المصدر: Getty
دراسة

الإسلام والسياسة في مصر الثورة

يُعاد تشكيل القوى الإسلامية في مصر، بما فيها جماعة الإخوان المسلمين والأحزاب السلفية، بشكلٍ جذري وغير متوقع، نتيجةً لمشاركتها المتزايدة في السياسة.

نشرت في ٢٣ أبريل ٢٠١٣

مامن شكّ في أن تغييراً جذرياً يجري في أعقاب الثورة المصرية. إذ يؤدّي الإسلام دوراً مختلفاً وأكثر قوّة في الحياة العامة المصرية. بيد أن التركيز على تنامي نفوذ القوى الإسلامية يخفي تطوّراً لايمكن التنبّؤ به يجري تحت السطح. وتتم عملية إعادة تشكيل جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين ومجموعة من مؤسّسات الدولة ذات الصلة بالإسلام بوسائل عميقة ويصعب فهمها، ولكن لايمكن التنبّؤ بها، من خلال مشاركتها المتزايدة في الحياة السياسية.

 القوى الإسلامية

  • أظهرت جماعة الإخوان المسلمين المهيمنة حالياً براعة تكتيكية في تحقيق انتصارات انتخابية. لكنها لازالت في حاجة إلى تكوين رؤية استراتيجية واضحة تمكّنها من التحوّل من حركة اجتماعية معارضة مكرّسة لإصلاح المجتمع كلّه إلى حزب سياسي تنافسي.

  • حظي السلفيون أيضاً بنجاح انتخابي، رغم أن خبرتهم السياسية تقلّ كثيراً عن خبرة الإخوان. ومع ذلك، يجب عليهم تحديد كيفية الجمع بين تفانيهم الذي لايتزعزع تجاه الحقيقة الدينية وبين التنازلات الضرورية في اللعبة السياسية الديمقراطية. ويجب عليهم كذلك معرفة كيفية تشكيل تنظيمات سياسية منضبطة من رحم قيادة من الدعاة والعلماء كانت مشتّتة في السابق.
     
  • اكتسبت المؤسّسات الدينية، مثل الأزهر، مركز التعلّم السنّي الرئيس في البلاد، دوراً أكثر بروزاً، وهو الدور الذي تمّ النصّ عليه أحياناً في النصوص الدستورية والإجراءات الرسمية. غير أن من المرجّح أن تُبقي الضغوط الداخلية والخارجية، التي تأتي جنباً إلى جنب مع المركزية في الحياة العامة، معارك السيطرة على هذه المؤسّسات مشتعلة. وفي نهاية المطاف، قد يجد الأزهر، على وجه الخصوص، أن كل خطوة يخطوها نحو زيادة المركزية تبعده أكثر عن الاستقلالية.

الاتجاهات الأساسية

تجري عملية إعادة تشكيل القوى الإسلامية من خلال مشاركة هذه القوى في الحياة السياسية. إذ تنهمك جماعة الإخوان المسلمين والسلفيون ومؤسّسات الدولة ذات الصلة بالإسلام في بيئة جديدة، غير مدركين وغير قادرين على السيطرة على الوسائل التي ستغيّرهم الحياة السياسية من خلالها. 

لاتتبع مصر مسار إيران نحو الحكومة الثيوقراطية (الدينية)، لكن عندما يدخل الدين عالم السياسة فهو لن يبقى على حاله. إذ لايحصل رجال الدين على مناصب ذات سلطة سياسية، وتستمر مؤسّسات الدولة في العمل، ولاتزال الممارسات الديمقراطية قادرة على التقدّم ببطء، مع أنها مهدّدة بصورة متزايدة بالتشكيك والاستقطاب.

سيؤدّي الدين بلا شكّ دوراً كبيراً في مصر مابعد الثورة، مع أن الدور الذي سيلعبه بالضبط غير واضح. وقد تستنتج القوى الإسلامية التي ترغب في استغلال سلطة الدولة لبناء مجتمع أكثر تديّنا يوماً ما أنه كان عليها أن تعبّر عن أمانيها بصورة أكثر حذراً.

مقدمة

تمخّضت الانتفاضة الشعبية في مصر في العام 2011، والتي قامت باسم الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية عن تغيّرات جذريّة في بُنى السياسة المصرية. ومع ذلك، يعبّر الكثيرون ممن شاركوا فيها عن قلق وخيبة أمل بالغين من نتائجها. فقد كانت الخطوات التي اتُّخِذَت لتحقيق الأهداف المحفّزة، لكن العامة جداً، للحشود الثورية محدودة في أحسن الأحوال، واتُّخِذَت بعض الخطوات الأخرى في الاتجاه الخطأ. 

وسواء كانت النتائج جيدة أو سيئة، ثمّة تغير أساسي يحصل الآن بلا ريب، حيث يؤدّي الإسلام، الذي نادراً ماكان ساكناً قبل العام 2011، دوراً أقوى في الحياة العامة المصرية. 

كان هذا الاتجاه موضع خلاف شديد، مع أنه كان واضحاً. فقد دارت صراعات مريرة حول العلاقة بين الدين والسياسة في الدستور الجديد والمحاكم ووسائل الإعلام والسياسات الإنتخابية والثقافة. وحتى قبل أن تتم تسوية تلك الصراعات، يبدو جلياً أن القوى الإسلامية تتمتّع بموقف قوي ومهيمن في بعض المجالات. 

إذ تخوض القوى الإسلامية بيئة جديدة هي غير قادرة على السيطرة عليها وغير مدركة لبعض الوسائل التي تغيّرها من خلالها. 

بيد أنه تجري عملية إعادة تشكيل لهذه القوى الإسلامية نفسها من خلال مشاركتها في الحياة السياسية، وربما أكثر من خلال سلسلة الانتصارات السياسية التي حقّقتها. فالتركيز على تأثير هذه القوى فقط ينطوي على الفشل في ملاحظة أنها، هي نفسها، تتطور وغالباً بوسائل لم يكن قادتها يتوقّعونها وليس في وسعهم إلا أن يأملوا بتوجيهها. بالنسبة إلى مصر، لاينحصر السؤال في الكيفية التي سيشكّل الإسلام والقوى الإسلامية والمؤسسات الإسلامية الحياة السياسية في مرحلة مابعد الثورة، بل في كيفية تشكيل الحياة السياسية الجديدة لتلك القوى. 

ثمّة العديد من التغييرات المتنوعة وغير المحدّدة التي تجري الآن داخل الحركات الاجتماعية والسياسية مثل جماعة الإخوان المسلمين والحركة السلفية ومجموعة من مؤسّسات الدولة ذات الصلة بالإسلام. بيد أن هناك سمة أساسية واحدة تغلب على جميع تلك التغييرات والتي تتمثّل بالنتائج غير المقصودة. إذ تخوض القوى الإسلامية بيئة جديدة هي غير قادرة على السيطرة عليها وغير مدركة لبعض الوسائل التي تغيّرها من خلالها. 

جماعة الإخوان المسلمين 

كانت السنتان الماضيتان حافلتَين لجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي قُمِعَت ولوحقت وتعرّضت سمعتها إلى التشويه لأكثر من نصف قرن.1  فقد باتت الجماعة تسيطر الآن على الرئاسة ويبدو أنها مستعدة لإزالة العراقيل أمام انخراط أعضائها في مجموعة من مؤسّسات الدولة، بدءاً من وسائل الإعلام وربما وصولاً إلى الجيش. فقد أمكن للحركة توجيه العملية الدستورية، ولم تواجه بعد ندّاً لها في صناديق الاقتراع. 

النجاح الانتخابي الذي حققته جماعة الإخوان جعل من قادتها ديمقراطيين قانعين، لابل معتدّين بأنفسهم في بعض الأحيان. لقد اجتهد هؤلاء القادة لسنوات طويلة في ظل افتراض متفائل الأمل بأن قيمهم تمثّل قيم الأغلبية الصامتة. وهم يشعرون الآن بأن هذا الافتراض قد ترسّخ باعتباره حقيقة واقعة بالنسبة إلى مَن يهتمّون بالبحث. 

ولذلك أصبح من السهل عليهم تقبّل الآليات الانتخابية، رغم أن انتصاراتهم قد تمخّضت عن شيء من فلسفة الأغلبية والازدراء الصامت لما يرون أنهم - سواء كانوا محقّين أم لا – منافسيهم المزعجين والمفكّكين على الصعيد الانتخابي من غير الإسلاميين. 

لكن تبقى الحقيقة المتمثّلة في أن جماعة الإخوان المسلمين لم تُؤسَّس في الأصل لخوض غمار السياسة ولا لتولّي الحكم بالتأكيد. فقد تبيّن أن هذه الحركة تتمتّع بقدرة فائقة على إدارة الانتخابات، ولكن ليس بصورة مقصودة بالضبط، حيث تمكنّت من الاعتماد على سمات وخصائص حركة إصلاح إيديولوجية ودينية في الترشّح والفوز مراراً وتكراراً. هذا الأمر مثير للإعجاب لأن تنظيم الإخوان المسلمين بُني في ظل ظروف سلطوية لجذب أعضاء متفانين ومجتهدين ممن يتميّزون بنوعية إسهاماتهم، وليس لاستمالة أشخاص ضعيفي الالتزام يشتهرون بكمّ أصواتهم. 

لكن تبقى الحقيقة المتمثّلة في أن جماعة الإخوان المسلمين لم تُؤسَّس في الأصل لخوض غمار السياسة ولا لتولّي الحكم بالتأكيد.

لكن قادة الحركة يستمرّون في مخادعة إحساس قوي بأنهم لايزالون محاصَرين، على الرغم من ثقتهم بأن جماعة الإخوان المسلمين تمثّل الإرادة الشعبية. فالحركة ممزّقة بين ماضيها بوصفها ضحية مطاردة ومستقبلها المرتقب كحزب حاكم. ففي الماضي، وبينما لم يكن قادة الحركة يخفِون شعورهم بالقدرة على تولّي السلطة السياسية في نهاية المطاف، فإنهم لم يكونوا مهيأين تماماً للقيام بذلك بسرعة. فهم لايزالون يتحاشون الحديث كما لو كانوا قد سعوا إلى السلطة، بل كما لو أن الشعب المصري هو الذي استدعاهم. 

على المدى القصير، ولّد المزيج المربك المتمثّل في تسلُّم الإخوان مقاليد السلطة في الوقت الذي كانوا لايزالون يشعرون بأنهم يتعرّضون إلى حملات تشكيك وارتياب بهم، كما تعترضهم بعض العثرات السياسية. بيد أن التحدّيات لاتزال أكثر صعوبة من اللغة والتكتيكات؛ فهي تدخل في عمق إيديولوجية الحركة وتنظيمها. 

