المصدر: Getty

هل مِن حرية ورخاء وديمقراطية لغزة؟

يقول الرئيس الأميركي جو بايدن إنه يريد "حريةً ورخاءً وديمقراطية" لغزة. فما الخطوات التي عساه أن يتخذها لكي يُصبحَ مرادهُ واقعًا؟

 زها حسن
نشرت في ٧ يونيو ٢٠٢١

اقصِف، عمِّر، أَعِد الكَرَّة، هي الدورة السائدة في غزة منذ ما يزيد على عقدٍ من الزمن. ما الذي يتطلبه كسرُ هذه الحلقة المفرغة؟ في أعقاب وقف إطلاق النار المعلن في 21 أيار/مايو بوساطة مصرية بين حماس وإسرائيل وإنهاء أحد عشر يومًا من العنف المكثف، وعدت الإدارة الأميركية بتقديم الإغاثة الإنسانية إلى غزة ودعم إعادة الإعمار. وكخطوة أولى، بعثت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية مستشارًا في الشؤون الإنسانية إلى القدس للعمل مع السلطة الفلسطينية. ولكن صلاحيات السلطة الفلسطينية الإدارية تنتهي عند تخوم جيوب الضفة الغربية التي تمارس عليها حكمًا ذاتيًا محدودًا منحتها إياه إسرائيل، ولا تزال حماس حركةً إرهابية وفق التصنيف الأميركي. وهذا يعني أن الأمم المتحدة سوف تُضطرُّ إلى أداء دورٍ كبير في إيصال المساعدات.

غير أنَّ الفلسطينيين في غزة، وإنْ نجحت تلك الجهود، سوف يحتاجون إلى ما هو أكثر بكثير من المساعدات الإنسانية لتحقيق الاستقرار على المدى البعيد. فهم بحاجةٍ إلى خطةٍ إنمائيةٍ مستدامة، والقدرة على التجارة، وفرص عملٍ، ومعالجة الأضرار البيئية بسبب عمليات القصف الإسرائيلية المتعاقبة، ناهيك عن مياه الشرب وخدمات الصرف الصحي.

والأهم من ذلك أن الفلسطينيين بحاجة إلى "حرية ورخاء وديمقراطية" كما قال الرئيس الأميركي جو بايدن، مشيرًا ربما إلى احتمالِ أن تتبنى إدارته مقاربةً مستندةً إلى الحقوق لحل النزاع. غير أن التركيز الآن على الحقوق بعد عقودٍ من السياسة الأميركية التي همَّشت حقوق الفلسطينيين وأمنَهم يقتضي تصورًا جديدًا لانخراط الولايات المتحدة في غزة وعلاقتها الثنائية بالفلسطينيين.

إنهاء سياسة إسرائيل لفصل غزة

تُطبّق إسرائيل منذ آلت مقاليد الحكم في غزة من السلطة الفلسطينية إلى حماس في العام 2007 سياسةً أكثر صرامةً تجاه القطاع لفصله عن الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية. ولم يقدِّم المسؤولون الإسرائيليون سببًا منطقيًا واضحًا، ولكنهم يبررون هذه السياسةَ على أساس دوافع سياسية وأمنية مبهمة. وهذه السياسةُ في كل الأحوال جزءٌ من سياق أكبر من فصل الفلسطينيين، بحيث ظلت السياسة الإسرائيلية منذ قيام الدولة في 1948 تهدف إلى منع عودة اللاجئين - نحو 70 في المئة من الفلسطينيين في غزة هم لاجئون من أراضي 1948 - وإلى تفكيك المجتمعات الفلسطينية ضمن حدود إسرائيل المعترف بها وفي الأراضي المحتلة. وكانت محصِّلةُ ذلك قمعُ الهوية الوطنية الفلسطينية وشلّ الهياكل السياسية المنظَّمة القادرة على تمثيلها.

