المصدر: Getty

المصالح الروسية في سورية

ثمّة هدفان استراتيجيان كبيران هما الدافع وراء التدخّل الروسي في الصراع السوري: الأول هو تحدّي هيمنة الولايات المتحدة في الشؤون العالمية، والثاني هو مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد في حربه ضد المتطرّفين الإسلاميين.

نشرت في ١١ يونيو ٢٠١٤

هذا المقال جزء من سلسلة مقالات تتناول الديناميكيات العالمية للصراع السوري، ويحلّل من خلالها خبراء كارنيغي من أنحاء العالم كافة المصالح الاستراتيجية والجيوسياسية التي تدخل ضمن الحرب الأهلية المتواصلة في سورية. يمكنكم الاطلاع على السلسلة كاملةً هنا.

ثمّة هدفان استراتيجيان كبيران هما الدافع وراء التدخّل الروسي في الصراع السوري. الهدف الأول هو تحدّي هيمنة الولايات المتحدة في الشؤون العالمية، فيما الهدف الثاني هو مساعدة نظام الرئيس السوري بشار الأسد في حربه ضد المتطرّفين الإسلاميين الذين يُعتبرون من ألدّ أعداء روسيا.

تشكّل التحالف الروسي-السوري إبّان الحرب الباردة. ومنذ نهاية تلك الحقبة ظلت سورية، وهي أحد زبائن صناعة الأسلحة الروسية، أحد مواقع موسكو الجيوسياسية القليلة المتبقية من الحقبة السوفياتية في الشرق الأوسط.

منذ بداية الانتفاضة السورية في العام 2011، فضّلت روسيا إجراء حوار سوري داخلي يفضي الى تقاسم السلطة في نهاية المطاف، غير أنها عارضت بلا تردّد رحيل الأسد كمرحلة أولى في عملية الانتقال السياسي. ومع مرور الوقت ازداد الدعم الروسي للأسد صلابة.

يخدم بقاء الأسد في السلطة عدداً من المصالح الروسية، حيث أثبتت سورية أنها دراسة حالة بالغة الأهمية في الجهود الروسية الرامية إلى منع الولايات المتحدة من استخدام القوة ضدها. كان من شأن التدخل في سورية أن يعكس التوجّه نحو سياسة ضغط النفقات التي بدأتها إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، وهو توجّه تعتبره روسيا إيجابياً. كما سعت روسيا إلى تجنّب تغيير النظام بمساعدة قوى أجنبية في سورية، وهو ماستكون له نتائجه الخطرة على الدول المحيطة بروسيا في حقبة مابعد الاتحاد السوفياتي والأجزاء المسلمة من الاتحاد الروسي نفسه. إضافة إلى ذلك، كانت سورية زبوناً لصناعة الأسلحة الروسية على مدى عقود. هذا وتستخدم القوات المسلحة السورية أسلحة سوفياتية وروسية، كما أن بعض الضباط السوريين تلقوا تدريباتهم في روسيا، وتزوجوا من روسيات في كثير من الحالات.

وتُعَدّ سورية بلداً محورياً بالنسبة إلى التطلّعات الروسية الجيوسياسية، إذ تحتفظ البحرية الروسية بقاعدة صغيرة لإعادة التموين والصيانة في ميناء طرطوس السوري. هذه القاعدة الاستراتيجية، التي تُعَدّ متواضعة في الوقت الحالي، مهمة نظراً إلى الطموحات الروسية الرامية إلى لعب دور جيوسياسي أكبر في شرق البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. وبما أن السياسة الروسية الحالية باتت تمتلك بعداً إيديولوجياً، حيث أصبحت الكنيسة الأرثوذكسية حليفاً وشريكاً سياسياً رئيساً للكرملين، فإن فكرة حماية الأقلية المسيحية المتضائلة في سورية وفي الشرق الأوسط عموماً بدأت تبرز، على مايبدو، باعتبارها مصلحة جيوسياسية جديدة، من ناحية الخطاب على الأقلّ.

منذ بداية الصراع السوري الداخلي في العام 2011، شعرت روسيا بقلق بالغ إزاء استقرار نظام الأسد. ففي تلك الفترة، نصح الدبلوماسيون الروس دمشق بأن تشرك المعارضة للحيلولة دون حدوث انتفاضة. مع ذلك، لم تقرن موسكو نصيحتها الودّية بضغوط أو أدوات ردع. وفي حين لم تتصور روسيا الأسد كحليف لاغنى عنه - لابل إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لم يتحدث مع الأسد هاتفياً حتى العام 2013 – استمرت موسكو بإرسال الأسلحة إلى سورية وقامت بتوقيع عقود تسليح جديدة معها.