على المستوى الإيديولوجي، شهدت حركة الإخوان عملية تسييس تدريجية لرسالتها على مدى العقود القليلة الماضية، واستمرّ هذا التوجه بزخم غير متوقع في العامين الماضيين. لطالما أصر قادة حركة الإخوان المسلمين - التي تشكلت باعتبارها حركة تُعنى بالإصلاح العام في عشرينيات القرن الماضي – على أن السياسة ليست سوى جزء من رسالتهم وليس الجزء الأهم بالضرورة. وتدّعي رؤيتهم للإصلاح أنها شاملة تضم المجالات الاجتماعية والشخصية والتعليمية والثقافية والخيرية والأسرية. 

ومع ذلك، تم توجيه معظم طاقات حركة الإخوان خلال العامين الماضيين نحو السياسة.2  وعندما سألت أحد أعضاء مكتب الإرشاد في الحركة قبل سنة عن الأنشطة غير السياسية للحركة، اقتصرت إجابته على تنهيدة. وقد أبرزت الفترة الفاصلة بين قيام الثورة وبين الوضع الحالي توجّه حركة الإخوان نحو السياسة. 

هذا لايعني أن جماعة الأخوان لم تعد تولي اهتماماً للمجالات الأخرى، إلا أن أعضاءها يظهرون بشكل متزايد مؤشّرات على أنهم ينظرون إلى معظم أعمالهم من منظور سياسي. إذ تعكف الحركة حالياً على تنقيح مناهجها، وهي قائمة المواد المقروءة التي يجتمع الأعضاء لدراستها ومناقشتها في مجموعات صغيرة،3  حيث يتحدّث المطلعون على العملية عن الابتعاد عن الكتابات الأكثر ملاءمة لجهة معارضة وحركة اجتماعية والاتجاه إلى مؤلفات إسلامية عن الحكم. 

من الشائع أن نسمع في المناقشات السياسية المصرية كلاماً عن "أخونة الدولة"، وهي العملية التي يتمكّن من خلالها أعضاء الحركة من الدخول وربما الهيمنة على المؤسّسات الرسمية التي كان الإسلاميون ممنوعين من دخولها في السابق. بيد أن هذا يخلق، من وجهة نظر الحركة، تحدّياً يصفه أحد الناشطين (بصورة تفتقر إلى اللباقة لكن ربما ببعد نظر) بأنه "دولنة جماعة الإخوان"4  – أي ميل الحركة المتزايد للنظر إلى المجتمع المصري من وجهة نظر المؤسّسات الحكومية التي بدأت تتولّى هي إدارتها. 

ستتعرّض الحركة التي تفخر بقدرتها على الإمساك بمواقع ثابتة، ولكنها تبدي أيضاً قدرة كبيرة ومرونة في الممارسة العملية، إلى ضغط حقيقي عندما تحاول أن تحكم.

ستتعرّض الحركة التي تفخر بقدرتها على الإمساك بمواقع ثابتة، ولكنها تبدي أيضاً قدرة كبيرة ومرونة في الممارسة العملية، إلى ضغط حقيقي عندما تحاول أن تحكم. التنازلات ضرورية، لابل إنها تمثّل جوهر السياسة، ولذا لم يجد الإخوان صعوبة كبيرة في قبول الفكرة القائلة إن أفضل سبيل للتعاطي مع الرؤية طويلة الأمد هو من خلال سلسلة من الخطوات التدريجية قصيرة الأمد. 

غير أن السياسة المرتبطة بمنطق الأمد القصير للدورة الانتخابية، فضلاً عن مقتضيات إدارة مجتمع فقير جداً ودولة واقعة ضمن شبكة من التحالفات والالتزامات الدولية، يمكن أن تنطوي على المخاطرة بجعل التنازلات قصيرة الأمد أكثر استدامة أو مستمرّة بطبيعتها. وليس ثمّة من مؤشّرات تذكر على أن قيادة الإخوان قد فكرت كثيراً في كيفية توطيد رؤيتها الإيديولوجية في مثل هذه الظروف. 

يتعيّن على جماعة الإخوان أيضاً التكيّف مع بيئة جديدة ينسب فيها تقصير الهيئات الحكومية شيئاً فشيئاً إلى الحركة. فقد نالت جماعة الإخوان المسلمين نصيبها وأكثر من الدعاية السلبية في السابق. إذ شهّر نظام حسني مبارك بجماعة الإخوان بشتى الأشكال بدءاً بالإرهاب وصولاً إلى التحالف المزعوم مع الولايات المتحدة. غير أن البيئة الجديدة مختلفة تماماً. فأي مشكلة أو عثرة سياسية – بدءاً بوقوع حادث في شيكة السكك الحديدية الحكومية مروراً بالارتفاع في معدل البطالة وانتهاءً بتزوير الإنتخابات – لاتعرّض صورة الإخوان إلى التشويه وحسب، بل تنفّر الشعب أيضاً من أي شكل من أشكال الرؤية الإسلامية للسياسة والمجتمع. 

وبالفعل، بدأت نبرة الذعر والخوف تطغى على حديث شرائح مهمة من المجتمع كانت ردت في البداية على صعود الإخوان بشيء من الشكّ المشوب بالحذر. كما بدأ الاستقطاب السياسي يمهّد الطريق أمام نزع الشرعية المتبادل بين القوى الإسلامية وغير الإسلامية. ولم يسبق لحركة الإخوان أبداً أن تحمّلت مثل هذا العبء. 

تنبع التحدّيات التنظيمية كذلك من غزوات جماعة الإخوان الناجحة بصورة مفاجئة في عالم السياسة. فقد اشتهرت الحركة دائماً بوحدتها وانضباطها تحت قيادة مرشد عام ومكتب إرشاد متواضع في عدد أعضائه الذي يتراوح عموماً بين خمسة عشر إلى عشرين عضواً. لكن يمكننا القول الآن إنه لم يعد للحركة رئيس واحد بل ثلاثة، هم المرشد العام محمد بديع ورئيس حزب الحرية والعدالة سعد الكتاتني، والرئيس المصري محمد مرسي. 

كل واحد من الرؤساء الثلاثة مستقلّ من الناحية النظرية وله مجموعة منفصلة من الهياكل الخاصة بالاستشارات واتّخاذ القرارات. إذ يدّعي الحزب والحركة أنهما ينسّقان في مابينهما بشأن القضايا الاستراتيجية والإيديولوجية ولكن ليس بشأن عملية اتخاذ القرارات اليومية، وليس للرئاسة أي سلطة رسمية على الحركة، كما أنه لاسلطة رسمية للحركة أو الحزب على الرئيس. 

 فأي مشكلة أو عثرة سياسية – بدءاً بوقوع حادث في شيكة السكك الحديدية الحكومية مروراً بالارتفاع في معدل البطالة وانتهاءً بتزوير الإنتخابات – لاتعرّض صورة الإخوان إلى التشويه وحسب، بل تنفّر الشعب أيضاً من أي شكل من أشكال الرؤية الإسلامية للسياسة والمجتمع.

ومع ذلك، لاتزال الأطراف الثلاثة المذكورة تعمل سوية، مستندة إلى تاريخ الحركة والأواصر الشخصية القوية التي كانت السرّ وراء قدرة الإخوان على التغلّب على المشاكل في ظروف أقل ملاءمة. حاز الزعماء الثلاثة على السمعة الطيبة بسبب ولائهم الخالص لتنظيم الإخوان مايعني أن العالم ربما لايبدو مختلفاً جذرياً بالنسبة إليهم على الرغم من وجهات نظرهم المختلفة اليوم. 

لكن لامناص من الاعتراف بحقيقة أنه سيكون لتصرّفات الرئيس تأثير بالغ على تنظيم لايمكن أن يعتبره مسؤولاً أو أن يُنظَر إلى المرشد العام باعتباره يتحدث نيابة عن الرئيس سواء فعل أم لم يفعل. وحتى وإن توافقوا تماماً فإن جماعة الإخوان استطاعت حلّ مشكلة التنسيق بين القادة أو الهيئات المختلفة في الماضي من خلال التسلسل الهرمي والانضباط، وهما أداتان لايمكن وضعهما قيد الاستخدام بسهولة في البيئة الجديدة. فقد تزداد التوتّرات والخلافات على المدى الطويل. 

كما أن التحدّي التنظيمي لايرقى أبداً إلى القيادة. فقد تأسّس التنظيم في إطار السعي إلى إنجاز رسالة جماعة الإخوان في أسلمة الإصلاح في ظروف غير مواتية. وقد أسبغت جماعة الإخوان، التي تتألف من خلايا مترابطة هرمياً من الأتباع المتفانين، المسؤولية على الأفراد (وأرهقتهم إلى حدّ بعيد) على أساس ولائهم الثابت للتنظيم. 

في المقابل، الحزب السياسي مهيّأ للفوز بالأغلبية الإنتخابية على المستوى الوطني (وهو الأمر الذي لم تحاول جماعة الإخوان أن تفعله في الماضي). وبالتالي سيضطر الحزب إلى مكافأة القدرة على الحصول على الأصوات والتركيز بشكل أكبر على الشعبية الواسعة والمهارات المنفتحة من النوع الذي كانت الحركة تعتبره ثميناً، ولكن نادراً ما اعتبرته حاسماً. 

لاتكمن المشكلة فقط في طبيعة المهارات التي تسعى جماعة الإخوان إلى تنميتها. فقد أصبح من الصعوبة بمكان تجنّب الخروج بانطباع مفاده أن معظم الأعضاء النشطين والمؤهلين في الحركة حوّلوا اهتمامهم إلى الحزب السياسي. ولعلّ زيارة يقوم بها المرء إلى مكتب حزب الحرية والعدالة تكشف عن نشاط كبير، غير أن زيارة المقر الرئيسي للحركة في القاهرة تبيّن أن كوادرها يتحرّكون بوتيرة أكثر رويّة. 

لايظهر قادة الحركة أي قدر من القلق بشأن التوتّرات التنظيمية التي تسببها الهيئات البارزة للحركة وللحزب. ففي بعض الأحيان يعترف القادة بشكل غير مباشر بوجود نقاشات حول تأثير عملية التسييس على الحركة، لكنهم يبدون ارتياحهم تجاه تطور يعتبرونه منطقياً، حيث سيتّجه حزب الحرية والعدالة تدريجياً نحو المزيد من الاستقلال والعضوية المستقلة، وتستمر جماعة الإخوان بمجموع أعضائها من ذوي التركيز الشامل والأكثر انضباطاً.

يقرّ قادة جماعة الإخوان وقادة حزبها أن الحزب اضطر في الحملات الانتخابية التي قام بها حتى الآن إلى الاعتماد على الحركة لحشد المؤيدين وجلب الناخبين، لأن الحزب غير قادر إلى الآن على الإعتماد على قدرته التنظيمية وعناصره فقط. لكن مع مرور الوقت، يتوقّع القادة بثقة أن يتّضح أكثر تقسيم العمل بين الحزب والحركة، وسينبثق حزب الحرية والعدالة على الساحة باعتباره هيئة مستقلة تماماً وقادرة على اتّخاذ قراراتها والتشبّث بمواقعها والاعتماد فقط على التوجيهات العامة لإيديولوجية الحركة بدلاً من التنسيق مع قيادتها عن كثب.

