المصدر: Getty

عدوى الفساد في تونس: المرحلة الانتقالية في خطر

يُعتبر الفساد قوة مزعزعة للاستقرار في تونس، تُلقي بظلالها على كل مستويات الاقتصاد والأمن والنظام السياسي.

نشرت في ١٠ نوفمبر ٢٠١٧

ملخّص

يُعتبر الفساد قوة مزعزعة للاستقرار في تونس، تُلقي بظلالها على كل مستويات الاقتصاد والأمن والنظام السياسي. في السابق، كان الرئيس السابق زين العابدين بن علي يحتكر هو وأركان حكمه عملية الفساد، لكنه انتشر في أيامنا هذه كالنار في الهشيم، إذ بات المواطنون يتورّطون يومياً في ممارسات فاسدة وينتفعون منها. أطلق المجتمع المدني العديد من المبادرات واتّخذت إجراءات قانونية كثيرة لمكافحة الفساد، إلا أن هذه الآفة تبدو اليوم منتشرةً أكثر مما كان عليه الحال في عهد بن علي. لكي تتمكّن عملية الانتقال الديمقراطي من البقاء والاستمرار، لابدّ من أن تشنّ تونس حرباً على جبهتين في آن واحد لمجابهة نظام الكليبتوقراطية (حكم اللصوص) والفساد الصغير المتفشّي على نطاق واسع. وحتى تتكلّل هذه العملية بالنجاح، يتعيّن على الحكومة والمجتمع المدني أولاً الاتفاق على إطار مشترك لفهم جوهر الحرب على الفساد وسبل تطبيقها، ثمّ على المجتمع الدولي دعم هذا الإطار عبر التمويل والمساعدات المقنّنة.

إجراءات ناجعة وفعّالة

باءت الآليات الحكومية الرامية للتصدّي إلى الفساد بالفشل لسببين أساسيين هما: أولاً، تولي الحكومة اهتماماً كبيراً بسنّ تشريعات ترمي إلى تحييد الأطراف السيئة المستفيدة من بيئة مابعد الثورة، وردع الأفراد من ارتكاب ممارسات فاسدة، في حين أن العديد من قوى المجتمع المدني تركّز على مسار العدالة الانتقالية ومسألة انتهاكات الماضي. ثانياً، أدّى نهج من أعلى إلى أسفل الذي اتّبعته الحكومة للتصدّي إلى الفساد - كما بدا جليّاً من قانون المصالحة - إلى تآكل الثقة بينها وبين المواطنين، وإضعاف عملية التشاور مع الرأي العام. لمعالجة أشكال الفساد ينبغي على الحكومة التونسية:

  • إنفاذ القوانين القائمة، بدءاً من تطبيق القانون الذي يُلزم المسؤولين التونسيين بالتصريح علناً عن ممتلكاتهم.
  • إشراك منظمات المجتمع المدني في عملية صياغة وتطبيق إجراءات مكافحة الفساد لضمان أن تحظى الإصلاحات بالمقبولية الشعبية.
  • إعطاء الأولوية لإنشاء محكمة دستورية، وضمان استقلال القطب القضائي الاقتصادي والمالي المكلَّف بالبحث والتتبّع والتحقيق والحكم في قضايا الفساد.
  • رقمنة العمليات الحكومية من خلال إعادة تنشيط مبادرة تونس الرقمية 2020، واستخدام نظام بطاقة التعريف الوطنية المُقترح للمساعدة في ضبط القطاع غير الرسمي.
  • الاستثمار بشكلٍ مكثّف في المناطق الحدودية لمنح الأفراد العاملين في القطاع غير الرسمي استراتيجيات خروج، من ضمنها توفير التعليم واستحداث فرص عمل في القطاع الخاص.

دعم موجّه

سيبقى الفساد، ما لم تتم مكافحته، عقبة أساسية في مسار تونس نحو توطيد أسس نظامها الديمقراطي، وسيطرح تحدّياً إضافياً على قائمة التحديات الاقتصادية والأمنية الكبرى التي تواجه المنطقة. لكبح جماح الفساد، يتعيّن على المجتمع الدولي:

  • إعطاء الأولوية لتمويل هيئات مكافحة الفساد في تونس، من ضمنها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والقطب القضائي الاقتصادي والمالي، ومنظمات المجتمع المدني الرقابية مثل "أنا يقظ" و"البوصلة".
  • مواصلة العمل على تعزيز ودعم المجتمع المدني، وضمان حفاظ تونس على حرية وسائل الإعلام.
  • مساءلة الدولة حينما تقصّر في جهود مكافحة الفساد.

مقدّمة

أحرزت تونس خلال السنوات القليلة الماضية تقدماً ملحوظا: من إرساء مؤسسات سياسية ديمقراطية، وإضفاء الاحترافية على أجهزة الأمن لإنعاش قطاع السياحة. ومع ذلك، يُواصل الفساد كونه عدوى مؤذية تضع هذا التقدم وما سيتبعه في مهب المخاطر. الفساد، الذي بات الآن لامركزيا، يعصف بكل المجالات الاقتصادية والسياسية، وصولاً إلى مسألة الإصلاح الأمني نفسها، مايقوّض الإيمان بالمؤسسات ويزعزع آفاق الفرص الواعدة.

"الفساد مرض معدٍ تفشى في البلاد كلها". – ذكر، 35-65 عاماً، تونس العاصمة 

كان هناك منذ البدايات المبكّرة إدراك واسع النطاق في أوساط الحكومة والرأي العام بأنه يتعيّن معالجة معضلة الفساد. إذ كانت هذه على رأس القضايا التي تناولتها تونس خلال مرحلة مابعد الثورة. ففي 15 كانون الثاني/يناير 2011، وبعد يوم واحد فقط من رحيل الرئيس السابق زين العابدين بن علي، شكّلت الحكومة المؤقتة لجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة برئاسة عبد الفتاح عمر. ومنذ ذلك الحين، تم استحداث العديد من الآليات القضائية أو الرسمية، ومع ذلك، وعلى رغم مرور سنوات سبع، لايزال الفساد منتشراً اليوم أكثر مما كان في عهد بن علي. جرى توثيق العوامل العديدة التي ساهمت في تفاقم هذه المشكلة، لكن اثنين منها يستأهلان المزيد من التمحيص والاهتمام.1 العامل الأول هو الإطلالة المتباينة لمختلف المعنيين وأصحاب المصلحة على مسألة الفساد وكيفية معالجته. وهذا لأن تونس تُواجه معركة على جبهتين ضد الفساد: تسوية قضية الفساد في الماضي، واستئصال الفساد المتواصل الراهن. الحكومة، من جهتها، ركّزت على الجبهة الثانية، فسنّت التشريعات لتحييد الأطراف السيئة، مستفيدة من مزايا بيئة مابعد الثورة، ولردع أي أعمال نصب واختلاسات، وغش واحتيال، ومحسوبيات مستقبلية.

بيد أن العديد من قوى المجتمع المدني ليست على استعداد لإغلاق الفصل المتعلّق ببن علي، ولاتزال تسعى إلى فرض قبضة العدالة على الجرائم السابقة. والحال أن المجتمع المدني كان الدافع الرئيس لإطلاق عملية العدالة الانتقالية الشاملة التي تتطرّق إلى كلٍ من الجرائم المادية، كالتعذيب، والجرائم الاقتصادية، كالاختلاس والمحسوبية. وهكذا، حين يتحدث المجتمع المدني والأطراف الحكومية عن الفساد، فهم غالباً مايناقضون بعضهم البعض، مايؤدي إلى حنق العامة حتى حيال إجراءات مكافحة الفساد حسنة النيّة.

العامل الثاني، هو أن الإجراءات الحكومية الأحدث لمكافحة الفساد طُوّرت من فوق إلى تحت وليس من تحت إلى فوق. فقد انبثقت الجهود الأوّلية الكبرى في هذا المجال- الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهيئة الحقيقة والكرامة- من ثنايا عملية تشاورية شاملة للجميع في الحكومة والمجتمع المدني والرأي العام. هذا في حين أن الجهود الأخيرة - قانون المصالحة الإدارية و"الحرب على الفساد"- تحايلت وهمّشت الآليات السابقة التي استندت إلى الإجماع. لذا، تفتقد مثل هذه المبادرات إلى المقبولية الشعبية التي تُعتبر جوهرية لتمكين الإصلاحات من شقّ طريقها إلى النجاح.2

"الفساد حالة ذهنية عامة لأن مامن أحد يثق في كيفية تطبيق القانون". – ذكر، 35-65 عاماً، تونس العاصمة 

سيحتاج ذلك إلى سد الهوة بين مختلف وجهات النظر ومنع انتكاسة عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد، إضافةً إلى فهم متبادل للفساد والمضاعفات والأولويات المتعلّقة به. وهذا الفهم يجب أن يكون حصيلة جهود لإنعاش المبادرات التي تركّز على العدالة حيال الفساد الماضي، والتي تُطلق في الوقت نفسه المبادرات المتمحورة حول الردع. ويتعيّن التحذير هنا من أن الفشل في خوض عباب المعركة على هاتين الجبهتين، قد ينسف عملية الانتقال الديمقراطي برمتها في البلاد.

كيف يتمظهر الفساد في تونس؟

تتفق الأدبيات الأكاديمية والسياسية العامة على أن الفساد يعني "سوء استخدام المنصب العام لأغراض التربّح الشخصي".3 وهذا تعريف فضفاض يشمل العديد من أنماط وأصناف النشاطات والتفاعلات، من الرشاوى الصغيرة إلى الفساد الكبير الممنهج، ويمكن أن يحدث في أي قطاع حكومي وعلى أي مستوى. بيد أن القانون التونسي (المادة الثانية من المرسوم 2011-120) يذهب بالتعريف خطوة أبعد من ذلك ليشمل في حيثياته أيضاً القطاع الخاص. يُحدّد هذا القانون الفساد بأنه "سوء استخدام السلطة أو النفوذ أو الوظيفة للحصول على منفعة شخصية".4 هنا يشمل الفساد كل جرائم الرشوة بجميع أشكالها في القطاعين العام والخاص، والاختلاس والتبذير والغشّ، والاستيلاء على الأموال العمومية، وسوء استخدام السلطة، وغسل الأموال.5

صحيح أن درجة من الفساد موجودة في كل دولة، إلا أنه في عهد بن علي تمركز للغاية إلى حد أن الحلقة الداخلية للنظام، خاصة السيدة الأولى ليلى الطرابلسي وعائلتها، طفقت شهرتها السيئة الآفاق في كل أنحاء العالم.6 فالطرابلسي وأخواتها وإخوتها العشر، كانوا يملكون مصالح مُهيمنة في العديد من الشركات التونسية، بما في ذلك الطائرات، ووكالات السيارات، وخدمات الإنترنت، ومحطات التلفزة والإذاعة، والمحلات الكبيرة للبيع بالتجزئة.7 وحدّد تقرير للبنك الدولي حول الدولة في تونس 662 مؤسسة تملكها عائلة بن علي تمّت مصادرتها في بداية الجهود لمكافحة الفساد بعد الثورة.8 هذه المؤسسات تمثّل 0.2 في المئة فقط من الشركات الخاصة، لكنها تحوز على 5 في المئة من ناتج القطاع الخاص و16 في المئة من كل أرباحه الصافية. وقد اكتشفت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد، والتي شُكِّلت بعد وقت قصير من الثورة للتحقيق في الفساد في عهد بن علي واستعادة الأموال والأصول المسروقة، وجود مليارات الدولارات المتخفّية في شركات وهمية ومصارف أجنبية تعود إلى أفراد عائلة الطرابلسي والمقربّين منها.9

ليس مستغرباً أن يكون الفساد في حقبة ماقبل الثورة، هو السمة الرمزية الملموسة والأبرز لعدم مبالاة النظام بمصالح الشعب. ولذا، ركّزت حكومة مابعد الثورة، إدراكاً منها لهذه الحقيقة، على مواجهة الفساد الماضي عبر سلسلة من آليات العدالة الانتقالية والقانونية. لكن، وفيما جهود البلاد تنصب على الفساد الكبير، كان الفساد الصغير ينمو ويزدهر. وهكذا، نقلت الحكومة اليوم اهتمامها نحو: 1- توقيف أولئك الذين كانوا أكثر تربّحاً من فوضى فترة مابعد الثورة، و2- مواجهة التهريب، الذي هو أكثر وجوه الفساد خطراً والأكثر شيوعا.

الفساد من النَسَقْ إلى العدوى

كان مفاجئاً، وفق مؤشرات خارجية، أن يشهد المستوى العام للفساد ارتفاعاً بعد الثورة. ففي العام 2010، وضع "مؤشر مدركات الفساد لمنظمة الشفافية الدولية" تونس في المرتبة 59 من بين 178 بلداً (الرقم 1 هو الأقل فسادا) مع نسبة 4.3 (الرقم 10 هو الأقل فسادا). وفي العام 2016، هبطت تونس إلى المرتبة 75 من أصل 176 بلداً (الرقم 1 هو الأقل فسادا) مع نسبة 41 (الرقم 100 هو الأقل فسادا).10 وتشير المؤشرات الداخلية إلى منحى مماثل: ففي دراسة لمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي أُجريت مع 391 تونسياً بين تموز/يوليو وآب/أغسطس 2017، قال 76 في المئة من المُستطلعة آراؤهم أنه بات هناك فساد في تونس اليوم أكثر من عهد بن علي (انظر الشكل 1 للاطلاع على النتائج الرئيسة).

"للفساد تعريفات كثيرة، لكن إذا ما أردنا اختصارها بجملة واحدة، يمكننا القول إن الفساد تجربة يختبرها التونسيون بصورة يومية تقريباً". – أنثى، 35-65 عاماً، تونس العاصمة

مثل هذه المدركات حول هذه المعضلة تنبثق من العديد من التحوّلات التي طرأت على كلٍ من الوعي وعلى طبيعة الفساد نفسه. فالفساد، أولاً، لم يعد من المحرمات المحظور التطرُّق إليها. والناس، كما أوضح ناشط في المجتمع المدني، بدأوا "يستيقظون" في العام 2011 حيال الفساد، كما تبلور "وعي جماعي إزاء ضرورة التصدي له".11 الثورة مكّنت التونسيين من الحديث عن عشيرة الطرابلسي، وكذلك عن الفساد اليومي الصغير، هذا في حين لم يكن أحد يجرؤ خلال عهد بن علي على مجرد النطق بكلمة فساد، ماجعل الدراسات حول هذه المشكلة آنذاك قضية عويصة. لكن الحديث اليوم عن الفساد على كل شفة ولسان، ويتم كل يوم قصف المسؤولين الحكوميين ورجال الأعمال وناشطو المجتمع المدني بتهم الفساد.

