المصدر: Getty
دراسة

مسيرة سورية من الانتفاضة المدنية إلى الحرب الأهلية

سيكون مآل أي حل سياسي للصراع السوري الفشل إن لم يتم إدخال تغييرات جوهرية على الهياكل الاجتماعية والسياسية في البلاد.

 هايكو ويمن
نشرت في ٢٢ نوفمبر ٢٠١٦

لم تندلع الانتفاضة السورية، في بدايتها، بسبب الطائفية، بل بفعل جُملة من التظلمات السياسية والاجتماعية النابعة، أساساً، من فشل الإصلاحات الاقتصادية التي طبّقها نظام بشار الأسد. بيد أن الانقسامات الطائفية - التي شكّلها طيلة خمسة عقود حُكمٌ يقوم على السلطوية المُبعثرة والتي عزّزها إرث من العنف- غيّرت بسرعة سردية هذا النزاع. ولذا، مالم يتم تغيير نظام الحكم الحالي المديد بشكل جذري، ومالم يُكبح جماح أجهزة الأمن المُنفلتة من عقالها، فلن تُسفر الحلول السياسية التي تتبنى فكرة التقاسم الطائفي للسلطة كأساس لنظام مابعد انتهاء النزاع، إلا عن ترسيخ اللااستقرار وتعميق شأوة الانشطارات في الكيان السوري.

الحكم التقسيمي لنظام الأسد

  • تحوّلت الانتفاضة السورية إلى حرب أهلية نتيجة لممارسات حكم آل الأسد، التي غرست النزعة الطائفية في ثنايا العلاقات الاجتماعية.
  • سمح نهج السلطوية المبعثرة للأنظمة المتعاقبة بحيازة السلطة وممارستها عبر وسطاء محليين، سواء لاستتباع أو لتهميش مجموعات من كل الخلفيات والمضارب الطائفية، وفقاً للاستنسابات السياسية الخاصة بالنظام.
  • ضخّ العنف السياسي، الذي وصل إلى ذرى شاهقة في حقبة الثمانينيات، نوابع الخوف في العلاقات الاجتماعية. وقد ساعد توقّع نشوب العنف الطائفي في العام 2011- والذي ساهم النظام فيه عبر النفخ في إوار الخوف- في إشعال ردود فعل طائفية، أطلقت بدورها المزيد من العنف.
  • في حين حملت حركة الاحتجاج السورية في بداياتها سردية عن الوحدة الوطنية اللاطائفية، إلا أن القمع العنيف دفع العديد من المحتجين إلى تبنّي مصطلحات إسلامية سنّية، وقوّض الدعوات العابرة للطوائف.
  • من غير المحتمل أن تصبح سورية مابعد الصراع تعددية حقاً، ناهيك عن أن تكون ديمقراطية. فالتمثيل الطائفي قد يحل مكان الإصلاح الحقيقي، ماسيسهّل إدماج قيادات الميليشيات في نظام مابعد الحرب.
  • أي حل سياسي للنزاع، من دون تغيير جذري في العلاقات الاجتماعية، خاصة مايتعلّق بتقييد سلطات الأجهزة الأمنية، لن يؤدي إلى تغييرات حقيقية. لابل ربما تُستبدل ديكتاتورية فرد أو عائلة بديكتاتورية العديد من مراكز القوى، ما سيخلق توازناً هشّاً.

التحرّك نحو نظام تعددي

  • إعادة بناء العلاقات بين الطوائف سيتطلّب استبدال الهياكل الأمنية الراهنة التي يسيطر عليها النظام، بمؤسسات خاضعة كلياً إلى المساءلة.
  • قد تساعد هياكل الحكم الذاتي المحلية في المناطق التي لايسيطر عليها النظام، في التخفيف من حدة التوترات الطائفية. وبالتالي، يتعيّن تحصينها ضد احتمال أن تعود إليها أجهزة أمن النظام التي لم تخضع إلى الإصلاح.
  • الإقطاعات الطائفية ليست بديلاً عن الديمقراطية. ولذا، يجب على الأطراف الخارجية التي ستساهم في إقامة نظام سياسي في فترة مابعد النزاع، أن تُعطي الأولوية للآليات العملية الخاصة بالمحاسبة والمساءلة، وليس لموازين القوى "الصحيحة" بين الجماعات الطائفية وبين قادتها.
  • كما يجب على الأطراف الخارجية أن تعمل مع الجاليات السورية في المنفى على بناء حركات سياسية وخلق فضاءات للمساعي المُهمّشة سابقاً وللأصوات المُعارضة. فبعد كل شيء، النشطاء والمواطنون المسيّسون هم قواعد التغيير.
  • استبعاد من ينتمون في المجتمع السوري إلى أشكال من الإسلام السياسي، لن يفعل شيئاً سوى فتح الأبواب والنوافذ أمام المتطرفين. يتوجّب على الأطراف الخارجية ألا تقع في فخ استراتيجية النظام الخاصة بإغراق مثل هؤلاء المعارضين بسيل من اتهامات التطرف والإرهاب، بل عليها أن تُصِرّ، بدلاً من ذلك، على اشتراك كل الأطراف في نظام تعددي.
  • لاينبغي أن يكون التمثيل الشكلي لجميع الطوائف المختلفة المعيار الوحيد للأطراف الخارجية حين تقوم باختيار شركائها السوريين. فالأهم من ذلك كي تتماسك التعددية الحقيقية أن تتمكّن كل القوى، والنشطاء، والمنظمات غير الحكومية، من تحدّي الترتيبات الراهنة المتجذّرة. 

مقدّمة

تبنّى المُحتجّون السوريون الذي انتفضوا ضد نظام الرئيس بشار الأسد في العام 2011 مقاربة لاطائفية في البداية، بيد أن الخطاب والمفاهيم الطائفية سرعان ما طغت على النزاع لاحقا. ففي غضون شهر واحد من انطلاق الموجة الأولى من الاحتجاجات، في أواسط آذار/مارس 2011، باتت الهوية الطائفية عاملاً مهمّاً، وطاغياً غالباً، في تصاعد النزاع كما في تفسير دوافعه.

هذا لايعني، كما اعتقد العديد من المحللين،1 أن سورية تُعاين حرباً طائفية بشكل حصري، أو حتى أساسي. إذ يُثبت استمرار دعم قطاعات مهمة من السوريين السنّة للنظام، أو سعي مئات آلاف النازحين من المناطق السنيّة للعثور على ملاذ آمن في المناطق التي تُسيطر عليها الحكومة، أن هذا ليس صراعاً يدور بين مجموعات مُتمايزة ومتماسكة داخلياً، حول التفوّق والسيطرة على الأراضي والمؤسسات، أو حول إقصاء أو إبادة الطوائف الأخرى.

وبالمثل، لاتُنحى الحرب السورية وحسب على "نزاعات عمرها قرون مديدة من الزمن".2لابل ثمة قرائن قوية على أن السبب المباشر للانتفاضة ضد حكم الأسد، يضرب جذوره في سوء إدارة التحوّل الاقتصادي خلال العقد المنصرم، حيث أسفر هذا الفشل عن مفاقمة التفاوتات الاجتماعية، وعن إغراق شطر كبير من السكان السوريين في لُجج فقر ماحق.3

وبالتالي، لاترتسم الخطوط الفاصلة بين المتمردين وبين الموالين للنظام، بالضرورة، حول الانتماءات الطائفية والإثنية. فالانقسامات تحدث داخل الجماعات الطائفية نفسها، وفي العائلات، وبين مناطق محليّة تأثرّت على نحو متباين بالتحوّلات الاجتماعية. وهذا مايضع المُهمّشين في مواجهة المُنتفعين الاستغلاليين، والمؤمنين ضد المؤسسات الدينية، والشباب ضد الكبار.

لكن السردية بأن الصراع اجتماعي وسياسي، لم تستطع أن تسُد، على رغم الجهود المُضنية التي بذلها أوائل الناشطين ضد النظام، وشددّوا خلالها على أن المعركة تدور رحاها بين المُفقَرين وجماهير الريفيين والنازحين والمحرومين من حقوقهم، من جهة، وبين نظام سلطوي وظالم ومتعسّف ومعه عملاء طُفَيليين ينفذون أوامره ومحاسيب رأسماليين، من جهة أخرى. وهكذا، سرعان ما انحسرت هذه السردية، وحلّت مكانها تفسيرات صنّفت الأحداث على أنها صراعات طائفية بالكامل، أو على الأقل هي كذلك في المقام الأول.

 أما النظام ومحازبوه فقد صوّروا النزاع على أنه دفاع عن التعددية الدينية في سورية ضد التطرف الديني السنّي، الذي تسعى أطراف خارجية إلى النفخ في إواره واستغلاله. وردّت المعارضة بأن المعركة هي نضال ضد نظام جعله طابعه العلوي معادياً بعنف لامردّ له للتيار السائد الإسلامي السنّي. وما لبثت السياقات الطائفية لهذه السرديات والتفسيرات أن تحوّلت إلى حقيقة واقعة، مامنحها نفحة من المصداقية. فالهجمات على المساجد السنّية، التي كانت الملاذات العامة الوحيدة المتوافرة للمُحتجين، اعتُبرت إثباتاً دامغاً على التحيُّز الطائفي للنظام، لا بكونها محاولات لسحق مراكز المعارضة.

في المقلب الآخر، فُسِّرت عمليات اغتيال ضباط الأمن العلويين على أنها دليل على انتشار الكراهية الطائفية في صفوف المعارضة، لا كردٍّ على عملاء نظام مقيت واجه محتجّين مُجرّدين من السلاح بالذخيرة الحيّة.

هذه التصوّرات والمُدركات، تركت بصماتها الواضحة على سلوكيات ومواقف الرأي العام لدى كلا الجانبين، وأشعلت لهيب دورات إثر دورات من الاتهامات المتبادلة، والمخاوف، والعنف.

لكن، إذا لم يكن سبب هذا النزاع ألفيةً من الكراهية الطائفية التي أوقدت ألسنتها جملة عوامل، منها ضعف النظام والتدخلات الإقليمية والدولية، فلماذا إذاً تسيّد مفهوم الصراع الطائفي الوجودي بهذه السرعة؟ لماذا عجز الخطاب الشامل للجميع الذي رفعه المحتجون عن إقناع عدد كافٍ من السوريين، خاصة غير السنّة منهم، بأن "الشعب السوري واحد" في خضم نضالهم ضد النظام؟ لماذا استسلم الكثير من السوريين إلى تأجيج المخاوف التي أثارها نظام كان يزدريه الجميع (بمن فيهم المستفيدون منه) ويدركون مدى فساده وريائه وانتهازيته؟

الجواب لدى العديد من أنصار الانتفاضة على هذه التساؤلات واضح: "الاستغلال الشرير للطائفية الذي مارسه النظام"، هو الذي حَرَفَ الانتفاضة بعيداً عن توجّهاتها الأوّلية المدنية والشاملة للجميع.4 مثل هذا المنظور يبدو مقبولاً بداهةً، حين نضع في الاعتبار الفوائد التي اقتنصها حكام سورية من عملية التطييف. فعلى الصعيد المحلي، نعتُ الانتفاضة بأنها وليدة تطرّف طائفي سنّي، يمكن أن يبث الرعب في أوصال الأقليات الدينية ويدفعها إلى الاصطفاف مع النظام. كما أنه يُخيف العناصر الليبرالية في الأغلبية السنّية التي تخشى تحوّلاً نحو نزعة دينية جامدة ومحافظة تفرضها الدولة، على غرار مايحدث في السعودية وبقية دول الخليج. وعلى الصعيد الدولي، مثل هذا القلق يؤثّر أيضاً على المجتمعات الغربية التي يزدهر فيها الخوف المَرَضِي من الاسلام (الإسلاموفوبيا). وهذا بشكل خاص حين تُعبّر شخصيات دينية في المجتمعات المحلية المسيحية عن هذه المخاوف، مع العلم بأن معظم المراقبين الغربيين غير واعين لتابعية هؤلاء للنظام الحاكم.

والحال أن قرارات ومواقف معيّنة اتُّخذت على أعلى مستويات النظام، يمكن أيضاً أن تؤخذ كدليل على أن بعض العناصر، على الأقل، في هيكلية السلطة السورية سعت إلى دفع الوضع نحو صراع طائفي سافر. فقد كان محتماً أن تُشعل التصريحات الرسمية التي ربطت الموجة الأولى من الاحتجاجات بـ"مؤامرة لزرع بذور الفتنة الطائفية"، والتي استحضرت مجدّداً أشباح سيناريوهات "الفتنة"، أتون المخاوف التي تُسرِّع اندلاع النزاع الطائفي نفسه الذي يزعَم النظام أنه يُحذِّر منه.5 ثم أن مهاجمة المساجد على يد القوات الخاصة- الني يُهيمن عليها العلويون- والمجندين غير النظاميين من الأقليات، خاصة العلوية،6 وإطلاق المتطرفين والجهاديين من السجون، كل ذلك عزّز الأبعاد الطائفية للصراع.7

مع ذلك، ليس ثمة دليل شافٍ وقطعي على وجود استراتيجية منسّقة ومتّسقة للنظام، تستهدف على الأخص تفجير الصراع الطائفي. فردود فعل النظام على الاحتجاجات في الأسابيع القليلة الأولى كانت متناقضة وعشوائية، وبدا أحياناً أن عناصر من النظام تعمل لأهداف متضاربة.8 وفي حين أنه يمكن بالفعل تصنيف خطاب النظام الخاص بالبُعد الطائفي في خانة تأجيج المخاوف، إلا أنه كان أساساً استمراراً لاستراتيجية ثابتة تستند إلى "الغموض المتعمّد"، حيث كان يُدان بالطائفية كل من يكشف حقيقة الهيمنة العلوية في تركيبة النظام السوري وأجهزته الأمنية واقتصاد المحسوبيات الذي يُدير. وكل هذا خلف واجهة العلمانية.9

من جهة أخرى، ظهرت في وقت مبكّر من أواسط نيسان/أبريل 2011 حالات من العنف واحتجاجات ضد العلويين تحمل بجلاء بصمات دينية سنّية، توازياً مع خطاب مدني لاطائفي تطرحه حركة الاحتجاج. وقبل ردح طويل من تحوّل النزاع إلى صراع مسلّح، بدأت دورات من العنف الطائفي في بعض المناطق. وهذه الحوادث غذّت إرثاً مديداً من العنف، وفاقمت المخاوف من "الآخر" الطائفي، ماعزّز العنف وأجّجه.

والحال أن الطائفية غُرِسَت في تربة المجتمع السوري، قبل أمد طويل من قيام القوى الخارجية بدور جَلَلْ في الحرب الراهنة في البلاد10 وإلى مدى أوسع بكثير مما قد يعترف به من يُنحي بلائمة الظاهرة على استراتيجية النظام الهادفة إلى التصدّي للانتفاضة.11 إذ تعود جذورها إلى أنماط الحكم التي مارسها النظام السوري، والتي خلّفت وراءها إرثاً ثقيلاً من العنف، خاصة غداة الصراع مع جماعة الإخوان المسلمين في أوائل الثمانينيات. وهكذا، وبدل أن تكون الطائفية مُعطىً وجودياً قَمَعَه نظام علماني مُفترض، كانت في الواقع ثمرة السلوك السياسي لهذا النظام بالذات. وحالما تعرّض هذا الأخير إلى تحديات خطيرة، كانت الطائفية جاهزة للاستخدام كأداة تعبئة له كما لخصومه، ووفّرت الوقود لتغذية نيران النزاع العنيف.