في الواقع، قرار جماعة الإخوان المفاجىء في العام 2013 بتسجيل الحركة كمنظمة غير حكومية في إطار القانون القائم منذ عهد مبارك سيضعها أمام التزام قانوني بتنحية السياسة جانباً. وفي ظل التداخل القوي بين الحركة والحزب، من المرجّح أن يعتمد حزب الحرية والعدالة على أنصاره الأساسيين من الإخوان لسنوات عديدة مقبلة، بيد أن الامتثال للقانون قد يخلق بعض التمايز التنظيمي الذي يعدّ لازماً من أجل تجنب تزويد الخصوم بالأدلّة القانونية التي تدعم حجّتهم. 

هناك حافز للتحرك في هذا الاتجاه على أي حال. فإذا ما أرادت الحركة اللجوء إلى أعضائها الأساسيين فقط، فلن يتمكن الإخوان من الفوز في الانتخابات أبداً. إذ قدّر مراقبون موثوقون لجماعة الإخوان في حوار شخصي أن حجم تأييدها الأساسي يبلغ حوالى 4 ملايين ناخب.5  وحتى في الإنتخابات التي لايشارك فيها سوى ثلث الناخبين المؤهلين للإدلاء بأصواتهم (تباينت نسبة الإقبال كثيراً ومن الصعب جداً تقديرها)، من شأن هذا المستوى من الدعم أن يجعل جماعة الإخوان تفوز بربع المحصّلة النهائية. ربما يكون هذا كافياً لتشكيل أكبر كتلة برلمانية وإرغام أي مرشح رئاسي على خوض جولة حاسمة؛ إلا أن ذلك غير كافٍ في أي من الحالتين. وإذا ما أرادت الحركة كسب المزيد من الأصوات، فسيتعيّن عليها جذب من هم أقلّ ولاءً للتنظيم الذين قد يصوّتون بخلاف ذلك للسلفيين أو للأحزاب غير الإسلامية. 

تتمثّل المهمة التنظيمية للحركة في السنوات المقبلة في وضع مجموعة من الهياكل التي يمكن أن تساعد على تقسيم العمل وليس شقّ صف المؤمنين. بعبارة أخرى، تحتاج جماعة الإخوان إلى بناء حزب قادر على جذب العديد من المنتسبين من دون إضعاف عزيمة وانضباط أتباعه الأساسيين. ويجب أن يكون حزب الحرية والعدالة قادراً على رسم مساره الخاص الذي يتميز، إلى حدّ ما، عن مسار حركة الإخوان المسلمين من دون أن ينحرف كثيراً عن مهمّته الأساسية. 

لكن إذا ماكان المسار الذي ترغب الحركة باتباعه واضحاً على المدى الطويل، فليس من الواضح أنه تم اتّخاذ أي خطوات حقيقية في هذا الاتجاه، أو أن القادة حاولوا حقاً السيطرة على الاختلافات الإيديولوجية أو التنظيمية المحتملة التي قد تنشأ مع مرور الوقت. ولكي نكون منصفين، فقد تحدّثت جماعة الإخوان عن مثل هذه القضايا واتّخذت سلسلة من القرارات (تشكيل حزب وكبح جماحه إلى حدّ ما 6)، لكنها لم تُعطِ مؤشّراً على أن في وسعها توجيه القرارات الرئيسة على المدى الأطول. 

يكمن التحدّي الحقيقي بالنسبة إلى جماعة الإخوان حيال الأمور السياسية في حقبة مابعد الثورة في تقرير كيفية الاستمرار في أن تمثّل أشياء عدة في الوقت نفسه. فالمراقبون الذين يتساءلون عما إذا كانت الحركة ستتمزّق أو تفشل، ربما يتجاهلون الأخطار الرئيسة. فالسؤال ليس ما إذا كان التنظيم سيبقى على حاله، حيث من المحتمل أن يزدهر، بل هو ما إذا كانت الحركة قادرة على البقاء وفية لرسالتها في أسلمة الإصلاح. 

يكمن التحدّي الحقيقي بالنسبة إلى جماعة الإخوان حيال الأمور السياسية في حقبة مابعد الثورة في تقرير كيفية الاستمرار في أن تمثّل أشياء عدة في الوقت نفسه.

لم يكن الذين انتقدوا جماعة الإخوان في الماضي بكونها مهتمة بالسلطة السياسية فقط دقيقين تماماً. فالأرجح أن يقبع أحد كبار قادة الحركة اليوم في السجن على أن يأمل في الإقامة في قصر الرئاسة. وعندما يتحدث قادة الإخوان المسلمين عن استدعائهم للخدمة قبل أن يشعروا بأنهم على أتم الاستعداد لذلك، فهم ليسوا مخادعين تماماً فيما يقولون. غير أن مثل هذا النوع من النقد أصبح يكتسب فجأة بعض الشرعية في البيئة الجديدة بعد الثورة.

 تمثّلت استجابة الحركة للفرص السياسية المتاحة لها، رغم السمعة التي اكتسبتها عن جدارة على صعيد توخّي الحذر، في المزاوجة بين رؤية استراتيجية غامضة لسلسلة من القرارات الخاصة حول كيفية خوض الانتخابات، وتنظيم الحملات الانتخابية، وتشكيل التحالفات، وبين السعي إلى تولّي مناصب وانتهاج سياسات تخذل الطموح المتهوّر الذي يقتل صاحبه أكثر من الدقّة المنهجية للاعب شطرنج من الطراز الأول.

السلفيون

السلفيون عديمو الخبرة نسبياً في المجال السياسي؛ بيد أنهم حققوا نجاحات انتخابية سريعة (أنظر الملحق لإلقاء نظرة على الجماعات والأحزاب السلفية في مصر). ورغم حداثة دورهم السياسي البارز، فقد قدمت السياسة إليهم العديد من التحدّيات نفسها التي واجهها خصومهم الإسلاميون الأكثر تمرّساً في جماعة الإخوان، والتي كانت كافية لدفع البعض إلى الحديث عن "أخونة" السلفيين.7  

لكن خلافاً للإخوان المسلمين، لم يكن أمام السلفيين وقت كافٍ لإعداد أنفسم أو وضع تكتيكات للتعاطي مع الضغوط الإيديولوجية والتنظيمية. وفي حين واجهوا تلك التحدّيات بقدر أقلّ من التماسك، فإن هذا لم ينتقص من نجاحهم السياسي.8  

أظهرت الحركات السلفية قبل العام 2011 ثلاثة اختلافات ملحوظة عن جماعة الإخوان. تمثّل أولها في أن اهتمامهم بالتفسير الصحيح للنصوص واتباع الممارسة المناسبة تفوق على جميع اهتماماتهم الأخرى (ما أكسبهم في بعض الأحيان لقب "النصوصيين"). وعلى عكس المقاربة الأكثر حرية لزملائهم الإسلاميين في جماعة الإخوان الذين يقرّون بمعقولية العديد من التفسيرات، سعى السلفيون إلى إيجاد أفضل تفسير ممكن (وصحيح بالتالي) وتطبيقه على السلوك الشخصي. 

أما ثاني تلك الاختلافات فيكمن في أن الحركات السلفية تميل إلى أن تكون أقل تنظيماً من الناحية الرسمية باعتبار ذلك مسألة تتعلق بالاختيار. ولاشك أنه كانت هناك تنظيمات رسمية نشطة في المجالين الاجتماعي والخيري، غير أن جوهر الحركة السلفية يتمثّل بجماعات غير رسمية (رغم أنها نادراً ماتكون غير منظّمة) من الأتباع لعلماء محدّدين. 

ويتمثّل الاختلاف الثالث في ميل السلفيين إلى أن يكونوا أقلّ التزاماً في الانخراط في المجتمع الأوسع، لكنهم نادراً ماكانوا يتجنّبون المشاركة الاجتماعية، وكان لهم في الواقع حضور متزايد في مناطق عديدة في مصر، بيد أن أسلوبهم كان يتّجه أكثر نحو وعظ المؤمنين وتقديم القدوة الحسنة. كان السلفيون كأفراد يظهرون بوضوح في المجتمع المصري لمن يهتمون بالمراقبة، لكن الكثيرين لم يهتموا، وبالتالي فقد تجاهلوهم للتركيز على ماهو أهم منهم. في المقابل، جعلت جماعة الإخوان نفسها عصيّة على التجاهل. فقد اندفعت إلى البرلمان والنقابات المهنية وأي مؤسّسة أخرى غير محظورة على الحركة. 

يصرّ قادة السلفيين اليوم على أن المراقبين أساءوا فهم الاهتمامات العملية على أنها مبدئية، حيث لم يكن غيابهم عن المجال السياسي بدوافع دينية أو إيديولوجية. وبدل ذلك، هم يزعمون الآن أنه لم يكن هناك مجال كبير لهم في ظل الدولة الاستبدادية. 

ربما ينطوي هذا التأكيد على قدر معقول من الحقيقة، غير أن في وسع المشكّكين الذين يرون وجود تحوّل واضح الإشارة إلى الطريقة التي أظهر فيها بعض القادة البارزين في الماضي ليس مجرّد عدم اكتراث تجاه الحاكم السابق، بل أظهروا شعوراً إيجابياً بالولاء له (وفقاً لبعض تفسيرات حسن السلوك في المجتمع الإسلامي)، ونأوا بأنفسهم عن الثوار. 

وبالفعل، يواصل العديد من القادة السلفيين البارزين إلى يومنا هذا التعامل مع السياسة باستهتار. ويضيف الإخوان ميزة لمثل هذه الاتهامات عن حصول تحوّل نوعي زاعمين أن النظام السابق سمح للسلفيين بأن يترعرعوا بحيث يتمكّن دعاتها من احتلال الفضاء الاجتماعي الذي كان يمثّل بطبيعة الحال جمهور أنصار جماعة الإخوان. 

وبغضّ النظر عن السبب وراء نأي السلفيين عن السياسة، لم يستغرق الأمر سوى بضعة أشهر بالنسبة إلى بعض السلفيين لاغتنام الفرص الجديدة بحماسة. وقد خاضوا غمار السياسة عبر دعم الاستفتاء الدستوري الذي جرى في آذار/مارس 2011 باعتباره وسيلة لحماية البند الذي ينصّ على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع في الدستور المصري. 

وبعد أن تجاوز السلفيون هذا الهدف بسرعة، بدأوا بوضع مقاربة أكثر شمولية للقضايا الدستورية، حيث أصرّوا على أن البند الذي جاهدوا لحمايته قد صيغ بعبارات غامضة (ويحتمل تفسيرات مرنة) وأنه يفتقر إلى المعنى. 

