاد، فإن العراقيين بحاجة إلى إجراء مراجعة جوهريّة للقواعد التي تحكم النظام السياسي الحالي في البلاد. ويتعيّن أن تصبح السلطة أقلّ نخبويّة وأكثر بعداً عن المركزية وأكثر تعبيراً عن احتياجات الناس.

على الرغم من أن الدستور لم ينصّ صراحة على توزيع السلطة وفقاً للمكونات الطائفية، فقد ثبّتت الممارسات التي سادت في العراق الهويّة الطائفية باعتبارها فئة سياسية. ركّزت تلك المقاربة على إيجاد ممثّلين طائفيين أكثر من تركيزها على التغلّب على الانقسامات الطائفية. وتم تقسيم المناصب السياسية الأساسية الثلاثة في البلاد بين الجماعات الثلاث الكبرى، حيث خُصّص منصب الرئيس للأكراد، ومنصب رئيس الوزراء (الأقوى في العراق) للشيعة، ومنصب رئيس البرلمان للسنَّة. كما عزّزت النظم الانتخابية، التي تستند إلى التمثيل النسبي والقوائم الحزبية، الطائفية السياسية.

تمت المفاوضات على الدستور بين الائتلاف العراقي الموحّد الشيعي وبين الأحزاب الكردية، في حين كان التمثيل السني اسمياً. حدّد الإسلاميون الشيعة والقوميون من العرقيّة الكردية طريقة كتابة الدستور، وصوّروا العراق باعتباره ثلاث جماعات منفصلة ومتجانسة. شجعت حقيقة أن السُنَّة هيمنوا على نظام صدام حسين وأن النظام ظلم الشيعة والأكراد وأقصاهم هذا التوجّه، وهو ماغذّى سرديّات الشيعة والأكراد حول كونهم ضحايا ودفع أحزابهم إلى السعي إلى توطيد سلطتها.

الشيعة يوطّدون سلطتهم

 لاتمثّل الطائفة الشيعية قوة متجانسة. إذ تتنافس الجماعات المختلفة ضمن الطائفة مع بعضها البعض على السلطة. كانت قاعدة دعم الأحزاب الشيعية العائدة من المنفى، مثل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي (كان يعرف في السابق باسم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) وحزب الدعوة، محدودة في العراق، الأمر الذي دفعها إلى استغلال الطائفية والمخاوف الطائفية لخلق جمهور ناخبين وحاضنة اجتماعية جديدة. وقد شدّد خطاب هؤلاء القادة على حكم الأغلبية ومنع الظلم والتمييز والحيلولة دون ظهور دكتاتورية جديدة.2

كانت الأطراف السياسية الشيعية الفاعلة الرئيسة مهتمة بتأمين التمثيل النسبي في قيادة الدولة وضمن مؤسّساتها. غير أن نوري المالكي تمكّن وبنجاح منقطع النظير من توطيد سلطته وسلطة مؤيّديه.

تم اختيار المالكي رئيساً للوزراء في العام 2006، وعلى مدى عامين بدا وكأنه رئيس وزراء ضعيف يرأس حكومة منقسمة للغاية. في تلك السنوات، تفشّى العنف وعجزت قوات الأمن العراقية عن فرض سيادة القانون.

في العام 2008، قاد المالكي حملة عسكرية ضد جيش المهدي، وهو قوة شبه عسكرية أنشأها رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، كانت تسيطر في ذلك الوقت على البصرة، وهي المحافظة المنتجة للنفط والتي يوجد فيها الميناء الرئيس في العراق. استطاع المالكي أن يجبر الصدر على سحب ميليشياته، ونتيجة لذلك، بدا أنه قائد قوي، وهو ماكان يرغب فيه معظم العراقيين. تزامن ذلك مع نجاح مجالس الصحوة المدعومة من الولايات المتحدة، التي كانت بمثابة تحالفات لإقرار الأمن تشكّلت في العام 2008 بين رجال العشائر في المناطق السُنّية، في إلحاق الهزيمة بتنظيم القاعدة في الأنبار وعدد من المناطق السُنّية، وبالتالي في خفض وتيرة العنف الطائفي.

بدأ المالكي، مستغلاً هذه المكاسب، يعيد تقديم نفسه على أنه "باني الدولة" الذي يعتبر إرساء سيادة القانون واستعادة سلطة الدولة شغله الشاغل. فقد تبنّى خطاباً أكثر تحدّياً وثقة بالنفس، وانتقد المحاصصة العرقية والطائفية للسلطة، وبخاصة أولئك الذين "عارضوا الحكومة من الداخل". في العام 2009، شكّل المالكي ائتلاف دولة القانون، ونأى بنفسه عن الطائفة الشيعية الأوسع وتمكّن من تحقيق فوز تاريخي في انتخابات مجالس المحافظات.

ركّز رئيس الوزراء على هيمنة الشيعة في مؤسّسات الدولة وغيّر ديناميكيات السياسة الشيعية. في فترة ولايته الثانية، استفاد المالكي من القصور الذي شاب اتفاقات تقاسم السلطة. واتّبع سياسة "فرّق تسد" في التعامل مع الأطراف الأخرى مستغلاً الدعم القوي الذي أتيح له كرئيس للسلطة التنفيذية. وهو ملأ المناصب الشاغرة في الجيش والإدارة بالموالين له وزاد من صلاحيات مكتبه والشبكات المرتبطة به شخصياً، وبالتالي خلق نوعاً من "دولة الظل" داخل الحكومة. كما منح المزيد من النفوذ للّجان المستقلة مثل لجنة اجتثاث البعث، ولجنة الاتصالات والإعلام، وشبكة الإعلام العراقي، والبنك المركزي، وهيئة النزاهة. ونجح إلى حدّ كبير في إخضاع المحكمة الاتحادية وإقامة تحالف مع رئيسها الذي ساعده في تطويق خصومه وإضعاف قدرتهم على كبح سلطته من خلال البرلمان. كما أسهمت حقيقة أن العراق دولة ريعية وأن الاقتصاد العراقي يعتمد إلى حدّ كبير على عائدات النفط في تمكين السلطة التنفيذية والقوى الساعية إلى إقامة دولة أكثر مركزية.

أثارت قدرة المالكي على توطيد سلطته قلق منافسيه الشيعة واضطرّت عمار الحكيم، زعيم المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، ومقتدى الصدر إلى تجاوز المنافسة التقليدية بين عائلتيهما والعمل معاً لمواجهة المالكي. أصبح الصدر من أشدّ منتقدي رئيس الوزراء، ووصف ممارسات المالكي بأنها "ديكتاتورية". وفي العام 2012، عبّر الصدر عن تحدٍّ غير عادي للمالكي عندما تحالف مع الزعيم الكردي مسعود بارزاني والقوى السُنّية لبدء تحرّك يهدف إلى إطاحة المالكي عبر التصويت بحجب الثقة عنه في البرلمان. لكن، حتى ذلك الحين، بقي الصدر في إطار تقاسم السلطة الطائفي بإعلانه أن الأكراد والعرب السُنَّة قبلوا أن يكون رئيس الوزراء الجديد أيضاً من التحالف الشيعي.3 على الرغم من إجهاض هذه الخطوة لإقصاء المالكي عن السلطة بسبب المعارضة الإيرانية وإحجام الرئيس العراقي جلال الطالباني عن دعمها، استمرّ الصدر في انتقاد رئيس الوزراء الشيعي ووعد أتباعه بأنه لن يدعم جهوده لفوز بولاية ثالثة.4

انسحب الصدر من الحياة السياسية في أوائل العام 2014. ويبدو أن تلك الخطوة خدمت جهود المالكي للبقاء في السلطة من خلال إبعاد أحد المنافسين الرئيسيين لرئيس الوزراء، غير أنه ليس من الواضح حتى الآن كيف سيتصرف أتباع الصدر أو ما إذا كان قرار الصدر دائماً.

بعد انتخابات مجالس المحافظات في العام 2013، دخل المجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتيار الصدري في تحالفات مع الأحزاب السُنّية والحكومات المحلية الجديدة التي تشكّلت في بغداد والبصرة، واللتان تعتبران هامتين من الناحية الاستراتيجية لأن السيطرة على هاتين المدينتين تعني امتلاك النفوذ على الساحة السياسية الوطنية.5 وفي الوقت نفسه، شملت التحالفات السياسية الجديدة للمالكي بعض الجماعات الشيعية الأكثر راديكالية، مثل عصائب أهل الحق التي انشقّت عن التيار الصدري ، ومنظمة بدر، التي انشقّت عن المجلس الأعلى الإسلامي العراقي وأصبحت جزءاً من ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي.