هذه التَجلِية لجذور الطائفية مُهمّة لسببين اثنين: الأول، أنها تمثّل ردّاً على من يجادل بأنه مهما كانت الأنظمة السلطوية بغيضة، إلا أنها ضرورية لإدارة المجتمعات المنقسمة التي تقع خارج نطاق "العالم المُتطوّر". مثل هذه الإطلالة تستأهل الشجب والإدانة، لأنها تستند في العمق إلى مقولة الحتميات الثقافية، وأحياناً العنصرية، وأيضاً لأنها تنحو إلى حجب نزوع العالم المتطوّر إلى تعميق ومفاقمة مثل هذه النزاعات، بهدف تحقيق مصالحه الاستراتيجية الخاصة. ونقول إلى أولئك الذين ينافحون عن الأنظمة السلطوية من منظور "الواقعية السياسية"، أنه يجدر أن نتذكّر أن التعايش مع الطغاة هو انتهازية مهزومة ذاتياً، من حيث أنها تؤخِّر فقط، وربما تفاقم، تمرّداً لازباً وحتميا.

السبب الثاني، هو أن التعاطي بجدّية مع السطوة الثقيلة وطويلة الأمد للطائفية وفهم أصولها، سيكونان ضروريين حالما يضع الصراع السوري أوزاره ويزّف أوان المصالحات في المجتمع. هنا، قد يقود إنحاء لائمة العنف على المناورات الشريرة للنظام إلى محصلات تبسيطية مُفرطة، مؤدّاها أنه حالما يحمل نظام الأسد عصاه على كاهله ويرحل، سيعود السوريون تلقائياً إلى معطى التسامح مع التعددية الدينية التي زُعِمَ أنها كانت سائدة في حقبة ماقبل الحرب.12 وحينها (والكلام لايزال للتحليل التبسيطي) قد تسمح روح المواطنة التي انطلقت خلال بواكير الانتفاضة، ربما بمساعدة برامج المصالحة وبناء السلام بدفع خارجي، بتحقيق مايقول ممثلو المعارضة أنه الطموح الحقيقي للشعب السوري، أي: "منح كل السوريين الحق في العيش بسلام وكرامة، وممارسة شعائرهم الدينية ومعتقداتهم السياسية بحرية، والمساواة بين الجميع أمام القانون".13 وهذا، كما هو معروف، هو نفسه التعريف المَرجعي لمفهوم الدولة الليبرالية.

بديهي أن يتداول ممثلو وأنصار المعارضة المدنية مثل هذه الثقة. بيد أن المشاريع المُجهضة لبناء الدولة في أفغانستان والبوسنة والعراق، أظهرت بوضوح كيف أن سياسات الهوية تنزع إلى مقاومة المقاربات التقنية في مجال إدارة النزاعات وتخلّف وراءها أرجحية تَجدُّدْ العداوات، إذا لم يحدث تغيّر جذري في العلاقات الاجتماعية.

وسورية، في غياب مثل هذا التغيُّر وإذا ما أنحَينا جانباً نصراً عسكرياً حاسماً لأيٍّ من الطرفين، ستكون هي الأخرى عُرضة إلى أن ينتهي بها المطاف أن تبتلي بالانقسامات الطائفية السياسية العميقة، التي تتناتش في إطارها القوى المتنافسة المعتمدة على التعبئة الطائفية والخوف، المؤسسات والدولة وربما الأرض، بهدف إضفاء الشرعية على نفسها والحفاظ على السلطة. والواقع أن حصيلة مثل هذه لن تمثّل سوى تغيُّر طفيف (لا بل استمرارية إلى حدٍّ كبير) لنظام الهيمنة المُبعثرة القائم على الطائفة، والعشيرة، والناحية، وباقي تشكيلات الهوية ماقبل الدُولتية، التي هي السمة الرئيسة لنظام الأسد. بكلمات أوضح: قد يصبح نظام مابعد نهاية النزاع في سورية عظيم الشبه بالنظام الذي ساد إبّان حكم آل الأسد منذ أوائل السبعينيات.

الهيمنة العلوية والدولة الأمنية

توصَف سورية غالباً بأنها "نظام أقلاوي"، أي أنها مجتمع تحكم فيه الطائفة العلوية (نحو 10 في المئة من إجمالي السكان) أغلبية سنّية عربية تقدّر بثلثي السكان. لكن يمكن المجادلة بأن النظام استغلّ أيضاً روابط التضامن العشائرية وشبكات القربى للحفاظ على ولاء القطاع الأمني، كما يمكن القول أيضاً أن النفوذ الكاسح لهذا الأخير، خلق انطباعاً عن وجود غَلَبَة علوية لاتعكس إلا جزئياً الواقع الاجتماعي.

لقد جرى باستفاضة تحليل وتوثيق14 قصة صعود العلويين السوريين بفضل السياسات الاستعمارية الفرنسية، من كونهم طائفة ريفية مهمّشة إلى قوة شقّت طريق تقدّمها عبر الانخراط في صفوف القوات المسلحة. أحد التفسيرات النموذجية للمسار العلوي، هي أن "كلاًّ من نظامَي الأسد الأب والابن استغلّا موارد الدولة لتعزيز العصبية العلوية، وركّزا عملية التوظيف في القطاع العام في أيدي الطائفة العلوية، فيما جرى إغداق العطايا على أنصار النظام مقابل التزامهم الولاء للدولة".15

لكن ثمة هنا عامل لايقل أهمية، هو أن الإلحاف على ضمان بقاء النظام، دفع إلى إخضاع الأجهزة الأمنية وسلك الضباط إلى العلاقات العائلية للعشيرة الحاكمة ولحلفائها القَبَليين العلويين. وقد أُعيد إنتاج هذه المزايا التفضيلية التي طُبِّقت على أعلى المستويات لتشمل أيضاً العامة. كانت المؤسسات العسكرية والأمنية تمثّل فرص عمل جذابة، خاصة لتلك القطاعات من المجتمع من الطوائف كافة التي كانت حتى ذلك الحين لاتزال مهمّشة. بيد أن التجنيد والترقية كانا إلى حدٍّ كبير قصراً على من يتمتع بصلات مع كبار المسؤولين، على أن الأفضلية هنا كانت لقرابة النسب. وهكذا، كان العلويون المتّصلون بتلك القطاعات من الطائفة التي تهيمن على المراتب العليا للسلطة، لهم الفرص الأبرز للترقي الاجتماعي، فيما الأقل حظاً لهم أيضاً مزايا لكنها تتعلّق فقط باحتلال المراتب الدنيا. وتبعاً لذلك، بات التوظيف في المؤسسات العسكرية والأمنية الجسر الرئيس للعبور إلى الترقي الاجتماعي، "وهو حيكَ بشكل معقّد للغاية في قلب نسيج المجتمع العلوي".16

شهدت سطوة وسلطان هذه المؤسسات شأواً كبيراً، خاصة بعد الصراع ضد الإخوان المسلمين في الثمانينيات، ماعنى أن العمل في الجيش أو الأجهزة الأمنية بات يستحضر في ثناياه السلطة الاجتماعية. وهذا أفاد الطائفة العلوية ككل. فعلى الصعيد الإحصائي، كان يرجّح أن يكون لمواطن علوي له قريب أو صديق مقرّب يخدم كضابط كبير في القوات المسلحة أو في الأجهزة الأمنية، فرصاً أكبر بكثير من فرص باقي الطوائف. وهذا القريب أو الصديق كانا بدورهما يحوزان على نفوذ وسلطة محسوبيات أكثر من أقرانهما في الطوائف الأخرى.

وتكشف المقابلات التي أُجريت مع ضباط سنّة انشقوا عن القوات المسلحة بعد انتفاضة العام 2011، عن خلل فادح في عملية الالتحاق بالكلية الحربية، إضافةً إلى تفاضلات وتمايزات كُبرى في تراتبية مختلف أفرع القوات المسلحة السورية. فقد كان يتم على نحو كاسح تعيين العلويين في تلك الأفرع التي كانت تتلقى أفضل المعدات وأعلى مستويات التمويل والحظوة الاجتماعية. ووفق هذه السرديات، كان العديد من الضباط السنّة يشعرون بضغوط للإفراط في إبداء الابتعاد عن هويتهم الطائفية، من خلال ممارسة عروض "علمانية" سافرة (كاحتساء الكحول) أو إخفاء التديّن الشخصي، حتى قبل اندلاع الانتفاضة.17 ويفترض المرء أن مثل هذه التوجهات تسري حتماً، وأكثر بكثير، في العالم الظليل والمُعتم لأجهزة المخابرات.

إن احتلال موقع بارز في قطاع الأمن، يساعد على توفير المداخل إلى مزايا مهنية ومادية- أولها وأهمها التوظيف في الدولة- وإلى عطايا الفساد المنهجي في القطاع العام. وهكذا، ارتبط انطباع عميق لدى العديد من السوريين حيال العلويين بتجارب الحظوات غير العادلة، وأحياناً كثيرة بالممارسات التعسفية مثل حماية الابتزاز، أو فرض الرشى مقابل الحصول على الخدمات العامة.

وبديهي أن يؤدي التمييز المنهجي والبائن في مجال توفير فرص الحياة والمداخل إلى سوق العمل، إلى تماهي أكبر مع الطائفة أو أي فئة أخرى يستند إليها هذا التمييز.18 وهذا كان فاقع الوضوح في سورية، حيث تحوز الدولة على نفوذ واسع في معظم بنية الاقتصاد وسوق العمل، وحيث حلّت شبكات المحسوبية الكثيفة مكان الإجراءات الرسمية والعقلانية المؤسسية.

الأمر الذي له دلالة في هذا السياق هو أن المحتجين في المدن المختلطة كبانياس واللاذقية وطرطوس طالبوا، في المرحلة الأولى من انتفاضة العام 2011، بتعديل وتصويب التحيزّات الطائفية في قطاعات على غرار قطاعات الدولة والإدارات العامة.19 في هذه المدن، ارتبط التنافس الطائفي الُمفترض على موارد ومزايا الدولة المحدودة على نحو وثيق بالنزوح الريفي الذي رفع نسبة العلويين في اللاذقية من نسب طفيفة عشية الاستقلال إلى نحو 50 في المئة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وكذا الأمر في حمص التي ارتفعت فيها النسبة من صفر إلى 25 في المئة، وفي طرطوس من 30 في المئة إلى 80 في المئة، وفي بانياس من أقل من 10 في المئة إلى نحو 60 في المئة خلال الفترة نفسها.20 وكان من الطبيعي أن تثير هذه التحولّات الديمُغرافية العميقة التوترات بين السكان المدينيين التقليديين، ومعظمهم من المسيحيين والسنّة، وبين القادمين الجدد.

لكن هذه الانقسامات المحلية تفاقمت لأنها تؤشّر على تحوّل جوهري في الحظوظ الطائفية على المستوى الوطني، حيث تم إحلال محرومين ومنبوذين ريفيين سابقاً مكان مجموعات كانت مُهيمنة (المدينيون المسيحيون والسنّة). ثم جاء رفض الزواج المختلط ومعايير السلوك المتنافرة (مثل احتساء الكحول، والاختلاط بين الجنسين، وعادات ملابس الأنثى) لتساهم في تعميق الانقسامات الاجتماعية. ففي بانياس، على سبيل المثال، جرى تقسيم الشاطئ بشكل غير رسمي بين السكان السنّة والعلويين حتى قبل العام 2011. 21 وهكذا، كانت العلاقات بين السنّة والعلويين في المدن المختلطة، حيث اندلع العنف الطائفي أولاً في العام 2011، مشوبة أصلاً بالتظلُّمات الاجتماعية المديدة.

وحين أزفّت حقبة التحرير المحدود للاقتصاد بعد العام 2000، والتي دشّنت مزيداً من التنافس على الموارد العامة المُضمحلّة، لم تفعل هذه شيئاً في الواقع سوى تعميق هذه التوترات. فكما حدث في نماذج مماثلة من التحوّل الاقتصادي- على سبيل المثال في أوروبا الشرقية غداة الحرب الباردة- أدّى الطابع المتداعي والاستغلالي للقطاع الخاص المُنبعث، إلى جعل القطاع العام أكثر جاذبية. وبقيت وظائف هذا القطاع لها الأفضلية على البطالة (على رغم تناقص الرواتب والمخصصات). وهذا أثّر على عدد متزايد من أولئك العلويين الذين لا حظوة لهم مع المحسوبيات.

 في أواسط العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تناقضت بحدّة الفرص المتناقصة للمواطنين العاديين من كل الطوائف مع الاستعراض الفاجر للثروة التي كانت تقوم به فئة صغيرة من رجال الأعمال فاحشي الثراء وحاشيتهم.22 وقد بات الشرط اللازب للازدهار في هكذا بيئة أن تكون للمرء صلات مع من هُم في مركز السلطة، على غرار مسؤولين بارزين في المؤسسة الأمنية، لتوفير الحماية. ثم أن انتشار ظاهرة علاقات القربى والنسب، عنى أن العلويين لازالوا الأبرز حضوراً من بين المستفيدين في المراتب العليا.23

لكن، كان ثمة ميل مطّرد لهذا "المجتمع المضاد الذي يقف بين السلطة وبين المجتمع الحقيقي" لأن يعزل نفسه عن العامة.24 ومع توسُّع خطى التحرير الاقتصادي، حلًت بازدياد المصالح الطبقية متعددة الجوانب بين النخب مكان التضامن الطائفي (وهذا كان جليّاً عبر إدغام الأزلام غير العلويين، كأفراد عائلة حمشو السنّية التي تمتّ بصلة قُربى المصاهرة لماهر الأسد، وعائلات طلاس والشهابي، وحتى العام 2005 عشيرة خدام، أو رجل الأعمال الشيعي صائب نحاس). ونتيجةً لذلك، بات عدد متنامٍ من العلويين خارج دائرة الامتيازات الطائفية التي زُعِمَ أنهم تمتعوا بها. ومع ذلك، ضَمَنَ النفوذ غير العادي لأقطاب رجال الأعمال العلويين، على غرار رامي مخلوف، ابن خال بشار الأسد، ألّا تتطابق تصورات العامة مع التغيّرات التي طرأت على الوقائع الاجتماعية- الطائفية.