كما أضاف السلفيون إلى هذه القدرة المتزايدة على إظهار مطالب تتم وفق برنامج معيّن جهازاً تنظيمياً شاملاً من خلال الاعتماد على التنظيمات والشبكات القائمة لتشكيل بعض الهيئات السياسية على نحو بيّن. ولاشك أن بعض السلفيين كانوا مألوفين ظاهرياً طوال الوقت، حيث سعوا إلى إقناع المصريين بأن يكونوا أكثر صلاحاً وتديّناً ولائقين في تعاملهم. غير أنهم لم يحاولوا استغلال هذه المهارات في تشكيل حزب سياسي وهو ماتغيّر في غضون أشهر قليلة بعد سقوط مبارك. في البداية كان حزب النور هو الأنجح على هذا الصعيد، وهو تنظيم أبدى قدرة على تعبئة الناخبين السلفيين، والتواصل مع الأنصار المتعاطفين معه، وصياغة نداءات شعبية حول القضايا الاجتماعية والاقتصادية موجّهة إلى جمهور أوسع بسرعة مذهلة. 

كيف يمكن لمثل هذا التحول المفاجىء إلى الخارج أن يغيّر حركة ظلت إلى الآن منطوية على نفسها؟ مامن شك في أن معظم القادة السلفيين قد اغتنموا الفرص السياسية الجديدة بحماسة (رغم أنه يتم أحياناً التعبير عن بعض الآراء المعارضة أو المشكّكة). لكن ليس ثمّة دلالة أساسية على أن هؤلاء القادة أدركوا طبيعة التحدّيات الإيديولوجية والتنظيمية التي سيواجهونها.

من الناحية الإيديولوجية، على سبيل المثال، احتاج القادة السلفيون الذين ركّزوا على الممارسة والتراث القانوني الإسلامي فجأة إلى معرفة كيفية اتّخاذ مواقف بشأن التشريعات الإيجابية وحتى المشاركة في صياغة القوانين أو المواد الدستورية في البرلمان. 

أظهر مقطع فيديو، تم تداوله على نطاق واسع أثناء الجدل بشأن الدستور، أحد الزعماء السلفيين البارزين (ياسر برهامي)، وهو يبرّر الموافقة على الدستور لأنصاره من خلال الإشارة إلى الإمكانات التي يشتمل عليها من ناحية الأسلمة.9  شعر الخصوم المصدومون الذي يميلون إلى النظر إلى دستور العام 2012 باعتباره حصان طروادة إسلامياً بأن لديهم دليلاً دامغاً، وسواء كانوا يمتلكون الدليل أم لا، فقد أظهر الفيديو شيئاً آخر أيضاً وهو اضطرار زعيم سلفي بارز إلى تقديم حلول وسط لأتباعه الذين كانت بين أيديهم وثيقة لم تتضمّن سوى القليل من المواد التي تشتمل على مضمون إسلامي واضح. وأظهرت حقيقة أن الزعيم كان بحاجة إلى إقناع مؤيديه باستخدام مصطلحات نفّرت غير الإسلاميين، المعضلات التي تواجه جميع السياسيين في الترتيبات الديمقراطية. 

في هذه الحالة، كانت التنازلات التي اضطرّ واضعو الدستور من السلفيين إلى تقديمها أكثر بكثير مما بدا أنذاك للمشكّكين من غير السلفيين؛ فقد انطوى بندان حاسمان على خطر تعريض مصر إلى التحوّل إلى دولة دينية في نظر القوى المناهضة للإسلاميين، لكنهما لم يكونا مثاليين بالضرورة بالنسبة إلى السلفيين. فالمادة الرابعة عزّزت دور الأزهر، وهو المؤسسة غير الودودة إلى حدّ كبير تجاه السلفيين حتى الآن. وعرّفت المادة 219 "مبادىء الشريعة الإسلامية" بقدر أكبر من التكريم لقرون من الفقه الإسلامي مما أظهره السلفيون نظراً إلى تفضيلهم الانتقال مباشرة إلى النصوص التأسيسية والتقليل من شأن الفقه التقليدي.

وفي حين كانت الضغوط السلفية هي التي أدّت إلى إدراج هاتين المادتين، اكتفى الإخوان المسلمون بالإذعان بغرض إقرار الدستور. وفي الواقع فإن أحكام دستور العام 2012 أقرب إلى مواقف الإخوان المسلمين منها إلى مواقف السلفيين. وبالفعل، كان بعض أعضاء جماعة الإخوان سعداء ولكن في حيرة من أمرهم عندما بدا لهم أن المواد تصبّ في مصلحتهم، من دون أن يبذلوا جهداً بعد الجهود التي بذلها الآخرون. ولذا فقد تنطوي "أخونة" السلفيين على مكوّن إيديولوجي ومذهبي. 

ربما تؤدّي الضغوط الإيديولوجية الأخرى على الزعماء السياسيين السلفيين إلى حدوث بعض الآثار غير المقصودة. ففي البداية، وعلى عكس جماعة الإخوان، تقلّ خبرة السلفيين كثيراً عن خبرة الإخوان على صعيد التدرّج مع ماينطوي عليه من حاجة إلى تحديد للأولويات والاستعداد لتقديم التنازلات قبل كل شيء. وبالفعل، عندما التقيت بعض قادة الحزب السلفي الجديد "حزب الوطن" في كانون الثاني/يناير، كانوا مصرّين تماماً على أن السياسة لن تنطوي على تقديم تنازلات وأن الأحزاب الإيديولوجية التي تدخل عالم السياسة لم تغيّرها تلك التجربة. 

كان من الصعب معرفة ما إذا كان ذلك مجرّد تبجّح، لكني أشكّ بقوة بأنهم مخطئون. فقد توجّب على الأعضاء السلفيين في البرلمان الكويتي معرفة كيفية، وما إذا كان يجب عليهم، التعامل مع وزيرة التربية التي لم تكن ترتدي ملابس تتوافق مع ما اعتبروا أن الحياء يفرضه على المرأة المسلمة. وهذا موقف مبدئي كانت له نتائج سياسية وعملية على حد سواء لأنهم اعتبروا أن الوزارة تتمتّع بأهمية بالغة. فهل يثيرون أزمة سياسية بالفعل عبر معارضة الحكومة بسبب إمرأة سافرة؟ أم يتعاونون، بدلاً من ذلك، مع مجلس الوزراء الذي قدّم لهم فرصاً حقيقية؟ سيتعيّن على السلفيين المصريين بالمثل تقديم تنازلات وتحديد أولوياتهم، وما لم يفكّروا في كيفية القيام بذلك، فسيقدّمونها بتهوّر.

يبدي القادة السياسيون للحركة السلفية الآن ثقة كبيرة بأنهم لايتبعون تعاليم الله وحسب، بل إرادة الشعب أيضاً، وأن نتائج الإنتخابات إلى اليوم تشير إلى عدم وجود تناقضات فيما بينهم. وبطبيعة الحال سيصرّ السلفيون على أنه في حال حدوث أي صراع، فيجب أن تكون الأولوية لاتباع تعاليم الله. هذا ماسيكون عليه الحال عموماً، ولكن ليس بشكل كامل.

سيتعيّن على السلفيين المصريين بالمثل تقديم تنازلات وتحديد أولوياتهم، وما لم يفكّروا في كيفية القيام بذلك، فسيقدّمونها بتهوّر.

مع تزايد تسييس الحركة السلفية، قد يكون من الضروري تقديم تنازلات تكتيكية، وسيتعيّن إيجاد بعض المبرّرات الإيديولوجية أو العقائدية لحركة تأسّست على الممارسة الصحيحة. قد تنحني السلفية قليلاً لإرادة الناخبين. ولكن ربما تتم بمهارة أكبر قريباً تسوية الخلافات بين علماء وبين قادة السلفية، ليس من خلال الحجج النصيّة فقط كما كان يحدث في الماضي، بل أيضاً عبر القدرة على جذب المزيد من الأصوات من أتباع أتقياء ولكنهم بالكاد متعلمون.10

قد تؤثّر الضغوط الإيديولوجية ببطء وهدوء، إلا أن الضغوط التنظيمية الناجمة عن عملية التسييس تحدث بسرعة أكبر وبصورة علنية. في انتخابات العام 2011 البرلمانية، كان تأثير الغربلة نتيجة الاقتراع واضحاً. إذ سرعان ما أثبت حزب النور أنه اللاعب الأساسي، وحظي بدعم أكبر شبكة سلفية في البلاد، بيد أن التوتّرات ظهرت بسرعة.

كانت هناك توتّرات بشأن الدور النسبي لعلماء الدين الذين ألهموا الحركة والقادة السياسيين الذين كانوا يتولّون إدارتها، وتنافس جغرافي وصراعات شخصية. وكانت هناك أيضاً قضايا حول العلاقة بين الحركة وبين الحزب، وما إذا كان بعض السلفيين يقتربون من جماعة الإخوان في وجهات نظرهم.

في بعض الجوانب، تطرح العلاقة بين الحركة والحزب، والتي قد تربك الإخوان، مجموعة من الأسئلة على القادة السلفيين. لكن السلفيين سوف يحتاجون للردّ على تلك الأسئلة، من دون خبرة الإخوان وانضباطهم، بتركيز أقوى على الدور الرائد لعلماء الدين والمعلمين في توجيه حركتهم. يتشاجر قادة الإخوان بشكل متكرّر ولكنهم نادراً ماينشقّون، أما السلفيون فقد أظهروا بالفعل قدراً أكبر من الميول المشاكسة.

ثمّة طرق أخرى قد يتحتّم فيها على السياسة أن تحدث بعض الصدمات. وربما تتمثّل الصدمة الأكثر تنافراً بالنسبة إلى أعضاء الحركة السلفية في فظاظة الحياة السياسية المصرية نفسها. فالسلفيون يعاملون أساتذتهم بتبجيل يقوم على تفوّقهم من حيث التعلّم، لكنهم يجدون فجأة أن هذه الشخصيات المحترمة أصبحت موضع تحدٍّ وسخرية وانتقاد. بطبيعة الحال، كان بعض السلفيين البارزين في غاية الفظاظة (وأحياناً أسوأ بكثير) مع معارضيهم من غير الإسلاميين، وهذا في حدّ ذاته قد يؤدي إلى بروز تحدٍّ أعمق وغير متوقّع بالتسييس.

قبل العام 2011، كان يمكن للكثير من المصريين تجاهل السلفيين أو التعامل معهم على أنهم أشخاص غريبون عجيبون، وبعد العام 2011، صار للسلفيين الكثير من الأعداء. وربما حققت الحركة التي تسعى إلى أن تكون رائدة الطريق إلى الحقيقة نجاحاً مع البعض، لكنها فشلت مع آخرين كثر، ماحدا بأعداد كبيرة في الواقع إلى رفض الدعوة السلفية. السياسة في بيئة مستقطبة لها ثمنها، وهذا أدّى إلى استياء السلفيين كثيراً ليس إزاء السخرية من علمائهم وحسب، بل أيضاً إزاء كيفية اصطفاف الرأي العام والمؤسّسات القوية ضدّهم.