توحي حقيقة أن الجماعات الشيعية تمثّل أطرافاً متنافسة بأن التحالفات الحزبية يمكن أن تكون لها الأسبقية على التجمعات الطائفية في مرحلة ما في المستقبل. ومع ذلك، لايجب اعتبار هذه المنافسات مؤشّراً على ضعف الانقسام الطائفي داخل العراق. فهي تمثّل في الواقع نتيجة لزيادة الثقة التي اكتسبتها الأحزاب الشيعية على المستوى الوطني، حيث يتيح لها موقعها في السلطة في العراق إيلاء المزيد من الاهتمام لمصالحها الحزبية. فقد تمكّنت القوى الشيعية من تحقيق التوازن بين الحاجة إلى الحفاظ على الوحدة المجتمعية وبين احتدام التنافس في مابينها داخل الطائفة.

من المحتمل أن تحدّ السمات الطائفية والعناصر المؤيّدة لإيران في تحالفات المالكي من قدرته على سدّ الفجوة الطائفية في البلاد.

والواقع أن الحشد الطائفي لايزال يشكّل أداة فعّالة للحفاظ على السيطرة، ويستخدمه أنصار المالكي بصورة متكرّرة للدفاع عن سياسات حكومته. غير أن من المحتمل أن تحدّ السمات الطائفية والعناصر المؤيّدة لإيران في تحالفات المالكي من قدرته على سدّ الفجوة الطائفية في البلاد.

وفي الوقت نفسه، قد لايسهم إصرار المالكي على البقاء في السلطة إلا في تعميق الانقسامات بين الجماعات الشيعية، ضمن الطائفة، وإحداث تغيير جذري في ديناميات السياسة الشيعية. وهناك طرف تجب مراقبته يتمثّل في المرجعية الدينية الشيعية وزعيمها علي السيستاني. فلاتزال المرجعية تمتلك قوة روحية كبيرة يمكن أن تتحوّل إلى فعل سياسي عند الضرورة. وقد تردّدت المرجعية الشيعية في التدخّل في الشؤون السياسية في السنوات الأخيرة، ورفض السيستاني لقاء أي من الزعماء السياسيين العراقيين. في الوقت نفسه، استمر ممثّلوه في حضّ الناس على المشاركة في الانتخابات وفي انتقاد المشاكل التي تعتري العملية السياسية، مثل الفساد المستشري، والمزايا المبالغ فيها التي يتمتّع بها الساسة، وسوء الخدمات العامة. ولاتزال المرجعية قادرة على ضبط الخطاب الشيعي السائد.

سوف يعتمد الدور السياسي للمرجعية في المستقبل إلى حدّ كبير على ديناميكيات السياسة الشيعية. إذ تحاول الأحزاب الشيعية على الدوام إظهار الولاء لمبادئ وتوجيهات المرجعية. وفي الوقت نفسه، تسعى كل جماعة إلى بناء علاقات خاصة مع خليفة السيستاني أو لأن يكون لها دور في اختياره. ويتفاقم الصراع بين رجال الدين الموالين لإيران والمدرسة الدينية التقليدية التي يمثّلها السيستاني في الوقت الحالي. ويُعتقَد على نطاق واسع أن السلطات الإيرانية تشجّع الرئيس السابق للسلطة القضائية الإيرانية محمود هاشمي شاهرودي، كي يصبح المرجع الجديد.6 ويُعتقَد أن حزب الدعوة أيَّده في محاولة منه لإرضاء الإيرانيين.7

إذا ماهيمنت التيّارات الأكثر طائفية على السياسة الشيعية، فمن المرجّح أن يزيد ذلك من تفاقم التوتّرات الطائفية في البلاد، ويحتمل أن يدفع الجماعات السُنّية المتطرّفة بالفعل إلى مزيد من التطرّف. فقد عزّز النظام السياسي الهويّات الفرعية، ما أدّى إلى قيام هيكل سلطة أعاد إنتاج الطائفية. وفي مثل هذا النظام، أصبحت زيادة "التسنّن" (من سنّة) نتيجة طبيعية.

السُنَّة في موقف دفاعي

تاريخياً، لم تلتزم الجماعة العربية السُنّية بهوية طائفية صريحة. بدلاً من ذلك، كانت القومية العربية هي الهوية المفضّلة في المحافظات الكبرى السُنّية مثل الموصل والأنبار. وكانت القومية العربية أداة مثالية لإخفاء الهيمنة السُنّية في الأنظمة السابقة والتأكيد على "الوئام" مع الأغلبية الشيعية.

على عكس الشيعة، لم يكن لدى العرب السُنَّة جماعات سياسية كبيرة خارج حزب البعث، وهكذا أصبحوا يفتقرون، بعد صدام، إلى وجود زعامة فعّالة تمتلك إحساساً واضحاً بالاتجاه وكانوا في الغالب في موقف دفاعي ورافض. حاول معظم العرب السُنَّة أن ينأوا بأنفسهم عن النظام السابق ورفضوا وصفه بأنه سُنّي. لكنهم نأوا بأنفسهم أيضاً عن الحالة الراهنة. وقد شعر العرب السُنَّة بأن الحكومة التي يهيمن عليها الشيعة، والميليشيات الشيعية التي برزت خلال فترة الحرب الأهلية في الفترة 2006-2007 ردّاً على هجمات تنظيم القاعدة ضد المدنيين الشيعة، استهدفت الجماعات السُنّية. وخلال الاستفتاء الدستوري الذي أجري العام 2005، صوّتت كل المناطق التي تقطنها أغلبية سُنّية ضدّ الدستور الجديد، وهو مايعكس الاغتراب العميق الذي يشعر به أهل السُنَّة.

سيطرت سرديّة الضحية الطائفية على تصوّر السُنَّة للعراق الجديد.

سيطرت سرديّة الضحية الطائفية على تصوّر السُنَّة للعراق الجديد. وقد تعمّق هذا التصوّر من خلال السياسات التمييزية التي سنَّتها حكومة نوري المالكي، مثل محاولاتها استهداف زعماء السُنَّة باتهامات الإرهاب والاعتقالات الجماعية للمواطنين السُنَّة، والتطبيق الانتقائي والمتحيّز لتدابير اجتثاث البعث، والتي كانت تطبَّق على نحو أقلَّ صرامة على البعثيين السابقين من الشيعة الذين حوَّلوا ولاؤهم لصالح المالكي.

تجربة ائتلاف العراقية 

خلال مشاركتهم الأولى في العملية السياسية، انقسم العرب السُنَّة إلى اتجاهين رئيسين. كان الأول اتجاهاً إسلامياً - طائفياً، يقوده الحزب الإسلامي العراقي الذي أسّس جبهة التوافق، والتي هيمنت على التمثيل السُنّي من العام 2006 حتى العام 2010. وكان الاتجاه الثاني قومياً - علمانياً، مثّلته في البداية جبهة الحوار الوطني وتشكيلات أخرى من القوميين العرب والبعثيين السابقين.

في إطار التحضير للانتخابات العامة في العام 2010، انضمّت جبهة الحوار الوطني وفصائل سنية أخرى إلى الليبرالي الشيعي إياد علاوي لتشكيل ائتلاف وطني جديد عابر للطائفية، "العراقية". وقد نافس التجمّع الجديد ائتلاف المالكي وتحالف الصدر - الحكيم .

بالنسبة إلى كثير من العرب السُنَّة، أحيى ائتلاف العراقية الأمل في وضع حدّ لتهميشهم المتصوَّر وإضعاف الاستقطاب الطائفي. تبنّى الائتلاف الجديد خطاباً اتّسم بالحنين إلى "الماضي غير الطائفي" وانتقد اجتثاث حزب البعث والنفوذ الإيراني. ومع ذلك، فقد أعاقت حقيقة أن الأحزاب السُنّية تسيطر على الائتلاف جاذبيّته بين الشيعة.

في العام 2010، تمكّن ائتلاف العراقية من الفوز بمعظم أصوات السُنَّة وبما يكفي من أصوات الشيعة للفوز بالمركز الأول في الانتخابات، حيث حصل على 91 من أصل 325 مقعداً. كما استفاد من تفتيت أصوات الشيعة بين تحالف دولة القانون بقيادة المالكي (الذي حصل على 89 مقعداً) والائتلاف الوطني بقيادة الصدر والحكيم (70 مقعداً).

لم يُترجَم انتصار العراقية إلى التغيير الحقيقي الذي كان يدور في خلد معظم العرب السُنَّة. فقد أثار المالكي مخاوف الشيعة من أن صعود نجم ائتلاف العراقية يمثّل عودة حزب البعث ونجح في كسب الدعم الإيراني في سياق العملية التفاوضية بعد الانتخابات، وهو ماترجم إلى ضغط قوي على الأحزاب الشيعية للقبول بولاية ثانية له. وأدّى اتّفاق عدد من الأحزاب في أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، إلى تشكيل الحكومة الجديدة بزعامة المالكي، وتم فيها تعويض ائتلاف العراقية بمناصب هامة، مثل وزير الدفاع ورئاسة مجلس مقترح للأمن القومي.