علاوةً على ذلك، ساهم التحرير الاقتصادي في تعزيز الطائفية من خلال تقليص دور حزب البعث والمنظمات الجماهيرية المتفرّعة منه. فقد بات تجذّر الحزب في القطاع العام والتزامه المتواصل بقيم المساواة (مهما كانت مُخترَقة بسبب المحسوبيات) مصدر إزعاج للنخب. وفي حين أن الحزب كان يعرض في السابق درجة من التمثيل للجميع ويشكّل مدخلاً للنفوذ الذي يتجاوز التصدُّع الطائفي، أدى ارتكاسه إلى كشف مدى الهيمنة العلوية على الأجهزة الأمنية.25 وبالمثل، حين سيطرت بشكل متزايد الجمعيات الخيرية والمنظمات غير الحكومية العاملة تحت مظلّة السيدة الأولى أسماء الأسد على الخدمات الاجتماعية، لم يسفر ذلك سوى عن زيادة أعداد المعتمدين على الجماعات الدينية أو الشخصيات القوية.26

إعادة الهيكلة الاقتصادية، وانسحاب الدولة من دور المُعيل، واستمرار الطبيعة الطفيلية للقطاع الأمني، تُبرز للعيان أكثر فأكثر التظلمات ومشاعر الضيم الطائفية القائمة. بيد أن مضاعفات التسنيد والتوريق لم تقتصر على القضايا المادية، إذ أن ردود فعل النظام على صراع الثمانينيات، حوّل سورية إلى مجتمع يتميّز بالخضوع إلى الرقابة الشاملة، ما أدى إلى شيوع افتراض، مبالغ فيه على الأرجح، بأن واحداً من كل أربعة أشخاص هو مُخبر.27 وبسبب أنماط التجنيد في صفوف الأجهزة الأمنية المعروفة للجميع، فقد كان كل علوي عُرضة لأن يكون مُشتبهاً به على أنه مُخبر إلى أن يثبت العكس.28 وقد ساهم الطابع الظليل لهذه الأجهزة، وميلها القوي إلى استخدام العنف، وغياب أي نوع من المساءلة،29 في خلق هالة من الشكوك الوجودية بالعلويين، وفاقم الانطباعات الشعبية عنهم بأنهم ينتمون إلى طائفة متماسكة بإحكام، ومُغلقة، ولها معتقداتها السرّية الخفية للغاية أو (وهذا أشدّ إقلاقا) ألّا معتقدات لها على الإطلاق.

هذه الهالة حول العلويين خلقت قبل كل شيء حالة خوف مُستشرية. على سبيل المثال، سرت شائعة في أوائل التسعينيات بأن الفتيات على الشواطئ حول اللاذقية قد يخطفهن سفاحون يستخدمون زوارق سريعة.30 وسرعان ما قيل إن الخاطفين هم جزء من شبكة تهريب إجرامية ترتبط بهذا الشكل أو ذاك بعشيرة الأسد. وفي حين أن مثل هذه الروايات قد لاتكون صحيحة، أو ربما مبالغاً فيها،31 إلا أنه جرى تداولها باستمرار وحظيت بالقبول، ما حدا بالعديد من الدمشقيين إلى الامتناع عن إمضاء العطل الصيفية على الشاطئ. وهذا بدوره كرّس الخوف الذي كان يعتمل تحت سطح ما كان يبدو أنه علاقات طائفية مُتآلفة ومُتحابة.

إحدى محصلات هذا الربط المُعمّم بين العلويين والسلطة، هو أنه كان يُعتقد على نطاق واسع أن الشخصيات التي تحتل مواقع مرموقة في قطاع الأمن علوية، في حين أنها لم تكُن كذلك (على سبيل المثال، المؤسس المُفترض لمديرية مخابرات سلاح الجو فائقة النفوذ والمدير الراهن لمكتب الأمن القومي، علي المملوك، ليس علوياً كما يُشاع، بل سنيّا).32

وحتى في البيئات التي يشيع فيها التبرّؤ من الطائفية والانتقادات لرياء ونفاق النظام حيال علمانيته المزعومة، لم يجرِ أبداً تناسي الانتماءات الطائفية برمتها. على سبيل المثال، كان النحّات مصطفى علي قادراً في العام 2004 على شراء منزل قديم عمره 500 سنة في منطقة من دمشق تستقطب باهتمام مقاولي المطاعم الحديثة والفنادق الفخمة، وأقام فيه صالة عرض فنيّة سرعان ماتحوّلت إلى منفذٍ ومتنفّسٍ للمجموعات، تميّز بمعارضة النظام بشكل أو بآخر. وقد عُزِيَ تمكّنه من ذلك في هذه الأوساط إلى كونه علوياً وبالتالي وثيق الصلة بالمسؤولين، حتى مع غياب أي دليل ملموس على ذلك.33 والواقع أن الطائفة أصبحت طوال العقود التي سبقت الانتفاضة، الإطار العام لتفسير السلوكيات الاجتماعية، مع اعتبار أن طائفة بعينها (العلوية) تتميز بقوة مفرطة شبه سحرية.

هيكلية السلطة المُبعثرة

خلقت النزعة الوحشية والوجود الطاغي للدولة الأمنية في كل مكان، إضافةً إليها العبادة التافهة للشخصية التي أحاطت بآل الأسد، والتموضع الإيديولوجي والعسكريتاري للدولة، الانطباع بأن حزب البعث شبيه بالأحزاب الاستبدادية في كوريا الشمالية وفي رومانيا الشيوعية سابقا.34 لكن الحقيقة، كما سنناقش في هذا القسم، هي أن البعثية السورية قامت على أساس هيكلية محلاوية مُبعثرة سمحت للنظام بدمج، أو ترقية، أو تهميش، فئات تنتمي إلى طوائف مختلفة، وفقاً لمدى ولائها وفائدتها في خدمة الهدف المتمثّل بالحفاظ على السلطة.35

ارتكزت هيكلية السلطة هذه على إدارة الشبكات غير الرسمية للسلطة، وعلى المحسوبيات التي نُسِجَت وفق الهويات ماقبل الوطنية (الطائفة، الناحية، العرق، والقبيلة). وعلى المستوى القاعدي، قد يتعاون مزيج من ممثلي النظام الرسمي وضباط المخابرات ووجهاء المجتمعات المحلية على إدارة منطقة ما كإقطاعية، تتمتع في بعض الأحيان بحكم ذاتي واسع. هؤلاء جميعاً يُقدّمون للقيادة الولاء والريع المادي في مقابل امتيازات القوة السلطوية. وهذا مايجعل العملة الأساسية الرائجة في هذا النظام من الحكم المُبعثر، والمفتاح الذي يفتح مغاليق الامتيازات والموارد، هما الولاء للنظام ومدى فائدة الأطراف المعنية في الحفاظ على السلطة، وليس تماماً الانتماء الطائفي.

وصّف الباحث الألماني فولكر بيرثس Volker Perthes، في دراسته المعمّقة للاقتصاد السياسي لدولة الأسد حتى فترة التسعينيات، هيكلية السلطة على أنها "نظام تشاركية سلطوية لمجموعة تمثيلية"، شبيهة بالنماذج التي برزت في أميركا اللاتينية خلال السبعينيات والثمانينيات".36 ووفق هذا الرأي، يدير المُمسِكون بالسلطة المجتمع كمجمعات لها منافع ومطالب متباينة، ويخدمونها بشكل انتقائي وجزئي في مقابل الحصول على ولائها. كما أنهم يحاولون لعب دور الموازنة. ويتم توزيع السلطة (بمعنى منح شبه حكم ذاتي وسيطرة على الموارد والأمن وغيرها)، من أعلى مستويات الدولة والمجتمع (المحافظات، الجماعات الطائفية) إلى أدناها (الأحياء، العائلات المُمتدّة). وفي المقابل، تخدم هذه الشبكات الأفقية والوسيطة أو سماسرة السلطة كمسارب تدرّجية لتمثيل المصالح من الأدنى إلى الأعلى، وإن كان هذا يتم بطريقة انتقائية وداخل حدود يُعاد التفاوض عليها باستمرار. يتم رفع المطالب والتظلمات، التي يجري تأطيرها كعملية تشاور أو حتى مشاركة، إلى القيادة التي تردّ عليها باستنسابية ووفق حساباتها المتعلّقة بالمكاسب والخسائر السياسية والمالية. بكلمات أوضح، يتم الحصول على الشرعية والمقبولية من خلال احتواء المحكومين من قبل الحاكمين بشكل هرمي، وليس من خلال حق الانتخاب والمساءلة القانونية. وفي الغالب، يعتمد حجم السلطة، والموارد، والنفوذ الذي يتدفق من أعلى إلى أدنى في العلاقات الخاصة التي تحكم هذه الشبكات، على ما إذا كان دعم مجموعة تمثيلية ما ذا فائدة أو يُعتدّ به. أي: إلى أي مدى يساهم في الحفاظ على النظام، في مجال توفير الموارد السياسية والدعم على مستويَي القاعدة والنخبة.

يستطيع كل حكم سلطوي، في مثل هذا الإطار، أن يمارس دوره بالحد الأدنى نسبياً من القسر والإكراه، فيما يخدم الوجود الطاغي الدائم لأجهزة المخابرات كتذكرة بأن احتمال القمع لايزال موجوداً. وبالتالي، يمكن نقل المطالب والتظلمات والتوترات إلى القيادة ثم تنفيسها في وقت مبكّر، في إطار من التبادل غير المتكافئ.37 إلى ذلك، تعمل أشكال الاحتواء هذه على تأكيد، وإعادة إنتاج، علاقات القوة السائدة، فيتم بذلك تجنُّب تفاقم السخط والتوترات الاجتماعية التي قد يولّدها غياب المشاركة الفعلية والتفاوتات الفاقعة التي يفرزها، لامحالة، نظام المحسوبيات. ثم أن هذه الأشكال تسمح بالإدماج الانتقائي لقوى اجتماعية واقتصادية واختصاصيين لاغنى عنهم، من دون المسّ باحتكار القرار لدى القيادة. وفي حين تجري المساومة على الموارد والنفوذ عمودياً وتراتبياً (بين ممثلي المصالح الجهوية أو القطاعية والشبكات، من جهة، وبين الدولة وبيروقراطية الحزب، من جهة ثانية)، فإن التنافس سيحدث أفقياً، أي بين الشبكات، والمناطق، والقطاعات التي تتزاحم على نيل استحسان القيادة أو على حصة أكبر من كعكة الموارد. وهكذا، يمكن تأطير الهيمنة الاستبدادية على أنها الإدارة والتوسُّط بين المجموعات التي تتنافس على أجندات خاصة بها، وليس على رؤى مختلفة تتعلّق بالصالح العام. وبالطبع، سيكون من الصعب بناء التحالفات الاجتماعية الواسعة في مثل هذه الظروف، ناهيك عن أنه يمكن فرطها بسهولة من خلال سياسة فرِّق تَسُد.

هذه الممارسات التقسيمية الهادفة إلى الحفاظ على السلطة، تغشاها حالة توتر متواصلة مع الأسس الإيديولوجية لهذه الأنظمة التي تزعم الشراكة وتدّعي الإعلاء من شأن التوافق والوئام، والتي تتخيّل الجماعات أنها أطراف لكيان عضوي وطني يشكّل النظام عقله المُدبِّر. ومن المثير في هذا السياق كيف أن الأسد اختار بعد ثلاثة أشهر من الانتفاضة أن يَسِم خصومه بأنهم "جراثيم" أو "ميكروبات" يتعيّن على الجسم السليم (أي ذلك المجتمع المتجانس المتمحور حول رؤاه هو وقيادته) أن يلفظها بشكل طبيعي.38

لكن السؤال الحاسم الذي يرتبط بالعلاقة بين الشراكة وبين التطيُّف، هو أيُ المجموعات التي يعترف النظام بأنها أجزاء من الجسم الطبيعي ويريد إدماجها والتعايش معها؟ أنظمة الشراكة تقترح، في شكلها الكلاسيكي، التمييز وفقاً للوظائف والأدوار في المجتمع (فلاحون، موظفون مرموقون، عمال، صناعيون، مثقفون، رجال دين)، ما يُبرّر، لا في الواقع يجعل من الطبيعي، بروز تباينات في المعاملة، وفي حشد الموارد، والمنافذ إلى المشاركة. وقد سبق لحزب البعث أن أدمج مجموعات وفق هذه الخطوط الوظيفية، من خلال تشكيل منظمات جماهيرية، ومَحَضَ حصصاً (كوتا) لها وللهيئات الشكلية المنبثقة منها. بعض هذه الهيئات لاتزال حيّة حتى بعد تبدّد نفوذ الحزب،39 كما أن هذا الأخير نجح في استلحاق مؤسسات تمثّل مصالح جماعية مثل غرف التجارة.

أما بالنسبة إلى الطوائف الدينية، فقد خَدَمَ إدماجها التوافقي المُفترض في الدولة، من خلال استتباع قيادتها الدينية، هدفين مهمين اثنين: الأول، الشهادة على العلمانية المزعومة للنظام، من خلال وضع الطوائف تحت صولجان السلطة، والثاني، طرح مقارنة إيجابية بالكوارث الطائفية في لبنان المجاور ولاحقاً في العراق. كما جرى تجنيد قادة دينيين للقيام بدور الوساطة، لا بل أيضاً تأديب ومراقبة رعاياهم،40 ما أدى إلى ترقية أهميتهم، خاصة بعد انحسار دور الوساطة التي كانت تقوم به هياكل حزب البعث. 41

على سبيل المثال، أُنيط برجال دين مثل المفتي الأكبر أحمد بدر الدين حسون، أو العلاّمة محمد سعيد رمضان البوطي، العمل على نيل دعم السنّة السوريين. في المقابل، تلقى هؤلاء في بعض الأحيان تنازلات ملموسة حين كان النظام في حاجة ماسّة إلى الدعم. ففي 5 نيسان/أبريل 2011، أَبْطَلَ مرسوم جمهوري ترخيص أول مقمرة (كازينو) في سورية، وألغى قراراً سابقاً بصرف المئات من المعلمات في المدارس الرسمية بحجة ارتدائهن النقاب. كان البوطي قد انتقد بشدة هذين القرارين في أواخر العام 2010، لكن على الرغم من ذلك، ناصر النظام بعد اندلاع الانتفاضة. 42 ومن سخرية الأقدار أنه حين طالب المحتجون بإعادة المعلمات إلى الخدمة خلال المرحلة الأولى من الانتفاضة، اعتبرت أبواق النظام هذا الطلب دليلاً على تطرّف سنّي مزعوم.43 هذا في حين أنه تم التسامح، أو استغلال، متطرفين سنّة حقيقيين لأغراض سياسية، على سبيل المثال، حين سهّلت شبكات جهادية اخترقتها المخابرات السورية عبور المقاتلين إلى العراق لمواجهة قوات الاحتلال الأميركية بعد العام 2003. 44

إضافةً إلى ذلك، وفّر نظام المُحاصصة المُستترة التوازن الطائفي داخل القيادة في الإدارة السورية برمتها.45 مثلاً، كان موقعا النائب الأول لرئيس الجمهورية وكذلك وزير الخارجية من حصة السنّة، فيما أوجب بروز الحكم السلالي كأمر واقع أن يكون الرئيس دائماً علويا. بكلمات أخرى، كان المنصبان التنفيذيان في رأس هرم السلطة والوزارة المرتبطة حقيبتها على نحو وثيق بالرئيس، وكلها خارج دائرة أي انتقاد، محفوظة للطائفتين الأكثر أهمية لبقاء النظام: الطائفتان العلوية والسنّية. وهكذا، بقي عبد الحليم خدام، الذي تسنّم منصب النائب الأول من شقيق حافظ الأسد، رفعت الأسد، بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة التي قام بها هذا الأخير، في هذا الموقع لمدة 21 سنة (1984-2005). وبعد تنحيته، احتل فاروق الشرع هذا المنصب، فيما تسلّم وليد المعلّم، وهو سنّي أيضاً، وزارة الخارجية. ولايزال الشرع يشغل نيابة الرئاسة، على رغم الشائعات عن خلافاته مع الرئيس الأسد.46

أما في المراتب الأدنى من الدولة، حيث تعترف القيادة أحياناً بمناحي الفشل وتُعاقب أكباش الفداء، فقد كانت الطوائف تحتل المناصب مداورة. وهذه الآلية سمحت في بعض الأحيان بترضية وتعزيز طوائف محدّدة وفق ماتقتضيه المصلحة الآنية. على سبيل المثال، فُهِمَ من تعيين المسيحي داوود راجحة وزيراً للدفاع في 8 آب/أغسطس 2011 على أنه خطوة لخطب ودّ الطوائف المسيحية وكسب ولائها. 47 وربما لم يكُن صدفة أيضاً أنه في الحالتين اللتين تحوّل فيهما رئيسا حكومتين من الطائفة السنية إلى أوغاد وأشرار (محمود الزعبي، الذي أصبح كبش فداء في العام 1999 خلال الحملة ضد الفساد التي مهدت الطريق أمام التوريث الرئاسي، والذي انتحر على ماقيل، ورياض حجاب الذي انشق وانضم إلى المعارضة في العام 2013)، كان خليفتيهما من السنّة (محمد ميرو ووائل الحلقي)، وكأنما قُصِدَ إقصاء الانطباع بأن وصم مسؤول بالعار والشنار، يمكن أن يشي بوجود تنافر بين النظام والطائفة.