ثانياً، تمّت "دمقرطة" الفساد منذ الثورة، وفق تعبير رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب.12 ففي عهد بن علي "كان في تونس نظام طفيلي جهنمي يقوم على فساد الدولة".13 أي أن الفساد اخترق كل القطاعات وكانت الرشاوي والمحسوبيات هي القاعدة التي وجّهت حكم الرئيس السابق. وقد عملت عائلة الطرابلسي كمافيا نوعاً ما، مُستخدمة تدقيق الحسابات الضريبية للسيطرة على الناس، ومُستغلة موظفي الجمارك كعملاء لها.14 ويقول تونسي عمل لنحو عقدين لدى عائلة بن علي إن هذا الأخير والطرابلسي أطلا على تونس "بوصفها مؤسسة خاصة ضخمة يمكن لهما استخدامها واستثمارها متى شاءا".15 وهكذا، أفاد الفساد في عهد بن علي أساساً المقربين والبطانة مع ممثليهم على المستوى المحلّي (الذين كانوا قيد المراقبة الدقيقة لمعرفة مدى خضوعهم لأوامر الزعيم). لكن اليوم، أضحت أدوات الفساد متاحة لأي كان. فقد وجدت دراسة للمعهد الجمهوري الدولي (IRI) أن 17 في المئة من التونسيين عانوا شخصياً من الفساد في المستشفيات، و13 في المئة من شرطة المرور، و8 في المئة من المحاكم، و8 في المئة من المدارس الرسمية، و6 في المئة من الشركات الخاصة.16 ووفقاً للدراسة نفسها، يعتقد العديد من التونسيين (64 في المئة) أنه عندما يملك شخص ما على "علاقات مقرّبة وجيدة" يحتمل للغاية أن "يتوافر له الثراء الشخصي" أكثر من اعتماده على "الذكاء" (61 في المئة). وكذا الأمر بالنسبة "لأن يولد الإنسان في عائلة غنية" (60 في المئة)، فيما تنخفض النسبة حيال "العمل الشاق" (38 في المئة) و"مستوى التعليم العالي" (37 في المئة).17 وكما قال أحد ناشطي المجتمع المدني: "الفساد أضحى جزءاً من الثقافة".18

النتائج الرئيسة

في الفترة مابين تموز/يوليو وآب/أغسطس 2017، أجرت مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي استطلاعاً شمل 391 تونسياً لفهم كيفية إدراكهم للفساد في بلادهم. وكان الاستطلاع بمعظمه نوعياً من حيث طبيعته، لكن إجاباتهم تقدّم بعض المؤشرات على تفشّي الفساد وآثاره. عموماً، يشكّك المُستطلعون في جهود الحكومة لمكافحة الفساد، ويعتقدون أن الفساد ازداد منذ الثورة، ملقياً بثقله على البلاد وحياتهم اليومية على السواء.

ملاحظة: في حين كان الاستطلاع متاحاً لمشاركة أي تونسي عبر رابط عام، وتمّ الإعلان عنه على صفحة مرصد تونس (Tunisia Monitor) التابعة لكارنيغي على الفايسبوك (https://www.facebook.com/TunisiaMonitor)، لم يتم اختيار المشاركين بشكل عشوائي، كما لاتمثّل النتائج بالضرورة الآراء الأشمل للشعب التونسي. الجدير ذكره أن الاستشهادات المذكورة في هذه الدراسة مقتبسة من إجابات الاستطلاع.





جادل بعض الناشطين في المجتمع المدني، خلال ورشة عمل لكارنيغي في أيلول/سبتمبر 2017، بأن الرأي العام التونسي "يتخذ مواقف مُتسامحة من الفساد".19 وهذا يعود جزئياً إلى البيروقراطية التونسية المُتخمة والمعقّدة. إذ يتعيّن على المواطنين، إذا ما أرادوا الحصول على حاجياتهم الأساسية، التفاعل مع نظام مُبهم ومعقّد، من الأسهل فيه دفع رشوة، بدلاً من تكبد عناء المرور بالقنوات الرسمية. يقول ناشط في المجتمع المدني: "المشكلة تكمن في الإدارة وليس في الشخصية التونسية". ويوضح أن التونسيين طوّروا موقفاً متسامحاً إزاء الفساد الصغير بحكم الضرورة، ملاحظاً أنه لو قُيِّضَ للمواطن التونسي أن يعيش في بلد أكثر تطوراً تتوافر فيه بيروقراطية أكثر شفافية، سيتخلى حينها عن هذا الموقف". كما يشير إلى أن الأجانب، بما في ذلك أولئك الذين يأتون من بلدان فيها معدلات أقل من الفساد، ينتهي بهم المطاف بدفع الرشاوى في تونس، لأن هذا ضروري لإنجاز الأعمال اليومية على نحو مرضٍ.20

"الحرب على الفساد لايمكن أن تنجح لأن الأطراف الرئيسة لاتريد لذلك أن يحصل". - ذكر، 35-65 عاماً، سوسة

الفساد يبدو الآن سيئاً على وجه الخصوص على طول الحدود التونسية مع ليبيا، حيث اغتنم المهربون فرصة إطاحة السيطرة السلطوية في كلا البلدين لتوسيع نطاق أعمالهم، ليشمل السلاح وسلعاً أخرى غير قانونية. في عهد بن علي، كان التهريب مستفحلا، بيد أن مسؤولي الأمن كانوا يعرفون المهربين بالاسم، ولم يسمحوا سوى بأنواع ومقادير مُعيّنة من البضائع بعبور الحدود. وقد سيطرت شبكة بن علي أساساً على نوع ومدى الفساد القائمين، وكان في مقدورها بالتالي معاقبة أي كان، بمن فيهم المسؤولين المحلّيين الذين كانوا يتجاوزون الحدود المرسومة لهم.21 وكما مع جيران تونس عبر شمال إفريقيا، أحكم نظام ماقبل الثورة قبضته على ممارسات التهريب الخطرة لحماية الأمن التونسي. واليوم، ليس ثمة اتفاق ضمني لمنع تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود.22

ما مضاعفات الفساد؟

هناك تبعات واضحة وغير واضحة في آن للفساد. فهو يؤثّر تأثيراً اقتصادياً مباشراً على معيشة المواطنين (عبر سرقة الأموال من خزائن الدولة ووضعها بين أيدي أفراد فاسدين)، وعلى الاستثمار الأجنبي. كما له تأثير على الأنظمة السياسية، حيث أنه يؤدي إلى تآكل الثقة بين الحكام والمحكومين. وأخيرا، يمكن أن يولّد الفساد عدم الاستقرار، ويساعد على نحو غير مباشر المجموعات الإرهابية على تحقيق أهدافها.

المضاعفات الاقتصادية

ربما تكون المضاعفات الاقتصادية للفساد هي الأكثر وضوحاً. فالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي يعتبران الفساد "عقبة كأداء في وجه تحقيق نمو اقتصادي مُستدام وتنمية متساوية".23 كما استنتج العديد من الأبحاث الأكاديمية وجود علاقة عكسية بين مستويات الفساد وبين النمو الاقتصادي.24 ثم أن كلفة الفساد باهظة للغاية، حيث تقدّر بعض الدراسات أنه في العقد السابق للثورة، خسرت تونس، في المعدل، مبالغ توازي 2 في المئة من ناتجها المحلّي الإجمالي سنويا.25 هذا علاوةً على أن بيروقراطية تونس المعقّدة واللوائح التنظيمية ثقيلة الوطأة، تكلّف الشركات 13 في المئة من عائداتها.26

" ثمة سياسيون هم أنفسهم فاسدون... وهم من وضعوا العراقيل في وجه السير قدماً [في تدابير مكافحة الفساد]". - أنثى، 35-65 عاماً، صفاقس

ولأن تكاليف الصفقات في الأسواق الفاسدة أكبر مما هي في الأسواق غير الفاسدة، يكون لكل معاملة اقتصادية في بلد فاسد "ضريبة فساد"، الأمر الذي يُضر بالوضع الاقتصادي العام لبلد ما أو قطاع ما. والمستهلكون على وجه الخصوص يدفعون أسعاراً أعلى من البلد غير الفاسد. إضافةً إلى ذلك، "لايكون لدى الشركات دافع لتحسين نوعية المُنتج، وتتوقف المكاسب الإنتاجية والابتكارات التي قد تتأتى من المؤسسات الجديدة. بكلمات أوضح، الفساد يقوّض التنافسية في الاقتصاد، ويعيق الاستثمارات وخلق فرص العمل".27

يُثبط الفساد أيضاً التنمية الاقتصادية- الاجتماعية، خصوصاً في الجنوب وداخل البلاد. ووفق بعض رواد الأعمال التونسيين، يعود هذا إلى عملية صنع القرار المركزة.28 ويقول الباحث غير المقيم السابق في مؤسسة كارنيغي، حمزة المؤدب : "يشترك مسؤولو الدولة، ورجال المصارف، وأصحاب الأعمال، في شبكات تربطهم بعضهم ببعض وتسهّل عمليات الفساد... وهذه الشبكات تمارس سيطرة على موارد الدولة، خاصة منها القروض المصرفية والتراخيص، وهي نافذة ومؤثرة في الإدارة العامة".29 وفيما تستعد تونس لتدشين خطوة اللامركزية، بدءاً من الانتخابات المحلّية،30 يقول المؤدب إن التأجيل المتكرر لهذه الانتخابات31 خلق "شعوراً بالحصانة في أوساط اللاعبين المحلّيين، الذين خلقوا بدورهم نوعاً من الفساد ممنهج واللامركزي".32 ووفقاً لدراسة أجراها المعهد الديمقراطي الوطني، ينتاب القلق بعض الناس من أن الانتخابات المحلّية فاسدة، وأن "الأشخاص الخطأ" قد يُنتخبون. ويضع طالب تونسي في ربيعه الخامس والعشرين المسألة على النحو الآتي: "أعتقد أنه يمكن جعل الفساد لامركزيا. أعتقد أنه يمكن أن يتحرّك من مكان واحد إلى أمكنة عدة".33

يؤدي المعدل المرتفع للفساد إلى إعاقة الاستثمار عبر تقويض ثقة المستثمرين المُحتملين الأجانب والمحلّيين، ويخلق أيضاً مخاطر غير ضرورية. ويتبوّأ الفساد عادةً رأس قائمة العراقيل على ممارسة الأعمال في تونس.34 فهو يؤثّر على كلٍ من مستوى الاستثمار المباشر الأجنبي وعلى بلد منشئه. والبلدان التي تعاني من معدلات فساد عالية تجتذب مستويات استثمار أجنبي مباشر أقل من الدول التي وضعت إجراءات مكافحة الفساد (عالميا)، واستثمارات أعلى من البلدان التي فيها فساد أكثر.35 وهذه الحقيقة تفرض إشكالية حادة في تونس، خاصة حين نضع في الاعتبار أنها تسعى إلى اجتذاب المزيد من الاستثمارات من أوروبا والولايات المتحدة اللتين تُصنّفا في معظم المؤشرات بأنهما أقل فساداً.

علاوةً على ذلك، للفساد تأثيرات إضافية على الاقتصاد التونسي. إذ ثمة دلائل عالمياً على أنه يمكن أن يؤثّر على الفقراء بدرجة أعلى من الأغنياء أو الطبقة الوسطى.36 على سبيل المثال، قد يكون الفقراء غير قادرين على تحمّل دفع رشاوى للحصول على الخدمات، "وحين يؤدي الفساد إلى خدمات عامة رثّة، يفتقد الفقراء إلى الموارد للسعى وراء "مخرجات" أخرى كالتعليم الخاص والعناية الصحية أو توليد الطاقة".37

"لمحاربة الفساد، يتعيّن على الحكومة التونسية التحرّر من الضغوط وتطبيق القوانين". - ذكر، 35-65 عاماً، صفاقس

بحسب شوقي الطبيب، يشكّل الآن الاقتصاد الموازي (أو بتعبير آخر السوق السوداء) نحو نصف الاقتصاد التونسي، ويضيف: "في حين أن الاقتصاد التونسي يُبلي في الواقع بلاءً حسنا، إلا أن الدولة تتعرّض إلى الإفقار، لأن نصف المعاملات تجري خارج الاقتصاد الرسمي.38 بيد أن هذه المشكلة معقّدة للغاية، إذ في حين أن ثمّة إجماعاً على الحاجة إلى الإطباق على تهريب البضائع غير القانونية (الأسلحة، المخدرات، وتهريب البشر)، إلا أن الكثيرين في الجنوب التونسي المهمّش يعتمدون على تهريب السلع القانونية (كالوقود والمواد الغذائية) لسدّ الرمق. وبالتالي، أي سياسة لمكافحة الفساد تقوم على سدّ منافذ وخطوط التهريب من دون توفير موارد بديلة للمهربين توفّر لهم مداخيل مستدامة على المدى الطويل، ستقود إلى المزيد من الفقر وانعدام الاستقرار، جنباً إلى جنب مع تواصل القلاقل الاجتماعية. ولذا، ستتطلب معالجة هذه المشكلة على نحو مناسب، "بُنى تحتية اقتصادية تخلق فرص عمل، بدلاً من مطالبة الناس بتوفير أعمال لأنفسهم بأنفسهم"، كما ستتطلّب "استراتيجية تعليمية للنسبة العالية من الفتية الذين تركوا المدرسة في سن مبكرة للانضمام إلى تجارة التهريب".39

المضاعفات السياسية

يمكن للفساد المُستشري أن تكون له تأثيرات سلبية على سمعة البلاد دوليا، لكن مضاعفاته المُباشرة تكمن في ضرب ثقة المواطنين بحكومتهم، وتساهم في تدهور الخدمات العامة. هذا التآكل في الثقة ساطع الوضوح في تونس. وعلى الرغم من أنه لايُعزى حصرياً إلى الفساد وحده، إلا أن الثقة في الحكومة تهاوت من 62 في المئة في 2011 إلى 16 في المئة في 2014.40 وفي استطلاع أجراها المعهد الجمهوري الدولي في آب/أغسطس 2017، أعطى 31 في المئة و41 في المئة من المُستطلعة آراؤهم الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس الوزراء يوسف الشاهد تقدير "مُستحسن" أو "مُستحسن إلى حد ما" على التوالي.41 وهذا سجّل هبوطاً من معدل 43 في المئة للسبسي و44 في المئة للشاهد في كانون الأول/ديسمبر 2016.42

إضافةً إلى ذلك، وفقاً لدراسة البارومتر العربي، يميل المواطنون الشبان (بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين من عمرهم) إلى القول إن المحسوبية والمحاباة التمييزية سائدة، أكثر من الذين يبلغون الخمسين ومافوق.43 وبالمثل، يُظهر المحتجون والشبان التونسيون مستويات أقل ثقة في الحكومة.44 مثل هذه القسمة الديموغرافية مهمة لأسباب عدة: إذ أن الشبان يشكّلون معظم كتلة الثوار، ولذا فقدان هؤلاء الثقة بالمؤسسات التي كافحوا ليضعوها موضع التنفيذ، يمكن أن يزعزع استقرار عملية الانتقال الديمقراطي في البلاد.45 وثمة أمر مرتبط بهذه المسألة، هو أن الجماعات المُتطرفة التي توجّه سهامها إلى صدر الدولة التونسية ومؤسساتها، قد تسعى إلى تجنيد الشبان الذين خاب رجاؤهم بنظامهم السياسي والوضع الاقتصادي.

"للتصدّي للفساد، على الحكومة التونسية أن تعاقب الفاسدين علناً من دون مبالاة واستثناء". – ذكر، 35-65 عاماً، تونس العاصمة

يؤدي الفساد عموماً إلى تقليص نوعية مؤسسات الحكومة، خاصة منها البيروقراطية. فحين يعتاد البيروقراطيون على ممارسات الفساد، يصبح من الصعب تنفيذ السياسات العامة الأفضل لمصلحة الدولة والمواطنين، كما تتدهور أيضاً نوعية الخدمات الإدارية. وبحسب دراسة صدرت عن "هيئة الخبراء المحاسبين بالبلاد التونسية" في 2015، يَعتقد 70 في المئة من التونسيين أن الفساد هو وسيلة لتسهيل المعاملات اليومية،46 وهذا مايجعل من الصعوبة بمكان تنفيذ جهود مكافحة الفساد على المستوى الإداري، وتوظيف مرشحين أقوياء للمناصب الحكومية.