لقد ضربت سياسة الفصل حصارًا فعليًا يحولُ دون تنقّل الناس والبضائع بحرية، ويتسبب بكوارث صحية جعلت القطاع بيئةً غير صالحة للعيش. ويُعزى السببُ في تجدد أعمال العنف المتوسطة والشديدة بين حماس وإسرائيل إلى الظروف غير الإنسانية. فغالبًا ما تلجأ حماس للعنف كأداةٍ تفاوضية لإجبار إسرائيل على تخفيف القيود المفروضة على غزة (للسماح بحرية أكبر في الخروج من القطاع ودخوله، أو زيادة كمية الوقود أو الإمدادات الأخرى، أو رفع القيود المفروضة على مناطق صيد الأسماك التي يتسنى للفلسطينيين الوصول إليها بأمان). أمّا إسرائيل، فيمنحها العنفُ الفرصة لتحجيم قدرات حماس العسكرية أو لإذكاء مشاعر السخط لدى العامة إزاء الحركة الإسلامية من خلال استراتيجية استخدام القوة المفرطة ضد الأهداف المدنية - ولكن من دون أن تكون هناك خطة واضحة أو واقعية لِما بعد حماس. وبالنسبة إلى الفلسطينيين في غزة، فإن القيود المفروضة بموجب تلك السياسة تحول بينهم وبين أداء الأنشطة الاقتصادية، حتى الأساسية منها.

لكسر هذه الحلقة المفرغة، ينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل مع إسرائيل لإنهاء الحصار. وهذا يعني إعادة الربط بين غزة والضفة الغربية، كما وافقت على ذلك إسرائيل بموجب اتفاقية أوسلو الثانية، وإزالة القيود المفروضة على الحركة للسماح للفلسطينيين في غزة بالسفر من القطاع وإليه بحرية، وممارسة الأنشطة الاقتصادية الاعتيادية. وقد أمست الحاجةُ إلى هذه الخطوات أكثر إلحاحًا بالنظر إلى تفشي فيروس كورونا في غزة، ووفاة الطبيب المسؤول عن إدارة الوباء، وتدمير مركز فحص كوفيد-19 الوحيد في القطاع بسبب القصف الإسرائيلي الأخير.

دعم المصالحة والانتخابات الفلسطينية

لقد ترك الانقسامُ السياسي بين فتح وحماس الفلسطينيين بلا قيادةٍ موحدة بينما تواجه حركتُهم الوطنية تحدياتٍ جسيمةً. إنّ الانقسام في السلطة بين غزة الخاضعة لحكم حماس والسلطة الفلسطينية الخاضعة لحكم فتح في الضفة الغربية يعود بنتائجَ كارثيةٍ على قاطني غزة بشكل خاص، إذ يكابدون تحديات الحياة تحت الحصار، وكذلك العنف والقصف الإسرائيلي المتكرر. يقوِّض غيابُ القيادة أيضًا فرصَ الحل السياسي الدائم بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، ويُعطي إسرائيل ذريعة لإدامة حصارها على غزة واحتلالها العسكري. وما يزيد الطين بلة أن الولايات المتحدة تحظر الدعمَ عن حكومة السلطة الفلسطينية إذا ضمَّت حماس أو تأثرت من دون داعٍ بنفوذها. ومن شأن ذلك أن يثني السلطة الفلسطينية عن العمل من أجل تحقيق المصالحة الوطنية.

يتسبب الخلل الإداري الناجم عن انقسام الضفة الغربية الخاضعة لفتح/السلطة الفلسطينية وقطاع غزة الخاضع لحماس في معاناةٍ إضافية للفلسطينيين القاطنين في القطاع. فمن أجل الضغط على حماس، تلجأ السلطة الفلسطينية في بعض الأحيان إلى تعليق الدفعات لإسرائيل لقاء تزويدها غزة بالكهرباء، وتدفعها بذلك إلى قطع إمدادات الكهرباء المحدودة أصلًا. وتلجأ السلطةُ أيضًا إلى قطع رواتب موظفي الخدمة المدنية في غزة أو تقليصها. وبالنظر إلى ارتفاع مستويات الفقر، وانعدام الأمن الغذائي، والبطالة في غزة، تغدو تلك الإجراءات أكثر إيلامًا لسكان القطاع.