بيد أن المالكي لم يَفِ بهذه الوعود. فقد رفض جميع مرشحي ائتلاف العراقية لتولّي منصب وزير الدفاع، وعيّن، بدلاً من ذلك، أحد حلفائه السُنَّة بحجة أن المنصب مخصّص لـ "المكوّن" السنّي وليس بالضرورة لائتلاف العراقية. كما رفض المالكي تقديم تنازلات بشأن صلاحياته في مجلس الأمن القومي المقترح، ما أدّى إلى التخلّي عنه.8

بالإضافة إلى ذلك، لم يبذل المالكي جهوداً جادّة لإدماج أعضاء مجالس الصحوة. وقد أسهم ذلك في تعميق شكوك السُنَّة بحكومته، وتسبّب في خسارة الحلفاء السُنَّة الذين لعبوا دوراً مهماً في إنهاء الحرب الأهلية.9

بدأ ائتلاف العراقية بالتفتّت بعد أن فشل في الحصول على منصب رئيس الوزراء، والذي كان يمثّل الطموح الرئيس لزعيمه إياد علاوي. وقد أسهم المالكي في تسريع تفتّته باستخدام سياسة العصا والجزرة. فقد استمال بعض أطرافه، والذين تحولوا إلى نقاد شرسين لقيادة العراقية. كما اتَّهم أحد قادته، طارق الهاشمي، الذي كان نائباً للرئيس، بالتورّط في التخطيط لهجمات إرهابية. ونتيجة لذلك، فرّ الهاشمي من البلاد وحُكِم عليه بالإعدام غيابياً.10 بعد عام واحد، تم توجيه اتّهامات مماثلة ضد رافع العيساوي، وزير المالية والقيادي في ائتلاف العراقية. أثار هذا الحادث، على وجه الخصوص، موجة احتجاجات حاشدة في الأنبار، المحافظة التي ينتمي إليها العيساوي، ما أدّى إلى حشد استمرّ سنة كاملة في معظم المناطق السُنّية احتجاجاً على سياسات الحكومة.

في أعقاب فشل ائتلاف العراقية المدعوم من السُنَّة في تغيير سياسات الحكومة التي يقودها الشيعة، بدأت الطائفة السُنّية والسياسة السُنّية تشهد عملية "تطييف" متزايدة. وكانت الانتفاضة السورية ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، الذي يهيمن عليه العلويون، مصدر إلهام للعرب السُنَّة في العراق، وخاصة أولئك الذين رأوا في الانتفاضة السورية والاحتجاجات السُنّية العراقية جزءاً من صراع أوسع نطاقاً ضد الأنظمة المدعومة من إيران.

لعب الصراعان أدواراً هامة في "تجديد" الهوية السُنّية وسرديّتها حول شعور السنّة بأنهم ضحايا. تم نصب مخيمات اعتصام في المناطق السُنّية من العراق بالدرجة الأولى، وأصبحت الاحتجاجات حدثاً أسبوعياً غالباً مايعقب صلاة الجمعة، وهو تقليد لحركات الربيع العربي ودليل على العلاقة بين الهويّة الطائفية والطقوس الدينية.

غير أن الانقسامات السُنّية حالت دون وضع حركة الاحتجاج لمطالب واضحة وتشكيل فريق موسّع للتفاوض مع الدولة. وقد وجد الإسلاميون ورجال الدين في المظاهرات فرصة للعودة إلى الساحة السياسية. اتّسم خطابهم المتشدّد بنبرة تميل إلى التحدّي، الأمر الذي زاد من تهميش الشخصيات المعتدلة.11

عمّق الاستقطاب الطائفي أزمة ائتلاف العراقية وفاقم عملية تفتّته. فقد انضم معظم النواب السُنَّة إلى ائتلاف جديد، متّحدون، بقيادة أسامة النجيفي، رئيس البرلمان، الذي يطمح إلى أن يصبح الزعيم الطائفي للعرب السُنَّة في العراق. وفي انتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، التي عقدت بين نيسان/أبريل وتموز/يوليو 2013، حلّ هذا الائتلاف في المركز الأول في كل من الموصل والأنبار وفي المركز الثاني في صلاح الدين. ومع ذلك، لم يكن هذا الانتصار قوياً بما يكفي لتكريس الائتلاف بوصفه النسخة السُنّية لائتلاف دولة القانون.

التمرّد السني وزيادة العسكرة

خارج إطار العملية السياسية، كان هناك تمرد سنّي أكثر تطرّفاً يتشكّل في العراق. فالاحتلال الأميركي، وتصاعد الدور السياسي للشيعة، والتدابير التي تم اتّخاذها لتطهير جهاز الدولة من أعضاء حزب البعث الحاكم السابق، وحلّ الأجهزة الأمنية والعسكرية التي يهيمن عليها السُنَّة، كلها عوامل شجّعت موقفاً راديكالياً رافضاً، وأسهمت في إضفاء الشرعية على التمرّد السنّي وتغذيته. كان التمرّد طائفياً وإيديولوجياً، حيث وجد الجهاديون السلفيون في محاربة الاحتلال الأجنبي والسلطات الجديدة قضية مشتركة مع البعثيين السابقين والجماعات الإسلامية والقومية الأخرى.

تشكّل فصيل منشقّ عن تنظيم القاعدة، الدولة الإسلامية في العراق والشام، في نيسان/أبريل 2013. حاولت هذه الجماعة الاستفادة من مشاعر السخط بين العرب السُنَّة وإضفاء الطابع السلفي على الهوية السُنّية بصورة متزايدة. وقد قدمت الجماعة نفسها كحركة عابرة للحدود الوطنية، وتسعى إلى إقامة دولة إسلامية سُنّية.

نشط تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام كثيراً في البداية في الموصل وغرب العراق، حيث ساعدته في ذلك حالة عدم الاستقرار وانعدام الثقة المشتركة بين السكان السُنَّة وقوات الأمن العراقية، ومن هناك انتقل إلى احتلال مناطق في شرق سورية. ومع تزايد نفوذه في سورية، ازدادت عملياته في العراق من حيث الكمّ والنوع. فقد بلغ عدد السيارات المفخّخة والعبوات الناسفة التي انفجرت في بغداد وغيرها من المدن معدّلات غير مسبوقة منذ العام 2008. ونتيجة لكل ذلك، تصاعدت أنشطة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والجماعات الأخرى مثل جيش رجال الطريقة النقشبندية، الذي يتألف من بعثيين سابقين.

تصاعدت حدّة التوتر بين الدولة وبين هذه الفصائل الراديكالية. في نيسان/أبريل 2013، داهمت قوات الأمن العراقية مخيم احتجاج في مدينة الحويجة، ما أدّى إلى حدوث اشتباكات قتل فيها أكثر من 30 شخصاً وجرح المئات. وفاقمت أشرطة الفيديو المسرّبة لجثث القتلى من المحتجين والجنود العراقيين وهم يهينونهم غضب السُنَّة. ردّ بعض المتمرّدين السُنَّة بمهاجمة مؤسّسات الجيش والحكومة العراقية والدعوة إلى القيام بتمرّد مسلّح.12

بعد مقتل قائد الفرقة السابعة في الجيش العراقي، اللواء محمد الكروي، في كانون الأول/ديسمبر 2013، بدأ المالكي حملة عسكرية ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام في الأنبار أطلق عليها "ثأر القائد محمد". وسرعان ماحوّلت الحملة اهتمامها إلى الساحات التي كانت تجري فيها الاحتجاجات في الأنبار، والتي اعتبرها المالكي "أوكاراً للإرهابيين".13 أثبت رئيس الوزراء أنه غير قادر على فصل الحرب ضد الإرهابيين عن حساباته السياسية، حيث توسّعت قائمة أهداف حملته. وفي 31 كانون الأول/ديسمبر، بدأت قوات الأمن العراقية تفكيك مخيمات الاعتصام، في حين داهمت وحدة خاصة منزل النائب السّني في البرلمان، أحمد العلواني، المعروف بخطاباته التحريضية وألقت القبض عليه وقتلت شقيقه.14

نتيجة لهذه الأحداث، أعلن العديد من زعماء العشائر في الأنبار معارضتهم "غزو" الجيش العراقي للمدينة، ودعوا إلى المقاومة. تم تشكيل تجمّعات جديدة، بما في ذلك المجالس الثورية العسكرية، لمحاربة قوات الأمن العراقية.15 سيطر مسلّحو تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام على بلدات عدّة في المحافظة، بما فيها الرمادي والفلوجة، ولكن جماعات الصحوة، بقيادة أحمد أبو ريشة، التي تحالفت مع الحكومة من جديد لمواجهة العدو المشترك، أجبرتهم على مغادرة بعض هذه المناطق.16

عندما تصاعد العنف والاستقطاب السياسي، تبيّن أن المالكي ومنافسيه السُنَّة يركّزون على تعبئة جمهورهم الطائفي بدلاً من سدً الفجوة بين العرب السُنَّة والشيعة. إذ تحتلّ سياسات الهويّة والاختلاف الطائفي مركز الصدارة، في حين يتعمّق الانقسام بين الدوائر الانتخابية الشيعية والسُنّية. وفي هذا السياق تكون فرصة الجماعات غير الطائفية في سعيها للحصول على الدعم محدودة جداً. 