المضاعفات الأمنية

يُهدّد الفساد الأمن بشكل مباشر، من خلال توفير الفرص لمهرّبي الأسلحة والمخدرات والاتّجار بالبشر، لإدخال سلع غير قانونية إلى البلاد. هذا في حين أن إجراءات الرقابة المتهاونة على الحدود الناجمة عن نظام الرشاوي، يمكن أن تسهّل غسل الأموال وتساعد بالتالي على تفشّي الإرهاب.47 يمكن للتونسيين العبور إلى ليبيا للحصول على التدريب العسكري من تنظيم الدولة الإسلامية أو غيره من الجماعات الإرهابية، والمغادرة للقتال في العراق وسورية، أو للتخطيط وشنّ هجمات في الداخل التونسي. ويقول محلل أمني تونسي عن مسألة الحدود التونسية- الليبية إنه "طالما هناك موظفو جمارك فاسدون يعملون مع المهرّبين، ستبقى الأسوار الحدودية دون جدوى".48 يذكر هنا أن الشاهد كان قد استخدم العلاقة بين المهرّبين وبين تمويل الإرهاب كمبرّر رئيس لحربه على الفساد، حين شدّد قائلاً: "نحن مقتنعون بأن ثمة رابطاً بين التهريب وبين تمويل الإرهاب والنشاطات عبر الحدود، وكذلك هروب رؤوس الأموال".49

يشير تقرير لمنظمة الشفافية الدولية في العام 2015 أن هناك مخاطر فساد مرتفعة في قطاع الأمن والدفاع في تونس بسبب غياب الشفافية والتدقيق في مجالات "الشراء والتوريد، والرقابة المؤسسية، والمحاسبة".50 كما ثمة نقاش عام ضئيل حيال الصناعات العسكرية، ما قد يسفر عن تآكل الثقة بين قوات الأمن التونسية وبين المواطنين.51 وحين سُئل مواطنون في استطلاع للمعهد الجمهوري الدولي أجري في نيسان/أبريل 2017، حول أي مؤسسة حكومية يثقون بها لتوفير الخدمات لعائلاتهم، قال 31 بالمئة منهم "لا أحد".52 وفي حين أن 87 في المئة من التونسيين قالوا إنهم يثقون "إلى حد كبير" بالجيش لحمايتهم، لم يقل الأمر نفسه سوى 53 في المئة حيال الشرطة الوطنية و61 في المئة حيال الحرس الوطني.53

في خاتمة المطاف، انعدام الثقة يتحوّل إلى أداة للتجنيد في سلك التطرّف. ويجادل عالما السياسة جيسكا سي. تيتس Jessica C. Teets وإريكا شينويث Erica Chenoweth بأن الإرهابيين يتحمسون من وجود الفساد، لأنه يكون في مقدورهم حينها تجنيد الشباب استناداً إلى الفكرة بأنهم يقاتلون قادة فاسدين.54 كما قد "تنمو الجماعات الإرهابية من خلال هجومها على الدول الفاسدة، لأن هذه الأخيرة غير متّسقة في تطبيقها لحكم القانون".55 وفي حين أنه ليس ثمة دليل مباشر يربط الفساد بالإرهاب في تونس، إلا أن جماعات إرهابية وعناصر أخرى تواصل استهداف البنى التحتية الاقتصادية والمؤسسات السياسية في البلاد، كما حدث في هجمات متحف باردو ومنتجع سوسة في آذار/مارس وحزيران/يونيو 2015 على التوالي.

"أدّى الفساد إلى بروز البطالة والفقر في أوساط الشعب الشريف". – أنثى، فوق سن 65، تونس العاصمة

هناك العديد من العوامل التي تدفع الأفراد للانضمام إلى الجماعات المتطرفة، لكن وكما لاحظنا أعلاه، تتوافر فرصة واضحة لمن يقومون بالتجنيد لصالح الإرهابيين حين يتنامى شعور السخط في أوساط الشبان التونسيين. ثمّ، عندما يواجه هؤلاء الشبان الفساد وجهاً لوجه يوميا- سواء عبر الرشى اليومية أو المحسوبيات أو المحاباة التمييزية أو غيرها-، يتبلور لديهم مثال ملموس عن اللامساواة السائدة في البلاد.

على سبيل المثال، يخشى التونسيون من أن الفساد يؤثّر على عملية التعيين في الوظائف.56 وحين يكون أكثر من نصف خريجي الجامعات تحت سن الخامسة والثلاثين عاطلين عن العمل، يكون هذا مدعاة للقلق.57 فبعض الناس يشعرون أنهم "استثمروا الوقت والمال في تعليم وتدريب سرعان ما يتم تجاهلهما خلال الترشّح لمنصب يعتقدون أنه سيذهب إلى شخص أقل كفاءة منهم بكثير".58 ومثل هذا الشعور يُعتبر مؤججا ممتازاً للتجنيد المتطرّف. وقد أظهرت دراسة أخرى أن المستويات الأعلى من الفساد، تقلل من احتمال أن يقوم المرء بالتبليغ عن جريمة، وهذا بدوره يؤدي إلى منح الحصانة للمجرمين وارتفاع مستويات الجريمة".59

أي أولويات في مكافحة الفساد؟

من الواضح، استناداً إلى مقابلات مع ناشطين في المجتمع المدني ومسؤولين حكوميين، أن المجموعتين اللتين أشرنا إليهما سابقا- وحتى المجموعات الفرعية في كلٍ منهما- تقارب الفساد من منظور مختلف. فالمسؤولون الحكوميون يركّزون على عملية مكافحة الفساد التي انبثقت غداة الثورة، في حين أن المجتمع المدني أكثر تركيزاً على مواجهة جرائم الماضي ومأسست إجراءات مكافحة الفساد. من جهتها، تسعى الحكومة إلى معالجة التحديات الاقتصادية للبلاد وجذب الاستثمارات الأجنبية، من خلال توفير الاستقرار على الأمديين القصير والطويل. ووفق هذا الرأي، لايكون الماضي مفيداً ويمكن أن يؤدي إلى توترات أكبر بدل أن يعزز الاستقرار.

لكن المجتمع المدني، على عكس ذلك، عمل منذ البداية كرقيب وحارس لعملية الانتقال الديمقراطي في البلاد، ولذا فهو يرغب بإتمام هذه العملية من خلال محاسبة الماضي بهدف خلق مستقبل أكثر استقرارا. ويشعر الشبان الذين لعبوا دوراً رئيساً في المجتمع المدني بمسؤولية خاصة حيال الدفاع عن أهداف الثورة. وكما أوضح أحد ناشطيه، فإن جهود الحكومة لفتح صفحة جديدة "تشكّل إهانة لعائلات وأصدقاء شهداء الثورة"، أولئك الفتية الذين بذلوا أرواحهم وهم يقاتلون من أجل العدالة والكرامة.60

"يؤثّر الفساد بشكلٍ كبير على صحتنا العقلية". – أنثى،  35-65 عاماً، نابُل

كان الشاهد، الذي وضع الفساد على رأس أولوياته حين تسنّم زمام السلطة في آب/أغسطس 2016، قد أعلن أن "الفساد في بلادنا مستشرٍ... وهدفنا هو تفكيك أنظمة الفساد ومعه [أطراف النظام الثلاثة] الإرهاب- والفساد- والتهريب والتهرّب من دفع الضرائب. هذا الثلاثي واضح للجميع، خاصة في المناطق".61 وفي خطاب أمام البرلمان، شدّد الشاهد على أن "الفساد يُهدّد الديمقراطيات الناشئة".62

تشير ملاحظات الشاهد وخطواته إلى أنه أكثر اهتماماً باستئصال المسؤولين والمؤسسات الفاسدة التي تواصل التربّح على حساب الشعب. وفي أيار/مايو 2017، شنّت حكومته حرباً على الفساد أسفر معظمها، حتى الآن، عن اعتقال شخصيات في مناصب رفيعة أثروا منذ الثورة، وعن زعزعة بعض من أكثر هياكل الفساد في الجمارك.63

وبالمثل، قائد السبسي، يركّز على المضي قدماً في هذا الاتجاه، وهو حفز المجتمع التونسي على وقف التطرّق إلى الماضي. همُّ السبسي الرئيس هو استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهو قال في مقابلة مع القناة التلفزيونية "تشانل 1" (Channel 1) بمناسبة عيد الاستقلال التونسي في العام 2017: "من دون [قانون المصالحة الاقتصادية] لن نعثر على الاستثمارات".64 وهذا ماكرره وزير الخارجية السابق رفيق عبد السلام، ملاحظاً أن اللائمة يجب أن تُنحى على النظام برمته في عهد بن علي، وليس من المفيد أن نعيب رجال أعمال بعينهم بل "نحتاج إلى إجراءات سريعة لإطلاق عجلة الاقتصاد".65

على الرغم من أن آراء الشاهد وقائد السبسي تبدو متوافقة عموماً، إلا أن مقاربة الثاني تتناقض بشكل مباشر مع وجهات نظر العديد من الناشطين في المجتمع المدني، الذين يولون الأهمية القصوى الأولى لتسوية مسألة فساد الماضي وتحقيق العدالة للضحايا. ففي خطاب له في تموز/يوليو 2017، طلب السبسي تضامن الرأي العام مع الدولة لمكافحة الفساد (والإرهاب)، فكان بذلك يخاطب بجلاء المُحتجين الذين غصوا مراراً الشوارع احتجاجاً على قانون المصالحة الاقتصادية.66 والحال أنه ليس مفاجئاً أن يكون المجتمع المدني لاذعاً في نقده لإجراءات الحكومة الخاصة بمكافحة الفساد، سواء منها الحالية أو السابقة. فالعديد من المواطنين يشددون على الحاجة إلى التطرّق إلى مسألة الفساد، من خلال آلية العدالة الانتقالية التونسية التي هي، في حد ذاتها، حصيلة مشاورات شعبية عامة. والواقع أن قانون المصالحة الإدارية الذي كان صيغة معدّلة من قانون المصالحة الاقتصادية الذي أُقِّرَ في 13 أيلول/سبتمبر 2017، هو حصيلة سنتين من النزاعات بين الأحزاب السياسية وبين المجتمع المدني والبرلمان، ويشكّل تحايلاً على عملية العدالة الانتقالية الرسمية، من خلال توفير العفو لبعض الموظفين الرسميين الذين ارتبكوا جرائم اقتصادية في عهد بن علي. وفي خطوة عكست استياء الرأي العام من الطريقة التي عالجت بها الحكومة ملف الفساد، أجابت غالبية المُستطلعة آراؤهم (54 في المئة)، في دراسة المعهد الجمهوري الدولي في آب/أغسطس 2017، لدى السؤال عن أي حزب سياسي يُعتبر الأفضل لمكافحة الفساد، بـ"لا أحد".67

أثار إقرار القانون انتقادات واسعة النطاق لدى المجتمع المدني، كما لدى بعض الأحزاب السياسية في البرلمان. وقد نظّم الفرع التونسي من منظمة الشفافية الدولية، "أنا يقظ"، مظاهرات بعد التصديق على القانون ودعا إلى إلغائه. كما أصدرت الأمانة العامة للمنظمة بياناً ورد فيه أن "البرلمان التونسي صوّت ضد وضع الفساد قيد المساءلة والمحاسبة، أي ضد السبب نفسه الذي دفع الناس للنزول إلى الشارع في العام 2011. إن منح العفو عن الفساد في قانون المصالحة الجديد الذي تمّ إقراره، يُطلق رسالة سلبية مفادها أن الفاسد في أي مكان يمكن أن يهرب".68 الملفت هنا أن عضو البرلمان، نذير بن عمو، استقال مؤخراً تعبيراً عن استيائه من دعم حزب النهضة للقانون.69

حظيت حرب الشاهد على الفساد بالمناصرة والذمّ في آن. فقد أقنع خطابه الأوّلي، وكذلك استعداده للإطباق على العديد من الشخصيات القوية، العديد من التونسيين بأن الحكومة جادّة أخيراً في التصدّي للفساد. ومثل هذا التغيير في النهج مهم على نحو ملحوظ، لأنه كان ضرورياً لـ"الشفاء من الفساد" على المدى الطويل. يقول روبرت أي. روتبرغ Robert I Rotberg: "يستطيع القادة توفير أنواع من الاستقامة والنزاهة السلوكية والأنوار السلوكية الساطعة، القادرة مع الوقت على نقل الثقافة السياسية الحالية من قبول الفساد إلى رفضه".70

مع ذلك، يعتقد بعض التونسيين أن الشاهد لم يذهب بعيداً بما فيه الكفاية، حيث يعتقد 64 في المئة من المُستطلعة آراؤهم في كارنيغي أن الحرب على الفساد لن تكون ناجحة. وخلال نقاش حول الفساد، أعرب المشاركون من المجتمع المدني عن إحباطهم من هذه الحرب، مُلاحظين أن الرأي العام التونسي والمجتمع الدولي لم يفهما كنهه. وذكر مشارك أن هذه الحرب "تحتاج إلى تعريف وتحديد العدو، وأن تتسلّح بالأدوات المناسبة".71 وقال آخر إنه يجب أن يُطلق عليها تعبير "الحرب على المهرّبين" بدلاً من الحرب على الفساد، لأنها تركّز أساساً على قطاع التهريب وتنأى بنفسها عن قطاعات رجال الأعمال والأمن والجمارك، التي هي تقليدياً من بين الأكثر فسادا.72 ولاحظ ناشط في المجتمع المدني أن المجموعتين الأكثر إشكالية هما مجموعة مسؤولي الجمارك ومجموعة ممثلي الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية المعروف بـUTICA. وبحسب أحد الناشطين، تعمل هذه الأخيرة مع شركات النفط والشركات العالمية "لاقتناص الموارد من تونس من دون دفع أجور عادلة".73

بدأت الحرب على الفساد تتصدى لقطاع الجمارك. ففي حزيران/يونيو 2017، وخلال الأسابيع الأولى من الحرب على الفساد، قام الشاهد بزيارة مفاجئة لميناء رادس. وبعدها بأيام، اعتقلت السلطات التونسية 21 مسؤولاً جمركياً، وأحالت 35 آخرين إلى هيئة تأديبية.74 لكن، فيما يبدو الاتحاد التونسي للصناعة ملتزماً، حتى الآن، بمكافحة الفساد داخل القطاع الخاص، إلا أن الحكومة لم تظهر سوى النذر القليل من الاهتمام بتفكيك العقود التي يعود عمرها إلى عقود مديدة بين شركات النفط الاجنبية والحكومة التونسية، ما أثار احتجاجات الكامور في 2017.75 كان الانطباع بأن الشركات الأجنبية تستغل الأرض التونسية والمواطنين التونسيين لمصلحتها الخاصة قد أشعل فتيل احتجاجات عديدة في منطقة جنوب شرق تونس. وعلى الرغم من أن المحتجين لايدينون جهاراً شركات النفط والغاز بالفساد، إلا أنهم اتهموا الحكومة التونسية بـ"سرقة مواردهم الطبيعية من دون تعويض".76

"يحدّ الفساد من قدرتنا الشرائية بدرجة كبيرة". – أنثى، 35-65 عاماً، أريانة

وُجِّهَت انتقادات إلى الشاهد للطريقة التي نفّذ فيها الحرب على الفساد. فالسلطات استخدمت قانون الطوارىء لاعتقال رجال أعمال بارزين، واتّهمت بعضهم بارتكاب جرائم أمنية لا اقتصادية. الفساد عصي على الإثبات، ولذا من الشائع لدى السلطات استخدام جرائم أخرى لدحرجة رؤوس المسؤولين الفاسدين. بيد أن الطريقة التي تقدّمت بها الحرب على الفساد حتى الآن، دفعت بعض هيئات حقوق الإنسان إلى الاعتراض على جهود الشاهد. فقد انتقدت منظمة هيومان رايتس ووتش السلطات التونسية لشنّها الحملات في إطار قانون الطوارىء، مُشيرة بذلك إلى أولئك الذين أحيلوا إلى المحكمة العسكرية واحتُجزوا في زنازين انفرادية في أماكن مجهولة.77 يقول ناشط في المجتمع المدني: "حتى أعتى المجرمين لهم حقوق".78

كيف تتم مكافحة الفساد؟

أطلقت الحكومة التونسية والمجتمع المدني العديد من المبادرات الهادفة إلى مكافحة الفساد (انظر الشكل 2 لخلاصة حول ذلك). فقد شُكِّلت مروحة واسعة من الهيئات الرسمية وغير الرسمية منذ 2011 للتصدّي إلى كلٍ من الانتهاكات السابقة ولمنع حدوث انتهاكات جديدة مستقبلا، كما جرى سنّ العديد من القوانين لمنع الفساد أو معاقبة الأفراد الفاسدين. بيد أن الهيئات الأساسية المكافحة للفساد تفتقد إلى الموارد المالية والبشرية التي تمكّنها من القيام بما انتُدِبَت له. ثم أن كثرة من القوانين إما لم تر نور التنفيذ، أو أنها لن توفّر آليات المحاسبة الكافية لردع السلوك الفاسد على نحو فعّال.