بطبيعة الحال، يشعر السلفيون بأن الناس يقفون إلى جانبهم. وقد اكتسب قادة السلفية تدريجياً لمسة شعبية ديمقراطية، حيث أظهروا نوعاً من الثقة الصامتة بأنهم يمثّلون الأغلبية المسحوقة، وإحساساً قوياً بالمسؤولية تجاه الشعب. ولكن ذلك اقترن بشعور عميق بالاستياء والإقصاء.

عبّر قادة حزب الوطن الذي تشكّل حديثاً ممن التقيتهم عن هذا الشعور بقوة عبر استخدام كلمة غريبة مراراً، حيث شكوا من أنهم كانوا ضحايا للعنصرية. قاومت رغبة ملحّة في أن ألقي عليهم محاضرة عن معنى "عنصر" لأن من شأن ذلك أن يمثّل تغاضياً عن الجزء الأهم في الموضوع. ما أرادوا توصيله هو الشعور بالإقصاء والتمييز. فهناك أماكن لم يشعروا فيها بأنهم موضع ترحيب أو لايمكنهم الذهاب إليها، ومهن (مثل الشرطة في الماضي) لم يتمكنوا من الدخول فيها، وأماكن عامة لايعاملون فيها باحترام.

يتشاجر قادة الإخوان بشكل متكرّر ولكنهم نادراً ماينشقّون، أما السلفيون فقد أظهروا بالفعل قدراً أكبر من الميول المشاكسة.

مرة أخرى، لم يكن هذا يختلف عن الكيفية التي يتحدث بها بعض أعضاء جماعة الإخوان، ولكن جرى التعبير عنه بقدر أكبر من المرارة، وربما لسبب وجيه. ففي حين يمكن للإخوان أن يدعوا بالتأكيد أنهم تحمّلوا عبئاً سياسياً ثقيلاً في الماضي، فإنه ليس غريباً أن تجد أنصاراً للإخوان في مناصب بارزة في المؤسّسات المصرية الهامة.

كان السلفيون مجتمعاً متقوقعاً ومنفرداً أكثر منهم أي شيء آخر. كانوا ظاهرين تماماً كأفراد في بعض الأماكن العامة وحتى في بعض المهن. لكن دخولهم إلى الحياة السياسية، الذي تم بشكل مفاجئ وبقوة، مثّل صدمة لهم وللشعب الذي يرغبون في قيادته.

لايزال السلفيون والإخوان يشكلون التحدّي نفسه لنظام الحكم المصري، في الوقت الذي يختلفون في نوع ودرجة التحدّي، حيث يسعى النظام لمعرفة كيفية دمج الحركات الشعبية التي تتميز بثقة هادئة بالنفس وحتى بالغرور المقترن بشعور بالظلم والإقصاء.

مؤسّسات الدولة والقانون

يكتشف المصريون الآن كيف حافظ العديد من مؤسّسات الدولة في ظل نظام مبارك على شيء من الاستقلالية المحدودة. لابل أثبت الجيش أنه قادر على التخلّي عن الرئيس في نهاية المطاف. وتمكنت قلّة من المؤسسات الأخرى من الوصول إلى هذا الحدّ، لكن أجزاء مختلفة من الدولة تمكّنت - الأجهزة الأمنية والسلطة القضائية وحتى البرلمان (في الوقت الذي أُبقيت عموماً تحت العين الساهرة للشخصيات الموثوقة، وجرى تحييدها بمجموعة متنوّعة من التقنيات) من إظهار قدر محدود من الاستقلال في اتّخاذ القرارات الداخلية، والشعور بالهوية والرسالة المشتركة، ووضع بعضها مجموعة من المعايير المهنية. وقد أتاح لها هذا أن تعمل من تلقاء نفسها عندما أُرغِم الرئيس على التنحّي.

كان هذا هو حال العديد من المؤسسات الدينية الهامة. فقد احتفظ الأزهر على وجه الخصوص بشعور قوي بأنه المدافع عن مقاربة مميزة تجاه الإسلام، وبأنه يتحمل مسؤولية تجاه المجتمع المصري (وحتى تجاه العالم السنّي بأكمله). غير أن اعتماد الأزهر المالي على الدولة المصرية، وحقيقة أن شيخ الأزهر كان معيّناً من الرئاسة، أزعجت بعض العلماء كثيراً من داخل المؤسّسة وخارجها.

قدمت الثورة للكثير من هذه المؤسسات فرصة للتخلّص من الأغلال الرئاسية والضغط من أجل الحصول على استقلال أشمل. وأصبح في وسع المؤسسات المقموعة أن تتكلم الآن بحرية أكبر.

وفي ظل سيطرة القوى الإسلامية على الرئاسة وماتبقّى من الغرفة العليا من البرلمان (مجلس الشورى)، يبدو أن هذه لحظة مناسبة للمضيّ قُدُماً. في الواقع، لم يكن الأزهر مضطراً حتى إلى الانتظار، وهو يرى أن الجيش قد منحه قدراً هائلاً من الاستقلال الداخلي في واحد من آخر أعماله التشريعية في العام 2012  قبل أن يبدأ البرلمان أعماله.11

وقد قبلت زعامة الأزهر بحماس المادة الرابعة من الدستور، التي تشير إلى ضرورة استشارة الأزهر، للتعبير عن رأيها في قضايا الشريعة الإسلامية حتى لم تتم دعوتها للقيام بذلك. وعندما أقرّ مجلس الشورى قانوناً يتعلّق بالأدوات المالية الإسلامية، قال الأزهر إنه كريه وبدأ بدراسة القانون، ما اضطر الرئيس مرسي الذي شعر بالحرج إلى أن يطلب من مؤسسة الأزهر إجراء مراجعة للقانون كان قد بدأها بالفعل بموجب سلطته.

لكن بدلاً من أن تتحوّل إلى أدوات تحكيم مستقلة، قد تجد مؤسّسات مثل الأزهر نفسها عرضة إلى خطر أن تصبح "كرات قدم سياسية"، أو ربما تكون الاستعارة الرياضية الأفضل لوصفها هي أنها ملاعب سياسية محتملة. ومع تزايد أهمية هذه المؤسّسات، تصبح فرص السيطرة عليها أكبر. إذ ليس من الواضح مدى قدرتها على التمتّع بوضعها القانوني المصحّح، والمدى الذي ستصبح فيه ضحية لذلك الوضع.

الأزهر هو جوهرة تاج المؤسّسات الإسلامية في مصر (أنظر الشكل 1)، وهو مجمع مترامي الأطراف من الكليات الجامعية والمدارس الابتدائية والثانوية، وهيئات البحث ويرأسه الآن خرّيج جامعة السوربون، والعضو السابق في أمانة السياسات في الحزب الوطني الديمقراطي لفترة وجيزة، أحمد الطيب. وقد أثمرت فطنته السياسية، جنباً إلى جنب مع ليبراليته النسبية ضمن التراث الأزهري، بشكل رائع خلال فترة بعد الثورة.

بدلاً من الانجراف بعيداً في أتون الحماسة الثورية التي سادت في العام 2011، تمكّن الطيب من إعادة الأزهر إلى مايراه معظم موظفيه بوصفه دوره الصحيح: المدافع عن ضمير مصر (الإسلامي) وصوت المصلحة (الإسلامية) العامة. فقد وعدت القيادة العسكرية المؤقتة في مصر مجموعة من الأزهريين المتمردين، الذين رأوا في الثورة فرصة لضمان استقلال الأزهر عن السلطة التنفيذية، بأنه سيتصدّر قانوناً جديداً قبل أن تتخلّى عن السلطة. وتأكّد الطيب من أن القانون صدر وفقاً لرؤيته بشأن هيكل المؤسسة الملائم ومركزيتها.12 

كان محور المرسوم الذي صدر في كانون الثاني/يناير 2012 هو إعادة تأسيس هيئة يصل عدد أعضائها إلى 40 من كبار العلماء، والذين تم اختيار 26 منهم فقط إلى الآن (مع أن أحدهم توفّي في وقت لاحق)13.  لايقتصر الأمر على كون الهيئة مستديمة (هي تعيّن أعضاءها)، ولكن تم منحها دوراً قوياً للإشراف على جميع جوانب الإسلام في الدولة المصرية. فرأيها في مسائل الشريعة الإسلامية هو الحاسم، وهي مخوّلة باختيار كبار المسؤولين الدينيين في مصر، بما في ذلك شيخ الأزهر نفسه.

لم يكن لدى الطيب مايدعو إلى القلق بأن يتم تشكيل هذه الهيئة المستقلة حديثاً كما لو أن ذلك كان بحضوره: فقد تم السماح له بأن يعيّن جميع أعضائها الأوليين. ولذا فقد توعّد الإخوان، والسلفيون بدرجة أقل، احتجاجاً على ذلك.14  تمنّوا للأزهر أن يكون مستقلاً وقوياً، ولكن كان من الواضح أن الجيش يحشر قانوناً قبل أيام من بدء أعمال البرلمان لكي لايكون للنواب المنتخبين حديثاً أي رأي فيه. وكان الدور القوي للطيب موضع شبهة بسبب ماضيه السياسي، وبرودته المتصورة تجاه الإخوان، وموقفه الأكثر انفتاحاً ضدّ السلفية.15

مع ذلك، وبعد مرور أكثر من سنة على نشر قانون الأزهر، يبدو أنه لايحقّق أي تقدم. إذ لم يقم الإخوان بأي خطوة لتغيير القانون، وبدأ الطيب بحذر شديد سلسلة تعييناته في الهيئة المذكورة. أجرى مشاورات واسعة شملت مجموعة متنوّعة من الشخصيات، واقتصرت تعييناته على النصاب القانوني الذي يبلغ 26 شخصاً، وهوما يكفي كي تعمل الهيئة، لكنه لايزال يشير إلى أنه على استعداد للاستماع إلى وجهات النظر الأخرى حول الأعضاء الأربعة عشر الباقين.

من الواضح أن الهيئة تميل بقوة في اتّجاه الطيب، لكن الشيخ عثر على مجموعة من الأسماء التي تتمتّع بصدقية كبيرة. وفي واحد من أول أعماله الرسمية،16  وقّع الرئيس مرسي على قائمة التعيينات التي وضعها الشيخ الطيب.

في الوقت الحاضر، يبدو أن الأزهر قد عزّز زعامته. بيد أن من المرجّح لمركزيته الجديدة في الحياة العامة، وكذلك دوره الدستوري الصريح (وإن جرى تحديده بصورة مبهمة) والذي ينصّ على أن تستشيره الدولة في شؤون الشريعة الإسلامية، أن يبقي المعركة من أجل السيطرة على المؤسسة مشتعلة. على العكس من ذلك، من المرجّح أن تصبح الضغوط من داخل المؤسسة وخارجها أقوى. وفي نهاية المطاف، قد يجد الأزهر أن كل خطوة يخطوها نحو المركزية تزيد من مخاطر إرغامه على الابتعاد خطوة عن الاستقلالية.