لكن، وعلى رغم هذه الألعاب التوازنية الطائفية، إلا أن التركيز على الطائفة الدينية وحدها كان أداة تفتقر إلى الدقة لإدارة مجتمع فائق التعقيد اجتماعياً وديمُغرافياً كسورية، هذا ناهيك عن عدم مقدوره الرد على التغييرات الديناميكية التي انطلقت في مستهل التحرير الاقتصادي خلال النصف الأول من التسعينيات. ثم، إذا انطلقنا من منظور الحفاظ على السلطة، كان العمل مع ومن خلال الفئات العامة التي حصلت على عضوية الجماعة بشكل سلبي (أي وُلدت من طائفة معينّة)، لامنطق ولامردود له في مجال خلق ومكافأة الولاء النشط.

ثم: ستكون الحصيلة سلبية بكليّتها إذا ماجرى، على وجه الخصوص، تهميش غالبية السوريين الذين هم من السنّة، ماقد يولّد شعوراً بالظلم المشترك سرعان ما سيستغّله الخصوم فوراً لحشد الأنصار لهم. ولذا أسهب النظام، بدلاً من ذلك، في الجهود لتهدئة روع رجال الدين السنّة. كما عمل بتخطيط ودأب على حجب وتنحية المظاهر الخارجية للتديُّن العلوي، وشجّع اندماج العلويين في التيار الرئيس السنّي. والواقع أن رجال الدين العلويين لم يحصلوا طيلة السنوات الخمسين مما يُسمى الحكم العلوي على أي شكل من أشكال الاعتراف أو المأسسة التي قد تُشبه ولو من بعيد وضعية السنّة وباقي الطوائف. 48 لابل كان رؤساء سورية العلويون يؤدون الصلاة في المساجد السنيّة محاطين بمفتي الجمهورية، ويُلقّن الأطفال العلويون، مثلهم مثل باقي الأقليات المسلمة، التعليم الإسلامي السنّي،49 وتُشاد الجوامع (كما كان يحدث خلال عهد الامبراطورية العثمانية) في المناطق ذات الغالبية العلوية، هذا على رغم أنها تبقى خالية.

ثمة عوامل أخرى ساهمت في جعل تشكيل موقف جماعي سنّي متّسق معارض للنظام، ويتمتع بحس الهدف المشترك والقيادة الموحّدة، مسألة أكثر صعوبة، أبرزها التباينات السلوكية والاجتماعية والخصومات التاريخية بين المزارعين السنّة في الجنوب، والقبائل البدوية في الشمال والشرق، والبورجوازية المدينية في دمشق وحلب، وسكان القرى والبلدات متوسطة الحجم في سهوب الوسط والساحل. وطوال نصف قرن من حكم الأسدين الأب والابن، بُذِلَت جهود إما لاستمالة هذه المجموعات السنّية أو لتهميشها، في أوقات وظروف مختلفة، استناداً إلى تبدُّل أحوال الديناميكيات المحلية والإقليمية. 

في المقابل، حاول الجناح المُتشدِّد في جماعة الإخوان المسلمين، خلال بواكير حقبة الثمانينيات، استحداث وبلورة تضامن سنّي قادر على اختراق الانقسامات الاجتماعية والجهوية السورية. ولتحقيق هذا الهدف، سعى إلى إشعال مجابهة عنيفة ضد النظام العلوي "الزنديق"، لكنه لم يحظَ بتجاوب سوى بين الطبقات الوسطى السنّية في مدينتي حماة وحلب الشماليتين اللتين تضررت مصالحهما جراء سياسات حزب البعث الاقتصادية. أما السكان السنّة في الأرياف والمدن الصغيرة، وكذلك البدو، فقد كافأوا النظام على أجندته الداعمة للتنمية الريفية بإبداء ولائهم، جنباً إلى جنب مع النخب السنّية الدمشقية الذي بذل النظام جهوداً كبيرة لاستتباعها.50

يُلقي هذا التعاطي الجغرافي المتمايز، ومعه إدماج الجماعات، الأضواء على عامل رئيس في ترتيبات الشراكة البعثية، هو بعثرة السلطة على المستوى المحلي. ومالبث هذا العامل أن ازداد توسّعاً بعد أن ذَوَتْ الهياكل القاعدية لحزب البعث، ومعها ذبلت أي آلية مؤسسية فعّالة لإحكام القبضة على المُمسكين بالسلطات المحلية. وهكذا، تطورت سورية بعد إدارتها كـ"نظام مناطق"،51 "وليس كدولة- أمة ولاحتى كدولة قطرية، بل كدولة من الأراضي.. التي يتفاوض فيها النظام بشكل دائم مع مجتمعاتها المحلية".52

من جهتها، خدمت المناطق والنواحي كمعبرٍ للولاء الجمعي وفقاً، على سبيل المثال، للطائفة، والعشيرة، ومنطقة مسقط الرأس. وفي المدركات الشعبية، نحت معظم المناطق الريفية، والقرى، والمناطق الفرعية، إلى التماهي مع طائفة محددة، أو مع عشائر وقبائل مُحددة حين يكون هذا مهما، أو مع أي مجموعات فرعية أخرى. الأمر نفسه انطبق على المناطق المدينية حيث كانت الدوائر التجارية والإدارية وحدها تُعتبر فضاءات محايدة. وفي المقابل، كانت معظم الأحياء السكنية تتماهى بدورها مع طائفة محددة نتيجة أنماط تاريخية تتعلّق بالإقامة والهجرة، لكن مع تمايزات إضافية تبعاً لمسقط الرأس، والوضعية الاجتماعية، وعوامل أخرى.

أثبتت هذه الهيكلية المبعثرة للسلطة أنها بوليصة تأمين فعاّلة حالما تعرّض النظام إلى تحديات خطيرة في العام 2011. فهي سمحت للأسد بالاعتماد على حلفاء محليين تقدموا الصفوف للدفاع عن الوضع القائم والحدّ من انتشار التمرّد. وهنا، كانت مناطق شمال شرق سورية، التي تضمّ خليطاً من المسيحيين والأكراد والقبائل العربية، نموذجاً مثيراً لهذا الأمر. فقد عمد النظام، الذي حكم هذه المناطق عبر العمل مع وسطاء وتعاطى مع المجموعات التي مثّلها هؤلاء على نحو متباين،53 إلى الردّ على التظاهرات المطالبة بالديمقراطية العام 2011 بالقمع العنيف نفسه الذي مارسه في باقي أنحاء سورية. لكنه على العكس قابَلَ احتجاجات مماثلة تطالب بالحقوق القومية والثقافية للأكراد بليونة وتساهل.54 لماذا؟ لأنه كان واضحاً أن توكيد الهوية القومية الكردية، والذي سَبَقَ أن قُمِعَ بعنف في العام 2004، كان أقل خطراً بكثير من مطالب التغيير الديمقراطي. وهكذا، تنحى النظام جانباً في العام 2012، حين استولى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي المرتبط بحزب العمال الكردستاني على معظم المناطق التي تضم نسبة كبيرة من السكان الأكراد. وقد تحوّلت هذه الأراضي إلى منطقة عازلة بين النواحي التي يسيطر عليها النظام وبين تركيا، التي برزت في ذلك الوقت كراعٍ رئيس للمعارضة السورية، والتي تعتبر حزب العمال الكردستاني عدوها اللدود.

أدَّت اندفاعة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي أيضاً إلى شق الجماعات المحلية العربية، وحفزت العديد منها على الاصطفاف إلى جانب الحكومة، حتى أنها زوَّدت الميليشيات الموالية للأسد بعناصر مقاتلة. سبب ذلك هو أن العديد من العرب قطنوا أرضاً كان حزب البعث قد صادرها من مالكيها الأكراد، كجزء من سياسة الـ"تعريب" التي انتهجها النظام، وهم خشوا أن يفقدوا ملكياتهم في حال سيطر الأكراد على هذه المناطق. وفي الوقت نفسه، شكّلت الطائفة المسيحية الكبيرة في تلك المنطقة ميليشيا ضُمَّت إما إلى هياكل حزب الاتحاد الديمقراطي أو تحالفت مع النظام.55 وبالتالي، فيما خرجت أجزاء واسعة من شمال وشمال شرق سورية عن السيطرة المباشرة للنظام، بقيت معادية لخصومه، وكان لايزال بالإمكان إعادة استلحاقها بسهولة إلى الحكم غير المباشر للنظام.56

وكما في المناطق الشمالية الشرقية، استطاع النظام استغلال الظروف المحلية في مواضع أخرى، فعبّأ الوكلاء لاستقطاب الدعم، أو على الأقل لضمان حياد العديد من الجماعات السنّية، إضافة إلى الطبقات الوسطى والعليا في كبريات المدن. قبيل الثورة، كانت هذه الطبقات المدينية تتشكى من الجشع المُفرط والمزايا التي يحوزها وكلاء النظام من العلويين،57 بيد أن هذا لم يعنِ أنها على استعداد للمخاطرة بامتيازاتها عبر الانضمام الصريح إلى التمرّد.58

ومثلما حدث حين أفادت استراتيجية الحكم بعض المناطق والمجموعات السنّية و(في وقت متأخر) الكردية، حدث التمييز أيضاً في العلاقات مع التجمعات العلوية. فالاختلافات الجغرافية كانت موجودة في الوتيرة التي استّلحقت بها مناطق مأهولة بالعلويين في بوتقة السلطة وأفادت منها. كان ثمة، على وجه الخصوص، تراتبية مهولة بين العلويين المتحدرين من الساحل والجبال الساحلية، وبين علويي السهل المركزي.59  وهذه التمايزات الجهوية تداخلت وتراكبت مع الأصول القبلية، فيما بقيت المداخل إلى السلطة رهناً بمدى القرب العائلي والقَبَلي من عشيرة الأسد- مخلوف الحاكمة. وقد سمحت المعلومات الكثيفة، وكذلك الذاكرة الحادة لأجهزة المخابرات، للحكم بالتمييز الدقيق بين المناصرين الأوفياء، والحياديين، والخصوم المحتملين، والولاءات القبلية وغيرها.

ولذلك، كانت الفروقات الاجتماعية في الطائفة العلوية، الأصغر حجماً بكثير، في الفترة التي سبقت انتفاضة 2011، فاقعة الوضوح كما لدى الطائفة السنّية. لكن، على عكس هذه الأخيرة، افتقد العلويون إلى تراتبية دينية متطوّرة، وهياكل مؤسسية، أو إلى سردية إديولوجية قادرة على توحيد الرؤى. وكل هذا جعل من المشكوك فيه ما إذا كان ثمة معنى للحديث قبل العام 2011 عن وجود طائفة علوية على الإطلاق. بيد أن الانتفاضة غيرّت كل ذلك، من خلال توفير حافزٍ قوي لإشعال انفعال وحماسة الغالبية العظمى من العلويين (وكذلك للأقليات الأخرى إلى حد ما) في أنحاء سورية، ودفعهم إلى دعم النظام: الخوف من الإبادة الجماعية.

العنف: إرث وتوقعات

يمكن القول أن الانتقال من الاحتجاجات السلمية إلى العنف المتصاعد بين الطائفتين السنّية والعلوية، تفاقم بخطى متسارعة بسبب إرث من الخوف المتبادل الذي خلقه نزاع عنيف سابق، خاصة خلال انتفاضة الإخوان المسلمين ضد نظام الأسد في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

ففي 16 حزيران/يونيو 1979، هاجم فصيل متطرف من الجماعة كلية المدفعية في حلب، وقتل مابين 32 و83 تلميذ ضابط. ووفق بعض التقارير، كان المهاجمون انتقائيين فأعدموا العلويين وأبقوا على السنّة.60 شكّل هذا الهجوم نقطة انعطاف نقلت معارضة نظام حافظ الأسد، التي تصاعدت في النصف الثاني من السبعينيات، إلى نزاع يُهيمن عليه العنف الطائفي.61بكلمات أكثر تحديداً، انقلب النزاع إلى مواجهة بين النظام وبين فصائل في جماعة الإخوان انحازت إلى الصراع المسلّح بدل الإصلاح. وقد اختارت هذه الفصائل، بدافع مزدوج إيديولوجي ووصولي، ضرب النظام في تركيبته الطائفية بدلاً من التركيز على سياسته الخارجية، وأدائه الاقتصادي الفاشل، وممارساته السلطوية.

كان رد الفعل على العنف الإسلامي هو عنف الدولة المُفرط واللاقانوني، وتُوِّج بمجزرة حماة في شباط/فبراير 1982. 62 وقد تركّزت الخطوات الانتقامية للنظام على جماعة الإخوان، لكنه لما يقتصر عليها. كان مجرد الانتماء إلى الجماعة جريمة عقوبتها الإعدام. 63وفي المقابل، عنى تصنيف أي فرد بأنه علوي، تحوّله إلى هدف لعنف قاتل، بغض النظر عن خياراته السياسية أو آرائه بالنظام. والواقع أن النزاع في أوائل الثمانينيات أظهر أن الهوية المسيّسة لم تكُن مصدراً للعنف الجماعي وحسب بل يمكن أيضاً توليدها، أو تصليبها، من خلال العنف. 64 وبالنسبة إلى السوريين الذين شعروا أنهم صُنِّفوا كعلويين، سواء بسبب الاسم، أو مسقط الرأس، أو مكان الإقامة، أو اللهجة المنطوقة، أوصلهم احتمال ممارسة العنف ضدهم، وكذلك الاطلاع على الهجمات (التي كانت تضخّمها الشائعات والحملات الإعلامية) التي بدا أن محركها العداء الطائفي، إلى القناعة بأن مستقبلهم في سورية مرتبط على نحو وثيق بالطائفة التي إليها ينتمون، مهما كانت توجهاتهم الخاصة.