الإجراءات القانونية

دأبت تونس على استخدام مختلف الأدوات التشريعية للتصدّي للفساد الماضي وردع أي نشاط مستقبلي من هذا النوع. وعلى الرغم من أن القانون الانتخابي للعام 2011 (المرسوم 1089) لم يربط مباشرةً بالفساد، إلا أنه منع بعض المسؤولين السابقين في عهد بني علي وحزبه من خوض المعركة الانتخابية لتبوؤ مناصب رسمية.79 كان العديد من هؤلاء يشكّلون الشبكة الضخمة التي قامت بتنفيذ سرقات حكومية في تونس في عهد بن علي. وغداة الثورة، جرى اعتقال 30 عضواً من عائلة الطرابلسي ووُجهت إليهم تهم ارتكاب جرائم فساد.80 وقد حُكِمَ على بن علي وزوجته بالسجن لمدة 35 سنة في 20 حزيران/يونيو 2011، بعد أن أُدينا غيابياً بالسرقة والحيازة غير القانونية للعملات الأجنبية، والجواهر، والتحف الأثرية، والمخدرات، والأسلحة، وفرضت عليهما غرامة قدرها 65 مليون دولار. وفي العام 2012، اعتُقل 81 قاضياً بتهم الفساد.81 ومنذ الثورة، لوحق قضائياً ما بين 7000 إلى 9000 موظف رسمي، جرى سجن 600 منهم معظمهم بتهم الفساد.82

إجراءات مكافحة الفساد التي اتّخذتها الحكومة منذ اندلاع الثورة
17 كانون الأول/ديسمبر 2010 أوقد إضمار محمد بوعزيزي النار في نفسه شعلة الاحتجاجات التي عمّت أرجاء تونس كافة، وتخلّلها تنديد المتظاهرين بالفساد المستشري في كنف نظام زين العابدين بن علي.
13 كانون الثاني/يناير 2011 أعلن بن علي عن تشكيل لجنتَي تحقيق مستقلّتين: واحدة مكلّفة بقضايا الفساد، وأخرى مكلّفة بملفّ القتلى والجرحى الذين سقطوا خلال المظاهرات.
14 كانون الثاني/يناير 2011 تنحّي بن علي.
15 كانون الثاني/يناير 2011 شكّلت الحكومة الانتقالية لجنة برئاسة عبد الفتاح عمر للنظر في قضايا الفساد والرشوة.
18 شباط/فبراير 2011 قضى المرسوم 2011-7 بتشكيل لجنة وطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد.
14 آذار/مارس 2011 نصّ المرسوم 2011-15 على مصادرة أملاك وأصول نظام بن علي خلال فترة 1978-2011.
26 آذار/مارس 2011 نصّ المرسوم 2011-15 على تشكيل لجنة وطنية لاسترجاع الأموال الموجودة في الخارج والمكتسبة بصورة غير مشروعة.
20 حزيران/يونيو 2011 حُكم على بن علي والسيدة الأولى ليلى الطرابلسي غيابياً بالسجن لمدة 35 عاماً بتهمة السرقة والحيازة غير المشروعة لعملات أجنبية ومجوهرات وقطع أثرية ومخدرات وأسلحة، وبتسديد غرامة مالية تبلغ حوالى 65 مليون دولار.
14 تموز/يوليو 2011 قضى المرسوم 2011-68 بتشكيل لجنة وطنية للتصرف في الأموال والممتلكات المعنية بالمصادرة أو الاسترجاع لفائدة الدولة.
3 آب/أغسطس 2011 حدّد المرسوم 1089 مواصفات الأشخاص الذين يحقّ لهم الترشّح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي التي أُجريت في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وتضمّن كذلك حرمان بعض الأشخاص المنتمين إلى نظام بن علي وحزبه الحاكم من الترشّح.
14 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 قدّم المرسوم 2011-120 تعريفاً للفساد وقضى بإنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بهدف تسهيل مسار محاربة الفساد وجمع المعطيات والبيانات المتعلقة بالفساد ونشر ثقافة مكافحته.
24 تشرين الثاني/نوفمبر 2011 تم إنشاء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد رسمياً.
27 آذار/مارس 2012 تشكيل خلية للحوكمة الرشيدة في كل المؤسسات والإدارات العامة والوزارات لترقية ثقافة النزاهة والشفافية ومكافحة الفساد.
14 نيسان/أبريل 2012 عقد مؤتمر وطني حول العدالة الانتقالية.
3 آب/أغسطس 2012 قضت مذكرة عمل وزارية بتشكيل القطب القضائي الاقتصادي والمالي للبحث والتتبّع والتحقيق والحكم في قضايا الفساد.
16 أيلول/سبتمبر إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر 2012 عقدت اللجنة الوطنية للحوار حول العدالة الانتقالية 24 اجتماعاً في أرجاء البلاد كافة.
9 كانون الأول/ديسمبر 2012 أطلق رئيس الحكومة حمادي جبالي ووزير الحوكمة ومكافحة الفساد عبد الرحمن الأدغم، الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد.
24 كانون الأول/ديسمبر 2013 نصّ القانون الأساسي 2013-53 على إنشاء هيئة الحقيقة والكرامة للتحقيق في الجرائم الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت بين عامَي 1955 و2013.
14 كانون الثاني/يناير 2014 انضمّت تونس إلى شراكة الحكومة المفتوحة.
20 آذار/مارس 2015 قدّم الباجي قائد السبسي مشروع قانون المصالحة الاقتصادية خلال الكلمة التي ألقاها بمناسبة عيد استقلال تونس.
11 آذار/مارس 2016 أقرّ البرلمان التونسي قانون النفاذ إلى المعلومة.
23 تشرين الثاني/نوفمبر 2016 نصّ القانون الأساسي الرقم 57 للعام 2016 رسمياً القطب القضائي الاقتصادي والمالي للإشراف على مسار التحقيق في الجرائم الاقتصادية والمالية المعقدة.
22 شباط/فبراير 2017 أقرّ البرلمان قانون الإبلاغ عن الفساد وحماية المُبلغين عنه.
24 أيار/مايو 2017 أعلن رئيس الحكومة يوسف الشاهد "الحرب على الفساد".
13 أيلول/سبتمبر 2017 صادق البرلمان على مشروع القانون الأساسي 49-2015 (وهو الصيغة المنقّحة من قانون المصالحة الاقتصادية) المتعلق بإرساء المصالحة في المجال الإداري.

إحدى الإجراءات المهمة، اقتصادياً، في هذا الصدد كانت تشكيل لجنة المصادرة التي استحدثها المرسوم 2011-13 في 14 آذار/مارس 2011. هذا القانون تعلّق بـ114 شخصاً- بن علي، عائلته، أصهرته (عائلة الطرابلسي) وآخرين مُقرّبين منه. وتغطي اللجنة الفترة من 1987 وحتى الثورة، وهي استولت على 550 ملكية، و48 قارباً ويختاً، و40 محفظة أسهم، و367 حساباً مصرفياً، و400 مؤسسة قٌدِّرت قيمتها بنحو 13 مليار دولار (أي مايوازي 25 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي التونسي في 2011)، وكذلك مبلغ 28.8 مليون دولار كان مُودَعاً في حساب يحمل اسم السيدة الأولى في مصرف لبناني.83

في 14 تموز/يوليو 2011، شكّلت تونس لجنة شبه مستقلة لاسترجاع الأصول، ضمّت ممثلين عن وزارات معنية (الشؤون الخارجية، العدل، وحقوق الإنسان)، والمصرف المركزي، ومحامين، للتحقيق في الأصول المنهوبة وتحديدها. علاوة على ذلك، وفي آذار/مارس 2012، عُيٍّن مسؤولون لمكافحة الفساد (من خلال "خلية حوكمة جيدة") في كلٍّ من المؤسسات العامة، بما في ذلك كل وزارة، لضمان تطبيق إجراءات مكافحة الفساد في كل قطاعات الحكومة.

جرى كذلك إقرار العديد من القوانين (أو هي قيد التطوير) للتصدي إلى شتى مجالات الفساد، بما في ذلك القوانين حول الرشاوى، والمداخل إلى المعلومات، والإبلاغ عن الفساد، وحماية المُبلِّغين عن الفساد. والمُلفت هنا هو مسودة قانون تتطلّب الكشف العلني عن الدخل والأصول، وتجرِّم المكاسب غير القانونية، وتنازع المصالح.

"يؤدي الفساد إلى نشر الفوضى في المشهد المديني وإلى إبطاء العجلة الاقتصادية. وهذا ظلم فادح". أنثى، 35-65 عاماً، تونس العاصمة

في حين حظيت معظم إجراءات التصدي للفساد بشعبية واسعة، كانت وثيقة المصالحة الاقتصادية، التي أُقرّت على أنها قانون المصالحة الإدارية، مثار جدل كبير. فقد طرح قائد السبسي أولاً الوثيقة خلال خطاب عيد الاستقلال في 20 آذار/مارس 2015. وخلال تقديمها، قال إنها "ستحسِّن بيئة الاستتثمار" وتستعيد أصولاً من رجال أعمال تستطيع تونس استخدامها في التنمية".84 هذا القانون، في صيغته الأصلية، كان سيشطب كل القضايا المالية من صلاحيات هيئة الحقيقة والكرامة، ويوفّر إخفاء الهوية وتوفير الحصانة، وأيضاً العفو عن كلٍ من الأفراد في القطاعين العام والخاص المتّهمين بارتكاب جرائم مالية في عهد بن علي (طالما أنهم يعيدون الأصول المسروقة ويدفعون الغرامات). وقد حاول قائد السبسي الحصول على قانون المصالحة الاقتصادية من البرلمان في عامَي 2015 و2016، لكنه فشل في نهاية المطاف بسبب الضغوط الهائلة للمجتمع المدني.

لم يكن كثيرون في المجتمع المدني التونسي والمجتمع الدولي سعداء بمسودة القانون. فقد قالت اللجنة الأوروبية للديمقراطية عن طريق القانون إن الوثيقة قد لاتكون دستورية، "لأنها ربما تخلق ثنائية في عملية العدالة الانتقالية، ما سيتناقض مع المادة 148 من الدستور".85 وقال تونسي إن المسودة "تعطي الانطباع بأن مايهم القصر في قرطاج هو إنقاذ أصدقائه الفاسدين، أما نضالات الشعب التونسي فلا تعنيهم كثيرا".86

حين أُعلن عن المسودة للمرة الأولى العام 2015، التأم شمل أكثر من 20 مجموعة من مجموعات المجتمع المدني في إطار حملة "مانيش مسامح" التي هدفت إلى إطلاق عملية إعلامية اجتماعية ضخمة، والضغط على المسؤولين، ورفع الرسائل، وتنظيم الاحتجاجات في قلب العاصمة ضد المسودة.87 وقد تمحور النقد الأساسي على أن الوثيقة ستسمح لمن نهبوا الدولة بالإفلات من الملاحقة القضائية والبقاء غُفْلا.

يوفّر القانون الذي أُقِرَّ للتو العفو عن الموظفين الرسميين فقط، بحجة أنه لم يكن لديهم خيار سوى الرضوخ لأوامر رؤسائهم، خوفاً من تعرّضهم إلى العقاب، وبأن هذه الفئة من الناس لم تتورّط في فساد واسع النطاق، على عكس كبار المسؤولين. وفي حين أن بعض التونسيين استساغوا هذا القانون، إلا أن ناشطاً في المجتمع المدني قال إن هذا القانون، في صيغته المُعدّلة، "هو أمر يستطيع معظم التونسيين التعايش معه".88 بيد أن أحزاباً معارِضة في مجلس نواب الشعب قاطعوا التصويت، ووصفه حزب "حراك تونس الإرادة" بأنه تجسيدٌ لـ"مأسسة الفساد".89 ولأن الآليات موجودة للتصدي للجرائم الاقتصادية من خلال هيئة الحقيقة والكرامة، يعتبر القانون وسيلة للالتفاف على عملية العدالة الانتقالية. وهذا كان على وجه الخصوص للقلق لدى أطراف المجتمع المدني التي تساند وتنصر هيئة الحقيقة والكرامة، لأنها تشكّلت على أساس تشاور وإجماع حقيقيين. هذا في حين أن مشروع المصالحة كان من وضع الرئيس ودُفع إلى الناس عبر البرلمان. وذكر ناشط في المجتمع المدني أن القانون "يهدف إلى تبييض صفحة الفساد لأنه يقفز فوق المحاسبة، ويقوّض المساواة بين الناس أمام القانون... ولا يوفّر أي ضمانات لعدم عودة الجرائم المالية".90

"بسبب الفساد يجد الشباب أنفسهم عاجزين عن التحرّر". – ذكر، 35-65 عاماً، المنستير 

لاحظ المركز الدولي للعدالة الانتقالية أن مجموعة من الموظفين الرسميين الذين قد يُمنحون العفو، ليس مطلوب منهم أن يأخذوا على عاتقهم أي إجراء مقابل ذلك، لا بل هم سيُمنحون العفو تلقائياً بفضل وظيفتهم. إضافةً إلى ذلك، لايقدّم القانون للدولة أو للشعب التونسي أي شيء في مقابل الحصانة التي ستُعطى لهؤلاء".91 كما تنص الوثيقة على منح العفو للموظفين الرسميين الذين سبق أن أدانهم النظام القضائي التونسي، ما يقوّض نظام العدالة.

ردّاً على هذا القانون، أصدر المجلس الوطني لنقابة المحامين التونسيين بياناً في 26 أيلول/سبتمبر 2017، رفض فيه القانون ودعا أعضاء البرلمان إلى تعديله.92 وعلى نحو منفصل، أصدر كلٌ من الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، والهيئة الوطنية للوقاية من التعذيب، بياناً مشتركاً أدانت فيه القانون، مُشدّدةً على أنها مستقلة عن الحكومة. كما ذُكر أن 40 عضواً في البرلمان صاغوا مسودة عريضة تشكّك في مدى دستورية القانون.93

تبنّت تونس كذلك إجراءات إلكترونية مختلفة لمنع الفساد، على المستوى الرسمي وعبر المجتمع المدني في آن، بما في ذلك بوابة الميزانية المفتوحة، وموقع على الانترنت يُدعى "مرسوم 41" استُحدث لتمكين المواطنين من طلب الوثائق الرسمية مباشرة.94 وفي العام 2014، انضمت تونس أيضاً إلى شراكة الحكومة المفتوحة، وهي مبادرة مُتعدّدة الأطراف تهدف إلى الحصول على التزامات محددة من الحكومة لترقية الشفافية، وتمكين المواطنين، ومكافحة الفساد، واستخدام تكنولوجيات جديدة لتعزيز الحوكمة. كما تُبَث المعلومات المالية التي تأتي من النقاشات البرلمانية مباشرةً عبر تويتر، وتقوم بالتدقيق بها منظمات رقابية على غرار مرصد الميزانية.95

عموماً، توفّر الإجراءات القانونية في تونس إطاراً مكيناً لمكافحة الفساد، بيد أن العديد منها لايُطبّق بالكامل. ثم أنه من المبكر للغاية تقدير ما إذا ستكون القوانين، حال تطبيقها، فعّالة في ردع الفساد. بعض المواطنين يشككون بصدقية الحكومة في شن مثل هذه الحرب. وهكذا، قال أحد الأشخاص المُستطلعة آراؤهم في استطلاع كارنيغي: "لا أحد يثق بعملية تطبيق القانون".96 كما أعرب العديد من الأشخاص المُستطلعة آراؤهم عن اعتقادهم بأن ثمة ضرورة لتشكيل نظام قضاء ومحكمة دستورية مستقلّين.97 وفي آب/أغسطس 2012، تم تأسيس "القطب القضائي الاقتصادي والمالي" من خلال مذكرة وزارية ليقوم بالتحقيق، والملاحقة القانونية، وإصدار الأحكام القضائية في قضايا الفساد. بيد أن هذه الهيئة لم تُفعَّل كجسم قضائي سوى في تشرين الثاني/نوفمبر 2016 من خلال القانون الأساسي الرقم 57 للعام 2016. ويمنح هذا القانون المحكمة صلاحيات حيال الجرائم الاقتصادية والمالية المعقّدة.