التوتّر بين المركزية والفيدرالية

في الوقت الحالي يبدو النظام السياسي العراقي متزعزعاً. إذ تشير التطورات الأخيرة إلى أن النظام ربما يكون أقرب إلى حافة الانهيار مما يتصوّر العديد من المراقبين. فالتنافس بشأن من يسيطر على الدولة أو على أكبر حصة منها استمرّ وتصاعد بسبب المنافسة داخل الحكومة المركزية وبين الحكومة المركزية والسلطات الإقليمية ومجالس المحافظات. وتلجأ أطراف الصراع إلى حشد الدعم من خلال سرديّات ومؤسّسات عرقية أو طائفية، وهو مايولّد مزيداً من التفكّك الاجتماعي. وفي الوقت نفسه، يتزايد التوتّر بين من يرغبون في دمج وتوحيد السلطة بيد السلطة التنفيذية المركزية وبين من يرغبون في جعل السلطة أكثر لامركزية.

تشير التطورات الأخيرة إلى أن النظام ربما يكون أقرب إلى حافة الانهيار مما يتصوّر العديد من المراقبين.

يتشكّل الصراع السياسي في العراق على نحو متزايد على إيقاع المنافسة بين القوى الجاذبة نحو المركز والقوى الطاردة، حيث يرتبط التنافس إلى حدّ كبير بإدارة عائدات النفط، التي تمثّل 93 في المئة من الموازنة العامة وحوالي 65 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.17 وتسعى القوى الجاذبة، التي يقودها المالكي اليوم، إلى تركيز إدارة الموارد في أيدي الحكومة وتعارض منح الأقاليم والمحافظات دوراً أكبر في هذا الإدارة. وينطوي هذا الموقف على بعد أمني أيضاً.

برّر المالكي قيامه بتوطيد ومركزة السلطة باعتباره إجراءً ضرورياً لإعادة بناء الدولة وجعل الحكومة أكثر فعّالية. غير أن الصراع السياسي أثّر على التصوّرات وأعاد إنتاج الاستقطاب الطائفي عبر عملية سياسية تعتمد على التعبئة الطائفية إلى حدّ كبير. ولذلك فقد غضَّ الكثير من الشيعة، الذين كانوا مقتنعين بأن هناك رغبة سنّية بـ "استعادة" السلطة، الطرف عن جهود المالكي. واستهوت محاولاته لتصوير نفسه كزعيم قوي ومصمّم لمن يرغبون في وجود حكومة تعيد الاستقرار ولاتساوم "المتمرّدين السُنَّة". وفي الوقت نفسه، رأى كثير من العرب السُنَّة أن استبداد المالكي مرتبط بميوله الطائفية ولن يؤدّي إلا إلى مزيد من تهميش السُنَّة .

تشير تصرفات رئيس الوزراء إلى أنه يخلط بين سلطة الدولة وسلطته الشخصية، والتي تؤدّي زيادتها إلى إضعاف المؤسّسات التي تم تشكيلها للحيلولة دون ظهور نظام استبدادي جديد وضمان سياسة جامعة. شجّع هذا الاتجاه أحياناً قيام تحالفات مضادّة جديدة لاتحدّدها الدوافع العرقية والطائفية بل الأهداف السياسية. فقد أقرّ خصوم المالكي الشيعة والسنّة والأكراد قانوناً يحدّد ولاية رئيس الوزراء بفترتين، لكنه نجح في إبطاله عبر تقديم استئناف لدى المحكمة الاتحادية، التي قرّرت أنه غير دستوري.18 وشكّل تعديل صلاحيات الحكومات المحلية، الذي منح المحافظات المزيد من الصلاحيات في إدارة مواردها بصورة مستقلّة عن الحكومة الاتحادية. تحدّياً آخر لسلطة المالكي.19

على الرغم من رفض السُنَّة الأولي للدستور، يبدو أن الساسة السُنَّة اكتشفوا أن الوثيقة تتضمن بعض الضمانات الهامة التي يمكن أن تساعد في مواجهة إساءة استعمال السلطة. على سبيل المثال، في تشرين الأول/أكتوبر 2011 أعلن مجلس محافظة صلاح الدين نفسه إقليماً،20 وهو مايعدّ قانونياً بموجب الدستور، الذي تنصّ المادة 115 منه على أن لكل محافظة الحق في تنظيم استفتاء إذا ماقرّر ثلثا أعضاء مجلس المحافظة المطالبة بالحصول على وضع إقليم. رفض المالكي الإعلان، في انتهاك صريح للدستور، واختار بدلاً من ذلك الاجتماع مع مسؤولين محليين واستمالتهم بالوعود.

يعرّف الدستور العراق باعتباره دولة فيدرالية، ولكن ليس ثمّة توافق في الآراء حول طبيعة ونطاق هذه الفيدرالية. فبعد عودته من المنفى، طالب المجلس الأعلى الإسلامي العراقي بتأسيس إقليم شيعي في الجنوب، في حين كانت الجماعات السُنيّة مرتابة من الفيدرالية، التي اعتبرتها محاولة لتقسيم البلاد. وبعد العام 2008، أصبح المالكي المدافع الرئيس عن السلطة المركزية ومعارضاً لللامركزية "المفرطة " التي "تؤدّي إلى الانقسام".21

يبدو أن الحكم الذاتي الموسّع الذي تتمتّع به حكومة إقليم كردستان، والذي يتجاوز معظم النماذج الفيدرالية القائمة، يدعم حجّة المالكي. وبما أن حكومة إقليم كردستان تسيطر تماماً على أمنها الداخلي، ثمّة قلق من أن نسخ النموذج نفسه في مناطق أخرى سيحوّل العراق إلى دولة ذات جيوش متعدّدة، مايؤدّي إلى تقسيمه بصورة فعلية. فالمالكي ومعظم الجماعات الشيعية ليسوا على استعداد لتحويل المسؤوليات الأمنية إلى مناطق سُنّية قد تخضع إلى سيطرة فصائل مناهضة للشيعة.

غير أن نموذج حكومة إقليم كردستان له وقعه وتأثيره على السُنّة. والواقع أنه جعل العديد من زعماء السُنَّة يغيّرون موقفهم السابق ويتبنّون الفيدرالية كحلّ.

تُعتبر حكومة إقليم كردستان النصير الرئيس للقوى الطاردة عن المركز في العراق. فقد انتقد زعيمها مسعود بارزاني، "النزعات الدكتاتورية" في بغداد. لم يكن بعض الأكراد يرغبون في أن تكون لهم علاقة بمشاكل بغداد العميقة. وقلّلت قدرة الأكراد على عزل أنفسهم إلى حدّ مابسبب استقلاليتهم المقاومة الكردية لتوطيد المالكي سلطته. رضي الأكراد بسلطته طالما أنها لم تكن تهدّد مصالحهم. فالأكراد لم يعملوا قطّ على صياغة رؤية للهوية الوطنية العراقية. ولم يقدّموا أبداً رؤية واضحة للعراق الذي يريدون أن يكونوا جزءاً منه، في مقابل العراق الذي حذّر منه المسؤولون الأكراد مراراً وتكراراً.

في بعض الأحيان، عزّزت التوترّات بين الحكومة الاتحادية وبين حكومة إقليم كردستان بشأن السيطرة على المناطق المتنازع عليها وإنتاج النفط وتصديره القومية العربية العراقية، والتي عبّرت عن نفسها من خلال التعلّق بمركز قوي. والواقع أن المالكي حاول شقّ طريقه في الدوائر الانتخابية والحاضنة السُنّية عبر التظاهر بأنه وطني عراقي يواجه الزحف الكردي في المناطق المتنازع عليها. ومع ذلك، فإن تعميق نزعة التطييف في العراق والمنطقة حال دون أن تُحدِث هذه المحاولات تغييراً كبيراً في التحالفات السياسية. فهناك قلّة من القادة السُنَّة ممن لديهم الاستعداد للتحالف علناً مع المالكي، لأنهم يخشون أن مثل هذا الموقف سيكلفهم خسارة الدعم الشعبي في دوائرهم الانتخابية.