وبما أن خطاب الإخوان خلال حقبة السبعينيات والثمانينيات كان يُشدّد بوضوح وجلاء على الطابع الهرطوقي للنظام، لم يكن ثمة مفر من انبثاق حصيلة تقول ألا مكان للعلويين في سورية يحكمها الإخوان أو تلاوين من إسلام سياسي مشابهة لهم. وقد غرس العنف الفاحش للنزاع (بعض التقارير تقدِّر رقم ضحايا مجزرة حماة وحدها بنحو 40 ألفاً) في نفوس العلويين خوفاً طاغياً بأنه في يوم ما قد تطالهم نيران العنف الانتقامي.65

تفاعل بعض العلويين مع هذا الخوف بإخفاء هويتهم أو هوية أحبائهم. ففي إحدى الحالات، عمد والد امرأة علوية، بدافع القلق من مستقبل طائفي عنيف، إلى استخدام نفوذه كضابط مخابرات لتغيير مكان ولادتها في الأوراق الثبوتية لتصبح الميدان، وهو حيّ دمشقي سنّي بغالبيته، بدلاً من موطن العائلة الأصلي في طرطوس التي تُعتبر عموماً مدينة علوية.66 وقد أُبقيت جذوة الخوف متقّدة بفعل حظر أي حديث عن النزاع مع الإخوان طيلة أوائل الثمانينيات، عدا بعض الاستثناءات المحسوبة بدقة.

بيد أن الخوف من مسلسلات انتقامية ليس بأي حال قصراً على العلويين. ففي أوائل التسعينيات، أعرب العديد من المسيحيين عن قلقهم من أن يوم الحساب آتٍ، حيث ستتمدد المذابح ضد العلويين (التي اعتُبرت حتمية) كالنار في الهشيم إلى الطوائف والمناطق غير السنّية. 67

لم تبقَ تجربة العنف حيّة وتركل في الذاكرة الجمعية والفردية وحسب، بل هي عبّرت عن نفسها أيضاً بالكيفية التي تخيّل فيها السوريون مستقبلهم في البلاد وعلاقاتهم مع الآخرين. وبالتالي، بقيت احتمالات تفجُّر العنف التي لم تجر معالجتها، جمراً تحت الرماد تخفيه صورة علاقات افتراضية متجانسة بين الطوائف. ولهذا السبب بالتحديد، كان ثمة مايكفي من العوامل في بداية العام 2011 لإشعال أتون "اليقين القاتل" الذي تتميز به سياسات الهوية،68مع أنه لم تقع آنذاك سوى حفنة من حوادث العنف الطائفي، بالتزامن مع موجة من العنف من قِبل قوات النظام.

أضفى اجتياح الجامع العمري في درعا في 23 آذار/مارس 2011، حيث أقام المحتجون مستشفى ميدانياً ونوعاً من المقر العام، صبغة طائفية على نزاع كان حتى تلك اللحظة متركّزاً على القضايا الاجتماعية، وعلى سوء سلوكيات الحاكم المحلي. وهذا أكّد بالنسبة إلى كثيرين مدى عدم احترام النظام للمقامات الدينية، ما عنى أيضاً عدم اجلاله للإسلام السنّي.69

نتيجةً لهذا التطور، وجدت تظاهرات التضامن مع درعا مرتعاً خصباً لها في 25 آذار/مارس في العديد من المناطق السنّية، بما في ذلك أحياء في مدينة اللاذقية السنّية- العلوية المختلطة. وإلى جانب المجابهات بين المحتجين وبين قوات الأمن، التي استُخدمت فيها الذخيرة الحية ما أدى إلى سقوط 12 قتيلا، وقعت مشاجرات طائفية على أطراف المناطق السنيّة والعلوية وفي حرم جامعة تشرين. وعلى مدى يوم كامل، كانت اللاذقية تضج بالإشاعات عن قرب اندلاع حريق طائفي كامل وشامل. لكن، حين وصل موكب سيارات انطلق من قلب المناطق العلوية خارج المدينة إلى ضواحيها بهدف "إنقاذ" السكان العلويين، تصدّت لهم وحدات الجيش والشرطة وأعادتهم على أعقابهم.70وحينها، عمد الوجهاء المحليون والسلطات البلدية إلى التعاون لمواجهة احتمال نشوب حرب طائفية مفتوحة، ونجحوا في خاتمة المطاف في احتواء الموقف.71 وفي الأسابيع التي تلت ذلك، نجح الحضور الأمني الكثيف في حصر الاحتجاجات في الأحياء السنّية، ثم أخيراً في الطرف الجنوبي من المدينة حين تمّ سحقها.

بيد أن التوترات الطائفية عاودت التصاعد بعدها بأسبوعين في بانياس. ففي 9 نيسان/أبريل، أسفرت دورة عنف بين محتجين وبين قوات الأمن- وأنصار عنيفين تابعين للنظام كما زُعِم - عن سقوط إصابات عدة. وعند الغسق، تعرّضت حافلة تنقل مجموعة من الجنود والعسكريين العلويين إلى كمين قرب المدينة سقط فيه تسعة قتلى. وفي الوقت نفسه، بدأت تُتداول مقاطع فيديو عن الفظائع حملت طابعاً طائفياً واضحاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي. في أحد هذه مقاطع، ظهرت مجموعة مختلطة من قوات الأمن وعناصر مسلحة غير نظامية، بدا من لكنتها وأسمائها الأولى أنها علوية، وهي تُهين سكاناً مدنيين في مايفترض أنها قرية البياضة السنّية، على بعد نحو ستة أميال جنوب بانياس.73 وأظهر مقطع آخر من بانياس القتل المروِّع لتاجر خضروات علوي زُعِمَ أنه كان يُجنّد عناصر الميليشيات التابعة للنظام، أو الشبيحة، على يد ماقيل أنهم دهماء من السنّة. 72 وقد ساهمت مفاوضات بين أعيان بانياس وبين الأسد نفسه في استيعاب خطر نشوب مجابهات طائفية أوسع، بيد أن الجيش اجتاح المدينة في 7 أيار/مايو ووضع حداً للاحتجاجات لأشهر عدة.

في حمص، تجمّع نحو 200 متظاهر في مسجد خالد ابن الوليد في 18 آذار/مارس، للتنديد ليس بالنظام بل بالمحافظ المحلي. كان لهذا الأخير سجل حافل بمصادرة الأراضي بشكل تعسفي، وإبرام صفقات عقارية مشبوهة، والدفع باتجاه تنفيذ مشروع تجديد عمراني مستقبلي حمل اسم "حلم حمص".74تركّزت مقاومة المشروع، بقيادة رجال أعمال محليين خشوا على مصير مصالحهم، على الادعاء بوجود أجندة خفية لتغيير التركيبة الديمغرافية لهذه المدينة ذات الغالبية السنّية.75 وبعدها بأسبوع واحد، في 25 آذار/مارس، قامت الشرطة بمحاصرة المسجد، لكن الاحتجاجات اندلعت في مساجد سنّية أخرى حول المدينة، ثم التأم شمل المحتجين في ساحة برج الساعة الجديدة، حيث جرى تشويه صور وجه الرئيس. وحينها، انطلقت مظاهرة مضادة موالية للنظام، ذُكِرَ أنها جرت بتحريض من أجهزة الأمن والشبيحة،76 من الأحياء العلوية عكرمة والنزهة والزهراء، ما أدى إلى صدامات أعقبتها عمليات اعتقال واسعة النطاق وادعاءات عن حالات تعذيب.77 وخلال الأسابيع الثلاثة التالية، وبعد إغلاق ساحة برج الساعة الجديدة للاحتجاج، وقعت مشاجرات متبادلة أوقعت بعض الإصابات، بين مايسمى اللجان الشعبية التي تم تنظيمها في الأحياء العلوية لحمايتها من توغلات مزعومة سيقوم بها مسلحون سنّة، وبين محتجين سنّة تجمهروا في مختلف المساجد. وفي المقابل، سرت أنباء عن عمليات اغتيال استهدفت عناصر علوية في أجهزة الأمن، سارعت وسائل الإعلام الرسمية إلى تغطيتها على نطاق واسع.78 وفي هذه الأثناء، تحوّلت الجنازات إلى نقاط حشد واستقطاب لكلا الطرفين.

اتخذت الأحداث منحىً جديداً حين اندلعت مظاهرات ضد رسالة الأسد إلى الحكومة السورية الجديدة في 16 نيسان/أبريل، وردّت عليها السلطات بإطلاق النار. وقد أطلقت دورة الجنازات التي تلت ذلك مزيداً من الاحتجاجات، التي أدّت بدورها إلى جنازات أخرى، ثم إلى حشود ضخمة في 18 نيسان/أبريل سرعان ما دحرت قوات الأمن، وسمحت للمتظاهرين باستعادة السيطرة على ساحة برج الساعة الجديدة، التي أعيدت تسميتها ساحة الحرية. هناك، شكّلوا لجنة قيادية تضم رجال دين، ووجهاء محليين، وشخصيات بارزة أخرى. ويقول مشاركون في الحشد إن الدافع الرئيس لهذا التحرُّك كان ضبط جناح كبير بين المحتجين كان يريد اجتياح الأحياء العلوية والانتقام من اللجان الشعبية.79 علاوةً على ذلك، ضَرَبَ بعض المتظاهرين خيماً وأقاموا نصباً كُرِّسَ خصيصاً للوحدة الوطنية، بهدف التشديد على وجود مقاربة شاملة لجميع الطوائف. ووفق بعض تقارير الناشطين، وصل وفد قال إنه يمثّل الأحياء المسيحية في حمص إلى موقع المحتجين معلناً دعمه لهم، فيما توجّه ناشطون آخرون وصفوا أنفسهم بأنهم علويون إلى المنصة لإبراز الطبيعة الكلية للاحتجاجات وتخفيف التوترات الطائفية التي أفرزتها حوادث العنف السابقة.80

وهكذا، كان المحتجون يتبنّون بهذه الطريقة أساليب شبيهة بتلك التي طُبِّقت خلال احتجاجات دوار اللؤلؤة في البحرين. هناك، كما في سورية، رد المحتجون على إدعاءات أتباع النظام والإعلام التابع له بأن الطائفية هي الدافع وراء هذا الحراك (الطائفية الشيعية في حالة البحرين)، بأن دفعوا إلى الواجهة معارضين بارزين من الطائفة الأخرى التي يفترض أنها تتعرض إلى الهجوم (الأقلية السنّية في الحالة البحرينية التي تنتمي إليها الأسرة الحاكمة). وقد ترافق هذا الجهد مع خطاب احتفالي جليل يتمحور حول التضامن والوحدة الوطنية العابرة للطوائف، في خضم نضال مشترك ضد القمع.81

لكن، حين نضع في الاعتبار المشاجرات الطائفية المطّردة التي سبقت احتجاجات 18 نيسان/أبريل، كان من المشكوك به أن تنجح جهود المصالحة هذه لو سُمِحَ للتظاهرات أن تتواصل وتتطور إلى احتجاجات ميادين، كما حدث في بغداد والقاهرة أو المنامة. على أي حال، جرى إجهاض هذه الحركة بعنف صبيحة 19 نيسان/أبريل، وسقط عدد كبير من الضحايا.82 وكما حدث في اللاذقية سابقاً، طُرِدت الحركة الاحتجاجية بعيداً عن وسط المدن الذي كان يمكن أن يخدم كمنطقة لقاء محايدة كانت ضرورية لترقية سردية "الوحدة الوطنية في المقاومة" التي حاول المحتجون ترويجها. بدلاً من ذلك، أُجبر المتظاهرون على التمركز في الأحياء التي عُرِّفَتْ بأنها سنّية، على رغم كل المحاولات لطرح مفهوم الوحدة الوطنية هناك أيضاً (بما في ذلك بناء مجسّم خشبي لبرج الساعة الجديدة). والحال أنه جرى حرفياً محق فضاء التضامن العابر للطوائف في التمرد ضد القمع. إضافة إلى ذلك، كان تشجيع المظاهرات المضادة العنيفة التي تحوّلت إلى عملية تجنيد للميليشيات الموالية للحكومة، خطوة خطيرة قلبت ديناميكيات النزاع بين الحركة الاحتجاجية والنظام إلى صراع بين فئات اجتماعية تتحدد بالطائفة إلى حدّ كبير. وطيلة فصل الصيف، غرقت حمص، التي أُطلق عليها "قلب الثورة"، في حلقة شرسة من عمليات العنف والقتل والخطف على أساس الهوية الطائفية، ما دفع الأمور إلى الانزلاق بالتدريج إلى الحرب الأهلية المدينية.83

كيف يمكن لأولئك الذين ينحون بلائمة كل أو معظم الانعطاف الطائفي للانتفاضة السورية على مناورات النظام، أن يفسروا المسارات المتباينة في اللاذقية وبانياس، حين جرى احتواء الصراع الطائفي بسرعة، وفي حمص، حيث سُمِحَ له أن يتقيّح ليصبح حرباً مدينية؟ يمكن، من جهة، إعادة سبب الاختلاف إلى استخدام النظام لاستراتيجيات وأهداف غير متناظرة في مناطق مختلفة وأزمان متباينة. ويمكن، من جهة أخرى، نسبتها إلى ظروف محلية ومؤسسية خاصة وإلى أطراف تابعة إلى النظام تعمل لأهداف متضاربة. من بين هذه الاختلافات الوضع الديمُغرافي والاقتصادي المهمّش للسكان المحليين العلويين، ماجعلهم بؤرة تجنيد رئيسة للميليشيات الموالية للحكومة؛ هذا إضافةً إلى وجود غالبية طاغية للسنّة في المدينة ومحيطها، على عكس ما هو الحال في الساحل. ويضيف إلى ذلك عزمي بشارة عاملاً آخر هو الجذور البدوية لنسبة من المحتجين وموقعهم الجغرافي، ما سهّل المداخل إلى شبكات التهريب وحيازة الأسلحة الخفيفة. 84

مهما كان الأمر، بيّنت الأحداث في المدن المختلطة الثلاث وعدد من الأماكن الأخرى الشبيهة بها، أن ممارسات النظام الحاكم خلال العقود السابقة، قلبت العلاقات الاجتماعية إلى قنبلة طائفية موقوتة قد يفجّرها أي تحدٍ جدّي للوضع السياسي القائم. ومع مثل هذا النوع من الاستعدادات، ليس ثمة حاجة لنظام الأسد لاستنهاض النزاع الطائفي الذي اندلع بشكل شبه تلقائي. وعكس ذلك، كان التدخل السريع والحازم من قبل النظام والتوسط مع وبين المجموعات المحلية ضروريين (وممكنين) لـمنع نشوب هذا النزاع. لكن الثمن الذي يريد النظام تقاضيه لقاء ذلك هو الخضوع والرضوخ لسلطته.