"بسبب الفساد تمت الإطاحة بجميع قيم المجتمع الجيد (المحبة والاحترام والوطنية، إلخ)". – ذكر، 35-65 عاماً، تونس العاصمة 

يشكّل القطب القضائي جزءاً من المجلس الأعلى للقضاء، لكنه يفتقد إلى الموارد الضرورية للتعامل مع آلاف مؤلّفة من قضايا الفساد التي برزت غداة الثورة. وللتعاطي مع هذا الكم الهائل من القضايا، ثمة حاجة إلى موارد بشرية إضافية وبرامج تدريب على التحقيق في مسائل الفساد المعقّدة. علاوةً على ذلك، لم تُشكَّل بعد المحكمة الدستورية. ولذا، تُحال الآن المسائل الدستورية إلى محكمة مؤقتة. وخلال ورشة كارنيغي، أثار المشاركون النقاش عن أن استحداث المحكمة الدستورية وتطوير طاقات القضاء، سيساعد على نقل قضايا الفساد عبر النظام القضائي بفعالية أكبر، وسيُظهر أن الحكومة جادّة حيال التصدي للفساد.

الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد

المؤسسة الرسمية الحائزة على أوسع تفويض هي الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد. فهي هيئة مخوّلة دستورياً، جرى استحداثها في تشرين الثاني/نوفمبر 2011، وأنيطت بها مهمة التحقيق في كل أشكال الفساد، من الهدر والتزوير والانتهاكات، إلى غسيل الأموال وسوء استخدام المال العام. لاتستطيع الهيئة القيام بالملاحقة القضائية بنفسها، بل ترحّل القضايا التي تم التحقيق فيها إلى مكتب المدعي العام.

لطالما عانت هذه الهيئة من قلة الموارد المالية الكافية والموظفين. وقد انتقد رئيسها الأول، سمير العنابي، الحكومة لتزويده بميزانية ضعيفة، ما أثّر على قدرتها على التحقيق في القضايا.98 وفي الفترة بين 2014 و2015، لم تحقّق الهيئة سوى بـ400 قضية من أصل 9000 قضية مُدرجة في جدول أعمالها. وقد حاول الطبيب، الذي خلف العنابي في رئاسة الهيئة في كانون الثاني/يناير 2016، توسيع نطاق عملها. فبعد تسنّمه مهام منصبه في 2016، طلب زيادة قدرها 2.6 مليون دولار لافتتاح أربعة مكاتب إقليمية جديدة. كما أمّن مساعدة أجنبية وازنة للعام 2017، بما في ذلك منح من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP)، ومجلس أوروبا، والمملكة المتحدة وكوريا الجنوبية.99

لكن، وعلى رغم الجهود الحثيثة للطبيب، لايبدو أن الحكومة تعتبر عمل الهيئة أولوية، وهي فشلت في توفير موازنة ملائمة أو موظفين لها كي تتمكّن من التعاطي مع آلاف القضايا المطروحة عليها. إضافةً إلى ذلك، ليس هناك سوى إرادة سياسية خافتة لمساعدة الهيئة. وكما قال ناشط في المجتمع المدني: "إذا ما أردت قتل شخص ما، شكّل لجنة".100 ولاحظ ناشط آخر أنه على رغم الموجبات الدستورية، لاتريد المؤسسات الأخرى العمل مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد.

هيئة الحقيقة والكرامة

نُفِّذت الجهود لتوفير العدالة لضحايا الفساد خلال حقبة ماقبل الثورة، من خلال عملية العدالة الانتقالية الرسمية في تونس. هذه العملية فريدة من نوعها، من حيث أنها كانت "الأولى التي تعترف رسمياً بالضرر الاجتماعي- الاقتصادي على أنه انتهاكات تتطلّب عدالة وتعويضات مالية.101 وقد استُحدثت لجنة تقصي الحقائق حول الفساد والرشوة للتعاطي مع مسائل الفساد والرشى في عهد بن علي، وتلقّت نحو 10000 شكوى في الفترة بين شباط/فبراير وآب/أغسطس 2011، وأحالتها إلى المحاكم.102

"يلقي الفساد بظلاله على مستقبل أطفالنا الذين يقعون بسهولة فريسة الجهات الخبيثة والظالمة من كل حدب وصوب". ذكر، 35-65 عاماً، بنزرت

وبهدف بلورة عملية قضائية رسمية، عقدت التنسيقية الوطنية للحوار حول العدالة الانتقالية 24 اجتماعاً من 16 أيلول/سبتمبر إلى 7 تشرين الأول/أكتوبر 2012.103 وقبل ذلك، أطلقت الحكومة المؤتمر الوطني للعدالة الانتقالية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في 14 نيسان/أبريل 2012، لجمع معطيات من مروحة من الجماعات والأفراد في البلاد، حول كيفية التعاطي مع المسألة الجوهرية، ولكن المثيرة للجدل، الخاصة بإرث نظام بن علي.

كانت المحصّلات الرئيسة للعملية التشاورية هي القانون الأساسي 2013-53 الذي سُنّ في 24 كانون الأول/ديسمبر 2013، ثم أُدرج في دستور 2014، وفي هيئة الحقيقة والكرامة. بموجب القانون، تغطي هيئة الحقيقة والكرامة الانتهاكات التي ارتُكبت بين 1955 و2013، وتشمل الفساد المالي وسوء التصرُّف بالمال العام، وهي مستقلة مالياً وإدارياً وتضم 15 عضواً تختارهم لجنة برلمانية. تستطيع الهيئة الفصل في النزاعات، وإجراء التحقيقات الجنائية، وتكليف محاكم مُتخصّصة التحقيق بمختلف انتهاكات حقوق الإنسان والحقوق السياسية والاجتماعية. وقد كان الهدف الرئيس لعملية العدالة الانتقالية هو "اجتلاء ماحدث، بهدف وضع ضمانات قوية لعدم التكرار (أي إجراءات لمنع معاودة الجرائم الماضية وانتهاكات الحقوق).104

تمتّعت هيئة الحقيقة والكرامة بتمويل جيّد نسبياً، حيث بلغت موازنتها 5 ملايين دولار في الفترة 2014-2015، كما تلقّت مساعدات من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، والمؤسسة السويسرية للسلام، وجامعة يورك.105 وهي خدمت كمستودع لقضايا عديدة تتعلّق بجرائم مالية مزعومة (على سبيل المثال، الفساد، والتهميش الاجتماعي- الاقتصادي على غرار الاتهامات بأن حكومة بن علي تعمّدت عدم تنمية مناطق محددة). ومنذ استهلالها، تلقّت الهيئة 2700 طلب للتحكيم في قضايا مالية، بما في ذلك 685 قضية من الحكومة، و16 قضية من أولئك المسؤولين عن الانتهاكات المالية، والبقية من أفراد ضحايا.106 وقد جاءت أقوى الإفادات للهيئة من عماد الطرابلسي، ابن أخ السيدة الأولى السابقة ليلى الطرابلسي، الذي أدلى بشهادة حول الفساد أورد فيها دور مسؤولي الجمارك، وكبار المسؤولين، ووزراء في إثرائه وعائلته. وخلال وجوده في الاعتقال حيث حُكِم عليه بالسجن لمدة 108 سنوات بعد إدانته بجرائم تتعلق بالفساد، والرشاوى والتزوير، اعترف بدفع رشاوى كانت تبلغ أحياناً 12000 دولار.107

"نسي الناس الفساد الذي كان مستشرياً في العامين 2013 و2014. نسوا أن مكافحة الفساد شكّلت أحد حوافز الثورة". – ناشط في المجتمع المدني

على رغم أن عملية العدالة الانتقالية لم تمر من دون إثارة جدل ونزاعات،108 إلا أن ريم القنطري، المديرة السابقة لمكتب المركز الدولي للعدالة الانتقالية في تونس، رأت أن الأسلوب التشاوري الذي تشكّلت بموجبه العملية كان حاسماً لجعلها "انعكاساً لتنوّع الأصوات في تونس حول الوسيلة المُثلى للتطرق إلى انتهاكات الماضي".109 ومع أن العملية شقّت طريقها في خضم ما وصفها البعض بـ"البيئة السياسية غير الودودة"، إلا أنها بقيت الأداة الأساسية التي يمكن من خلالها لتونس أن تسعى إلى الاقتصاص من جرائم الماضي الاقتصادية.110 فقد انتاب الرأي العام التونسي شعور بالملكية إزاء هذه العملية، كما طفا على السطح مستوى عام من الثقة لنتائجها. وهكذا، فإن المحاولات للاستدارة على العملية، على غرار قانون المصالحة الإدارية، ووجِه بتصدٍّ من الجمهور.

الحرب على الفساد

تسلّم الشاهد الحكم في آب/أغسطس 2016 وهو يحمل شعار مكافحة الفساد. وفي أيار/مايو 2017، أطلق رسمياً ما أسماه "الحرب على الفساد". هذا الجهد استهدف كلّاً من اجتثاث بقايا عناصر النظام القديم التي كانت لاتزال تعيث فساداً في المجتمع التونسي، واعتقال أولئك الذين استغلوا فرصة فوضى مابعد الثورة لإثراء أنفسهم. قال: "شعارنا اليوم هو: لاحصانة لأي كان في مسألة الفساد، ولا اختباء بعد الآن وراء الغطاء السياسي. جرائم الفساد لن تمر".111

كوفئ هذا الجهد بتوقيف 15 شخصية تونسية بارزة ومصادرة أملاكهم وتجميد حساباتهم في المصارف. كان من بين من اعتقلوا رجل الأعمال شفيق جراية (الذي ترادف اسمه مع فساد مابعد الثورة)،112 ومرشّح الرئاسة السابق ياسين الشنوفي، ومدير عام الأمن السياحي صابر العجيلي، والإعلامي والمذيع التلفزيوني المثير للجدل سمير الوافي. كما جمّدت السلطات أرصدة المرشّح الرئاسي السابق ومؤسس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي. اتُّهِمَ كلٌ من جراية والشنوفي بتعريض أمن الدولة إلى الخطر، علاوةً على ارتكاب جرائم مالية. وفي الوقت نفسه وُجِّهت تهمة الخيانة إلى جراية بجرم إقامة روابط تجسسية مع دولة مجاورة (يُشتبه بأنها ليبيا).113 هذه الاعتقالات تمّت في ظل قانون الطوارئ.

استهدفت حملة الشاهد أيضاً سلطة الجمارك. فبعد زيارة مفاجئة لمرفأ رادس، المعروف بكونه مركزاً للتهريب، طردت الحكومة بعض الموظفين من أعمالهم ونقلت آخرين يُشتبه بأنهم متورطون بالفساد. وخلال خطاب حول الحرب على الفساد، أوضح الشاهد أن الحكومة "صادرت نحو 700 مليون دينار (286 مليون دولار) من العملة الأجنبية ونحو مليار دينار (407 ملايين دولار) من البضائع المهرّبة.114

"كان المجتمع المدني ضعيفاً وغير فعّال في محاربة الفساد. ثمة منظمات عظيمة، إلا أنها تفتقر إلى الالتزام والمثابرة الضروريين لمكافحة الفساد". – ناشط في المجتمع المدني

وخلال زيارته إلى واشنطن، لاحظ الشاهد مراراً أن جهوده لمكافحة الفساد "شعبية للغاية" وتحظى بتأييد واسع من الرأي العام.115 لكن في الواقع، لم يكن الجميع مسروراً بجهود الحكومة. فقد أشارت منظمة هيومن رايتس ووتش إلى أن الحملة على الفساد جرت بطريقة غير ديمقراطية إلى حد كبير،116 وأن العديد ممن جرى اعتقالهم أُودعوا سجناً إنفرادياً ومن دون توفير محامٍ لهم. كما أن جراية الذي اتُهم، كما أسلفنا، بتهديد أمن الدولة عبر تعامله مع ليبيا، سيُقاضى أمام محكمة عسكرية لا أمام محكمة عادية كما يتطلب نظام العدالة المدني.

كل هذا يستدعي السؤال التالي: إذا ما كانت جهود مكافحة الفساد تُمارس بأسلوب يبدأ من القمة نزولاً خارج إطار العملية القضائية العادية، فهل هي قادرة على النجاح؟ ثم: ليس من الواضح ما الخطوات التالية للحكومة في ما يتعلّق بمسألة الفساد. وفي خطاب له في 21 تموز/يوليو 2017 أمام البرلمان، ركّز الشاهد على أُناس بعينهم وليس على النظام/الجهاز ككل. وأضاف أن أولويات الحكومة تشمل تحسين المؤشرات الاقتصادية للبلاد، وإعادة الاستثمارات، ومكافحة البطالة. لكن، على رغم هذه الأهداف السامية، ليس من الواضح مايعنيه على وجه التحديد قوله إنه ينوي إنجاز ذلك خارج الإجراءات التشريعية القائمة.

حملات المجتمع المدني

لعب المجتمع المدني دوراً حاسماً في تشكيل العملية الرسمية لمكافحة الفساد، حيث وُضع الكثير من مشاريع القوانين الخاصة بمكافحة الفساد بالتشاور مع هيئات المجتمع المدني المحلّية والمنظمات الدولية، على غرار برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وتشدّد سلوى القنطري، رئيسة مكتب تونس للمركز الدولي للعدالة الانتقالية، على أن روابط الضحايا "كانت العناصر الرئيسة التي ساعدت على طرح العدالة الانتقالية على بساط البحث والنقاش في ذلك الوقت خلال المرحلة الانتقالية".117 كما "انخرطت هذه الروابط مع هيئة الحقيقة، خاصة في مرحلة جمع الملفات. على سبيل المثال، أعلنت هيئة الحقيقة في آذار/مارس 2015 أنها لم تتلقَّ سوى 5 في المئة من كل الملفات المُتوقع أن تأتي من النساء، ولذا عملت منظمات المجتمع المدني وهيئات الضحايا بحيوية ونشاط للغاية لرفع هذه النسبة إلى 23 في المئة، قبل الموعد النهائي في 15 حزيران/يونيو 2016".118

لاحظ شوقي الطبيب، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، أن إحدى الخطوات الأولى التي اتّخذها، كانت "تشكيل ائتلاف مع المجتمع المدني، تُوّج بوثيقة مكتوبة تضمنت مُهمة محددة هي زيادة تنسيق الجهود، والتخطيط المشترك، والاندماج، ما سمح لنا بتوفير الوقت والمال".119

"القضاء هو الحلقة الأضعف في محاربة الفساد لأنه غير مستقل – بل انتقائي، وبطيء، ويفتقر إلى الموارد". – ناشط في  المجتمع المدني

عمل المجتمع المدني أيضاً كهيئة رقابة على جهود الحكومة. فكما المحنا سابقاً، نجحت حملة "مانيش مسامح" في رد ووقف مشروع قانون المصالحة الاقتصادية لمدة سنتين. وقد عملت هذه الحملة، عبر الاحتجاجات، والبيانات الرسمية، والتفاعل مع البرلمانيين، على رفع مستوى الوعي بمشروع القانون هذا، وضغطت على البرلمان من أجل تعديله. وعلى رغم أن القانون أُقرّ في نهاية المطاف في 13 أيلول/سبتمبر 2017، إلا أن صيغته النهائية كانت مستساغة أكثر بكثير لدى الرأي العام التونسي من الصيغ المُكررة المبكّرة. ويوضح أحد ناشطي المجتمع المدني أن نجاح الحملة يعود إلى حد كبير لكونها تمتلك رؤية واضحة ورسالة مقتضبة.120 لاتزال "مانيش مسامح" جهداً مُعزّزاً بدعم الرأي العام، كما أن الحملة كانت ناجحة للغاية وتحظى بشعبية، إلى درجة أن العديد من الأحزاب السياسية انضمت إلى صفوف داعميها.121

علاوةً على ذلك، قامت منظمات غير حكومية تونسية بتسليط الأضواء على الفساد. فقد أطلقت حركة "أنا يقظ"، وهي الفرع التونسي من منظمة الشفافية الدولية، سلسلة من المبادرات لتوعية الرأي العام حول قضايا متعلّقة بالفساد. وأجرت "أنا يقظ" تحقيقات حول الفساد، وأصدرت تقارير حول نشاطات الحكومة، ونظّمت مؤتمرات وندوات طاولة مستديرة مع أطراف في المجتمع المدني والحكومة، وكان لها اهتمام خاص بالعمل مع الشبان التونسيين وبالتحرك لحماية مبادئ الثورة. هدفا "أنا يقظ" كانا ضمان شفافية التطورات السياسية ومكافحة الفساد، وتعتقد الحركة أن الفساد هو "أحد أسباب اندلاع الثورة".122

نجح المجتمع المدني أيضاً في تسخير الإعلام الاجتماعي والوسائط الإلكترونية لرفع مستويات الوعي وإخضاع الحكومة إلى المساءلة. وتدير منظمة غير حكومية محلية هي "البوصلة"، منصة رقابة على الانترنت تدعى "مرصد"، توفّر للجمهور والمجتمع الدولي مداخل سهلة إلى المعلومات حول مروحة واسعة من نشاطات الحكومة. فمشروع "مرصد مجلس" يراقب المجلس الوطني التأسيسي ويتابع نشاطات البرلمان، فيعطي بذلك الجمهور مدخلاً إلى تاريخ التصويت، والسير الذاتية لأعضاء البرلمان ونص الدستور. أما مشروع "مرصد بلدية" فهو يراقب النشاطات البلدية، و"مرصد موازنة" يقدّم معلومات واضحة وبسيطة حول ميزانية تونس. ويقوم أعضاء "البوصلة" ببث جلسات البرلمان مباشرةً على تويتر.