نجح الأكراد في مقاومة الخضوع إلى الاستقطاب الطائفي. ومع أن معظم الأكراد من السُنَّة، فإنهم يتعاطفون مع القضية الكردية، لا مع الهويّة الدينية. يضاف إلى ذلك أن الأكراد اصطدموا مع العرب السُنَّة في كركوك وغيرها من المناطق المختلطة، الأمر الذي جعل تحالف الأكراد والعرب السُنَّة أقلّ جدوى.

الأكراد لم يعملوا قطّ على صياغة رؤية للهوية الوطنية العراقية. ولم يقدّموا أبداً رؤية واضحة للعراق الذي يريدون أن يكونوا جزءاً منه، في مقابل العراق الذي حذّر منه المسؤولون الأكراد مراراً وتكراراً.

والواقع أن العرب السُنَّة هم الذين يمرّون بأزمة هوية أعمق ويتعيّن عليهم وضع رؤيتهم الخاصة والمتَّسقة حول وضعهم في العراق. وفي حين تمسّك معظم العرب السُنَّة تاريخياً بالدولة المركزية، فقد تغيّرت وجهة النظر هذه بسبب التحوّل الجذري في هيكل السلطة في عراق مابعد صدام. وبعد أن انتقل بهم الحال في بضع سنوات من حكم البلاد إلى الشعور بالتهميش والظلم، أصبح العرب السُنَّة أكثر انفتاحاً على الفرص الجديدة التي تتجنّب الإرث المركزي. وبالتالي، ثمّة حرص متزايد من جانب بعض الإسلاميين والزعماء المحليين ومسؤولي المحافظات على تشكيل أقاليم سنّية.
بينما أصبح الحصول على قدر أكبر من الاستقلال عن المركز أمراً مرغوباً اليوم، هناك فرق بين إقليم سنّي واحد وأقاليم متعدّدة في منطقة يغلب السُنَّة على سكانها. فوجود إقليم واحد يؤكّد الانقسام بين السُنَّة والشيعة ويمكِّن القوى الطاردة عن المركز إلى حدّ كبير. أما الخيار الأخير المتمثّل بوجود أقاليم متعدّدة فيمكن أن يؤسّس عراقاً عربياً لامركزياً لاتكون فيه الهويّات الطائفية القوة الرئيسة، ولاسيّما إذا واكبت عملية إنشاء الأقاليم السُنّية عملية مماثلة في الجانب الشيعي، حيث تطالب المحافظات الآن بمزيد من الحكم الذاتي وتشكو من السياسات المركزية للحكومة الاتحادية.

ومع ذلك، لم تَصُغ معظم القوى الشيعية والسُنّية بعد مواقف متَّسقة بشأن العلاقات بين المركز والأقاليم أو بين المركز والمحافظات. فمطالبات بعض قطاعات السُنّة بحكم ذاتي إقليمي في الوقت الراهن مردّها شكاواهم من سياسات المالكي، وربما تفقد تلك المطالبات زخمها إذا جاء رئيس وزراء جديد إلى السلطة.

يدعم المالكي حالياً بعض الشخصيات السُنّية في الأنبار والموصل كجزء من عمليات مكافحة الإرهاب، لكن خصومه يعتقدون أن هذه التكتيكات ذات دوافع سياسية وتهدف إلى رشوة زعماء العشائر، وهي السياسة التي تذكّر بشبكة المحسوبية العشائرية التي أنشأها نظام صدام حسين.22 وهذا ليس بالأمر المفاجئ في بلد كالعراق يمتلك إرثاً قديماً طويل من سياسة المحسوبية ومحاباة الأقارب. وتكمن المشكلة في أن هذا النوع من السياسة انتشر في الآونة الأخيرة على نطاق واسع، ومن المرجّح أن يضعف المؤسّسات الدستورية أكثر. وبوصفه الرئيس التنفيذي، يبدو أن المالكي يمتلك أفضلية أكبر في تحقيق غاياته السياسية من خلال المحسوبية غير الرسمية. وإذا استمرّ هذا الوضع، فإنه سيرسّخ دولة الظلّ التي أسّسها المالكي، والتي ستكون خطوة أخرى في طريق الابتعاد عن الديمقراطية والشمولية.

هناك أيضاً مسألة عائدات النفط والسياسات المتّصلة بها. فتركيز هذه الثروة في أيدي القلّة يمكن أن يقيم دولة أكثر مركزية وقوة قادرة على السيطرة على الأراضي وتخلق هيمنة ثقافية. ربما يفضل هذا الاتجاه كثيرون ممن يعتقدون أن الجماعة الوطنية في العراق لايمكن أن توجد من دون وجود دولة قوية ذات مركز يتمتّع بالكفاءة. ومع ذلك، فإن هذا الاتجاه ينطوي على خطر تعزيز الدولة الاستبدادية وسياساتها الإقصائية. ومن المحتمل أن تنتج الدولة التي تَحكُم من خلال الاعتماد الكبير على الوسائل القسرية وبدرجة أقلّ على السياسات التوافقية المزيد من التمييز والإقصاء.

إن توزيع عائدات النفط بين النخب السياسية التي يدّعي أفرادها أنهم ممثلون "طائفيون" سيُديمُ النظام التوافقي القائم على التقاسم الإثني-الطائفي. وبينما يمكن اعتبار هذا النظام مفيداً لتهدئة المخاوف الطائفية، فإنه اختزالي، بمعنى أنه يعتبر "المخاوف" بوصفها " طائفية" فقط ويتجاهل عدم التجانس داخل هذه "المجتمعات"، كما يمكن أن يديم المخاوف الطائفية من خلال الصراع المستمرّ على الحصص والموارد.

سؤال الهوية الوطنية

لم تكن الطائفتان السُنّية والشيعية متناقضتين أو لايمكن التوفيق بينها بصورة نهائية، ولا كانتا متجانستين داخلياً بالقدر الذي تبدوان عليه. لكن مع مرور الوقت، تعزّزت الحدود بين الطوائف وكذلك السرديّات الطائفية على حساب الهوية الوطنية. في كل الأوقات، لم تبذل الحكومة جهداً واضحاً لتكوين سرديّة وطنية أو بناء هوية عراقية يمكن أن تساعد في توحيد الفئات المختلفة.

كان الكثير من الشيعة يتقبّلون، قبل العام 2003، الفكرة البسيطة القائلة إن حكم صدام سنّي، متجاهلين حقيقة أن الكثير من الأسباب التي جعلت السُنَّة يقودون دولته لم تكن طائفية بالضرورة. وبالمثل، تقبّل العديد من السُنَّة، بعد العام 2003، حقيقة أن العراق قد يصبح دولة يهيمن عليها الشيعة. وأدّى تعريف "الآخر" من حيث الانتماء الطائفي إلى تعريف "الأنا" بالطريقة نفسها.

أدّى القمع والسياسات التمييزية التي مارسها نظام صدام إلى بناء سرديّة الضحية الشيعية. وقد لعبت سياسات حكومة المالكي وقوات الأمن التابعة له دوراً مماثلاّ في بناء سرديّة الضحية السُنّية.

يشعر الكثير من العرب السُنَّة أن هناك تمييزاً منهجياً يُمارَس ضدهم. وتتبنّى الجماعات المتطرّفة مثل هذه المشاعر - وغالباً ماتبالغ فيها - كأدوات للتعبئة. فقد سكت الكثير من السُنَّة عن عنف الدولة الإسلامية في العراق والشام والجماعات المتطرّفة الأخرى معتقدين بأنه يمثّل وسيلة لموازنة الممارسات القمعية لقوات الأمن العراقية. وقد أثار هذا، بدوره، شعوراً لدى الشيعة بأن السكان السُنَّة يوفّرون ملاذاً آمناً للإرهابيين لمهاجمة المدنيين الشيعة، وبالتالي سكت الكثير من الشيعة عن انتهاكات قوات الأمن العراقية في هذه المناطق.

 لم تبذل الحكومة جهداً واضحاً لتكوين سرديّة وطنية أو بناء هوية عراقية يمكن أن تساعد في توحيد الفئات المختلفة.

لا يسهم العنف والعنف المضاد سوى في تعزيز هذه الحلقة المفرغة. والواقع أن العنف الذي اندلع بعد حرب العام 2003 في العراق وتصاعد في الفترة 2006-2007، وأدخل البلاد في أتون حرب أهلية، جعل الدولة مفتّـتة بصورة أكبر. فقد أدّى العنف إلى تحصين الحدود الطائفية، وفرض إرادة المسلحين على مجتمعاتهم، وتعميق المشاعر المتبادلة من حيث الظهور بمظهر الضحية، وتعزيز الفصل بين الطائفتين في المناطق التي كانت مختلطة في السابق. كما أدى إلى تسريع عملية" التطييف" بوتيرة أعلى لأن العنف استبعد الأصوات المعتدلة وأقصاها. جلب العنف سرديّات طائفية جديدة العدو فيها هو "الآخر الطائفي"، و"الأبطال" هم أولئك الذين دافعوا عن الطائفة وهزموا "العدو". وفي حين يمكن احتواء هذا الاستقطاب الاجتماعي والثقافي إذا تم تعزيز التواصل بين الطائفتين وتشكيل حكومة وطنية شرعية، فإنه أيضاً عرضة إلى أن يصبح جزءاً من الذكريات التاريخية التي تشكّل الهويات الجماعية.