على رغم أن العديد من المثقفين الذين أصبحوا جزءاً من المعارضة لم يتوقعوا الانحدار نحو العنف بين الطوائف بمثل هذه السرعة، إلا أنهم كانوا على بيّنة من المخاطر الناجمة عن إرث العنف والخوف.85 لكن، على رغم التبرؤ الواضح من الطائفية والبيانات الوقورة عن الوحدة الوطنية في وسائل التواصل الاجتماعي والمظاهرات العامة، بقيت مقاربة المعارضة غامضة ومتناقضة. فخلال صيف 2011، كان نشطاء سنّة شبان لهم في الغالب وجهات نظر علمانية، يعربون عن مروحة واسعة من المواقف غير المتّسقة، التي تتأرجح بين دعم مفاهيم التسامح مع الأقليات بوجه عام بعبارات تتبين فيها الفوقية، والتشهير الكاسح بالعلويين، والإشارات الفخورة إلى شخصيات علوية بارزة (مثل الكاتبة سمر يزبك أو الممثلة فدوى سليمان) وممثلين عن أقليات أخرى (كالدروز أو المسيحيين) الذي وقفوا علناً في صف المعارضة.86 بيد أن دعاة الانضمام كان لاحول لهم ولاقوة وبقوا غير قادرين على منع الاحتجاجات التي تتبنى اللغة والرموز الدينية السنّية. والواقع أن المساجد كانت المواقع الوحيدة المتوافرة للمعارضة، فيما حوّلت الأعداد المتصاعدة للضحايا شعائر الدفن والحداد إلى الذخيرة الرئيس في ترسانة الاحتجاج، ما أسبغ بالضرورة الصورة العامة للحركة باللون الديني.

كان ثمة مشكلة أخرى هي الظهور الفاقع لأشكال التعبير الدينية في الاحتجاجات العلنية. صحيح أن الشبكات السلفية كانت تتوسّع طيلة العقد الماضي، خاصة في المناطق المهمّشة التي انطلقت منها هجرات مهمة إلى منطقة الخليج، إلا أنها لم تكُن تمثّل سوى نسبة ضئيلة من المتظاهرين. بيد أن الدعوات إلى الشهادة وارتداء الأكفان البيضاء للتعبير عن الاستعداد للموت التي قامت بها بعض من هذه المجموعات في بانياس وجبلة في أوائل نيسان/أبريل، سرعان ما انتشرت بقوة على وسائل التواصل الاجتماعي.87 ولا ريب أن اللجوء ليلاً إلى أداء التكبير، حيث يصرخ حي بأكمله "الله أكبر" من أسطح المنازل (وهي وسيلة استعارها المحتجون من الحركة الخضراء في إيران العام 2009)،88 خلقت إحساساً بالتمكين لدى المحتجين السنّة، لكنها لم تكُن مناسبة بالطبع لإقناع الطوائف الأخرى بأن الاحتجاجات شاملة للجميع أصلا.

ويوضح خضر خضور، مشاعر شاب علوي شارك في حركة احتجاج كبيرة قُمِعَت بعنف في حمص في نيسان/أبريل 2011 كالتالي:

  ".. ويتذكّر أنه بعدها مباشرة، سمع نداءات صاخبة للجهاد تنطلق من مآذن المساجد، التي تعني بالنسبة إلى العلويين الحرب المقدسة ضدهم. ويقول (الشاب): فجأة أصبحت واجفاً وغيّرت رأيي حين أدركت أن مايحدث لم يعد ثورة".89 ثم مالبث الخطاب الملتهب لدعاة التلفزيون السلفي الذي يبث من الخليج أن زاد الطين بلة في هذه المخاوف التي باتت عميقة ونافذة مع تصاعد أعداد الضحايا، فيما كان عنف النظام يقضي على أولئك الذين وفّروا قيادة معتدلة تتبنى ثقافة المواطنة.

لا نعرف ما إذا كان بإمكان أولئك الشبان في غالبيتهم ترقية سردية "الوحدة الوطنية في النضال ضد القمع" عبر مزيد من الحميّة والحيوية لو استطاعوا الاستمرار، أو ما إذا كان معسكر الاحتجاج في حمص سيتطوّر إلى نواة تضامن عابر للطوائف، لو سُمِحَ له بأن يدوم؟ المؤلف السوري ياسين الحاج صالح، أحد قادة الانتفاضة المثقفين، كان أبرز في وقت مبكِّر (حزيران/يونيو 2011) العلاقة الصعبة بين العنصر "المدني" في حركة الاحتجاج- المكوّن من نشطاء شبان ومتعلمين وليبرالي الميول في الغالب- وبين العناصر "العامة التقليدية".90

وبالمثل، أرجع عالم الاجتماع السوري محمد جمال باروت سرعة تأثُّر الشبان المحرومين بـ"الشعبوية السلفية" إلى غياب أو نقص فعالية أي قوة إسلام سياسي منظّمة (مثل جماعة الإخوان المسلمين)،91 وبينما لم يتضح الجانب السلبي للطابع اللامركزي والمفتقد إلى القيادة في انتفاضات مصر وتونس واليمن، والذي أسبغ عليه المراقبون الأجانب سيلاً من التهليل والإطراء، إلا في المرحلة الانتقالية بعد الانتفاضات،92 كان نقص القيادة في سورية هو ربما النقطة القاتلة منذ البداية.93

خاتمة: جاء التغيير؟

كما تفعل دوماً النزاعات الداخلية التي تتضمَّن عوامل هوية نافرة، أطلقت الحرب الأهلية السورية تكهنات حول إعادة توطين الطوائف في إطار حدود سياسية أو إدارية تسمح بقدر أكبر من التجانس والتماثل. وهنا تميل المقارنات مع حرب الثلاثين عاماً في أوروباi والحديث الدراماتيكي عن "عمليات الفرز الكبرى"، إلى تصوير سورية، مثلها مثل العراق، على أنها بؤرة صراع وجودي لن يُحَلْ إلا بتفكيك هذين البلدين إلى مكوناتهما الطائفية.94 وهذا يفترض أن الاستقرار طويل الأمد، مشروط برسم حدود تخلق مجتمعات متجانسة عموما. وحينها، يُعتبر نقل السكان والتطهير العرقي الجماعي جزءاً لا مفر منه في مثل هذا السيناريو.

لكن لحسن الحظ، احتمالات تحقق هذا السيناريو متدنية للغاية. فليس هناك سوى حفنة من الأشخاص يتبنّون مثل هذه الخطط، هذا إذا كانوا موجودين أصلا. لا أحد من الأطراف السورية ينتهج مشروعاً سياسياً يهدف إلى السيطرة على أي شيء أقل من كل مساحة سورية. والتقسيم الجغرافي، وحتى الفدرلة، مسألة بغيضة في نفوس معظم الأطراف ماعدا الأكراد. لكن حتى هؤلاء قصروا طموحاتهم على الحكم الذاتي الثقافي في إطار دولة سورية موحّدة. بالطبع، يمكن أن يوجد، أو يتم تشجيع، من يطرح فكرة الدويلات العلوية والدرزية والسنّية، إذا ما اتفقت الأطراف الخارجية على أن هذا الحل للنزاع قابل للحياة. لكن، لا أحد في الوقت الراهن يبدو مستعداً للمغامرة في هكذا سيناريو لايمكن التكهّن بمآله ويهدد بتقويض النظام الإقليمي القائم برمته.

بدلاً من ذلك، قد تسير المحاولات لوضع حدّ للصراع مع المحافظة على وحدة الأراضي السورية، في اتجاه خطط لتقاسم السلطة على أسس غير جغرافية، ما يسمح بدمج بعض عناصر المعارضة وترقية تمثيل الطائفة السنّية.95 بيد أن إصلاح التمثيل في المؤسسات السياسية السورية لن يكون له معنى إذا لم يوافق النظام على تفكيك جهازه الأمني المُتمدد والمُتشعب، والذي تكمن في ثناياه السلطة الحقيقية. وإذا ما وضعنا طبيعة هيكلية السلطة السورية في الاعتبار، ستكون أي محاولة لإدخال إصلاحات تدريجية أو جزئية عقيمة. وهذه حقيقة لمّا تتغيّر ولمّا تهتز منذ حقبة ربيع دمشق المُجهض في أوائل القرن الحادي والعشرين. لا أحد من ممثلي المعارضة يحظى بنفوذ وصدقية سيكون مستعداً للمشاركة وفق مثل هذه الشروط ويضع نفسه تحت رحمة جيش الظل (أجهزة المخابرات) التابع لنظام الأسد.

الأرجح، إذاً، أن تستمر حالة التجزؤ الراهنة في المستقبل المنظور، ماسيخلق انفصالات واقعية في إطار إقطاعيات، كما حدث في لبنان المجاور خلال حربه الأهلية.96 وهكذا، قد تتعايش خمس أو ست مناطق، تحكمها قيادات سلطوية من مشارب إيديولوجية مختلفة، مع بعضها البعض في علاقة متململة تتميّز بتوازن عسكري مستقر، فيما ينحسر حجم القتال. وهذا قد يفسح في المجال مع الوقت للشكل الوحيد من تقاسم السلطة الذي يمكنه النجاح في إعادة دمج الدولة السورية شكليا: كونفيدرالية ديكتاتوريات عديدة تحوز كلٌ منها على حصة طائفية، أو مناطقية، أو إثنية، وتحتفظ بقواتها الأمنية والعسكرية الخاصة داخل الإطار الشكلي للدولة السورية.

نظرياً، كان يمكن للتعاون التنفيذي بين الولايات المتحدة وروسيا، الذي اقترحه الاتفاق بين وزير الخارجية الأميركي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن يدشّن مثل هذه العملية من إعادة الدمج. كما كان يمكن أن يكون التوافق على أيٍ من المجموعات ستُعتبر إرهابية وبالتالي تُستبعد من عملية وقف إطلاق النار، وأيها يجب ألا تهاجم من أحد، ما سيساعدها على تعزيز مواقعها العسكرية، وربما يجعلها مُشارِكة في أي عملية سياسية. لكن بدا أن الصعوبات العملية أمام التوصل إلى مثل هذا التوافق كانت عصية على التذليل وسط مناخات من الريبة والشكوك المتبادلة، وإعادة الاصطفاف على الأرض، والتفاوض مجدداً على الحدود بين المنظمات القائمة والناشئة. كما كان من الصعب معرفة كيف يمكن تطبيق هذه الخطة، في غياب قوى خارجية لديها قوات في الميدان قادرة على ضمان ألا تُفسِد الأطراف المُستبعدة العملية برمتها. وبالتالي، تبدو المقاربة التدريجية معقولة أكثر وستشمل على الأرجح قوى تُعتبر الآن منبوذة، مثل بعض فصائل جبهة النصرة (التي أعيد تسميتها جبهة فتح الشام).

إذا حدث ذلك، سيجري استبدال الإصلاح الحقيقي بإدراج وإدغام عدد من القوى الجديدة في نظام السلطوية المبعثرة نفسها التي ميّزت حكم حزب البعث، فيما سيحل التمثيل الطائفي مكان الديمقراطية. وهذا يعني، بالنسبة إلى الحراك المدني الذي ظهر خلال النصف الأول من العام 2011 في سورية، ونُحِّي جانباً أو أُبعد إلى الخارج بانعطاف الانتفاضة نحو العنف، أن النضال الحقيقي آتٍ حالما تصمت المدافع.

الآن، إذا ماوضعنا كل هذه الديناميكيات المحتملة بعين الاعتبار، سنجد أنه يتعيّن على الأطراف السورية والمجتمع الدولي أن يركزوا على المبادرات التي تفي بنجاح بستة شروط: الأول، أن إعادة بناء العلاقة بين المجتمعات المحلية، وفي الواقع أي تغيّر سياسي حقيقي، يجب أن يستند إلى إصلاح شامل لقطاع الأمن. بكلمات أوضح، يتعيّن حل المؤسسات الأمنية الراهنة وإحلال مؤسسات خاضعة كلياً للمساءلة مكانها. وطالما أن هذا الشرط لم يلبَّ، حتى بعد تحقيق وقف ثابت لإطلاق النار، لن يفعل التعاون مع مؤسسات الدولة في المناطق التي يسيطر عليها النظام (سواء مع الأسد أو من دونه) شيئاً سوى المساهمة في تعزيز السلطوية والطائفية.

الشرط الثاني، هو أنه في المناطق التي تقع خارج سيطرة النظام، قد تساعد هياكل الحكم المحلي المدني على تخفيف التوترات الطائفية، وبالتالي يجب حمايتها وتدعيمها بقدر الإمكان. كما يجب منع أي عودة لأجهزة مخابرات النظام التي لم تخضع للإصلاح إلى هذه المناطق تحت أي ذريعة أو ستار مهما كان (مثل مكافحة الإرهاب). وفي الوقت نفسه، يتوجّب على القوى الخارجية التي تدعم وتزوّد الجماعات المسلحة بالمال والعتاد في هذه المناطق، أن تضغط على وكلائها للحفاظ على الحكم الذاتي المحلي.

الشرط الثالث، هو أنه يحتمل أن تؤدي مشاطرة السلطة إلى إحلال ديكتاتورية قادة عديدين مكان ديكتاتورية الفرد. مثل هؤلاء القادة قد يحوّلون الوضعية العسكرية التي غنموها خلال النزاع إلى سيطرة على المؤسسات والموارد في مناطقهم، بدعوى تمثيل هذه الطائفة أو تلك. وهنا يجب على الأطراف الخارجية ألا تقع في فخ الوهم بأن تسكين النزاع عبر هذه الوسائل سيؤدي إلى شراء استقرار طويل الأمد، ولا أن هذا سيرقى إلى كونه نظاماً ديمقراطياً، حتى ولو أُجريت انتخابات بدت تنافسية فعلاً، بمعنى تنظيم عملية موازين القوى بين القادة المحليين.

الشرط الرابع، هو أن النظام السياسي لحقبة مابعد الصراع، ورغم كونه غير جذاب أو مريح بشكل عام، قد يسمح بهامش من المعارضة التي تتباين من منطقة إلى أخرى. ويتعيّن على الأطراف الخارجية المعنية أن تعمل مع الجاليات السورية في المنفى، وأيضاً حيثما أمكن مع الناشطين في مناطق خارج سيطرة النظام، لتشكيل أحزاب وحركات سياسية، تمهيداً لإقامة نظام مابعد النزاع. كما تحتاج سورية على نحو عاجل، إضافةً إلى بناء كيانات تتجاوز الخطوط الطائفية، إلى وجود أحزاب قادرة على تمثيل أشكال متعددة من الإسلام السنّي المسيّس المنتشر حالياً بين السكان.

خامساً، على الأطراف الخارجية التي ستساعد في إعادة بناء سورية مابعد النزاع، ألّا تفرط في اعتبار الانضمام الشامل للطوائف أجمع شرطاً أساسياً ومعياراً رئيساً لاختيار شركاء في داخل البلاد. فلكي تصمد التعددية الحقيقية، ستكون قدرة الأحزاب ومجموعات الناشطين والمنظمات غير الحكومية على تحدي التراتبيات المتجذّرة، أكثر أهمية من أن تعكس عضويتها على نحو "دقيق" المزيج الإثني- الطائفي السوري.

وأخيراً، الدرس الذي يُستقى من الأزمة السورية لمواجهة النزاعات المستقبلية، هو أن الاعتماد على الأنظمة السلطوية في المجتمعات التي تهددها التوترات والنزاعات الإثنية والدينية والطائفية، هو أمر مُضلل على نحو خطير. إذ في خاتمة المطاف، سيلجأ الحكّام السلطويون إلى استغلال وتعبئة وعسكرة هذه الانقسامات الاجتماعية، كلما تعرضوا إلى تهديدات جدّية. ففي المجتمعات المُنقسمة، الاستقرار السلطوي اليوم سيلد الحرب الأهلية غداً، أو حتى ماهو أسوأ: الإبادة الجماعية.