من ناحية الموقع والتأثير، قد يكون الشيخ موضع احترام، لكنه موضع ثقة في كل الأحوال. إذ يتم انتقاده في بعض الأحيان لأنه عزل مكتب الشيخ عن بقية المؤسّسة. في أوساط أعضاء هيئة التدريس من علماء الدين الذين بنوا خبرتهم ومعرفتهم، وسمعتهم بعناية، يمكن تشبيه موقفه بموقف عميد جامعة يترأس هيئة تدريس من المتشكّكين الدائمين. في الواقع، تولّى الطيب رئاسة جامعة الأزهر من العام 2003 حتى العام 2010، وتولّى قبل ذلك منصب مفتي مصر من 2002 إلى 2003. لكن الطيب ليس مجرد شخص يجد صعوبة في التعاطي مع مجموعة من الأشخاص من ذوي الآراء المختلفة، فهو يواجه أيضاً آراء قوية ومتنوّعة داخل الأزهر يمكن أن تشكّل تحدياً لسلطته.

وفي نهاية المطاف، قد يجد الأزهر أن كل خطوة يخطوها نحو المركزية تزيد من مخاطر إرغامه على الابتعاد خطوة عن الاستقلالية.

يبدو أن السواد الأعظم من علماء الأزهر يشعرون بأن دورهم الصحيح هو أن يكونوا بمثابة صوت مستقل للإسلام والمصلحة العامة. ويقول البعض علناً أنه لو أن الأزهر أدّى دوره الصحيح على مدى القرن الماضي فما كان لصعود جماعة الإخوان أن يحدث. بيد أن هناك قلّة تشعر بانجذاب أقوى تجاه الإخوان (خلال الاجتماع النهائي لحملة مرسي في حزيران/يونيو الماضي، رأيت جزءاً كاملاً محجوزاً للأزهريين في المقدمة). أعداد السلفيين أقلّ بكثير بين أعضاء هيئة التدريس لكنهم ليسوا مغمورين داخل المؤسّسة. وكلما تدرّج المرء نزولاً في التسلسل الهرمي للأزهر - من هيئة العمداء إلى أعضاء هيئة التدريس إلى الطلاب – كلما أصبح الإخوان وحتى السلفيين أكثر عدداً.

عندما ينظر الطيب إلى الخارج بدلاً من النظر إلى الداخل، ومن المرجّح أن يرى أن العديد من الجهات الفاعلة تتطلّع إلى المؤسّسة التي يرأسها كحليف أو خصم محتمل. تدّعي جماعة الإخوان أنها تكنّ احتراماً كبيراً للأزهر، ولكنها ترى أيضاً أن السلطوية تركت بصمات ثقيلة على المؤسّسة. ومن المرجّح أن ينظر البعض إلى احتضان الجماعة للأزهر، مقروناً كما هو الحال مع دعوات الإصلاح، كمشروع مكشوف لإخضاع الأزهر للسير في طريقها.

يتوقّع البعض داخل الأزهر أن الاحترام السلفي للمؤسّسة، والذي كشف النقاب عنه بشكل غير متوّع في صياغة الدستور، هو نذير محاولة تهدف إلى التسلّل إلى صفوفها، ربما بدءاً بالجسم الطلابي. وقد اكتشف حتى غير الإسلاميين، فجأة، أن زعيم المؤسّسة له أهمّيته، وبناءً على ذلك احتشد البعض حول الطيب بوصفه وجهاً ودوداً. وفي وسع هؤلاء أن يستشهدوا باحترامهم له ويتّشحوا بالكبرياء الوطني قائلين إن الكثير من المصريين يتعاطفون مع الأزهر باعتباره وسيلة للتصدي لهجمة سياسية متصوّرة من جانب الإسلاميين.

ستكون النتيجة المحتملة لكل ذلك هي جعل التعيينات البارزة في الأزهر أشبه بما آلت إليه التعيينات في المحكمة الأميركية العليا: معارك سياسية بين قوى متنافسة تغلّف حججها برداء فقهي.

ومن المرجّح أيضاً أن تجد المؤسّسات الحيوية الأخرى نفسها في الموقف نفسه، ولكن بطريقة أقلّ وضوحاً. وثمّة طرفان في الأجهزة الدينية للدولة المصرية يتحمّلان عناء المراقبة.

الطرف الأول هو دار الإفتاء، وهي هيئة تصدر تفسيرات للشريعة الإسلامية، وتتولّى بعض المسؤوليات الإضافية، بما فيها مهمتها المتمثّلة بمراجعة أحكام الإعدام لضمان أن تكون قد صدرت بطريقة مناسبة قانونياً ودينياً، والتي كان ينظر إليها تقليدياً بوصفها أقلّ استقلالاً من الأزهر. ولأن دار الإفتاء مرتبطة بوزارة العدل، وهي مؤسسة أصغر حجماً ليس لديها جيوش من العلماء من ذوي التفكير المستقل الموجودين في الأزهر، فإنها تفتقر إلى شيء من الهيبة والفضاء السياسي اللازم لتكرّس لنفسها رأياً أكثر استقلالية.

قام المفتي الذي تقاعد مؤخراً بخطوات لتعزيز المؤسّسة. وسيجري الآن استكمال تلك التغييرات الداخلية بتغيير خارجية حاسم. إذ لم يعد المفتي يعيّن من جانب الرئاسة (إلا بالمعنى الشكلي البحت حيث لايزال مرسوم تعيين المفتي يأتي من رئيس الجمهورية)، ولكن تتم تسميته من جانب هيئة كبار العلماء في الأزهر.

في الواقع، أهم مافعلته الهيئة حتى الآن هو تسمية مُفتي جديد17 في شباط/فبراير 2013، وهو عالم ليس له انتماء سياسي جاء تعيينه وسط موجة من التكهنات (ربما عن عدم علم) بأن الهيئة سوف تسترضي مرسي بتسمية باحث أزهري بارز والذي هو أيضاً أحد قادة الإخوان البارزين. وسرعان ما أظهر الشخص المعيّن الجديد وجهاً ليبرالياً نسبياً.18  وفي حين فوجئ منتقدو "أخونة" الدولة المصرية، توضح هذه الواقعة كيف أصبحت التعيينات الدينية الكبرى مشحونة سياسياً.

الهيئة الثانية ذات الأهمية المحتملة هي سلطة جديدة مستقلة سيتم تشكيلها للإشراف على الأوقاف. حالياً، تقوم وزارة الأوقاف والشؤون الدينية بهذه الوظيفة، ومن المتوقع أن تبقى هذه الوزارة. لكن تمويل العديد من المؤسسات الدينية يأتي من الأوقاف العامة والخاصة القائمة منذ قرون، وتم انجاز عملية إخضاع المؤسسة الدينية للقيادة السياسية جزئياً من خلال تأكيد سيطرة الدولة على هذه الأوقاف.

للوزارة نصيبها من النقاد الذين يصفونها بأنها مبهمة وضعيفة وفاسدة. ولم يحدّد القانون إلى الآن دور الهيئة المستقلة الجديدة، لكنها يمكن أن تكون خطوة رئيسة في إعادة صياغة التكوين المالي للمؤسسة الدينية الرسمية.

بيد أن الأزهر والمؤسسات الدينية الشقيقة بالكاد ستكون ميدان اللعب الوحيد في المعارك السياسية القادمة على الدين في المجتمع. يضمن دستور العام 2012 احتمال أن يلعب البرلمان والسلطة القضائية أدواراً مثيرة للجدل أيضاً. وهذا ليس جديداً إلى حدّ ما: حتى الأنظمة الاستبدادية في مصر وفّرت مساحة محدودة للطرفين. فقد لعب البرلمان دوراً تشريعياً في سياق محاولاته لإضفاء مسحة إسلامية على القانون المصري، وخاصة منذ ثمانينيات القرن الماضي، وقد طلب من السلطة القضائية، ولاسيما المحكمة الدستورية العليا، أن تفصل في المنازعات المتعلّقة بدور الشريعة الإسلامية في النظام القانوني المصري.

إذا لم تكن الأسئلة والجهات الفاعلة جديدة تماماً، فإن درجة اهتمام الجمهور والجو السياسي الأكثر إثارة للجدل ستكون بمثابة إشارة إلى قطع مع حقبة ماقبل العام 2011. إذ لم يعد هناك حاكم واحد تحدّد إرادته وكلمته في نهاية المطاف حدود النقاش داخل الدولة المصرية.

يكرّر دستور العام 2012 لغة الدستور السابق بشأن الشريعة الإسلامية، بيد أن هناك أحكاماً جديدة غير واضحة. ففي حين ستؤدّي الهيئات القضائية دوراً حاسماً في تحديد معنى الدستور، سيلعب الأزهر دوراً هو الآخر. يمكن لهذه الهيئات أن تمارس دورها في المقام الأول من خلال مراجعة التشريعات التي يصدرها البرلمان حيث يحظى الإسلاميون بصوت مرتفع، وربما مهيمن.

قد يكون هذا صراعاً لم تشهده مصر من قبل. ويمكن للمؤسّسات القضائية والأزهر المطالبة بأن يكون لها دور في شرح القانون وتفسير معنى التعاليم الدينية. ومن الممكن تماماً، على سبيل المثال، أن يجد المصريون أن الأزهر يفهمهم بأن القانون الذي أقرّه البرلمان الذي تهيمن عليه جماعة الإخوان يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية.

من الصعب التكهّن بموقف القضاء على المدى الطويل. في الوقت الحاضر، من الواضح أن مرسي وجماعة الإخوان نفّروا الكثير من القضاة بشدّة - ربما معظمهم – بسبب تصرفاتهم القانونية المتعلّقة بالدستور، لكن الأمر الأقلّ وضوحاً هو ما إذا كان هذا سيؤدي إلى صدور أحكام قضائية أكثر توسّعا وعدائية.

مسار مصري مربك

في حين يبدو واضحاً أن الدين سيلعب دوراً هاماً في مستقبل مصر السياسي، يبقى من غير الواضح ماستكون عليه طبيعة هذا الدور، وكيف سيشكّله، وكيف سيتم تمييزه، وما إذا كان تطبيق الدين نفسه (أو على الأقل مفاهيم المصريين لدينهم) سيتغيّر بشكل كبير في هذه العملية.

في الواقع، العملية مثيرة للجدل لدرجة أن البعض بدأ بالنكوص. إذ ينتشر التديّن على نطاق واسع في أجزاء كثيرة من المجتمع المصري، ولكن أصحاب الميول الدينية بدأوا باكتشاف خلافاتهم السياسية. لابل إن البعض، في الواقع، يطوّر مقاربة قد يُنظَر إليها على أنها علمانية على الطريقة الأميركية، رغم أن أنصارها يكرهون الاعتراف بها على هذا النحو. فهم يسعون إلى بناء مصر يكون فيها الفضاء العام مواتياً للدين، لكن الإيمان يبقي على مسافة تفصله عن السلطة السياسية، وملوثات وعيوب السياسة اليومية.