ومن دون المصالحة الوطنية الفلسطينية، سوف تتكرر الهجمات الإسرائيلية على غزة. وتُضطرُّ حماس، لأنها غير منضوية تحت المظلة السياسية للهيئات والمؤسسات الوطنية الفلسطينية التمثيلية، إلى تمييز نفسها عن السلطة الفلسطينية وترسيخ شرعيتها ومصداقيتها بطرقٍ أخرى. فرفضها إطارَ أوسلو والتنسيقَ الأمني مع إسرائيل - سبب وجود السلطة الفلسطينية - يدعمه فلسطينيون كثيرون، على الرغم من أن القيادة الفلسطينية تتجاهله. وهكذا، فإن حلقات العنف الشديد المتكررة بين إسرائيل وحماس تُعطي الحركة الإسلامية فرصةً لتحدي السلطة الفلسطينية وإسرائيل معًا ولتأكيد شرعيتها الشعبية. وقد تجلَّت هذه الديناميكية أثناء موجة العنف الأخيرة التي اندلعت بسبب التهديد الإسرائيلي بتهجير عائلات فلسطينية من القدس الشرقية المحتلة للمرة الثانية، وبسبب اعتداءات الشرطة الإسرائيلية على المسلمين المصلين في الحرم الشريف وحتى داخل المسجد الأقصى. وعلى الرغم من وقوع الضحايا والدمار، تعززت شعبية حماس في الضفة الغربية المحتلة، ولا سيما في القدس الشرقية حيث لا تملك السلطة الفلسطينية الولاية وظلت متفرجةً في الغالب أو انبرت أحيانًا لمنع المظاهرات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.

ينبغي على إدارة بايدن أن تدعمَ المصالحة بين حركتي فتح وحماس، وتشكيل حكومةِ وحدةٍ وطنية. ومن خلال العمل مع الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والحلفاء الأوروبيين ومجموعة ميونيخ (بما فيها مصر وفرنسا وألمانيا والأردن) وقطر، يتعيّن على الولايات المتحدة أن تستغلَّ مساعداتها المقدمة في إطار إعادة الإعمار لتعزيز جهود التجديد السياسي الفلسطيني التي تشمل عقد الانتخابات الفلسطينية وضم حماس إلى منظمة التحرير الفلسطينية. ينبغي على الولايات المتحدة أيضًا أن تعملَ مع إسرائيل لتضمنَ ألا تعرقلَ إجراءَ الانتخابات، وأن تمنح الفلسطينيين حرية الترشح والانتخاب في القدس الشرقية.

تبنَّت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منذ العام 2007 سياسةَ القطيعة مع حماس لعزلها وتجويعها ماليًا وإعادة السلطة الفلسطينية إلى غزة. غير أن هذه السياسة لم تفشل فحسب، بل ساهمت أيضًا في مفاقمة الظروف اللاإنسانية التي يعانيها سُكان القطاع، إذ يعتمد أكثر من 80 في المئة منهم على مساعدات المانحين. تُصرُّ اللجنة الرباعية للشرق الأوسط، التي تقودها الولايات المتحدة وتضم في عضويتها الاتحادَ الأوروبي والأممَ المتحدة وروسيا)، على أن تُلبي حماس ثلاثةَ شروط قبل أن يتسنى تقديم الدعم السياسي والمالي لحكومة السلطة الوطنية الفلسطينية التي تضم حماس: الاعتراف بإسرائيل، ونبذ العنف، وقبول الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل. لكن هذه المتطلبات لم تُحرِّك حماس، وتشكِّلُ عقبةً في طريق المصالحة الفلسطينية، ولا تنطبق على إسرائيل بالمثل. يُضاف إلى ذلك أن تلك السياسة أسهمت في إدامة شرعية حماس عوضًا عن تقويضها. وسيزداد تبريرها صعوبةً بالنظر إلى أن السلطة الفلسطينية الوحيدة التي تنخرط معها إسرائيل في مفاوضات دورية (وإنْ كانت غير مباشرة) هي حماس.

بدلاً من ذلك، ينبغي على إدارة بايدن أن تدعو حماس إلى قبول القانون الدولي ومبادئ منظمة التحرير الفلسطينية رسميًا كأساسٍ للحوار والعمل المستقبلي مع الولايات المتحدة. وبعدها ينبغي أن تصبحَ مبادئ اللجنة الرباعية مقياسًا - وليس خطًا أحمر - تُستخدم كذلك لقياس مدى امتثال إسرائيل للاتفاقات الموقعة مع منظمة التحرير الفلسطينية ومدى التزاماتها كسلطة احتلال (خاصة في ما يتعلق برفع الحصار ووقف العنف ضد المدنيين والبنية التحتية المدنية). وهذه المقاربة تُعطي أملًا أكثر بجلب حماس إلى الوسطية وإنهاء العنف الشديد الذي يشل التنمية في غزة، وستعطي الفلسطينيين أيضًا شيئًا من الشعور بالأمن والقدرة على التعافي من الصدمات المتراكمة.

