تشرفت الأسبوع الماضي بمقابلة جلالة الملك بمعية عدد من كبارالمسؤولين الحاليين والسابقين، شدد خلالها جلالته على أهمية العمل الجماعي والجاد في تنفيذ مخرجات منظومة التحديث السياسي وتحقيق النتائج المرجوة منها، سياسياً واقتصادياً وإدارياً. اللقاء تطرق إلى مواضيع عدة بينها أهمية الهوية الوطنية الأردنية باعتبارها من بديهيات الأداء الجماعي، وعنصراً أساسياً لا يحتمل التهميش أو الاقصاء لضمان نجاح هذا الأداء.
كما تطرق للمغالطات الأخيرة التي صاحبت الحديث عن مصطلح الهوية الوطنية الأردنية ووصفها بـ "الجامعة" لمكونات المجتمع الأردني، واعتباره مقدمة لتغييرات جيوسياسية تتعدى موضوع الاصلاحات الداخلية اللازمة للنهوض بالواقع الاقتصادي والسياسي ومعالجة الاختلالات الادارية والتي من شأنها أن تنعكس إيجاباً على مستوى معيشة المواطن الأردني من خلال خلق فرص عمل حقيقية ومستدامة.
الجدل حول هذا المصطلح هو جديد قديم، يخرج علينا بين الحين والآخر، ولا بد من مناقشته علناً وبصراحة مطلقة دون أية تشنجات.
لعل العديد منا أسير في الكثير من الأحيان لمصطلحات تُوقع بعضنا في شراك نظرية المؤامرة، واسقاطها على كل صغيرة وكبيرة وإخراج المصطلح من سياق الحديث دون استيعاب مضمونه. وفي حالة الهوية الوطنية الأردنية الجامعة، توقف البعض عند كلمة "الجامعة" ليفسرها دون نقاش على أنها تعني تذويب لبعض الهويات الفرعية، أو مقدمة لتوطين عدد كبير من الفلسطينيين في الأردن. وهناك الكثيرون ممن يفضلون عدم الخوض في هذا الموضوع، ويرون أن الحل الأفضل يكمن في إنكاره وتجنب النقاش حوله، علٌ الوقت يتكفل بحله.
بداية، كل هوية وطنية هي جامعة تعريفاً، لأن الهوية الوطنية مظلة لكافة الهويات الفرعية. وهي الهوية التي تتفيأ بها كافة هذه الهويات، سواء كانت اثنية أو دينية أو فكرية أو جندرية. ولا تنتقص الهوية الوطنية من أي من هذه الهويات الفرعية أو تُذيبها، لكنها لا تسمح في الوقت ذاته أن تتغول أي من هذه الهويات الفرعية على الهوية الأم. إذاً، يأتي وصف كلمة "جامعة" في إطار التأكيد على الهوية الوطنية الأردنية التي تحتوي كافة الهويات الفرعية وتحتفي بها، وليس في إطار تفتيت المجتمع أو الانتقاص من أي من هذه الهويات.
ويبدو أنه لا يزال هناك خلط، بشكل مقصود أو غير مقصود، بين مفهومي المواطنة والتوطين. بات من الواضح اليوم عدم وجود أردني منتمي واحد، أياً كان منبته أو جنسه، يقف مع التوطين. كما لا يوجد فلسطيني وطني واحد داخل القدس أو الأراضي الفلسطينية المحتلة يُريد التخلي عن أرضه مقابل ذلك أيضاً.