هذا الاتجاه قد يشيع في بعض الدوائر الفكرية، رغم أن من غير المرجّح أن يلقى صدىً بين الغالبية العظمى من المصريين الذين لايزالون يعتقدون أن فصل القيم الدينية عن عالم السياسة، بدلاً من اندماجهما، هو قوة مُفسِدة. ومع ذلك، في مجتمع لايزال المثقفون يؤدّون فيه دوراً بارزاً - وحيث يبدو أن الحزب الحاكم في مصر حالياً، حزب الحرية والعدالة، يفقد الدعم في أوساط المثقفين – ربما لايزال مثل هذا الاتجاه يحظى ببعض التأثير.

النظام السياسي في حكم مرسي ليس حكم العلماء والآليات الديمقراطية لاتزال تعمل، مهما تكن فجّة وضيقة الأفق في كثير من الأحيان.

يرفض الإسلاميون المصريون أي مقارنة بين النظام السياسي الذي يقومون ببنائه وبين الحكومة الدينية (الثيوقراطية) الإيرانية. وهم محقّون لأن الثورة المصرية ببساطة لاتسير في المسار الإيراني نفسه. ولاوجود لعملية إعادة بناء منهجية للدولة وليس ثمّة شيء يشبه ولاية الفقيه (النظام الذي يضع رجال الدين في مواقع السلطة السياسية). النظام السياسي في حكم مرسي ليس حكم العلماء والآليات الديمقراطية لاتزال تعمل، مهما تكن فجّة وضيقة الأفق في كثير من الأحيان.

غير أن النموذج الإيراني يعلم درساً يجب أن يستوعبه الإسلاميون المصريون: عندما يدخل الدين ميدان السياسة فإنه نادراً مايبقى من دون تأثيرات تدخل عليه. يوماً ما قد يخلص الذين يريدون استغلال سلطة الدولة لبناء مجتمع أكثر تديّنا إلى أنه كان عليهم أن يكونوا أكثر حذراً مما كانوا يتمنّون.

تمثّلت قوة الإخوان والسلفيين دائماً بقدرتهم على تغيير المجتمع من الألف إلى الياء في مواجهة الأنظمة المشبوهة أو المعادية. واستخدام أدوات الدولة، بدلاً من التهرّب منها، سيغيّر الإسلاميين الذين يمسكون بزمام السلطة.

 ملحق 

إعداد مختار عوض، باحث مساعد,>برنامج الشرق الأوسط في مؤسّسة كارنيغي

التيار السلفي في مصر ليس متجانساً، بل هو مجموعة متنوّعة من الجماعات المتنافسة في بعض الأحيان. وتتوزّع تلك الجماعات بين منظمات خيرية وأخرى دعوية بدأت ممارسة السياسة بعد الثورة بهدف إقامة الشريعة الإسلامية. في مايلي لمحة موجزة عن بعض الجماعات السلفية والأحزاب السياسية الرئيسة في مصر.

الجماعات السلفية

الجمعية الشرعية: أسّس الجمعية في العام 1912 الشيخ الأزهري محمود خطاب السبكي، الذي سعى إلى مكافحة ما اعتبره تقليصاً لدور الشريعة في حياة المصريين أثناء الاحتلال البريطاني والتخلّص من البدع غير الإسلامية التي انتشرت بواسطة الطرق الصوفية.1 وهي جمعية غير سياسية بشكل عام وتشرف على حركة خيرية شعبية في أكثر من 350 موقعاً في مختلف أنحاء مصر. الرئيس الحالي للجمعية هو الشيخ الأزهري محمد مختار محمد المهدي.

أنصار السنة المحمّدية: أسّس الجمعية في القاهرة في العام 1926 الشيخ الأزهري محمد حامد الفقي، حيث تركّز رسالة الجماعة على مبدأ أن الإسلام دين وعقيدة سياسية وإيمان في حاجة إلى دعوة تدرّجية لإقامة الشريعة الإسلامية في مصر. تاريخياً، لم تكن الجمعية سياسية وركّزت بدلاً من ذلك على العمل الخيري والدعوي، لكنها انخرطت في العملية السياسية بعد ثورة 25 يناير.

مجلس شورى العلماء: هو المجلس الاستشاري لجماعة أنصار السنّة. وهو يضمّ بعضاً من أبرز الدعاة السلفيّين في مصر، مثل الداعية محمد حسان (نائب الرئيس) والشيخ عبد الله شاكر (الرئيس)، إلى جانب ثمانية رجال دين سلفيّين بارزين آخرين. أصدر المجلس أول بيان رسمي له في 5 آذار/مارس 2011، حثّ فيه المسلمين على التصويت بـ "نعم" في استفتاء آذار/مارس 2011 الدستوري. وقرّر البيان بأنه لاتوجد أي عقبة دينية تحول دون المشاركة في الانتخابات البرلمانية أو المحلية، لأنها تمثّل وسيلة لنشر الدعوة في المجتمع.2 وقد دعم المجلس الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل في الانتخابات الرئاسية لعام 2012. وبعد أن تمّ استبعاد أبو إسماعيل من قائمة الترشيحات للرئاسة، أيّد المجلس محمد مرسي العضو في جماعة الإخوان المسلمين بدلاً من عبدالمنعم أبو الفتوح القيادي السابق في جماعة الإخوان الذي اختارته الدعوة السلفية لخوض انتخابات الرئاسة.

الدعوة السلفية: الدعوة السلفية هي أكبر وأبرز تنظيم سلفي في مصر. يقع مقرّها في الإسكندرية وهي تتبع بشكل وثيق شيوخ السلفية والجماعات غير الرسمية المنتشرة في أرجاء الوجه البحري.3 تأسّست الجماعة في أواخر سبعينيات القرن المنصرم بواسطة مجموعة من الطلاب الإسكندرانيين السلفيين الذين كانوا على خلاف إيديولوجي مع جماعة الإخوان المسلمين. وعلى مدى عقود، قاموا ببناء شبكة تنظيمية متماسكة في جميع أنحاء مصر من قاعدتهم في الإسكندرية. زعيم المجموعة هو محمد عبدالفتاح (أبو إدريس)، ويعتبر نائب رئيس الجماعة، ياسر برهامي، واحداً من أبرز شيوخها. وقد أسّست الدعوة السلفية حزب النور، وهو حزب سياسي سلفي، في أيار/مايو 2011 كي تنافس في المشهد السياسي بصورة رسمية.

الجماعة الإسلامية: تعود جذور الجماعة الإسلامية إلى سبعينيات القرن المنصرم في صعيد مصر. وقد بدأت كتنظيم مسلّح يهدف إلى استخدام العنف لإقامة دولة إسلامية.4 وبعد عقدين من التمرّد الفاشل ضدّ الحكومة المصرية، نبذت الجماعة العنف، في أواخر التسعينيات وأوائل العقد الماضي. واليوم، يركّز قادتها على الدعوة والعمل الخيري، ولهم حزب سياسي هو حزب البناء والتنمية الذي تأسّس في حزيران/يونيو 2011. وتسعى الجماعة الإسلامية إلى إعادة تعريف دورها، وهي تقدّم نفسها بوصفها أحد المنظّمين الأكثر شيوعاً والمشاركين الأكثر صخباً في احتجاجات الإسلاميين.

الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح: هي واحد من أحدث التنظيمات السلفية. تأسّست في تموز/يوليو 2011 بواسطة مجموعة تتألف أساساً من سلفيين وعدد قليل من العلماء الأزهريين. يزعم التنظيم أنه هيئة مستقلّة ومعتدلة تسعى إلى الجمع بين الآراء ووجهات النظر الإسلامية المختلفة تحت راية واحدة ونشر قِيَم الإسلام في المجتمع. تأثير الجماعة غير ملحوظ، ولكن وجود خيرت الشاطر العضو في جماعة الإخوان في مجلس إدارتها جدير بالملاحظة. أيّدت الجماعة كلاً من الشاطر ومحمد مرسي في حملة الانتخابات الرئاسية في العام 2012، وتحرّت عنهما - وليس زعيم جماعة الإخوان السابق عبدالمنعم أبو الفتوح المرشّح المفضّل للدعوة السلفية - بوصفهما الخيار الإسلامي العملي الوحيد. 

الأحزاب السياسية

حزب النور: أطلق حزب النور رئيسه آنذاك عماد الدين عبدالغفور (الذي استقال من منصبه في وقت لاحق لتأسيس حزب الوطن المنافس) وتم منحه ترخيصاً رسمياً في حزيران/يونيو 2011. تأسّس الحزب بموارد ومساعدة من جماعة الدعوة السلفية، وقاد التحالف الإسلامي في انتخابات 2011-2012 البرلمانية، وفاز بـ111 مقعداً (أو مايقرب من 22 في المئة من الأصوات). ومن ثم أصبح النور الحزب السياسي السلفي الأقوى والأكثر تأثيراً. الرئيس الحالي للحزب هو يونس مخيون، وهو أيضاً أحد زعماء الدعوة السلفية. يتمتّع الحزب بقاعدة دعم عريضة في الإسكندرية والدلتا والقاهرة. إيديولوجية الحزب مطابقة لإيديولوجية الدعوة السلفية، كما هو الحال بالنسبة إلى رسالته في المساعدة على إقامة الشريعة الإسلامية في مصر.

حزب الأصالة: أطلق اللواء عادل عبدالمقصود عفيفي (شقيق الداعية السلفي محمود عبدالمقصود عفيفي الذي يتّخذ من القاهرة مقراً له) حزب الأصالة في تموز/يوليو 2011 بعد استقالته من حزب الفضيلة. أهداف الأصالة المعلنة هي نشر قيم العدالة والمساواة واستعادة دور مصر الرائد في العالم وفقاً لمبادئ الشريعة الإسلامية.5 وقد انضمّ إلى حزب النور في التحالف الإسلامي في انتخابات 2011-2012 البرلمانية وفاز بثلاثة مقاعد.

حزب البناء والتنمية: أطلقت الجماعة الإسلامية الحزب للمرة الأولى في حزيران/يونيو 2011 وتم فيما بعد ترخيصه رسمياً في تشرين الأول/أكتوبر 2011. الحزب هو الذراع السياسية للجماعة الإسلامية. وقد قبل الحزب مبادئ التعدّدية السياسية والمساواة ونبذ كل أشكال العنف. وانضم إلى التحالف الإسلامي بقيادة حزب النور في انتخابات 2011-2012 البرلمانية وفاز بثلاثة عشر مقعداً. وكان نشطاً في تنظيم المظاهرات المؤيّدة للشريعة الإسلامية، وهو يتبنّى لهجة أكثر تحفّظاً وصرامة من بعض الأحزاب السلفية الأخرى.