المساعدات الدولية

أدّى المجتمع الدولي دوراً مهمّاً في الضغط على الحكومة التونسية لاتّخاذ تدابير جديّة لمكافحة الفساد، ومدّ يد العون إلى المجتمع المدني في الجهود التي يبذلها لمحاربة الفساد. في الإجمال، تلقّت تونس من الاتحاد الأوروبي مبلغاً قدره 1.3 مليار يورو (أي حوالى 1.5 مليار دولار) في إطار الدعم الثنائي بين عامَي 2011 و2015،123 ومن الولايات المتحدة 281.4 مليون دولار في الفترة نفسها.124 في عهد بن علي، أخطأت المؤسسات المالية الدولية أول الأمر في تصوير تونس على أنها نموذج للنمو الاقتصادي، وفشلت في التطرّق إلى الفساد المستشري في ثنايا نظامه الدكتاتوري. لكن المؤسسات المالية باتت اليوم أصدق إنباءً في تقييمها لتونس، وأقرّت بضرورة مكافحة الفساد للحفاظ على استقرار النظام الاقتصادي التونسي على المدى الطويل. وقد أشار اتفاق تسهيل الصندوق الممدّد الذي أبرمه صندوق النقد الدولي مع تونس وتمت الموافقة عليه في حزيران/يونيو 2017 إلى أن التزام تونس بمكافحة الفساد شكّل المعيار الأساسي في مساعدتها على ترقية النمو الشامل للجميع واستقرار الاقتصاد الكلّي. كذلك، سلّطت دراسات عدّة صادرة عن البنك الدولي أضواءً كاشفة على طريقة عمل منظومة الفساد في عهد نظام بن علي، تلافياً لإقدام حكومات مابعد الثورة على استنساخ سلوكيات الماضي.125

يهتم برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أيضاً بمسألة الفساد في تونس، ويدعم الجهود التي تبذلها الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ومؤسسات المجتمع المدني. وشملت مشاريعه، منذ العام 2011: دعمَ الحوار السياسي لبلورة رؤية وطنية ومدّ جسور الإجماع والتوافق ضد الفساد؛ وإجراء سلسلة من الدراسات حول كلٍّ من الإطار المؤسساتي والقانوني اللازم لمحاربة الفساد، والدور الذي يضطلع به المجتمع المدني في هذا الصدد، والأدوات والآليات اللازمة لمكافحة الفساد؛ وتشكيل ائتلاف تنضوي تحت رايته منظمات عدة من المجتمع المدني؛ وعقد مؤتمرات إقليمية ترمي إلى تطبيق بنود اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

يندرج بند "التحكّم في الفساد" في صُلب المعايير التي ينبغي استيفاؤها بحسب "مؤسسة تحدّي الألفية" الأميركية، التي تدرس راهناً عقد اتفاق مع تونس. معروفٌ أنه كي تصبح دولة ما أهلاً لإبرام اتفاق من هذا القبيل مع المؤسسة، عليها أن تستوفي عشرة فقط من أصل عشرين مؤشراً تقع ضمن إحدى الفئات الرئيسة التالية: الحرية الاقتصادية، والحوكمة العادلة، والاستثمار في الشعب. لكن من الضروري أن يكون بند "التحكّم في الفساد" من بين المعايير العشرة المستوفاة. ومع أن تونس استوفت كل المعايير المطلوبة، من المستبعد أن يبدأ تنفيذ المشاريع التي يتضمّنها الاتفاق قبل عامين أو ثلاثة أعوام، ريثما يُستكمل تحديد خصائصه وميزانيته.

خاتمة: لماذا تُعتبر قضية الفساد مهمة لعملية الانتقال في تونس

لفت خبراء كارنيغي، في تقرير صادر عن المؤسسة في نيسان/أبريل 2016، إلى أن "العملية الانتقالية في تونس تراوح مكانها".126 ويُعزى ذلك اليوم، بدرجة كبيرة، إلى الفساد المستشري في أنحاء البلاد كافة. لإطلاق عجلة العملية الانتقالية، لابدّ من العمل على تحقيق النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي وبناء الثقة الشعبية – وهذا كلّه يتأثّر سلباً بفعل العجز عن التصدّي إلى ملفّات الفساد الماضية والراهنة بشكلٍ فعّال.

يضرّ الفساد بالنمو الاقتصادي على نحو مباشر، من خلال تأجيج جذوة الإحباط والخيبة، فيما تذهب وعود الثورة أدراج الرياح. فالفساد يسرّب المال من خزائن الدولة إلى جيوب أشخاص فاسدين، و يعرقل الاستثمار الأجنبي، الذي يشكّل مكوّناً ملموساً ورمزياً لتحقيق الاستقرار المستدام. كذلك، يلقي الفساد بأوزاره، بشكلٍ غير متكافئ، على كاهل التونسيين الأكثر فقراً، ولاسيما القاطنين في الداخل والجنوب حيث تزدهر قطاعات الاقتصاد غير الرسمي. وهؤلاء المواطنون هم الذين أوقد شعورهم بالظلم والتهميش شعلة الثورة التونسية في المقام الأول.

يسفر الفساد أيضاً عن مضاعفات أمنية. فعمليات التهريب المتواصلة عبر الحدود الليبية-التونسية في الاتجاهين، تسمح بتسريب السلاح والسلع المحظورة إلى تونس. مع أن جهاز الأمن التونسي قد حقّق وثبات كبرى وطموحة إلى الأمام على مستويَي التدريب وبناء القدرات، إلا أن البلاد لاتزال في مهبّ رياح تهديدات المجموعات المتطرفة التي قد تشنّ هجمات في تونس لتقويض عملية الانتقال الديمقراطية. في غضون ذلك، تواجه البلاد أيضاً خطراً داهماً، يتمثّل في العودة المحتملة لآلاف الأشخاص الذين توجّهوا إلى العراق أو ليبيا أو سورية لتلقّي التدريب مع تنظيم الدولة الإسلامية، والذين يحاولون راهناً العودة إلى وطنهم127 - وهذه مشكلة أفدح بكثير من المخاوف المتعلقة بقضايا الفساد. فالحدود التي يسهل اختراقها، وفساد موظّفي الجمارك ومسؤولي الحدود، يسهم كلاهما في تقويض أمن تونس.

"أدّت الحرب على الفساد إلى قرع أجراس الإنذار في وجه الأشخاص الذين يمارسون الفساد على الملأ، وجعلتهم يفكّرون مرّتين قبل ارتكاب ممارسات فاسدة". – ناشط في المجتمع المدني

يؤدّي الفساد – سواء الفعلي أو المتصوّر – إلى تآكل الثقة بين الحكومة وبين الشعب. لقد تكلّلت السنوات الأولى من عمر عملية الانتقال التونسية بالنجاح، إذ تخلّلتها محاولة صادقة )من أسفل إلى أعلى) استندت إلى إطلاق عملية تشاورية مع الرأي العام لتهتدي بها القرارات الحكومية المُتّخذة من أعلى إلى أسفل. لكن بعض الإجراءات التي اعتمدتها الحكومة التونسية والمجتمع المدني لمجابهة ممارسات الفساد الماضية والراهنة لم تكن فعّالة. فمع أن الهيئتين الأساسيتين المُولجتين مكافحة الفساد – وهما هيئة الحقيقة والكرامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد – هما حصيلة حوار عام جدّي وشامل للجميع، إلا أنهما يفتقران إلى الموارد المالية والسياسية اللازمة. ومع أن قانون المصالحة والحرب على الفساد تغمرهما العزيمة السياسية، إلا أنهما صيغا من دون التشاور مع الرأي العام، ويتضمّنان بعض الأحكام المنافية للديمقراطية التي قد تضرّ أكثر مما تنفع.

لإطلاق عجلة النمو وتجنّب الغرق في غياهب انعدام الاستقرار، يتعيّن على الحكومة والمجتمع المدني التوصّل إلى فهم مشترك لجوهر المشكلة وكيفية معالجتها. وهذا لايعني فتح حوار وطني حول الفساد، كما اقترح البعض، بل ضمان إطلاق آلية جديّة وحقيقية تستند إلى التشاور مع الرأي العام في مايتعلق بإجراءات مكافحة الفساد كافة. ويعني الإقرار بأن معركة تونس ضد الفساد ينبغي خوضها على جبهتين في آن – أولاً معالجة قضايا الماضي، وثانياً الحؤول دون استفحال الفساد مجدّداً في المستقبل؛ وتطبيق الاستراتيجيات والآليات التشريعية القائمة وتسخيرها لمحاربة الفساد، وحشد الدعم المالي والسياسي والشعبي ليصب في خدمة الهيئات الموجودة في مكافحة الفساد، وتوفير وسائل بديلة – بمساعدة المجتمع الدولي – للأشخاص المتورّطين في قطاعات وممارسات فاسدة، وتسليط أضواء على أروقة العمليات البيروقراطية والإدارية لتطهيرها من ممارسات الفساد، وثنيها عن الانغماس فيها مجدّداً في المستقبل.

لكن ثمة عقبات كأداء تعيق تطبيق إجراءات فعّالة لمكافحة الفساد. أولاً، شهدت التشكيلة الحكومية الجديدة إسناد حقائب وزارية إلى أشخاص تربطهم وشائج مباشرة بنظام بن علي. وحتى قبل التعديل الوزاري، حاجج عددٌ من ممثّلي المجتمع المدني بأن الحكومة ضمّت أشخاصاً فاسدين، وبالتالي لم يكن ممكناً فتح ملفّات الفساد الماضية بشكلٍ موضوعي.128 ويتجلّى هذا التحدّي بأوضح صوره في قانون المصالحة الإدارية الذي يقضي بإصدار عفو عن بعض الموظّفين الرسميين الذين ارتكبوا جرائم فساد خلال عهد بن علي، وبإسقاط العقوبات الموقَعة على أشخاص ثبُت من خلال عملية العدالة الانتقالية أنهم مذنبون، وإعادة الغرامات التي سبق أن دفعوها. يؤدّي هذا القانون إلى تفشّي ثقافة الإفلات من العقاب، ويضرب عرض الحائط بالمساعي السابقة الرامية إلى مكافحة الفساد، مثل هيئة الحقيقة والكرامة، كما يغذّي الشكوك بأن الهيئئتين الرسميتين المختصيتين في مكافحة الفساد (هيئة الحقيقة والكرامة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد) هما مجرّد تمويه تستخدمه الحكومة لصرف الانتباه عن ممارسات الفساد التي تدّعي أنها تحاربها.

ويكمن تحدٍّ آخر في فكرة أن على تونس التحرّك قدماً لاجتذاب رأس المال الأجنبي، إذ ثمة افتراض بأن المستثمرين الأجانب يثمّنون الاستقرار أكثر من الشفافية. لذلك، يعتقد بعض المسؤولين التونسيين – من ضمنهم قائد السبسي، الذي وجّه انتقادات شديدة اللهجة إلى عملية العدالة الانتقالية – بأن على تونس طيّ صفحة الماضي بشتّى الوسائل. لكن هذا النسق من التفكير يتنافى مع رؤية المجتمع المدني وفئات واسعة من التونسيين، الذين يعتبرون أن استقرار تونس سيكون في دائرة الخطر ما لم تُعالَج مشاكل الماضي بشكلٍ فعّال.

توصيات

على الرغم من هذه العراقيل، يمكن للحكومة التونسية اتخاذ العديد من الإجراءات الرامية إلى التصدّي للفساد التي قد لاتتطلب جهوداً أو موارد هائلة، مثل تطبيق وإنفاذ القوانين القائمة، ووقف شخصنة عمليات مكافحة الفساد. علاوةً على ذلك، ثمة مهام أخرى (على غرار رقمنة العمليات الحكومية، وإعادة تنظيم البيروقراطية، ووضع استراتيجيات مستدامة للخروج من الاقتصاد غير الرسمي) تُعتبر جهوداً طويلة الأجل وتتطلّب موارد مالية ضخمة ومساعدات كبيرة من المجتمع الدولي. غير أن ماتحتاج إليه هذه التوصيات في الدرجة الأولى هو وجود إرادة سياسية حقيقية، وهو مايشعر الشعب التونسي بأنه مفقود، بخاصة بعد التعديل الوزاري الأخير. مع ذلك، عبّر الشاهد عن التزامه بمكافحة الفساد، ولابدّ في المقابل، من أن يحوز قائد السبسي على الأدوات التي يحتاجها للدفع قدماً بالمبادرات التي يختارها. وبفضل وجود إطار قانوني واضح وشامل، تتوافر للحكومة التونسية فرصة إثبات مدى جديّتها أمام الشعب في محاربة الفساد، عبر التعاطي مع الماضي، فضلاً عن التعامل مع الحاضر بطريقة تعود بالنفع على جميع التونسيين، وتساعد على إنعاش الانتقال الديمقراطي.

تتمثّل إحدى أكثر الطرق فعاليةً لمكافحة الفساد على المديين القصير و البعيد في تعاون الحكومة مع المجتمع المدني الذي أثبت أنه متفانٍ لهذا الهدف. ومع حصوله على تمويل مناسب من المجتمع الدولي، يمكن للمجتمع المدني أن يدفع الحكومة إلى تطبيق وإنفاذ الإطار القانوني القائم، والعمل مع القطاع الخاص لتطوير أدوات لرقمنة العمليات الحكومية وخلق المزيد من الشفافية.