عندما تحوّل التمرّد تدريجياً إلى حرب أهلية، كان احتمال حصول تدخّل غربي أو عربي في سورية يهدف إلى استبدال نظام الأسد بحكومة موالية للغرب هو الشغل الشاغل لروسيا. كانت روسيا تترنّح بسبب الثورة الليبية في العام 2011، حيث مكّن قرارها بعدم استخدام حق النقض (الفيتو) ضد قرار من مجلس الأمن يؤيّد إقامة منطقة حظر جوي فوق ليبيا، قوات الناتو من التدخّل وتغيير النظام في نهاية المطاف. وقد شكّل المثال الليبي سابقة جعلت روسيا مصمّمة على ألا يتكرّر الأمر في سورية. وبالتالي فقد رفضت روسيا أي اقتراح لمجلس الأمن من شأنه إدانة نظام الأسد.

ونظراً إلى الانسجام الروسي مع سورية، استنتجت القيادة الروسية مبكّراً أن أمام حكومة الأسد فرصة للنجاة في ظل غياب التدخل العسكري الأجنبي. وبالطبع، كان هذا التقييم يتناقض بشكل صارخ مع حسابات الكثيرين في واشنطن والعواصم الغربية المختلفة الذين ظنوا أن انهيار نظام الأسد بات وشيكاً. لم ترفض موسكو إجراء حوار مع المعارضة السورية، غير أنها وجدت أن الثوار ضعفاء ومفكّكون وغير واقعيين في مطالبهم، وهو مايتناقض مع وجهات النظر السائدة في الغرب وفي جزء كبير من العالم العربي. وعموماً، كان ينظر إلى موسكو، إلى جانب طهران، باعتبارها حليفاً لنظام الأسد ومصدراً لمعداته وإمداداته العسكرية والمدافع الدبلوماسي عن النظام وحاميه.

مع ذلك، حاول الغرب وروسيا التعاون في إيجاد حلّ للصراع السوري. في منتصف العام 2012 تعاونت روسيا مع واشنطن لعقد مؤتمر للسلام في جنيف (أصبح يعرف الآن باسم جنيف 1)، غير أن موسكو اختلفت مع واشنطن كثيراً حول شروط الاتفاق. وعلى المنوال نفسه،  باءت بالفشل محاولة تالية لعقد مؤتمر آخر مماثل بعد عام من ذلك. وفي أيلول/سبتمبر 2013، عرض بوتين على أوباما خطة تقضي بنزع الأسلحة الكيميائية السورية، وأقنع الأسد بقبول الاقتراح. وحتى كتابة هذه السطور، فإن عملية نزع الاسلحة الكيميائية السورية على وشك الانتهاء، على الرغم من استمرار الصراع. مع ذلك، لاتزال أحدث محاولة أميركية - روسية لإعادة إطلاق عملية السلام السورية، في مايسمى مؤتمر جنيف 2، عديمة الجدوى حتى الآن.

يشكّل استمرار الصراع السوري، من وجهة نظر موسكو، خطراً يتمثّل بمضاعفة أعداد الجهاديين المجهزين للقتال ممّن تلقّوا تلقيناً عقائديّاً - يقدَّر عددهم الآن بالمئات - والذين يستطيعون العودة إلى بلدانهم الأصلية، وقد فعلوا، بما في ذلك روسيا ودول آسيا الوسطى المجاورة. كما أن هيمنة العناصر الجهادية بين القوى المناهضة للأسد على الأرض في سورية يجعل من الصعب الترتيب لتسوية سلمية.

لا يوفّر الصراع السوري الكثير من الفرص لروسيا، بيد أنه يضعها أمام تحدٍّ كبير لتأدية دور دبلوماسي نشط، حيث ساعدت في تنظيم عملية السلام عن طريق عقد مؤتمرَي جنيف 1 وجنيف 2 وحلّ مشكلة نزع الأسلحة الكيميائية السورية. وطالما أن روسيا قادرة على إنجاز المهمة، ستتجاوز مكانتها في المنطقة دعمها الثابت والعنيد للنظام السوري، زبونها الذي صار حليفاً.

خلافاً لما يعتقده البعض في واشنطن، إن فشل أوباما الظاهري في التمسّك بالخطوط الحمراء التي حدّدها في سورية - على سبيل المثال تصريحه بأن أي استخدام للأسلحة الكيميائية سيؤدّي الى استخدام الولايات المتحدة للقوة العسكرية - لم يشجّع بوتين على ضمّ شبه جزيرة القرم. فقد جاء تدخّل بوتين في أوكرانيا كردّ فعل على الانقلاب الثوري القومي في كييف، والذي شكّ بوتين في أنه من تدبير واشنطن، وأنه سيفتح الباب أمام انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو).

مع ذلك، تقيّم موسكو سياسة واشنطن تجاه سورية باعتبارها تفتقر إلى الأهداف الاستراتيجية والأغراض الواضحة والتقييمات الواقعية. ويرى الروس أن سياسة واشنطن تجاه سورية تكشف تمدّد الولايات المتحدة العالمي الزائد وضعفها المتزايد.