لكن التصدي للتوطين لا يجوز أن يُصبح معارضة للمواطنة. والفرق بينهما شتان. المواطنة المتساوية مفهوم ايجابي وضروري لمنعة الأردن. وهو موضوع بت فيه الدستور بشكل حاسم، وجعل من كل حامل رقم وطني أردني، مواطناً كامل الدسم. كما يُحصن هذا المفهوم، الجبهة الداخلية اليوم ويقف سداً منيعاً أمام المحاولات الخارجية لزعزعة استقرار هذا البلد الذي نحافظ عليه جميعاً بقرة العين، وهو كفيل بالتصدي لكل المحاولات الاسرائيلية لإنهاء القضية الفلسطينية على حساب الأردن. وقد عرّف الدستور الأردني عام 1952، المواطنة الأردنية بكل وضوح في المادة السادسة منه، والتي نصت على أن "الأردنيين أمام القانون سواء، لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين". وأشير هنا إلى ما قاله في منتهى الوضوح دولة الأخ عبد الرؤوف الروابدة في محاضرة له ألقاها في عام 2012 حين أكد أنه "يجب أن يكون واضحاً للجميع أن الهوية الوطنية هي هوية واحدة جامعة لكل مكونات المجتمع الوطني وهي حق مطلق لكل من يحمل جنسية الوطن، وهي ترفض الاقصاء أو التهميش لأي طرف فالوطن لجميع أبنائه".
إن الهوية الوطنية الأردنية الجامعة، عكس ما يريد البعض تصويره، هي عنصر قوة الدولة الأردنية والسلاح الأكثر نجاعة ضد محاولات اسرائيل المتكررة لشرذمة المجتمع الأردني وخلق أكثر من هوية وطنية واحدة داخل الوطن الواحد بحيث يسهل عليها تصفية الصراع العربي الاسرائيلي على حساب الأردن من خلال طمس الشخصية الوطنية الأردنية التي تميزت منذ نشأتها بتنوع مكوناتها من حملة الأرقام الوطنية سواء من أصل شرق أردني أو فلسطيني أو شركسي أو شيشاني أو سوري أو أرمني أو غيرها.
الهوية الوطنية الأردنية الجامعة صمام أمان وعامل استقرار وضرورة أكيدة لمنعة الأردن وبناء مستقبله، وقد آن الأوان للاحتفاء بكافة مكونات هذا المجتمع، بما في ذلك الاحتفاء بكل الهويات الفرعية، طالما أدركنا بأن مثل هذا الاحتفاء لا يلغي حقيقة أن ما يجمعنا جميعاً هو هوية أردنية تُظلل كل الهويات الأخرى. فما من بلد استطاع النهوض والازدهار في ظل التفريق بين مواطنيه جهراً أو سراً. فلتُحصّن هويتنا الجامعة جبهتنا الداخلية، ولتقف سداً أمام كل المحاولات التوطينية، ولنبن بلداً مستنداً الى مواطنة يتفيأ بظلها الجميع.
تعليقات القراء(3)
نعم للهوية الجامعة ،
الهوية الجامعة لها تأثير ايجابي على الاقتصاد والوحدة الوطنية بين مكونات كل الشعب الاردني ؟ يعني عملية التوطين غير واردة من جميع مكونات الشعب الاردني وحتى الشعب الفلسطيني في الداخل لا يمكن ان يعيد التجربة الاولى والثانية مهما كان قسوة الاحتلال ؟ حقيقة انا حضرت مقابلة معالي السيد مروان على فضائية رؤيا وكان الموضوع الهوية الجامعة واوضح ايجابياتها المتعدده والتي تخدم كل مناحي الحياة للمواطن الاردني خالص تحياتي
مقال مهم جدا من الاستاذ مروان على أثر لقاء الملك عبد الله بن الحسين وترسيخ مفهوم المواطنة الجامعة للاردن بما يتكون وبمسؤولياته الوطنية والعربية والفلسطينية بشكل خاص تأتي في وقتها الضروري. شكرا لمعالي استاذ مروان
سياسة التعليقات
التعليقات التي تتضمن لغة غير لائقة، وحملات شخصية، أو أي مواد أخرى غير لائقة، ستحذف. فضلاً عن ذلك، المدرجات غير الموقعة أو التي تحتوي على "توقيعات" من شخص آخر غير المؤلف الحقيقي، ستحدف. وأخيرا، ستتخذ خطوات لحجب المُستخدمين الذين يخرقون أي معيار من معايير النشر وشروط الاستخدام، وسياسات الخصوصية أو أي سياسات أخرى تحكم هذا الموقع. أنت مسؤول كلياً عن مضمون تعليقك.