ينبغي بالتحديد على الحكومة التونسية:

  • تطبيق وإنفاذ القوانين القائمة. يُعتبر الإطار القانوني القائم حالياً ملائماً لمكافحة انتشار الفساد منذ الثورة. بيد أن العديد من القوانين لم تُطبّق أو تُنفّذ.
    • تطبيق قانون التصريح بالممتلكات. يُعتبر التصريح العلني عن الممتلكات أمراً ملزماً دستورياً، لكن، مثله مثل العديد من المسائل الأخرى، لم يتمّ إنفاذه. وفي حين يُطلب من المسؤولين الرسميين والبرلمانيين التصريح عن ممتلكاتهم لدى توليهم مناصبهم، لم يُعلن سوى 26 عضواً من أصل 217 عضواً في البرلمان، عن ممتلكاتهم ولم يُقدم أي وزير على هذه الخطوة.129 من الناحية النظرية، يمكن للتونسيين أن يطلبوا رؤية أي نماذج رسمية والقيام بنشرها بموجب قانون حرية المعلومات الجديد، لكن من غير الواضح ما إذا كانت الموارد متوافرة لتحقيق ذلك. ينبغي على الحكومة التونسية أن تطلب من الموظفين الرسميين نشر نماذج التصريح عن الممتلكات سنوياً في قاعدة بيانات على الإنترنت.
    • الإسراع في تطبيق الإصلاحات لضمان وجود قضاء مستقل بالكامل. للمساعدة على إنفاذ القوانين القائمة، على الحكومة التونسية أن تعطي الأولوية لاستحداث المحكمة الدستورية وضمان استقلال القطب القضائي الاقتصادي والمالي.
    • نزع شخصنة مكافحة الفساد. ينبغي أن تركّز الحكومة جهودها في مكافحة الفساد على منظومة العملية نفسها، وليس على الأفراد، لضمان أن تكون تدابير مكافحة الفساد طويلة الأمد ومُستدامة. وفي حين أن الاعتقالات الأوليّة التي حصلت في إطار الحرب على الفساد كانت مهمة لجهة توجيه رسالة إلى الجهات الفاعلة السيئة الأخرى بأنه لن يتم التسامح مع الفساد في تونس، من شأن استراتيجية مستدامة لمكافحة الفساد أن تفكك الهياكل التي مكّنت الفساد تحت جناح النظام السابق.
  • رقمنة العمليات الحكومية. ينبغي على الحكومة، بمساعدة من القطاع الخاص والمجتمع الدولي، أن توفّر النفاذ الرقمي إلى الخدمات العامة على الصعيدين المحلّي والوطني. وسيساعد ذلك على إعادة تنظيم البيروقراطية والتخلّص من احتمالات حصول عمليات الرشوة على مستويات الحكومة كافة.
    • إعادة تنشيط مبادرة تونس الرقمية 2020. أطلق الوزير السابق لتكنولوجيا الاتصال والاقتصاد الرقمي، نعمان الفهري، مبادرة على الصعيد الوطني لرقمنة القطاعين العام والخاص في تونس، وتوفير النفاذ إلى الإنترنت في كل منزل، وخلق 50 ألف وظيفة في مجالات المعلومات والاتصالات والتكنولوجيا. ويتعيّن على حكومة الشاهد إعادة إحياء هذه المبادرة ومراجعتها للتركيز على مواجهة الفساد وربط جميع التونسيين (وخاصة في الجنوب والداخل) بالخدمات الرقمية. كما لابدّ من أن تتضمن المبادرة، على وجه الخصوص، وسيلة لتتبع الغش.
    • استخدام نظام بطاقة التعريف الوطنية المقترح للمساعدة على الإحاطة بالقطاع غير الرسمي. يمكن أن يُساعد ضمّ جميع التونسيين إلى النظام الوطني على دعم عملية استرداد الحكومة لعائدات الضرائب المفقودة، ومساعدة التونسيين المُهمَّشين على الحصول على الخدمات الاجتماعية. وكما أشار أحد السياسيين التونسيين، لايدفع الناس الضرائب لأنهم لايفهمون مايحصلون عليه في المقابل.130 وقد يؤدي الجمع بين نظام بطاقة التعريف الوطنية ورقمنة الخدمات الحكومية إلى خلق عملية تتمتّع بشفافية أكبر والتوضيح للتونسيين مدى أهمية فوائد دفع الضرائب.
  • الاستثمار بكثافة في مكافحة الفساد في المناطق الحدودية. ينبغي على الحكومة التونسية، بدعم كبير من المجتمع الدولي، القيام بما يتجاوز مجرد تحويل 70 في المئة من الموازنة إلى الداخل، لتوفير خيارات بديلة على المديين القصير والطويل لمن يعملون في مجال التهريب والاقتصاد غير الرسمي. ويشمل ذلك اتخاذ تدابير لتحسين التعليم ووضعها قيد التطبيق، وخلق فرص عمل خارج القطاع العام، وتحفيز الدخول إلى الاقتصاد الرسمي.

بدوره، يضطلع المجتمع الدولي بدور مهم في تمويل هيئات مكافحة الفساد في تونس وتعزيز المجتمع المدني. وفي حين لاتزال تونس تحظى بمساعدات ضخمة، ولاسيما من الاتحاد الأوروبي، إلا أن معظمها يتركّز إما على العمليات الأمنية أو السياسية. وبالطبع يُعتبر المجالان مهمان على السواء، ولاينبغي إهمالهما، لكن من دون استراتيجية سليمة وأدوات مناسبة لمكافحة الفساد، سيواجه الوضع الأمني، والأداء الاقتصادي، والنظام السياسي في تونس، صعوبات. وبالتالي، من شأن برنامج المساعدة الدولية الذي يدمج آليات مكافحة الفساد ضمن برامج المساعدة الاقتصادية والسياسية والأمنية أن يكون الأكثر فعالية في الإبقاء على العملية الانتقالية في تونس على المسار الصحيح.

من جهة أخرى، يتعيّن على المجتمع الدولي:

  • إعطاء الأولوية لتمويل هيئات مكافحة الفساد في تونس. ينبغي على المجتمع الدولي أن يقدّم الدعم المالي والدبلوماسي لهيئات مكافحة الفساد التونسية، ولاسيما الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمنظمات التي تلتها والقطب القضائي الاقتصادي والمالي. ويشكّل الافتقار إلى الموارد البشرية والمالية عائقاً خطيراً أمام التحقيق في عدد كبير من القضايا المرتبطة بالفساد وإصدار أحكام بشأنها. ومن خلال دعم هذه الهيئات، ستبعث الجهات الفاعلة الدولية رسالة شديدة اللهجة إلى الحكومة التونسية مفادها أنها نأخذ هذه المسألة على محمل الجدّ، وعلى الحكومة القيام بالمثل.
  • مواصلة تعزيز المجتمع المدني وضمان حفاظ تونس على وسائل إعلام حرّة. ذكر تقرير صادر عن المعهد الوطني الديمقراطي في شباط/فبراير 2017 أنه بينما فقد الناس عموماً الثقة في قدرة الحكومة على محاربة الفساد، لازالوا يثقون بالمجتمع المدني.131 وقد أشار البعض إلى أن المجتمع المدني يمكن أن يكون ناشطاً أكثر في مجال زيادة الوعي بقضايا الفساد وتثقيف التونسيين حول كيفية منعه ومكافحته.132 وينبغي على المجتمع الدولي أن يدعم توسيع نطاق عمل منظمات المراقبة على الصعيد المحلّي لمكافحة الفساد مع انطلاق عملية اللامركزية. ويمكنه أيضاً مساعدة المجتمع المدني على تثقيف الشعب حول القوانين القائمة وكيفية النفاذ إلى النظام القضائي للإبلاغ عن الفساد وحماية المبلّغين عن الانتهاكات. وقد ساهمت وسائل الإعلام التونسية في توفير معلومات مهمة للشعب عن الفساد. ويجب على كل من الجهات الفاعلة الدولية ووسائل الإعلام أن تواصل لفت أنظار الحكومة عندما تتخذ تدابير من شأنها تقويض التقدّم المحرز في مكافحة الفساد وتعريض المرحلة الانتقالية في تونس إلى الخطر.

يتوجّه المؤلّفان بوافر الشكر والعرفان للأشخاص التالية أسماؤهم لما قدّموه من إسهامات قيّمة في إعداد هذا التقرير: كريم أصفري، سام برايز، سارة تشايس، ميشيل دنّ، أمين غالي، هدى مزيودات، لوري ميريت، جون بولكاري، بلير سكوت، ومهى يحيَ. الشكر موصول أيضاً للمشاركين في ورشة العمل التي أجرتها مؤسسة كارنيغي في تونس العاصمة في أيلول/سبتمبر 2017، وللأشخاص الذين أجرى المؤلّفان مقابلات معهم في أيار/مايو وأيلول/سبتمبر 2017، وللتونسيين الذين أجابوا على استطلاع كارنيغي والذين بلغ عددهم 391 شخصاً. كذلك، يعرب المؤلّفان عن خالص امتنانهما للمنحة السخية التي قدّمتها مؤسسات المجتمع المفتوح لدعم هذا التقرير ومشروع "مرصد تونس" (Tunisia Monitor) الأوسع.

هوامش

1انظر على سبيل المثال، "الانتقال المعطّل في تونس: فساد مالي ونعرات جهوية"، مجموعة الأزمات الدولية، 10 أيار/مايو 2017، https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/tunisia/177-blocked-transition-corruption-and-regionalism-tunisia; Max Gallien and Mohamed Dhia Hammami, “Corruption and Reform in Tunisia: The Dangers of an Elitist Analysis,” Jadaliyaa, May 30, 2017, http://www.jadaliyya.com/pages/index/26622/corruption-and-reform-in-tunisia_the-dangers-of-an; وفاطمة الزهراء المالقي، "تعثُّر الحرب على الفساد"، صدى (مدوّنة)، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 26 تموز/يوليو 2017، http://carnegieendowment.org/sada/72651?lang=ar ويوسف الشريف، "الشكوك تحيط بالحرب التونسية على الفساد"، صدى (مدوّنة)، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 18 تموز/يوليو 2017، http://carnegieendowment.org/sada/71570?lang=ar

2مروان المعشّر، ومارك بييريني، وفاضل علي رضا، "تدعيم عملية الانتقال في تونس: دور الإصلاحات واسعة النطاق"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2016، http://carnegie-mec.org/2016/11/15/ar-pub-66311

3 Corruption Action Plan Working Group, “Helping Countries Combat Corruption: The Role of the World Bank,” Poverty Reduction and Economic Management Network, World Bank, September 1997, http://www1.worldbank.org/publicsector/anticorrupt/corruptn/corrptn.pdf.

4 “La Petite Corruption: Le Danger Banalisé. Etude exploratoire sur la perception de la petite corruption en Tunisie” [Petty corruption: The danger. Exploratory study on the perception of petty corruption in Tunisia], Tunisian Association of Public Controllers (ATCP), July 2017, http://atcp.org.tn/wp-content/uploads/2017/07/petite_Corruption_Danger_Banalise_ATC_-2015.pdf.

5 “La Petite Corruption,” ATCP (emphasis added).

6 للمزيد من المعلومات حول دور الفساد في عهد بن علي، انظر: Bob Rijkers, Caroline Freund, and Antonio Nucifora, “All in the Family: State Capture in Tunisia,” World Bank, March 2014; and Sarah Chayes, “Variation 2: The Bureaucratic Kleptocracy: Tunisia, ca. 2010,” in Thieves of State (New York: W.W. Norton, 2015), 91–100.

7 Rijkers, Freund, and Nucifora, “All in the Family.”

8 Rijkers, Freund, and Nucifora, “All in the Family.”

9 Tunis Afrique Presse, “Tunisia: Belhassen Trabelsi Has Diverted Millions of Dinars Through Offshore and Shell Companies,” All Africa, October 25, 2015, http://allafrica.com/stories/201510220390.html.

10 "مؤشر مدركات الفساد 2016"، منظمة الشفافية الدولية، 25 كانون الثاني/يناير 2017، https://www.transparency.org/news/pressrelease/corruption_perceptions_index_2016_vicious_circle_of_corruption_and_AR

11 مناقشة أجرتها المؤلّفة مع أحد الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني التونسي، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

12"الحرب على الفساد في تونس: مقابلة مع شوقي طبيب"، مقابلة أجرتها انتصار فقير، صدى (مدوّنة)، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 11 أيار/مايو 2017، http://carnegieendowment.org/sada/69940?lang=ar

13 Sarah Chayes, “Corruption is Still Tunisia’s Challenge,” Los Angeles Times, June 10, 2012.

14 Chayes, Thieves of State.

15 ورد الاقتباس في المصدر السابق، ص. 92.

16 “Public Opinion Survey of Tunisians: August 11-August 17, 2017,” Center for Insights in Survey Research, International Republic Institute (IRI), August 2017.

17 المصدر السابق.

18 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع أحد الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

19 نقاش مع أطراف فاعلة في المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

20 المصدر السابق.

21 Chayes, Thieves of State.

22 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع محلل أمني تونسي، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

23 Giorleny D. Altamirano, “The Impact of the Inter-American Convention Against Corruption,” University of Miami Inter-American Law Review 38, no. 3 (Spring 2007): 487–547.

24 للاطلاع على هذه الدراسات، انظر المصدر السابق.

25 Antonio Nucifora and Bob Rijkers, “The Unfinished Revolution: Bringing Opportunity, Good Jobs and Greater Wealth to All Tunisians,” Poverty Reduction and Economic Management Department, World Bank, May 24, 2014.

26 المصدر السابق.

27 المصدر السابق.

28 Hamza Meddeb, “Peripheral Vision: How Europe Can Help Preserve Tunisia’s Fragile Democracy,” European Council on Foreign Relations, January 13, 2017, http://www.ecfr.eu/publications/summary/peripheral_vision_how_europe_can_preserve_tunisias_democracy_7215.

29 المصدر السابق.

30 في 18 أيلول/سبتمبر 2017، تم تأجيل الانتخابات المحلّية من 17 كانون الأول/ديسمبر 2017 حتى أوائل العام 2018. وفي حين اقترح أنور بن حسن، الرئيس المؤقت للجنة العليا المستقلة للانتخابات، موعد 25 آذار/مارس 2018 لإجرائها، لم يتمّ الاتفاق على تاريخ رسمي لغاية كتابة هذه السطور.

31 أرجئت الانتخابات مرات عدّة بسبب مسائل لوجستية تتعلق بإجراء أول تصويت ديمقراطي على الإطلاق على الصعيد المحلّي ونتيجة الخلافات حول قانون اللامركزية.

32 Meddeb, “Peripheral Vision.”

33 Rick Nadeau and Assil Kedissi, “Seeking ‘Tangible Change’: Tunisians Express Views on the Transition and Expectation for Elected Representatives,” National Democratic Institute, March 2017.

34 انظر على سبيل المثال: “Tunisia 2013,” Enterprise Surveys, World Bank Group, http://www.enterprisesurveys.org/data/exploreeconomies/2013/tunisia; and the World Economic Forum’s Global Competitiveness Report ranks corruption as the number three impediment to doing business in Tunisia: Klaus Schwab, The Global Competitiveness Report 2016–2017 (Geneva: World Economic Forum, 2016), http://reports.weforum.org/global-competitiveness-index/country-profiles/#economy=TUN.

35 Alvaro Cuervo-Cazurra, “Who Cares About Corruption?,” Journal of International Business Studies 37, no. 6 (2006): 807–22.

36 “Helping Countries Combat Corruption: The Role of the World Bank,” Poverty Reduction and Economic Management, World Bank, September 1997, http://www1.worldbank.org/publicsector/anticorrupt/corruptn/cor01.htm.

37 المصدر السابق.

38 "الحرب على الفساد في تونس"، صدى (مدوّنة)، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

39 Gallien and Hammami, “Corruption and Reform in Tunisia.”

40 Pamela Abbott and Andrea Teti, “Building Decent Societies: Economics and Political Cohesion in Egypt, Jordan, and Tunisia,” European Policy Brief, European Commission, August 2016.

41 “Public Opinion Survey of Tunisians,” IRI.

42 المصدر السابق.

43 Michael Robbins and Amaney Jamal, “The State of Social Justice in the Arab World: The Arab Uprisings of 2011 and Beyond,” Contemporary Readings in Law and Social Justice 8, no. 1 (2016): 127–57.

44 Sarah Yerkes, “Where Have All the Revolutionaries Gone?,” Brookings Institution, March 2017, https://www.brookings.edu/research/where-have-all-the-revolutionaries-gone/.