تواصل الحكومة اليوم الاعتماد على مقاربة خلافية بدلاً من السعي إلى بناء الجسور بين المجتمعات. وتركّز قوات الأمن العراقية عملياتها في مجال "مكافحة الإرهاب" في المناطق السُنّية، حيث تؤكّد العديد من التقارير أن تلك القوات تلجأ إلى اتّخاذ تدابير قمعية وتعسّفية مثل الاعتقالات العشوائية والمعاملة المسيئة والمهينة للسجناء.23 كان أحد المطالب المتكرّرة لمعظم المتظاهرين السُنَّة في العام الماضي هو الإفراج عن السجناء، وخصوصاً النساء، اللائي ينظر إلى سوء معاملتهن باعتبارها إهانة جماعية للمجتمعات ذات الثقافة القبلية القوية، مثل الأنبار. وعلى الرغم من أن الحكومة استجابت لبعض هذه الشكاوى وأفرجت عن مئات من النساء والرجال المعتقلين،24 فإن هذه التدابير لم تكن جزءاً من خطة أشمل للمصالحة. والواقع أن الحكومة العراقية زادت في الآونة الأخيرة عدد من تم إعدامهم من المدانين بالإرهاب، ومعظمهم من السُنَّة.25 وبحسب نائب شيعي سابق، أصبحت هذه الإعدامات تكتيكاً انتخابياً تستخدمه بعض الأحزاب لكسب أصوات الشيعة. وكان بعض الذين أعدموا متمرّدين سابقين قاتلوا ضد تنظيم القاعدة.26

في بلد شهد حرباً أهلية، عادة مايكون العفو الشامل عن المقاتلين السابقين خطوة هامة على طريق المصالحة. ومع ذلك، وبعد سنوات من المفاوضات، فشلت النخبة السياسية في الاتفاق على مثل هذا التشريع. بالإضافة إلى ذلك، ثمّة أدلة واضحة على الفساد المستشري والتعذيب المنظَّم الذي تقوم به هيئات إنفاذ القانون. في بعض الحالات، تم سجن الأشخاص أو حتى إعدامهم من دون محاكمة عادلة، وكان معظم هؤلاء من السُنَّة.27

ثمّة عامل آخر عزّز التحيّز الطائفي داخل قوات الأمن العراقية يتمثّل في الخلفية المهيمنة لأفراد تلك القوات. إذ لم يكن المالكي مستعداً لدمج المقاتلين السُنَّة السابقين الذين انضموا إلى جماعات الصحوة في الأجهزة الأمنية، وقد فعل ذلك أحياناً بسبب الضغوط الأميركية. في السنوات القليلة الماضية، أصبحت هيمنة الشيعة بين صفوف جنود وضباط قوات الأمن العراقية أكثر وضوحاً. وعلى الرغم من أن هناك قادة وضباطاً وجنوداً من السُنَّة، فإن سلوك بعض أفراد قوات الأمن العراقية يتميّز بالتحيّز الطائفي. ويشارك بعض الجنود علناً في الاحتفالات والطقوس الشيعية وهم يرتدون الزي العسكري أو أثناء حملهم الرايات والشعارات الشيعية على سياراتهم في المناطق ذات الأغلبية السُنّية، وهو مايمكن أن يعتبر استفزازاً. فقد تم استعداء بعض الشرائح السُنّية بسبب التجاوزات المنسوبة إلى وحدة خاصة لمكافحة الإرهاب مسؤولة مباشرة أمام رئيس الوزراء. وينظر معظم العرب السُنَّة إلى الجيش العراقي بوصفه جيشاً شيعياً، ومن هنا تأتي مطالبهم بنقل الصلاحيات الأمنية في المناطق السُنّية إلى الشرطة المحلية، التي لاتثق بها الحكومة العراقية.28 ويعتقد مسؤولون أمنيون أن الجماعات المتمرّدة اخترقت الشرطة المحلية في المناطق السُنّية إلى حدّ كبير.

تبدو السمات الشيعية حاضرة على نحو متزايد في مؤسّسات الدولة الأخرى، بما في ذلك وسائل الإعلام الرسمية مثل قناة العراقية التلفزيونية، والتي تُتَّهم بأنها أداة تسيطر عليها الحكومة وأنها فشلت في تمثيل هوية عراقية جامعة.29 والمشهد الإعلامي عموماً مستقطب على أساس طائفي. وبسبب زيادة مواردها المالية، أطلقت معظم الأحزاب السياسية الرئيسة قنوات تلفزيونية فضائية، تمثّل وسائل الإعلام الأكثر شعبية في العراق. وغالباً ماتنتشر هذه القنوات رسائل تعكس التحيّز الطائفي لمموّليها. كما تم استنساخ النعرات الطائفية والقوالب النمطية من خلال وسائل إعلامية غير عراقية، وخاصة القنوات الناطقة بالعربية، والتي تموّل معظمها أو ترعاها حكومات شرق أوسطية أو نخب سياسية مؤثرّة. وقدمت بعض وسائل الإعلام الدينية رسائل طائفية صريحة وأصبحت أدوات تستخدمها الجماعات الطائفية المتطرّفة لحشد أتباعها. كما أصبحت الشبكات الاجتماعية مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب أدوات هامة للمتطرّفين الطائفيين لإيصال الرسائل التي لاتجد لها مكاناً في وسائل الإعلام الرئيسة.

وقد اتّسعت الفجوة الطائفية بسبب الاستخدام المفرط لسياسات الهوية وغياب التواصل بين الطوائف. عبّر عدد قليل من المبادرات المدنية عن هذا النوع من التضامن بين الطوائف القادر على إضعاف الشكوك المتبادلة. كان أحدث مثال على ذلك هو الترحيب الحار الذي أظهره السكان الشيعة في كربلاء للاجئين السُنَّة الذين فرّوا من الأنبار نتيجة العمليات العسكرية التي بدأتها قوات الأمن العراقية العام الماضي. ومع ذلك، لم تكن هذه المبادرات، في بعض الأحيان، فعّالة على نحو يكفي لخلق التوافق الاجتماعي الذي يمنع التجاوزات وأعمال العنف التي يقوم بها المتشدّدون أو قوات الأمن. إذ لايزال إهمال معاناة الآخر يعيق مثل هذا التوافق.

أثّر التنافس الخارجي وتصاعد النزعة الطائفية في منطقة الشرق الأوسط أيضاً على العلاقات بين السُنَّة والشيعة في العراق. ومع تعزّز الأواصر الطائفية عبر الحدود الوطنية، أصبح تكوين هوية عراقية موحِّدة أمراً أكثر صعوبة. فقد أصبحت إيران لاعباً إقليمياً رئيساً في السياسة العراقية، نظراً إلى علاقاتها المعقّدة مع القوى الإسلامية الشيعية ودعمها للحكومة التي يهيمن عليها الشيعة.

قد أصبحت إيران لاعباً إقليمياً رئيساً في السياسة العراقية، نظراً إلى علاقاتها المعقّدة مع القوى الإسلامية الشيعية ودعمها للحكومة التي يهيمن عليها الشيعة.

كما عمّق الصراع السوري التوتّرات الطائفية في العراق وعزّز التضامن الطائفي العابر للحدود الوطنية. فقد انضمَّ الكثير من المقاتلين العراقيين، السُنَّة والشيعة على حدّ سواء، إلى صفوف ميليشيات تقاتل في سورية لصالح أو ضد نظام بشار الأسد. وانتقل بعض الجهاديين السلفيين العراقيين الذين قاتلوا في العراق في السابق إلى سورية. وتمكّن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام من السيطرة على أجزاء من سورية، مثل مدينة الرقة، وأعلن أن هدفه هو إقامة دولة إسلامية في العراق والشام.30 شكّلت الميليشيات الشيعية نسختها الجهادية الخاصة، كتائب أبو الفضل العباس، التي انضمت إلى الجماعات شبه العسكرية الأخرى الموالية للأسد والتي شملت مقاتلين سوريين ولبنانيين وإيرانيين. ويقول هؤلاء المتشدّدون إن من واجبهم الدفاع عن ضريح السيدة زينب في دمشق، وهو مكان مقدّس لدى الشيعة، واحتفلت جماعة شيعية عراقية واحدة على الأقلّ، عصائب أهل الحق، علناً بدورها في الدفاع عن الضريح. وتم تنظيم جنازات علنية "للشهداء" في الصراع السوري في بعض الأحياء الشيعية.31

يهدّد التضامن الطائفي العابر للحدود مفهوم الهوية الوطنية بصورة متزايدة، في حين تبدو الأنظمة الإقليمية مستعدّة لاستخدام مثل هذا التضامن كأداة داخلية وخارجية، بغض النظر عن آثاره التفكيكية.