هوامش

i حرب الثلاثين عاماً نشبت في شمال أوروبا في الفترة بين 1618-1648، وكانت حرباً دينية (بين الكاثوليك والبروتستانت) وجيو- سياسية (انغمست فيها جيوش فرنسا والسويد وإسبانيا والدنمرك وآل هابسبورغ الذين حكموا الامبراطورية الرومانية المقدسة). وضعت الحرب أوزارها، بعد ان أبادت ربع سكان أوروبا على ما قيل، مع توقيع معاهدة وستفاليا في العام 1648 (المترجم).

1  أنظر على سبيل المثال: فؤاد عجمي، "التمرّد السوري" (دار جداول، 2013).

2 Karla Adam, “Obama Ridiculed for Saying Conflicts in the Middle East ‘Date Back Millennia.’ (Some Don’t Date Back a Decade.),” Washington Post, January 13, 2016.

3 Dara Conduit, “The Patterns of Syrian Uprising: Comparing Hama in 1980–1982 and Homs in 2011,” British Journal of Middle Eastern Studies (May 13, 2016): doi: 10.1080/13530194.2016.1182421; Christopher Phillips, “Sectarianism and Conflict in Syria,” Third World Quarterly 36, no. 2 (2015): 357–76.

4 Steven Heydeman, “Syria’s Uprising: Sectarianism, Regionalisation, and State Order in the Levant,” FRIDE and HIVOS, May 2013, 17.

5 بثينة شعبان، المتحدثة باسم الحكومة، في 36 آذار/مارس 2011؛ أنظر: “Assad Adviser Warns of Sectarian Strife in Syria,” Reuters, March 26, 2011; أنظر أيضاً: كلمة متلفزة لبشار الأسد أمام البرلمان السوري في 30 آذار/مارس 2011:http://www.presidentassad.net/index.php?option=com_content&view=aarticle&id=1093:30&catid=303&Itemid=469 تردّدت كلمة "فتنة" سبع عشرة مرة في الخطاب. وهذه الكلمة تحمل دلالة دينية قوية، وغالباً ما تشير إلى الصراع الطائفي بين السنّة والشيعة. ويشي استخدامها بالرغبة في دفع المستمعين إلى تخيّل سيناريو الفتنة المذهبية.

6 Kheder Khaddour, “The Alawite Dilemma (Homs 2013),” in Playing the Sectarian Card: Identities and Affiliations of Local Communities in Syria, ed. Friederike Stolleis (Beirut: Friedrich Ebert Stiftung, 2015), 11–26. نُشرت نسخة أولية من هذا المقال في العام 2013 تحت اسم مستعار هو عزيز نكاش (Aziz Nakkash). أنظر أيضاً: Aaron Lund, “Chasing Ghosts: The Shabiha Phenomenon,” in The Alawis of Syria: War, Faith and Politics in the Levant, eds. Michael Kerr and Craig Larkin (Oxford: Oxford University Press), 79–106.

7 Phil Sands, Justin Vela and Suha Maayeh, “Assad Regime Set Free Extremists From Prison to Fire Up Trouble During Peaceful Uprising,” National, January 21, 2014.

8 أنظر على سبيل المثال التقارير حول الأحداث التي دارت رحاها في اللاذقية وحمص كما نقلها عزمي بشارة، "سورية: درب الآلام نحو الحرية: محاولة في التاريخ الراهن" (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2013).مع أن هذا الكتاب الذي يروي أحداث المرحلة المُبكرة من الثورة السورية يؤيّد هذه الثورة بشكلٍ واضح ويستند بشكلٍ أساسي إلى مقابلات أُجريت مع ناشطين سوريين، إلا أنه يطرح سردية متوازنة تميط اللثام أيضاً عن أوجه القصور التي شابت هذه الحركة وعن الانتهاكات التي ارتكبها مناصروها. لقراءة سردية مشابهة تتضمن مزيداً من التفاصيل وتضع الأحداث في سياقها التاريخي، أنظر: محمد جمال باروت، "العقد الأخير في تاريخ سورية: جدلية الجمود والإصلاح" (الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2011).

9 Phillips, “Sectarianism and Conflict in Syria,” 365.

10 يرى توماس بييريه Thomas Pierret أن اللاعبين الخارجيين اعتمدوا على التعبئة الطائفية على مضض، وبسبب غياب البدائل الأخرى؛ أنظر: Thomas Pierret, “The Reluctant Sectarianism of Foreign States in the Syrian Conflict,” PEACEBRIEF 162, U.S. Institute of Peace, November 18, 2013.

11 أنظر على سبيل المثال: Elizabeth Shakman Hurd, “Stop Trying to Make Syria’s War Into a Sectarian Conflict,” Atlantic, March 15, 2013; أو: بسمة قضماني، المتحدثة باسم المجلس الوطني السوري، في نقاش تلفزيوني على قناة "فرانس 24": “Guerre en Syria: un mini-Etat Alaouite serait-il viable ? (Partie 2),” France 24, July 24, 2012, http://www.france24.com/fr/07-24-fr-syrie-armee-syrienne-libre-bachar-el-assad-etat-alaouite-debat-partie-2.

12 Oliver Holmes, “Assad’s Devious, Cruel Plan to Stay in Power by Dividing Syria—And Why It’s Working,” New Republic, August 15, 2011.

13 Rafif Jouejati, “What Do Syrians Want?,” New Internationalist, September 1, 2015.

14 Nikolaos Van Dam, The Struggle for Power in Syria: Politics and Society Under Asad and the Ba’th Party, 4th ed. (New York: I.B. Tauris, (2011).

15 Fabrice Balanche, “‘Go to Damascus, My Son’: Alawi Demographic Shifts under Ba’ath Party Rule,” in The Alawis of Syria, eds. Kerr and Larkin, 92.أثارت سردية أن الأشخاص الآتين من الأرياف الذين يستولون على المدينة ويخضعون أمر نخب المدن أو يهمشونهم عبر تضامنهم المجتمعي القوي (أو ما يُعرف بالعصبية) تفسيرات مُستقاة من أعمال ابن خلدون، وهو مؤرّخ عاش في القرن الرابع عشر ووضع إطاراً مفاهيمياً لصعود السلالات الحاكمة وهبوطها في شمال أفريقيا (المغرب اليوم) مُستخدماً عبارات مشابهة. أنظر أيضاً على سبيل المثال:Leon Goldsmith, “Syria’s Alawites and the Politics of Sectarian Insecurity: A Khaldunian Perspective,” Ortadoğu Etütleri 3, no. 1 (July 2011): 33–60; Emile Hokayem, “‘Assad or We Burn the Country’: Misreading Sectarianism and the Regime in Syria,” War on the Rocks, August 24, 2016, http://warontherocks.com/2016/08/assad-or-we-burn-the-country-misreading-sectarianism-and-the-regime-in-syria/.برأي المؤلّف، يسهم التركيز على أهمية العوامل الهيكلية خلف تشكّل (وتحوّل) مثل هذه المجتمعات المحلية، والذي يجسّد هذه المقاربات الجديدة المُستندة إلى ابن خلدون، في تقويم التفسيرات التي تفترض أن الجماعات الدينية أو الطائفية عبارة عن كيانات تاريخية مستقلة ومتّسقة في ذاتها وعصيّة على التغيير. بيد أن هذه التفسيرات تميل إلى إعطاء أهمية مُفرطة للتضامن المجتمعي، عبر النظر إليه على أنه نمط سلوكي طبيعي وقابل للاستمرار ينبغي على الأشخاص الذين تسنّموا مقاليد السلطة أن يأخذوه في عين الاعتبار. لكن، وفقاً لفيليبس: "عندما استخدم قياديون بارزون من العلويين البعثيين، مثل صلاح جديد وحافظ الأسد، الشبكات الطائفية لتعزيز نفوذهم، كان سلوكهم ينبع من دوافع انتهازية لا شوفينية طائفية". (Phillips, “Sectarianism and Conflict in Syria,” 364)

16 Khaddour, “The Alawite Dilemma,” 19.

17 Hicham Bou Nassif, “‘Second-Class’: The Grievances of Sunni Officers in the Syrian Armed Forces,” Journal of Strategic Studies 38, no. 5 (August 2015): 626–49.

18 أنظر على سبيل المثال: Donald L. Horowitz, Ethnic Groups in Conflict (Berkeley, CA: University of California Press, 1985) 141–228.

19 Fabrice Balanche, “Géographie de la révolte syrienne,” Outre-Terre 29, no. 3 (2011): 445; Balanche, “Damascus,” 86. 

20 المصدر السابق؛ أنظر أيضاً: Khaddour, “The Alawite Dilemma,” 11.مع أن التدفّق الكبير للنازحين، جعل الأحياء العلوية في المدن الساحلية أجزاء أساسية من المدن التي تضخّمت، كانت حركة النزوح إلى دمشق محصورة بشكلٍ كبير في ضواحي المدينة. للاطلاع على وصف مفصّل لأحد هذه الأحياء الجديدة المُخصّصة لطاقم الأمن، أنظر:خضر خضّور، "غيتو ضبّاط الأسد: لماذا لايزال الجيش السوري موالياً؟"، مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 4  تشرين الثاني/نوفمبر 2015.

21 راتب شعبو، "علاقات الجماعات الأهلية في الساحل السوري"، في أساطير وواقع العلاقات بين الجماعات الأهلية في سوريا: ماضٍ مسالم ومستقبل مجهول، رستم محمود (تحرير)، مؤسسة التعاون الإنساني مع الدول النامية (Hivos)، لاهاي، هولندا، 2013، ص. 7-16.

22 Khalid Abu-Ismail, Ali Abdel-Gadir, and Heba El-Laithy, “Poverty and Inequality in Syria (1997–2007),” Arab Development Challenges Report Background Paper 2011/15, United Nations Development Program, 2011. كشف هذا التقرير أن حوالى ثلث السوريين يعيشون تحت خط الفقر، وأن حوالى 10 في المئة منهم كانوا يعانون من الفقر المدقع في العام 2007، أي قبل أن تصبح التداعيات الاجتماعية الناجمة عن موجة الجفاف التي ضربت سورية في العام 2006 واستمرّت ثلاث سنوات، ظاهرة للعيان. أنظر: Colin P. Kelley et al., “Climate Change in the Fertile Crescent and Implications of the Recent Syrian Drought,” Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America 112, no. 11 (March 17, 2015): 3241–6.

23 يستعين بشارة بقائمة أبرز مئة رجل أعمال في سورية، التي نُشرت في العام 2010 في مجلة الأعمال السورية "الاقتصاد والنقل". وقد تضمّنت القائمة عدداً قليلاً نسبياً من العلويين (16 في المئة)، بيد أنهم يتحكمون بالأكثرية الساحقة من الشركات الكبرى (سورية: درب الآلام نحو الحرية، 311). أنظر أيضاً: Alan George, “Patronage and Clientelism in Bashar’s Market Economy,” in The Alawis of Syria, eds. Kerr and Larkin, 159–79.

24 حسان عباس، "إدارة التنوع في سوريا"، مبادرة الإصلاح العربي، 20 حزيران/يونيو 2012، ص. 11.

25 Thomas Pierret, “La Syrie d’un soulèvement à l’autre. Exacerbation du confessionnalisme, déséquilibres socio­économiques et ambiguïtés géopolitiques,” in Les ondes de choc des révolutions arabes, eds. M’hamed Oualdi, Delphine Pagès-El Karoui, and Chantal Verdeil (Beirut: Presses de l’Ifpo, 2014), 221–34.

26 Laura Ruiz de Elvira and Tina Zintl, “The End of the Ba’thist Social Contract in Bashar al-Asad’s Syria,” International Journal of Middle East Studies 46, no. 2 (2014): 335.

27 Panagiotis Geros, “Doing Fieldwork Within Fear and Silences,” in Taking Sides: Ethics, Politics, and Fieldwork in Anthropology, eds. Heidi Armbruster and Anna Lærke (New York: Berghahn Books, 2008), 98.

29 Torstein Schiøtz Worren, “Fear and Resistance: The Construction of Alawi Identity in Syria” (master’s thesis, University of Oslo Department of Sociology and Human Geography, 2007).

29 ينص مرسوم رئاسي على أن عناصر الاستخبارات لايخضعون للمساءلة أمام المحاكم، بل فقط أمام رئيس أركان الجيش. وقد حدّث بشار الأسد هذا المرسوم في العام 2008 وجعله أشمل. أنظر:Leïla Vignal, “Syrie, anatomie d’une révolution,” La Vie des Idées, July 27, 2012, http://www.laviedesidees.fr/IMG/pdf/20120727_syrie.pdf, 4.

30 محادثات خاصة أجراها الكاتب.

31 قد تعبّر هذه الإشاعة تحديداً عن حالة تصوّر متفاوت للسلطة الطائفية، يظهر من خلال سردية تسلّط الضوء على عدم قدرة الرجال على حماية نساء جماعتهم من التعرض للاعتداء على أيدي رجال الجماعة الأخرى.

32 يتبدّى هذا الاعتقاد المخطئ على سبيل المثال على شكل رسم بياني نشره معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حول النخبة العسكرية-الاقتصادية في سورية. أنظر: “Syria Regime Chart,” Washington Institute for Near East Policy, May 26, 2015, http://www.washingtoninstitute.org/uploads/Documents/infographics/SyriaRegimeChart20150526v2.pdf.

33 لقراءة لمحة عامة عن مصطفى علي، وللاطلاع بشكلٍ معمّق على كيفية تعامل المثقفين والفنانين السوريين مع هامش المعارضة المحدود والمُلتبس والذي بدأ يتّسع شيئاً فشيئاً في النصف الثاني من تسعينيات القرن المنصرم، أنظر: Miriam Cooke, Dissident Syria: Making Oppositional Art Official (Durham, NC: Duke University Press, 2007), 69.

34 للاطلاع على تحليل أنثروبولوجي حول عبادة شخصية الأسد في التسعينيات، أنظر: Lisa Wedeen, Ambiguities of Domination: Politics, Rhetoric, and Symbols in Contemporary Syria (Chicago: University of Chicago Press, 1999).على الرغم من تخفيف حدّة بعض الجوانب الأساسية لهذه النزعة خلال السنوات الأولى بعد خلافة بشار الأسد لأبيه، إلا أنها لم تنحسر بل أُعيد إحياؤها بقوة بعد ثورة العام 2011.

35 Raymond Hinnebusch, Syria: Revolution From Above (New York: Routledge, 2002), 85.

36 Volker Perthes, The Political Economy of Syria under Asad (New York: I.B. Tauris, 1995), 134. حول مفهوم التشارُكية، أنظر: Howard Wiarda, Corporatism and Comparative Politics: The Other Great “Ism” (Armonk, NY: ME Sharpe, 1997).