تمكين القطاع الخاص من التنمية والاستثمار

لقد أفضت العوائق الاقتصادية والعمليات العسكرية الكبرى المتكررة على مدى سنوات إلى تدمير الاقتصاد في قطاع غزة. فوفقًا لمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)، تراجعَ الناتج المحلي الإجمالي لقطاع غزة بين عامي 1994 و2018 من 28 في المئة إلى 13 في المئة؛ حيث تراجعت مساهمة الصناعة التحويلية بمقدار النصف إلى 8 في المئة، وتراجعت مساهمة القطاع الزراعي من 9 في المئة إلى 5 في المئة. وانخفضت مساهمة غزة في الاقتصاد الفلسطيني من الثلث والنيف في عقد التسعينيات إلى أقل من الربع في السنوات الأخيرة، وبات نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الوقت الحاضر يقلُّ عن نصف نظيره في الضفة الغربية. ولو كان باستطاعة قطاع غزة الحصول على مدخلات الإنتاج كما الضفة الغربية، لأمكن أن تكون معدلات النمو أعلى بثلاث مرات من المعدلات الفعلية. إن "العزلة المفروضة عن الأسواق العالمية" هي ما "يُجبر على... الاعتماد المفرط على إسرائيل في التجارة" - وهذا يعود بالنفع على الاقتصاد الإسرائيلي.

لا تعاني غزة نقصَ الأفكار حول كيفية تغيير الأمور فيها. فقد وضعَ فاعلون بارزون في القطاع الخاص الفلسطيني (بالتشاور مع الجهات المعنية) في العام 2015 خطةً إنمائيةً ورؤيةً مكانية لتطوير قطاع غزة. وبموجب الخطة، يمكن لغزة أن تستوعبَ 3.5 مليون شخص، وتوفرَ ما يزيد على مليون فرصة عمل، وتضاعفَ الناتج المحلي الإجمالي خمسةً وعشرين مرةً مقارنةً مع الأرقام الحالية بحلول العام 2050. ورأس المال متوفر للاستثمار، ولكن القيود المفروضة على التنمية الاقتصادية تمنع القطاع الخاص الفلسطيني، والشتات، من ضخ الأموال في القطاعات الإنتاجية في غزة والضفة الغربية. ولذا لن تنفكَّ أفضلُ خطط التنمية الموضوعة لتطوير قطاع غزة تفشلُ طالما يظلّ الفلسطينيون محرومين من الوصول إلى أرضهم ومواردهم الطبيعية؛ ومحصورين في استخدام تقنية الجيل الثاني (2G) بسبب سيطرة إسرائيل على الطيف الكهرومغناطيسي، الأمر الذي يَحوُل دون إقامة مجمَع تكنولوجي في غزة التي تمتلك إمكانيات كبيرة في هذا المجال؛ وممنوعين من تشييد موانئ لمزاولة النزر اليسير من الأنشطة التجارية والاقتصادية.

إنَّ اتخاذ بعض الإجراءات البسيطة مثل زيادة إمكانية الوصول إلى الأراضي الزراعية ومناطق صيد الأسماك واحتياطيات الغاز الطبيعي، يمكن أن يزيد رخاء الفلسطينيين في غزة على الفور. وبالرغم من أن نصف سكان غزة يعانون انعدامَ الأمن الغذائي، ويتلقى ثلثاهم المساعدات، فإن الجيش الإسرائيلي يحظر على المزارعين الزراعة في 35 في المئة من الأراضي الزراعية الشحيحة في غزة، ويحظر على صائدي الأسماك الوصول إلى 85 في المئة من مناطق صيد الأسماك الممتدة على طول قطاع غزة. وعلى الرغم من أن احتياطيات الغاز الفلسطينية القابعة قُبالة شواطئ غزة تكفي لتلبية حاجة الفلسطينيين وتزيد، يفتقر القطاع بشدةٍ إلى الطاقة ويعتمد على إسرائيل في 60 في المئة من احتياجاته من الكهرباء. وقد تسبَّب غياب مصدر الطاقة الموثوق إلى تقويض القدرة التصنيعية والإنتاجية في غزة.