استنتاجات وتوصيات 

إن استمرار الانقسام بين السُنَّة والشيعة في العراق هو نتيجة للفشل في البدء بعمليات ناجحة لبناء الدولة وللسياسة الإقصائية التي ميّزت التاريخ الحديث للبلاد. فقد أدّى وجود بيئة مثيرة للنزاع، وضعف المؤسّسات الحكومية، وتأثيرات الإسلام السياسي، والتنافس الجيوسياسي، إلى تقوية النزعة الطائفية في العراق خلال العقد الماضي. كما فاقم تزايد الهجمات الإرهابية ضد المدنيين الشيعة وعمليات قوات الأمن العراقية في المناطق السُنّية خطر اندلاع صراع طائفي غير محدود يذكّرنا بالحرب الأهلية في الفترة 2006-2007.

مع مرور الوقت تفاقمت التوتّرات في العراق. في البداية، وبعد الاحتلال الأميركي للبلاد، كانت الحرب الأهلية في العراق محاولة من جانب مجموعة من الجهات الفاعلة للمطالبة بالسيطرة على الدولة وتشكيل هويتها. وفي ظل ترسُّخ سلطة الدولة في أيدي الأحزاب الشيعية، يشعر السُنَّة بأنهم يزدادون تهميشاً وأصبحوا أكثر تطرّفاً. وقد عزّز العديد من الإجراءات التي قامت بها الدولة حتى الآن هذا الشعور بدلاً من اتّباع مقاربة توحيدية.

إن معالجة مشاعر الاغتراب لدى السُنَّة أمر بالغ الأهمية لتحقيق مزيد من الشرعية للنظام والاستقرار للبلاد. ويحتاج العراق إلى اتّخاذ خطوات تتّسم بالصدقية لبناء الثقة وطمأنة الطوائف المختلفة حول مكانتها في الدولة من خلال خطة جدّية للمصالحة. فالمعالجات الجزئية أو الانتقائية، ولاسيّما تلك التي تهدف إلى تحقيق مصالح على المدى القصير، لن تحقّق هذه المصالحة. ولاتوفّر سلطوية المالكي المتزايدة، مصحوبة بتكتيكاته الانتخابية المتمثّلة باستغلال المشاعر الطائفية لتحقيق مآربه الخاصة، أساساً جيداً للمصالحة الحقيقية، الأمر الذي يتطلّب بناء مؤسّسات تحمي حقوق المواطنين ومستوىً من توزيع السلطة يمنع المزيد من المركزية وشخصنة السياسة.

يحتاج العراق إلى اتّخاذ خطوات تتّسم بالصدقية لبناء الثقة وطمأنة الطوائف المختلفة حول مكانتها في الدولة من خلال خطة جدّية للمصالحة.

يتعيّن على الحكومة العراقية أيضاً أن ترسم خطاً واضحاً بين عمليات مكافحة الإرهاب وبين الحسابات السياسية. وعلى الحكومة أن تدرك أن الانتصار في الحرب ضد تنظيم القاعدة والجماعات السنية المتطرفة يتطلّب القيام بجهد حقيقي لعزل هذه الجماعات ونزع الشرعية عن ادّعائها تمثيل الطائفة السُنّية. ولا تسهم جهود الدولة في الوقت الحالي سوى في تعزيز جاذبية هذه الجماعات من خلال استهداف السُنَّة على نطاق واسع جداً.

في المدى الطويل، يتعيّن على القيادة العراقية أن تبذل جهوداً جادّة لردم الهوة بين الأغلبية الشيعية وبين الأقلية السُنّية الكبيرة. ويجب أن ينصبَّ التركيز على المواطن العراقي بدلاً من الجماعات السياسية. ويكمن أحد السبل المتاحة للقيام بذلك في الاستعاضة عن النظام الانتخابي الحالي، الذي يفضّل المنافسة في الدوائر الانتخابية الكبيرة، بآخر يقوم على أساس الدوائر الصغيرة. وسوف يساعد هذا في إبراز الشواغل المحلية ويمكن أن ينتج ممثلين حقيقيين يمكن محاسبتهم من جانب دوائرهم المباشرة، بدلاً من ممثلين يختارهم القادة السياسيون لتمثيل مصالح الأحزاب الطائفية الكبيرة.

الدولة في العراق سبقت الأمة، وكانت تمثّل التجسيد الأساسي للمجتمع السياسي العراقي. فإذا ما أصبحت هوية طائفية بعينها مهيمنة وظاهرة داخل المؤسّسات العامة، فسيكون من الصعوبة بمكان إحياء نمط ما من الدولة القومية لتبرير استمرار العراق كبلد واحد.

ستكون نتائج الانتخابات العامة المقبلة حاسمة في تحديد المسار الذي سيتبنّاه العراق: سلطوية خلافية أو اتفاق جامع يهدّئ المخاوف الطائفية. فتركة ثماني سنوات من حكم المالكي تجعل من الصعب تحقيق هدف بناء التوافق الوطني وإصلاح النظام السياسي إذا مابقي الرجل في السلطة. وفي حين لايجب أن يلام المالكي على كل ماحصل من أخطاء في العراق، فإن رحيله والطريقة التي ستتم إدارته من خلالها هو التحدّي الرئيس الذي يواجه "الديمقراطية" الهشَّة في العراق. 

يبذل المالكي قصارى جهده لضمان أن يبقى في السلطة بعد الانتخابات العامة في 30 نيسان/أبريل، ويعتقد العديد من منافسيه أن جهوده للحفاظ على الوضع القائم تحظى بدعم الولايات المتحدة وإيران. وعلى الرغم من خلافاتهما، تتمسّك واشنطن وطهران بفكرة أن العراق بلد يتكوّن من ثلاث مجموعات عرقية وطائفية، وهي فكرة من شأنها أن تستمر في إضفاء الشرعية على زعامة المالكي طالما أنه يدّعي تمثيل الأغلبية الشيعية. ويوفّر منظور "عراق الطوائف" للنخب الأدوات اللازمة للتعبئة الطائفية التي تثير العداء بين هذه "الطوائف"، في ظل قلّة الحوافز المتوفّرة لإنشاء دائرة انتخابية وطنية.

عادة مايهمل خصوم المالكي حقيقة أن السلطوية المتزايدة لرئيس الوزراء هي أيضاً نتيجة لفشلهم في صياغة رؤية بديلة وجذّابة. ربما يتعاونون لمنع المالكي من تأمين فترة ولاية ثالثة، لكنهم يتصدّون هم الآخرون للديمقراطية وهم بعيدون كل البعد عن تقديم أي خطة استراتيجية للمستقبل. وإذا ماتمكنوا من صياغة اتفاق آخر لتوزيع المناصب والموارد بين الأحزاب المرتبطة بأسماء عائلية بارزة (بارزاني والصدر والحكيم والنجيفي وما شابه ذلك)، فستعيد هذه القوى خلق الظروف التي أدّت إلى الوضع الحالي ليس إلا. وبالتالي يتعيّن على المالكي وائتلافه أن يكون جزءاً من الحل وأن يقتنع بأن هذا الحل سيأخذ بعين الاعتبار مخاوفهم بقدر مايأخذ مخاوف الجماعات الأخرى. وفي حال لم يقتنعوا، فمن المرجّح أن يحاول المالكي وأنصاره الحفاظ على سيطرتهم على النظام الذي بنوه حتى الآن.

تبدو الجهود الدولية، وخاصة تلك التي يبذلها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والتعاون بين الولايات المتحدة وإيران، ذات أهمية حاسمة لتأمين توافق من شأنه أن يؤدي إلى ميثاق جديد. وقد أظهرت التجربة أن النخب العراقية لاتحبّذ الترتيبات المؤسّسية طويلة الأجل، وتبدو مرتاحة أكثر للسياسة الشخصية والمحسوبية والمحاباة. ولكن في مجتمع تلعب فيه صلة القرابة والولاءات التقليدية دوراً مهيمناً في تشكيل المواقف، لن يسهم هذا السلوك سوى في فرض هرميّة جديدة وسياسة إقصائية. ولذا فإن المساعدة الدولية يمكن أن تساعد على كبح هذا التوجّه من خلال دعم إطار مؤسّسي يعالج مسألة تقاسم السلطة في البلاد، من دون تعزيز صيغة المحاصصة العرقية والطائفية. كما يمكن للجهود الدولية أن تدفع باتجاه تبنّي خريطة طريق سياسية لمستقبل العراق تحدّد الخطوط العريضة للتغييرات المنهجية.