37 نظام الاحتواء والسيطرة الانتقائيين هذا كان فعّالاً للغاية في إدارة التحديات والصراعات اليومية، لكنه لم يكن مصمّماً أو مجهّزاً للتعامل مع الديناميكيات التي ولّدتها الموجة غير المسبوقة من التعبئة العامة وانهيار الأنظمة التي اجتاحت الدول المجاورة لسورية في العام 2011. وخلال المرحلة الأولى من الثورة في درعا، أفضت المفاوضات بين القادة المحليين ومسؤولين رفيعي المستوى في النظام (وخاصة هشام اختيار، مستشار الأمن الوطني السابق في سورية) إلى تنازلات شكلية من النظام، لكنها فشلت في وضع حدٍّ للتصعيد (أنظر: باروت، "العقد الأخير في تاريخ سورية"، ص. 187). ومع أن أسباب هذا الإخفاق مدار نزاع في طبيعة الحال، إلا أن أحداث مصر وليبيا وتونس أدّت بشكلٍ واضح إلى تصوّر المحتجّين بأن ثمة فرصاً مُتاحة أمامهم، التي اعتبرها النظام تهديداً له. والنتيجة كانت ديناميكية اختلفت بشكلٍ جوهري عن الثورات المحلية التي شهدتها سورية سابقاً، فبات من المستحيل احتواء الوضع.

38 كلمة السيد الرئيس بشار الأسد على مدرج جامعة دمشق بتاريخ 20 حزيران/يونيو 2011، الموقع الإلكتروني الخاص بالرئيس بشار الأسد، http://www.presidentassad.net/index.php?option=com_content&view=article&id=1091:20-2011&catid=303&Itemid=469

39 على سبيل المثال وحتى في ظل القانون الانتخابي الأخير (الذي عُدِّل في 17 آذار/مارس 2014)، خُصّصت نسبة 50 في المئة من مقاعد البرلمان على الأقل لـ"العمال والفلاحين". أنظر: الجمهورية العربية السورية، وزارة الداخلية، القانون الرقم 5 للعام 2014، قانون الانتخابات العامة، المادة 22، http://www.syriamoi.gov.sy/FCKBIH/file/Election%20law.pdf

40 أنظر تقريرَي مازن عزي ورند صباغ حول الدور المُلتبس للغاية الذي لعبه رجال الدين المسيحيون والدروز خلال المرحلة الأولى من الصراع: Mazen Ezzi, “A Static Revolution: The Druze Community (Sweida 2013); Rand Sabbagh, “Attitudes of Christians in the Syrian Capital (Damascus 2013),” in Playing the Sectarian Card, 39–70 and 71–89.

41 في إطار الاضطرابات الطائفية (بين السنّة والدروز) في جنوب سورية خلال خريف العام 2000، أشارت بيرجيت شيبلر Birgit Schaebler إلى أن المفاوضات بين الرئيس والمجتمع المحلي دارت من خلال نخبة الطائفة الدرزية، مع استبعاد المحافظ والفرع المحلي من حزب البعث منها على السواء. أنظر: Birgit Schaebler, “Constructing an Identity between Arabism and Islam: The Druzes in Syria,” The Muslim World 103 (January 2013): 76. وعلى نحو مماثل، لفت كريستوفر فيليبس Christopher Phillips إلى أنه "حيث أن رؤساء الأحزاب أو النقابات لعبوا سابقاً دور الوسيط في النزاعات المحلية، باتت القيادات القبلية أو الدينية أو الطائفية تضطلع بهذا الدور على نحو متزايد".(Phillips, “Sectarianism and Conflict in Syria,” 367).

42 بشارة، "سورية: درب الآلام نحو الحرية"، ص. 104-5. وأيضاً: Thomas Pierret, Religion and State in Syria: The Sunni Ulama from Coup to Revolution (Cambridge, UK: Cambridge University Press, 2013), 218–21.

43 أنظر مثلاً النقاش الذي دار بين الكاتب ومراسل الوكالة العربية السورية للأنباء في برلين، حسام إسماعيل، على قناة دويتشه فيله (Deutsche Welle TV) التلفزيونية، في برنامج كوادريغا Quadriga، خلال الحلقة التي تحمل عنوان "الثورة في سورية؟" (الجزء الأول)، مقطع فيديو نشره حساب DW على يوتيوب في 30 نيسان/أبريل 2011،https://www.youtube.com/watch?v=m_4_xhy42HU

44 Peter Neumann, “Suspects Into Collaborators,” London Review of Books 36, no. 7 (April 3, 2014).

45 عباس، "إدارة التنوع في سوريا"، ص. 9.

46 “Syria VP Beaten Upon Assad’s Order: Report,” NOW, June 29, 2015,https://now.mmedia.me/lb/en/NewsReports/565509-syria-vp-severely-beaten-upon-assads-order-report.

47 Sabbagh, “Attitudes,” in Playing the Sectarian Card, 80.

48 “Myth No. 7: Alawie Is Still a Religious Sect,” Syria Exposed (blog), March 28, 2005, http://syriaexposed.blogspot.com.eg/2005/03/myth-no-7-alawie-is-still-religious.html, أنظر أيضاً: Phillips, “Sectarianism and Conflict in Syria,” 365.

49 Joshua M. Landis, “Islamic Education in Syria: Undoing Secularism” (paper prepared for “Constructs of Inclusion and Exclusion: Religion and Identity Formation in Middle Eastern School Curricula,” Watson Institute for International Studies, Brown University, November 2003).

50 Brynjar Lia, “The Islamist Uprising in Syria, 1976–82: The History and Legacy of a Failed Revolt,” British Journal of Middle Eastern Studies 43 no. 4 (2016): 541–59.

51 Kheder Khaddour and Kevin Mazur, “The Struggle for Syria’s Regions,” Middle East Report 269 (Winter 2013): 2.

52 Balanche, “Géographie de la révolte syrienne,” 449.

53 Kevin Mazur, “Local Struggles in Syria’s Northeast,” Monkey Cage (blog), Washington Post, September 9, 2014, https://www.washingtonpost.com/news/monkey-cage/wp/2014/09/09/local-struggles-in-syrias-northeast/.

54 Khaddour and Mazur, “The Struggle for Syria’s Regions,” 3.

55 Lund, “Chasing Ghosts,” 215–7.

56 قد يبدو هذا النظام المتمتع بنوع من الحكم الذاتي الجهوي في انسجام تام مع المنطلق الإيديولوجي لحزب العمال الكردستاني منذ أوائل القرن الحالي. أنظر: هايكو ويمن ومُظّهِر سلجوق، "صعود الأكراد في سوريا"، نشرة صدى، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 2 شباط/فبراير 2013، http://carnegieendowment.org/sada/?fa=50857&lang=ar.

57 أنظر: George, “Patronage and Clientelism in Bashar’s Market Economy.”

58 Pierret, “La Syrie d’un soulèvement à l’autre.”

59 Khaddour, “The Alawi Dilemma”; Leon Goldsmith, “Alawi Diversity and Solidarity: From the Coast to the Interior,” in The Alawis of Syria, eds. Kerr and Larkin, 141–58.

60 Raphaël Lefevre, “The Muslim Brotherhood’s Alawi Conundrum,” in The Alawis of Syria, eds. Kerry and Larkin, 128. حدّد لوفيفر عدد الضحايا من (العلويين) عند ثلاثة وثمانين. أما الرقم الرسمي فبلغ اثنين وثلاثين.

61 ذكر فولكر بيرتس Volker Perthes الرفض الشامل للتدخل السوري في لبنان، وحدّد عدم المساواة الاجتماعية والفساد من بين الأسباب الإضافية، أنظر:Perthes, Political Economy, 4.

62 على سبيل المثال، بعد المحاولة المحبوكة الفاشلة لاغتيال الرئيس السابق حافظ الأسد في 26 حزيران/يونيو 1980، تمّ إطلاق النار على المئات من الإسلاميين المزعومين المحتجزين في سجن تدمر داخل زنزاناتهم، أنظر: Patrick Seale, Asad: The Struggle for the Middle East (Berkeley, CA: California University Press, 1988), 329.

63 تمّت مطاردة أعضاء جماعات يسارية متطرفة، لكن لا تميل إلى العنف، مثل حزب العمل الشيوعي، وتعذيبهم بشكل قاسٍ، والحكم عليهم بالسجن لفترات طويلة لغاية أواخر ثمانينيات القرن الماضي، وقد أُطلق سراح العديد منهم بعد مرورعقد من الزمن فقط أو أكثر.

64 أمارتيا صن Amartya Sen، "الهوية والعنف: وهم المصير الحتمي" (الكويت، عالم المعرفة، 2008)؛ أنظر أيضاً: Brubaker, Ethnicity Without Groups, 2.

65 Worren, Fear and Resistance, 91.

66 Khaddour and Mazur, “The Struggle for Syria’s Regions,” 2.

67  حوارات خاصة أجراها الكاتب مع سوريين مسيحيين، 1991-1992.

68 Arjun Appadurai, “Dead Certainty: Ethnic Violence in the Era of Globalization,” Development and Change, vol. 29, no. 4, 1998, 905–925.

69 باروت، "العقد الأخير في تاريخ سورية"، ص. 195.

70 بشارة، "سورية: درب الآلام نحو الحرية"، ص. 321-2.

71 باروت، "العقد الأخير في تاريخ سورية"، ص. 211-3.

72 "قوات الأمن في سورية تضرب المعتقلين في البيضا بانياس"، مقطع فيديو على يوتيوب نشره syrianagent2011، 14 نيسان/أبريل 2011، (يحوي مشاهد عنيفة) https://www.youtube.com/watch?v=PVPDZji4-f4&skipcontrinter=1&bpctr=1460570945

73 "قتل الشهيد نضال جنود"، مقطع فيديو على يوتيوب نشره SYRIALIFE، 21 نيسان/أبريل 2011، (يحوي مشاهد عنيفة)https://www.youtube.com/watch?v=wFHcKm5f41Aأنظر أيضاً: بشارة، "سورية: درب الآلام نحو الحرية"، ص. 323.

74 المصدر السابق، ص. 109؛ ومقاطع فيديو ترويجية للمشروع لاتزال متاحة، أنظر: "حلم حمص"، مقطع فيديو على يوتيوب، نشره حساب Mohammed Al-Tenawi، 15 شباط/فبراير 2014، https://www.youtube.com/watch?v=hcCo-hLAKk0 أو: مقطع فيديو على يوتيوب بعنوان "Homs Dream project, Homs City, Syria"، نشره حساب MsSyriano، 23 تشرين الأول/أكتوبر 2010، https://www.youtube.com/watch?v=4UOT_GQeIfo

75 بشارة، "سورية: درب الآلام نحو الحرية"، ص. 325.

76 وفق خضّور (“The Alawi Dilemma”, 14)، الذي استشهد بقول ضابط علوي متقاعد في الجيش، إن "قوات الأمن عملت على تعبئة العلويين، وبخاصة الشباب الذين كانوا عاطلين عن العمل. فقامت بحشدهم وتنظيم صفوفهم وأرسلتهم إلى المناطق السنّية في حمص لقيادة التظاهرات المؤيدة للنظام".

77 استناداً إلى ناشطين نقل عنهم بشارة (سورية: درب الآلام نحو الحرية) قولهم إن قوات الأمن حاولت في بداية الأمر إقناع المتظاهرين بالتفرق، ومحذّرة من خطر وقوع اشتباكات طائفية.

78 Khaddour, “The Alawi Dilemma,” 14.

79 بشارة، "سورية: درب الآلام نحو الحرية"، ص. 114، هامش 47.

80 المصدر السابق، ص. 117، هامش 54.

81 Heiko Wimmen, “Divisive Rule. Sectarianism and Power Maintenance in the Arab Spring: Bahrain, Iraq, Lebanon and Syria,” German Institute for International and Security Affairs, March 2014.

82 Venetia Rainey, “Evidence of Massacre as Syrians Demand Assad Exit,” Week, April 20, 2011, http://www.theweek.co.uk/politics/syria-uprising/6097/evidence-massacre-syrians-demand-assad-exit.

83 للاطلاع على تقرير حول مناخ العنف والانتقام الطائفيين الذي كان سائداً في حمص في أوائل العام 2012، أنظر: Jonathan Littell, Syrian Notebooks: Inside the Homs Uprising (London: Verso, 2015).

84 بشارة، "سورية: درب الآلام نحو الحرية"، ص. 110.

85 Salwa Ismail, “The Syrian Uprising: Imagining and Performing the Nation,” Studies in Ethnicity and Nationalism 11, no. 3 (2011): 540.   أنظر أيضاً: "ميثاق شرف ضد الطائفية في سورية"، الذي تمّ توقيعه من قبل أكثر من 600 مثقف سوري ونشره في 10 آذار/مارس 2011، https://www.facebook.com/notes/153001424759618/.  

86 محادثات خاصة أجراها الكاتب (عبر فايسبوك ميسيجير) مع ناشطين سوريين، تموز/يوليو – أيلول/سبتمبر 2011.

87 باروت، "العقد الأخير في تاريخ سورية"، ص. 229.

88 خلال المرحلة الأولى من الانتفاضة، كان الناشطون السوريون على اتصال مباشر مع ناشطين إيرانيين شاركوا في الحركة الخضراء، إذ كانوا يقدمون لهم المشورة حول التكتيكات والاستراتيجيات المستخدمة في التظاهرات (محادثة خاصة أجراها الكاتب على فايسبوك ميسينجير مع طالب ناشط سوري مقيم في حلب، في صيف العام 2011). وتمّ تطبيق هذه التقنية أيضاً في البحرين، لكن أيضاً مع محصلات غامضة. وخلال صيف وخريف العام 2011، برزت حدّة التكبير، كما ورد في وسائل التواصل الاجتماعي، كنوع من مقياس للنشاط والدعم الثوريين في مواقع محددة (ملاحظة شخصية للكاتب حول صفحات ناشطين ومعارضين على فايسبوك).

89 Khaddour, “The Alawi Dilemma,” 22.

90 ياسين الحاج صالح، "مكوّنان مدني وأهلي في الانتفاضة السورية"، صحيفة الحياة، 14 حزيران/يونيو 2011.

91 محمد جمال باروت، "السلفية الشعبوية في سورية وثورات المجتمعات المحلية"، صحيفة الحياة، 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2011.

92 Muriel Asseburg and Heiko Wimmen, “Dynamics of Transformation, Elite Change and New Social Mobilization in the Arab World,” Mediterranean Politics 21, no. 1 (October 2015): 1–22.

93 Reinoud Leenders, “Master Frames of the Syrian Conflict: Early Violence and Sectarian Response Revisited,” Project on Middle East Political Science, June 9, 2016.

94 Richard N. Haass, “The New Thirty Years’ War,” Council on Foreign Relations, July 21, 2014; “Joshua Landis on ISIS, Syria & the ‘Great Sorting Out’ in the Middle East,” YouTube video, posted by “DU Center for Middle East Studies,” October 7, 2014, https://www.youtube.com/watch?v=_-roW5Y7vbw.

95 عصام الخفاجي، "برلمان ذو مجلسين في العراق وسوريا"، مبادرة الإصلاح العربي، 30 حزيران/يونيو 2016؛ وللاطلاع على اقتراح مبكر ينادي بمثل هذا الحل، أنظر: Stephan Rosiny, “Syria: Power Sharing as an Alternative to Regional Conflagration,” German Institute for Global and Area Studies, 2013.

96 Khaled Yacoub Oweis, “Local Dynamics in the Syrian Conflict,” German Institute for International and Security Affairs, July 2016.