45 للاطلاع على المزيد من المعلومات حول العلاقة بين الشباب التونسي وحكومته، انظر المصدر السابق.

46“La Petite Corruption,” ATCP.

47 Robert I. Rotberg, ed., Corruption, Global Security, and World Order (Washington, DC: Brookings Institution Press, 2009).

48 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع محلل تونسي، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

49 Carlotta Gall, “Corruption Crackdown Intensifies in Tunisia, and the People Cheer,” New York Times, June 25, 2017, https://www.nytimes.com/2017/06/25/world/africa/corruption-crackdown-intensifies-in-tunisia-and-the-people-cheer.html?mcubz=3.

50 كريستين بتري، "مكافحة الفساد: تونس الأولى عربيا في الكشف عن انفاقاتها العسكرية لكن مخاطر الفساد في قطاع الدفاع عالية"، أصوات وآراء من الشرق الوسط وشمال أفريقيا (مدونة)، البنك الدولي، 9 كانون الأول/ديسمبر 2015، http://blogs.worldbank.org/arabvoices/ar/anti-corruption-day-2015

51 المصدر السابق.

52 “Public Opinion Survey of Tunisia,” IRI.

53 المصدر السابق.

54 Rotberg, ed., Corruption, Global Security, and World Order.

55 ورد الاقتباس في المصدر السابق، ص. 167.

56 Nadeau and Kedissi, “Seeking ‘Tangible Change.’”

57 Omer Karasapan, “Toward a New Social Contract in Tunisia,” Future Development (blog), October 27, 2015, https://www.brookings.edu/blog/future-development/2015/10/27/toward-a-new-social-contract-in-tunisia/.

58 Nadeau and Kedissi, “Seeking ‘Tangible Change.’”

59 “La Petite Corruption,” ATCP.

60 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع أحد الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني التونسي، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

61 Youssef Chahed, “Nous irons jusqu’au bout de la lutte anticorruption, sans exception” [We will go till the end in the fight against corruption, with no exception], La Presse, June 4, 2017, http://www.lapresse.tn/index.php?option=com_nationals&task=article&id=131792.

62 مجلس نوّاب الشعب ( @ARPtn )، تويتر، 21 تموز/يوليو 2017، 1:03 صباحاً، https://twitter.com/ARPtn/status/888157447382290432

63 المالقي، "تعثُّر الحرب على الفساد".

64 Mourad Zeghrebi, “L’interview de Béji Caïd Essebi” [Interview with Beji Caid Essebsi], Television Nationale 1, March 20, 2017, http://www.huffpostmaghreb.com/2017/03/21/beji-caid-essebsi-televis_n_15508868.html.

65 “Cooperation and Economic Dialogue: Interview With Rafik Abdessalem,” interview by Mariam Ali, Nawa (blog), openDemocracy, December 11, 2015, https://www.opendemocracy.net/north-africa-west-asia/mariam-ali-rafik-abdessalem/cooperation-and-economic-dialogue-interview-with-rafik-ab.

66 “Beji Caïd Essebi appelle les Tunisiens à faire preuve de solidarité avec l’Etat dans sa bataille déclarée sur plusiers fronts” [Beji Caid Essebsi calls on Tunisians to show solidarity with the state in its declared battle on several fronts, in particular that against terrorism and corruption], Radio Tunis Chaîne Internationale, May 27, 2017, http://www.rtci.tn/beji-caid-essebsi-appelle-les-tunisiens-faire-preuve-solidarite-letat-bataille-declaree-plusieurs-fronts-notamment-celle-contre-terrorisme-corruption/.

67 “Public Opinion Survey of Tunisians,” IRI.

68 الأمانة العامة لمنظمة الشفافية الدولية، "الشفافية الدولية تطالب بسحب القانون الجديد الذي يمنح عفواً عن الفاسدين في تونس"، منظمة الشفافية الدولية، 14 أيلول/سبتمبر 2017، https://www.transparency.org/news/pressrelease/tunisia_new_law_granting_the_corrupt_amnesty_must_be_rescinded_arabic

69 “Tunisian MP Resigns Over Adoption of Reconciliation Bill,” BBC Monitoring,September 14, 2017.

70 Robert I. Rotberg, The Corruption Cure: How Citizens and Leaders Can Combat Graft (Princeton, NJ: Princeton University Press, 2017) 291.

71 نقاش مع ممثّلي المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

72 نقاش مع ممثّلي المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

73 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع أحد الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني التونسي، واشنطن العاصمة، تموز/يوليو 2017.

74 Yassine Bellamine, “Port de Radès: 21 douaniers de rangs divers écartés, 35 autres devant le conseil de discipline” [Port of Radès: 21 customs officers of various ranks dismissed, 35 others go before the disciplinary council], HuffPost Tunisie, June 14, 2017, http://www.huffpostmaghreb.com/2017/06/14/port-de-rades-douane_n_17098202.html.

75 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع ناشط في المجتمع المدني التونسي، واشنطن العاصمة، تموز/يوليو 2017.

76 Youssef Cherif, “The Kamour Movement and Civic Protests in Tunisia,” Carnegie Endowment for International Peace,August 8, 2017, http://carnegieendowment.org/2017/08/08/kamour-movement-and-civic-protests-in-tunisia-pub-72774.

77 "تونس: اعتقالات سرية تلقي بظلالها على جهود مكافحة الفساد"، هيومن رايتس ووتش، 9 حزيران/يونيو 2017، https://www.hrw.org/ar/news/2017/06/09/304780

78 نقاش مع ممثّلي المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

79 بموجب المرسوم 1089، يُمنع الترشّح لعضوية المجلس الوطني التأسيسي على "كل من تحمّل مسؤولية في حكومات بن علي السابقة وفي هياكل التجمع الدستوري الديمقراطي"؛ ويُمنع الترشّح لانتخابات المجلس الوطني التأسيسي أيضاً على الأشخاص الذين "وقّعوا عرائض تناشد بن علي الترشح للرئاسة في العام 2014".“Elections in Tunisia: The 23 October Constituent Assembly,” International Foundation for Electoral Systems, October 19, 2011, http://www.addc.org.au/documents/resources/20111017-tunisia_faqs_october_2011_191.pdf.

80 Jo Adetunji, “Ben Ali Sentenced to 35 Years in Jail,” Guardian, June 20, 2011.

81 Mathieu Olivier, “Tunisie : 81 magistrats révoqués pour des soupçons de “corruption” sous le régime Ben Ali” [Tunisia: 81 magistrates dismissed for suspicion of “corruption” under Ben Ali regime], Jeune Afrique,May 28, 2018, http://www.jeuneafrique.com/206870/politique/tunisie-81-magistrats-r-voqu-s-pour-des-soup-ons-de-corruption-sous-le-r-gime-ben-ali/.

82 "تونس: العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد"، مجموعة الأزمات الدولية، 3 أيار/مايو 2016، https://www.crisisgroup.org/ar/middle-east-north-africa/north-africa/tunisia/tunisia-transitional-justice-and-fight-against-corruption

83 "المليارات المفقودة: استعادة الأموال العامة في مصر، وليبيا، وتونس، واليمن"، منظمة الشفافية الدولية، 17 أيار/مايو 2016، https://www.transparency.org/whatwedo/publication/lost_billions_recovering_public_money_in_egypt_libya_tunisia_and_yemen_ar انظر أيضاً: Rijkers, Freund, and Nucifora, “All in the Family.”

84 Amna Guellali, “The Law That Could Be the Final Blow to Tunisia’s Transition,” Middle East Eye, May 23, 2017, http://www.middleeasteye.net/columns/reconciliation-bill-threatens-tunisia-s-transition-1123332030.

85 "تونس: العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد"، مجموعة الأزمات الدولية.

86 Amy Hawthorne, “Notes From Tunis: A Recent Trip Report,” Project on Middle East Democracy, May 10, 2017.

87 للمزيد من المعلومات حول فعالية حملة "مانيش مسامح"، انظر: Yerkes, “Where Have All the Revolutionaries Gone?”

88 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع ناشط في المجتمع المدني التونسي، واشنطن العاصمة، تموز/يوليو 2017.

89 "حراك "تونس الإرادة" يدعو إلى إسقاط مشروع قانون المصالحة الإدارية"، الصباح، 25 تموز/يوليو 2017.

90 نقاش مع ممثّلي المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

91 “ICTJ Comments on Draft Organic Bill Number 49/2015 Pertaining to Reconciliation in the Administrative Field,” International Center for Transitional Justice, September 14, 2017, https://www.ictj.org/news/ictj-comments-draft-organic-bill-number-492015-pertaining-reconciliation-administrative-field-1.

92 “Tunisia - The Bar Association Rejects the Reconciliation Act,” Arab 24, September 26, 2017, http://arab24.com/portal/index.php/en/stories/north-africa/2017-09-05-06-26-78/item/8035-tunisia-the-bar-association-rejects-the-reconciliation-act.

93 “Maghzaoui: Prochainement un recours contre la loi de reconciliation” [Maghzaoui: Coming soon against the reconciliation law], Mosaique FM, September 13, 2017: https://www.mosaiquefm.net/fr/actualite-politique-tunisie/201221/maghzaoui-prochainement-un-recours-contre-la-loi-de-reconciliation.

94 بوابة الميزانية المفتوحة متاحة على الرابط التالي: "بوابة ميزانيتنا لوزارة المالية في تونس"، http://www.mizaniatouna.gov.tn/tunisia/template_ar/

95 “Tunisia,” Freedom in the World, Freedom House, 2015, https://freedomhouse.org/report/freedom-world/2015/tunisia.

96 مسح أجرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي واستُطلعت فيه آراء 391 تونسياً في تموز/يوليو وآب/أغسطس 2017.

97 المصدر السابق.

98 Frida Dahmani, “Tunisie: corruption et népotisme à tous les étages” [Tunisia: corruption and nepotism on all floors], Jeune Afrique, April 5, 2016, http://www.jeuneafrique.com/mag/315318/politique/tunisie-corruption-nepotisme-a-etages/.

99 المصدر السابق.

100 نقاش مع ممثّلي المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

101 Roslyn Warren et al., “Inclusive Justice: How Women Shape Transitional Justice in Tunisia and Colombia,” Georgetown Institute for Women, Peace, and Security, June 2017.

102 Nourredine Hlaoui, “La Commission Abdelfattah Amor répond à l’Instance Ben Achour et à Ezzeddine Mhedhbi” [The Abdelfattah Amor Commission responds to Instance Ben Achour and Ezzeddine Mhedhbi], BusinessNews.com.tn, August 27, 2011, http://www.businessnews.com.tn/la-commission-abdelfattah-amor-repond-a-linstance-ben-aour-et-a-ezzeddine-mhedhbi,519,26345,1.

103 "تونس: العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد"، مجموعة الأزمات الدولية.

104 “Talking Policy: Salwa El Gantri on Transitional Justice in Tunisia,” World Policy (blog), World Policy Institute, July 21, 2017. http://www.worldpolicy.org/blog/2017/07/21/talking-policy-salwa-el-gantri-transitional-justice-tunisia.

105 "التقرير السنوي 2015"، الجمهورية التونسية – هيئة الحقيقة والكرامة، 2016، https://www.docdroid.net/cVWRyKT/altkryr-alsnoy-lhye-alhkyk-oalkram-lsn-2015.pdf

106 Guellali, “The Law That Could Be the Final Blow to Tunisia’s Transition.”

107 "شهادة غير مسبوقة حول الفساد في تونس في عهد زين العابدين بن علي"، أصوات مغاربية، 20 أيار/مايو 2017، https://www.maghrebvoices.com/a/tunisia-revolution-corruption/365534.html

108 تُعتبر رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، سهام بن سدرين، شخصية مثيرة للجدل إلى حدٍّ كبير، وقد وجّه إليها 62 عضواً في البرلمان التونسي اتهامات بالفساد في صيف العام 2015. وتجنّبت حركة النهضة الاصطفاف مع هيئة الحقيقة والكرامة، كذلك، وجّه حزب نداء تونس انتقادات كثيرة لعمل الهيئة؛ انظر: "تونس: العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد"، مجموعة الأزمات الدولية.

109 “ICTJ Welcomes Tunisia’s Historical Transnational Justice Law,” International Center for Transitional Justice, December 16, 2013, https://www.ictj.org/news/ictj-welcomes-tunisia’s-historic-transitional-justice-law.

110 "تونس: العدالة الانتقالية ومكافحة الفساد"، مجموعة الأزمات الدولية.

111 Tarek Amara, “Tunisian Premier Seeks to Restore Trust With Anti-Corruption Push,” U.S. News & World Report, July 20, 2017, https://www.usnews.com/news/world/articles/2017-07-20/tunisian-premier-seeks-to-restore-trust-with-anti-corruption-push.

112 أشار تونسيون إلى جراية، في سلسلة مقابلات أُجريت قبل أيام من إلقاء القبض عليه، باعتباره رمزاً لعجز الدولة عن كبح جماح الفساد؛ مقابلات أجرتها المؤلّفة، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

113 Gall, “Corruption Crackdown Intensifies.”

114 Amara, “Tunisian Premier Seeks to Restore Trust.”

115 Youssef Chahed, “Keeping Tunisia Relevant,” interview by Sarah Yerkes, Diwan (blog), Carnegie Middle East Center, July 17, 2017, http://carnegie-mec.org/diwan/71553.

116 "تونس: اعتقالات سرية تلقي بظلالها على جهود مكافحة الفساد"، هيومن رايتس ووتش، 9 حزيران/يونيو 2017، https://www.hrw.org/ar/news/2017/06/09/304780

117 “Talking Policy,” World Policy Institute.

118 المصدر السابق.

119 "الحرب على الفساد في تونس"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي.

120 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع ناشط في المجتمع المدني التونسي، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

121 مقابلة أجرتها المؤلّفة مع ناشط في المجتمع المدني التونسي، تونس العاصمة، أيار/مايو 2017.

122 الموقع الإلكتروني الرسمي لمنظمة "أنا يقظ": "من نحن؟"، منظمة "أنا يقظ"، https://www.iwatch.tn/ar/about

123 “Special Report: EU Assistance to Tunisia,” European Court of Auditors, 2017, http://www.eca.europa.eu/Lists/ECADocuments/SR17_3/SR_TUNISIA_EN.pdf. يشمل ذلك برامج الآلية الأوروبية للجوار والشراكة، والمساعدات الإنسانية الخاصة بالأدوات المواضيعية وبرامج الآلية الأوروبية للجوار، وصندوق الجوار الأوروبي للاستثمار، واتفاق المساعدة المالية على مستوى الاقتصاد الكلّي في العام 2014 .

124 Stephen McInerney and Cole Bockenfeld, “The Foreign Affairs Budget: Democracy, Governance, and Human Rights in the Middle East and North Africa,” Project on Middle East Democracy, July 2017, http://pomed.org/wp-content/uploads/2017/07/POMED_BudgetReport_FY18_FINAL.pdf.

125 انظر على سبيل المثال: Rijkers, Freund, and Nucifora, “All in the Family.”

126 مروان المعشّر، ومارك بييريني، وألكساندر جيراسي، "بين الوعد والوعيد: إطار جديد للشراكة مع تونس"، مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، 14 نيسان/أبريل 2016، http://carnegie-mec.org/2016/04/14/ar-pub-63339

127 Carlotta Gall, “Tunisia Fears the Return of Thousands of Young Jihadists,” New York Times, February 25, 2017, https://www.nytimes.com/2017/02/25/world/europe/isis-tunisia.html?_r=0.

128 نقاش مع أطراف فاعلة في المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017 .

129 نقاش مع أطراف فاعلة في المجتمع المدني، تونس العاصمة، أيلول/سبتمبر 2017.

130 مقابلة مع سياسي تونسي، أيلول/سبتمبر 2017.

131 Nadeau and Kedissi, “Seeking ‘Tangible Change.’”

132 المصدر السابق.