بدلاً من معالجة الحصار مباشرةً، انشغلت الولايات المتحدة والمانحون الدوليون في التعامل مع تداعيات العنف المتكرر بين إسرائيل وحماس. ولأن الولايات المتحدة ترفض التعامل مع حماس، ظلت جهود إعادة الإعمار في غزة بطيئةً ومكلفة، تعرقلها الأساليب الالتفافية الموضوعة لتفادي مشاركة حماس، والتي تتيح لإسرائيل منع دخول المواد والمعدات إلى غزة. وما لم تتوصل الولايات المتحدة إلى تسويةٍ جديدة مع حماس كما فعلت مع غيرها من الجماعات والسلطات الحاكمة الأخرى المنبوذة، فسيمرّ أي دعمٍ تقدِّمه الولايات المتحدة حاليًا لجهود إعادة الإعمار أن يمرَّ عبر ما يُسمى آلية إعادة إعمار غزة. وهي آلية مؤقتة توسطت لاستحداثها الأمم المتحدة ووافقت عليها إسرائيل والسلطة الفلسطينية في أعقاب القصف الإسرائيلي على غزة في العام 2014. وكان يُفترض بها أن تسمحَ بإقامةِ مشاريعَ واسعةِ النطاق وأن تُفضي إلى رفع جميع الإغلاقات المفروضة على القطاع، لكنها جعلت تنميته رهينة المخاوف الأمنية للحكومة الإسرائيلية، بغض النظر عن آثارها على صحة سكان غزة ورفاههم.

ينبغي الاستعاضةُ عن آلية إعادة إعمار غزة بآلية جديدة تجمع أصحاب المصلحة (الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية ومصر وقطر) القادرين على الالتفاف على القيود الإسرائيلية المفروضة على دخول السلع والمعدات إلى قطاع غزة، إذ يستطيع هؤلاء الفاعلون أن يُنشئوا ممرًا يمتد مباشرةً من ميناء العريش المصري إلى معبر رفح الحدودي للمساعدة في تسريع الشحنات المرتبطة بإعادة الإعمار وخفض التكاليف. ومع ذلك، ينبغي فصل التنسيق القائم بين أصحاب المصلحة المشاركين في إعادة الإعمار عن مفاوضات تثبيت وقف إطلاق النار الجارية بين حماس وإسرائيل ومصر والولايات المتحدة كي لا تُلقى على عاتق مصر التزاماتُ إسرائيل كسلطة احتلال، في ما يتعلق برفع الحصار وتسهيل حركة الأشخاص والبضائع من القطاع وإليه.

خاتمة

قد يبدو الحديثُ عن إعادة إعمار غزة مبكرًا كثيرًا لأن العنف لم يكد يخبو، ولأن المهمةَ المقبلة معقدةٌ جدًّا ولا تسمح بإجراء تقييم سريع. لكن مراجعةَ سياسة الولايات المتحدة وسُبل توظيفها لمنع نشوب العنف في المستقبل وتعزيز الحقوق والأمن الإنساني هي خطوة طال انتظارها. والمطلوب الآن هو تأمين حقوق الفلسطينيين في غزة.

ينبغي على الولايات المتحدة أن تولي الأولوية لإنهاء الحصار الإسرائيلي والقيود المفروضة على غزة. فالعزلة التي تضربها إسرائيل على قطاع غزة وسكانها البالغ عددهم قرابة مليوني نسمة تمنع المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتضمن تجدد أحداث العنف الشديد، وتفرض على الفلسطينيين ظروفًا غير إنسانية. وهي تُجهِض بذلك لأجلٍ غير مسمى أي اتفاق سلامٍ شامل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية - الذي يُعدّ هدف السياسة الأميركية - وتشتري لإسرائيل الوقت والنفوذ السياسي لترسيخ سيادتها على الضفة الغربية. ولن يُحقق ذلك، بأي حالٍ، الحريةَ والديمقراطية والرخاء للفلسطينيين.