ينبغي ألا تكون رغبة خصوم المالكي في تغيير وجه نظام فاسد وغير فعّال للغاية هي الدافع وراء أي ميثاق جديد. بل ينبغي أن يكون ذلك الميثاق بداية لرؤية جديدة للبلد وهويته ومساره في المستقبل.

ملاحظات

يستخدم مصطلح "سنّي" للإشارة إلى سكان العراق السنّة الناطقين بالعربية. أما مصطلح "العرب السنّة" فيستخدم في السياق الذي يتطلّب تمييز أولئك السكان عن السنّة من غير العرب. وليس ثمّة إحصاءات رسمية تحدّد الثقل الديموغرافي لكل طائفة، بيد أن معظم المصادر الموثوقة تقدّر أن الشيعة يشكلون مابين 55 إلى 60 في المئة من السكان في حين يشكل العرب السنة نسبة 20 في المئة.

أحد الأمثلة المبكرة على هذا الخطاب هي الكلمة التي ألقاها الرئيس السابق للمجلس الإسلامي الأعلى في العراق، محمد باقر الحكيم، بعد عودته من المنفى في العام 2003:  www.youtube.com/watch?v=qjWFNPUSEAo

3 مصطفى حبيب، "مقابلة مع الأمين العام لكتلة الأحرار، ضياء الأسدي، حزيران/يونيو 2012.

4 المكتب الخاص للشهيد الصدر "الزعيم مقتدى الصدر يعلق على محاولة المالكي الحصول على ولاية ثالثة". لمزيد من التفاصيل عن انتقادات الصدر للمالكي، أنظر:
Hasan, Harith, “New Shi’a Politics and the Maliki-Sadr Competition,” MENASource, Atlantic Council, November 17, 2013.

5  حمزة مصطفى، "الصدر والحكيم يكسران احتكار الشيعة لسلطة بغداد"، الشرق الأوسط، 16 حزيران/يونيو 2013؛ مصطفى الكاظمي، "التحالفات السياسية تتغير في بغداد"، المونيتور، 17 حزيران/يونيو 2013.

6 مقابلة مع إياد جمال الدين (رجل دين وسياسي شيعي)، واشنطن العاصمة، 22 شباط/فبراير 2014.

7 عدي حاتم، "الصراع على خلافة السيستاني ينذر بتفجّر اقتتال داخل الحوزة"، شبكة إرم الإخبارية، 8 شباط/فبراير 2014.

8 International Crisis Group, Iraq’s Secular Opposition: The Rise and Decline of Al-Iraqiya, Middle East Report no. 127, July 31, 2012.

9 Anthony Cordesman, Sam Khazai, and Daniel Dewit, “Shaping Iraq’s Security Forces,” Center for Strategic and International Studies, December 16, 2013.

10 Iraq Vice-President Sentenced to Death Amid Deadly Wave of Insurgent Attacks,” Guardian, September 9, 2012".

11 في مقطع الفيديو التالي، ينتقد أحد رجال الدين فشل الساسة السنّة في تمثيل الطائفة السنّية، ويورد تفاصيل عن المظالم الطائفية وفشل الساسة في معالجتها: www.youtube.com/watch?v=79UZdWHQp_M.

12 مشرق عباس، هيومن رايتس ووتش تنتقد الحكومة العراقية بسبب أحداث الحويجة"، المونيتور، 15 أيار/مايو 2013؛ "Institute of Study of War, “Iraq’s Sunni Mobilization Update no. 17, April 27, 2013.

13 رئيس الوزراء نوري المالكي، "الخطاب الأسبوعي"، 28 كانون الأول/ديسمبر 2013.

14 “Seven Killed as Iraqi Troops Arrest Sunni Lawmaker,” Wall Street Journal, December 28, 2013.

15 بيان المجلس العسكري لعشائر الأنبار الذي قرأه الشيخ علي الحاتم: www.youtube.com/watch?v=JAOmCSesJPI.

16 Institute for Study of War, “Showdown in Anbar,” Iraq Update no. 1, January 2014.

17 United Nations Development Program statistics: www.undp.org/content/iraq/en/home/countryinfo.

18 "المحكمة الاتحادية تلغي قانوناً يحدّد فترات ولاية رئيس الوزراء"، صحيفة الصباح، 27 آب/أغسطس 2013.

19 مشرق عباس، "قانون المجالس المحلية العراقي يجدّد النقاش حول المركزية"، المونيتور، 8 تموز/يوليو 2013.

20 "محافظة صلاح الدين العراقية تعلن الحكم الذاتي"، السومرية، 18 تشرين الأول/أكتوبر 2011.

21"المالكي يحذّر من تقسيم العراق وتحويله إلى أشلاء متناثرة"، السومرية نيوز، 12 كانون الثاني/يناير 2009.

22 مقابلات عديدة عبر سكايب مع مواطنين عراقيين سنّة، آذار/مارس – تشرين الثاني/نوفمبر 2013. Maliki Reveals the Causes Behind Arming Tribes in Mosul,” Asia News, January 14, 2014".

23 Prashant Rao, “Iraq Forces Under Fire Over Abuse as Unrest Surges,” Agence France-Presse, December 29, 2013.

24 "الإفراج عن 3000 سجين في العراق"، العرب اليوم، 2 شباط/فبراير 2013.

25 Prashant Rao, “Increase in Iraq Executions Draws International Ire,” December 31, 2013.

26 مقابلة مع عضو سابق في البرلمان من تحالف دولة القانون.

27 Human Rights Watch, “Iraq: a Broken Justice System,” January 31, 2013. 

28 Human Rights Watch, “Iraq: Security Forces Abusing Women in Detention,” February 6, 2014. 

29 بسبب الهجمات الدموية التي يقوم بها متشدّدون سنّة ضد المدنيين الشيعة، أيّد الكثير من الشيعة إنزال عقوبات قاسية بحق "الإرهابيين" كنوع من الردع. وفي بعض الحالات، نفّذ المدنيون العقوبات بأنفسهم ضد المشتبه فيهم. وفي أيلول/سبتمبر 2013، احتفلت وسائل الإعلام الإلكتروني الشيعية بمقطع فيديو يظهر مدنيين غاضبين وهم يضرمون النار في جثة "إرهابي" كان على وشك تفجير قنبلة في حي مكتظ في بغداد. وفي كانون الثاني/يناير 2014، أثار مقطع فيديو يظهر قتل خمسة جنود عراقيين عزَّل في منطقة قبلية في الأنبار، كلهم من الشيعة، ردّ فعل غاضباً ودعوات إلى الانتقام ضد العشائر التي تقطن في المنطقة. وقال اللواء عبدالأمير الزيدي قائد قوات عمليات دجلة إنه يجب قتل المطلوبين لا اعتقالهم، وتعهّد علناً بأنه سوف "يقتل أي إرهابي ... ولن يسلمه للعدالة ... ولن يرحمه". وبالتالي فإن إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ الإعدامات على الطبيعة سيضعف نظام العدالة وسيادة القانون أكثر ويعزّز صورة قوات الأمن العراقية باعتبارها مجموعة شبه عسكرية شيعية. عادة ماتؤدّي عمليات الانتقام العشوائي إلى دورة لايمكن وقفها من العنف وتنشر انعدام الثقة والشكوك لدى الجمهور، وهو مايخلق بيئة نفسية تفضي إلى هيمنة الميليشيات الطائفية. للمزيد من التفاصيل، أنظر "مواطنون غاضبون يحرقون جثة إرهابي انتحاري"، وكالة أنباء براثا، 12 أيلول/سبتمبر 2013؛ "عشائر الجنود الخمسة الذين تم اغتيالهم تطالب بالسماح لها بقتال الإرهابيين في الأنبار"، كل الأخبار، كانون الثاني/يناير 2014؛ عبد الساده، "أوامر عراقية بقتل الإرهابيين لا القبض عليهم"، المونيتور، 4 شباط/فبراير 2014.

30 مقابلات عديدة عبر سكايب مع مواطنين سنّة، آذار/مارس – تشرين الثاني/نوفمبر 2013.

31 "قائمة النجيفي تطالب بإغلاق العراقية بسبب تحريضها ضد العراقيين"، شبكة أخبار العراق، 28 نيسان/أبريل 2013.

32  حارث حسن، "المقاتلون الأجانب في تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام يثيرون ردّ فعل عنيفاً في العراق وسورية"، المونيتور، 9 كانون الثاني/يناير 2014.

33 الشرق، "الميليشيا العراقية لواء أبو الفضل العباس تقاتل في سوريا لمنع سقوط راية المهدي"، 4 أيار/مايو 2013. توجد على صفحة عصائب أهل الحق في موقع فيسبوك، المسماة الصدّيقون، صور لمسلحي الجماعة الذين قتلوا في سورية. www.facebook.com/pages/الصادقون/337762589700022?fref=ts