حزب الوطن: أطلق عماد الدين عبدالغفور، الرئيس السابق لحزب النور، حزب الوطن في كانون الثاني/يناير 2013. انفصل قادة حزب الوطن عن حزب النور بسبب خلافات إيديولوجية وسياسية. يسعى حزب الوطن إلى الاستفادة من الخلاف الذي حدث في الآونة الأخيرة بين حزب النور وجماعة الإخوان من خلال تقديم نفسه كحزب إسلامي بديل.6 بيد أن رسالته السياسية تبقى سلفية في طبيعتها، وهو يعمل على إقامة الشريعة الإسلامية. ويدّعي حزب الوطن أنه سيكون أكثر صدقيّة وفاعلية في تحقيق هذا الهدف من حزب النور.

حزب الراية: أطلق الحزب في شباط/فبراير 2013 مرشح الرئاسة السابق والشيخ السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل والمفكر الإسلامي محمد عباس. والجماعة التي لم يُعتَرف بها قانوناً حتى الآن هي أول حزب سياسي يؤسّسه الشيخ أبو إسماعيل، الذي يعدّ واحداً من أكثر شيوخ التيار السلفي استقلالاً وكاريزمية. ويعرّف نفسه على أنه حركة دعوية وسياسية جديدة تعتزم المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وقد قدّم الشيخ أبو إسماعيل نفسه بوصفه مؤيداً للرئيس مرسي والتحالف السياسي الذي يقوده مع سبعة أحزاب إسلامية أصغر حجماً يسمّى الأمة، أو "تحالف الأمة"، الذي يعتبر منافساً سياسياً جديداً لحزب الدعوة السلفية، النور.7

هوامش الملحق

1 لمعرفة المزيد عن التنظيمات والفكر السلفي، إقرأ: عبدالمنعم منيب، "خريطة الحركات الإسلامية في مصر"، آذار/مارس 2009، الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، www.anhri.net/reports/islamic-map/map/05.shtml ، وصلاح الدين حسن، "التيارات السلفية في مصر... خريطة معلوماتية"، شبكة OnIslam.net، آذار/مارس 2010، www.onislam.net/arabic/islamyoon/salafists/113039-2010-0309-03-09%2014-32-04.html

2 أنظر: www.ansaralsonna.com/web/play-5212.html

3 لمعرفة المزيد من المعلومات عن تاريخ الدعوة السلفية والتيار السلفي، أنظر: علاء العطار وحنان الحجاج، سلسلة من ثلاثة أجزاء في الأهرام "الخريطة السلفية في مصر"، http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=586087&eid=3269 ، (29 حزيران/يونيو 2011)، http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=588927&eid=3269  ، (1 آب/أغسطس 2011)، http://digital.ahram.org.eg/articles.aspx?Serial=592781eid=3269

4 أنظر: Dina Shehata, “Mapping Islamic Actors in Egypt,” Netherlands-Flemish Institute in Cairo and Al-Ahram Center for Strategic and Political Studies, March 2012, http://media.leidenuniv.nl/legacy/mapping-islamic-actors---version-2.2.pdf.

5 يمكن الاطلاع على معلومات خلفية مفصّلة أكثر عن حزب الأصالة على الرابط التالي:

http://egyptelections.carnegieendowment.org/2011/09/20/al-asala-authenticity-party

6 لمعرفة المزيد من المعلومات عن المشهد السياسي الناشئ والتنافس السلفيَّين، أنظر:

www.al-monitor.com/pulse/originals/2013/03/morsi-egypt-political-islam-salafists-challengebrotherhood.html

7 لمعرفة المزيد من المعلومات عن الحزب الذي أطلق حديثاً، يرجى زيارة صفحة الفايسبوك الخاصة به، حيث يتم إطلاق التصريحات الرسمية: www.facebook.com/HezbAlrayah.Official

هوامش الدراسه

1  أنظر دراستي السابقة الصادرة عن مؤسسة كارنيغي: "عندما يصبح الانتصار خياراً: جماعة الإخوان المسلمين في مصر تواجه النجاح"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كانون الثاني/يناير 2012.  http://carnegieendowment.org/files/nathan-brotherhood-_final_arabic_pdf10-1-2012.pdf
أنظر أيضاً: Ibrahim El Houdaiby, “From Prison to Palace: the Muslim Brotherhood’s Challenges and Responses in Post-Revolution Egypt,” FRIDE, February 2013, www.fride.org/publication/1103/from-prison-to-palace:-the-muslim-brotherhood-challenges-and-responses-in-post-revolution-egypt.

2  أدرك مراقبو جماعة الإخوان المسلمين منذ البداية الضغوط المحتملة التي يمكن أن تنتج عن الانخراط السياسي الكبير. أنظر مقالي لمؤسسة كارنيغي، الصادر في آذار/مارس 2011: “The Brotherhood’s Coming Out Party,” http://carnegieendowment.org/2011/03/24/brotherhood-s-coming-out-party/25d
أنظر أيضاً: H. A. Hellyer, “Brotherhood Turns to Politics at the Cost of Regional Credibility,” National, April 5, 2012, www.thenational.ae/thenationalconversation/comment/brotherhood-turns-to-politics-at-cost-of-regional-credibility.

3  حظيت عملية تنقيح المناهج الدراسية باهتمام متفرّق في الصحافة المصرية. أنظر على سبيل المثال: "الإخوان تبحث تغيير مناهج الداخلية ووضع آليات التعاون مع ولي الأمر بدلاً من توجّهاته"، صحيفة "الوطن"، 11 تشرين الأول/أكتوبر 2012 www.elwatannews.com/news/details/60319.
في أحاديث أجريتها مع ناشطين في كانون الثاني/يناير 2013، تم إبلاغي بأن عملية التنقيح لاتزال جارية.

4 مقابلة أجراها الكاتب مع ناشط في جماعة الإخوان، القاهرة، مصر، كانون الثاني/يناير 2013.

5 مقابلة أجراها الكاتب مع مصادر مطلعة على جماعة الإخوان، القاهرة، مصر، كانون الثاني/يناير 2013.

6  أنظر مقالي السابق تحت عنوان: “The Muslim Brotherhood as Helicopter Parent,” Middle East Channel, May 27, 2011,  http://mideast.foreignpolicy.com/posts/2011/05/27/the_muslim_brotherhood_as_helicopter_parent.

7  أنظر مصطفى زهران، "التيارات السلفية المصرية وأزمة الانتقال من فقه الدعوة إلى فقه الدولة"، شباط/فبراير 2013، http://cisip.altervista.org/alterpages/files/CisipInsightnumero4ARABIC.pdf.

8  للاطلاع على كتابات ثلاث شاملة عن الموضوع، أنظر: Stéphane Lacroix, “Sheikhs and Politicians: Inside the New Egyptian Salafism,” Brookings Doha Center, June 2012, www.brookings.edu/~/media/research/files/papers/2012/6/07%20egyptian%20salafism%20lacroix/stephane%20lacroix%20policy%20briefing%20english.pdf;  جوناثان براون، "السلفيون والصوفيون في مصر"، دراسة كارنيغي، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، كانون الأول/ديسمبر 2011، http://carnegieendowment.org/files/salafis_sufis.pdf;  Daniel A. Boehmer and James P. Murphy, “The Politicization of the Egyptian Salafiyya: Principled Participation and  Islamist Competition in the Post-Mubarak Era,” IMES Capstone Paper Series, Institute for Middle East Studies, George Washington University, May 2012, www.gwu.edu/~imes/assets/docs/Capstone%20Papers%20-%202012/Boehmer,%20Murphy.pdf.

9 “ Salafi Leader Reveals Plot to Oust Azhar’s Grand Imam,” english.alarabiya.net, December 25, 2011, http://english.alarabiya.net/articles/2012/12/25/256924.html.  يمكن الاطلاع على المحاضرة كاملة على الرابط التالي: www.youtube.com/watch?v=_xzsVgwG9-o  يمكن الاطلاع على مقتطف منقّح من المحاضرة على الرابط التالي: www.youtube.com/watch?v=tGbOM_4TJh4

10  يمكن الاطلاع على شريط فيديو يظهر فيه الزعيم السلفي الشيخ ياسر برهامي وهو يبرّر لمناصرين الترشيحات الرئاسية، على الرابط التالي: www.youtube.com/watch?v=zURGz7xAJbc

11  يمكن الاطلاع على نص القانون الخاص بالأزهر الذي أصدره المجلس العسكري في كانون الثاني/يناير 2012 على الموقع التالي: http://gate.ahram.org.eg/News/166452.aspx

12  أنظر دراساتي السابقة الصادرة عن مؤسسة كارنيغي: "الأزهر في حقبة مابعد الثورة"، دراسة كارنيغي، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، أيلول/سبتمبر 2011، http://carnegieendowment.org/files/al_azhar.pdf.

13  يمكن الوصول إلى قائمة الشيوخ الخمسة والعشرين الذين اختارهم شيخ الأزهر أحمد الطيب على العنوان التالي: http://carnegieendowment.org/files/al_azhar_arabic.pdf.

14توفي الشيخ عبدالمعطي محمد البيومي يوم 30 تموز/يوليو 2012.
  أنظر "الإخوان والسلفيون يعترضون على مساعي الطيب لإقرار قانون الأزهر الشريف إلى مجلس الشعب"، 9 كانون الثاني/يناير 2012،  http://gate.ahram.org.eg/News/158552.aspx.
وأيضاً "النور يتقدم باستجواب للجنزوري لتمرير قانون الأزهر دون عرضه على الشعب"، 31 كانون الثاني/يناير 2012،  www.youm7.com/News.asp?NewsID=591062.

15  اعتمد الرئيس مرسي القائمة خلال الأسبوع الثالث من تولّيه منصبه يوم 18 تموز/يوليو 2012، أنظر "الرئيس يعتمد أول تشكيل لهيئة كبار العلماء"، 18 تموز/يوليو 2012، www.youm7.com/News.asp?NewsID=735380.

16  أنظر:
“Egypt’s New Mufti,” posted by Nathan J. Brown, ForiegnPolicy.com, February 12, 2013, http://mideast.foreignpolicy.com/posts/2013/02/12/egypt_s_new_mufti and H. A. Hellyer, “Al Azhar’s Shake-Up Has Ramifications Far Beyond Egypt,” posted by H.A. Hellyer, National, February 15, 2013, www.thenational.ae/thenationalconversation/comment/al-azhars-shake-up-has-ramifications-far-beyond-egypt.

17  أول تصريح رسمي للمفتي الجديد شوقي عبدالكريم علام أكّد على أن المسيحيين والمسلمين شركاء في المجتمع، وأن التعاون معهم فريضة دينية ووطنية. أنظر: www.elwatannews.com/news/details/140941