الجزء الأول - 4 شباط/فبراير 2011

ما حدث يوم وليلة الأربعاء فى ميدان التحرير هو جريمة مكتملة المعالم، دبرها بقايا النظام الحاكم الذى أدار مصر بسلطوية وعنف وصلف طوال العقود الماضية، ويتحمل مسئوليتها السياسية رئيس الجمهورية.

نفذ مأجورو وبلطجية الحزب الوطنى وبتمويل من رجال أعماله جريمة «التحرير» فسقط خمسة شهداء وجرح الكثير من المتظاهرين المسالمين، وأظهروا للمصريين وللعالم الخارجى حقيقة عصابة تحالف السلطة والمال التى أرادت توريث الرئاسة، رغما عنا جميعا. انتهى النظام الحاكم وبات بلا شرعية سياسية أو قانونية أو شعبية تسمح له بالبقاء، ومن ثم نجحت ثورة المواطنين المصريين التى بدأت فى 25 يناير فى تحقيق هدفها الأول وهو إسقاط كامل شرعية النظام ودفع البلاد نحو مرحلة انتقالية، تستدعى اجتهاد الجميع للحفاط على سلامة الوطن والمواطنين والتحول الآمن نحو الديمقراطية.

التحدى الآن هو الشروع الفورى فى وضع الإجراءات والضمانات اللازمة لإدارة المرحلة الانتقالية على نحو يجنب البلاد أخطار الفوضى والانفلات الأمنى التى عانينا منها جميعا خلال الأيام الماضية ويحول دون استمرار جريمة «التحرير» ويكفل تفعيل المطالب المشروعة والعادلة التى رفعتها ثورة المواطنين المصريين. 

لذا توافقت مجموعة من شباب مصر ومفكريها وسياسييها ورجال أعمالها على دعوة رئيس الجمهورية لتكليف مهام إدارة المرحلة الانتقالية (وهى بدأت منذ إعلان الرئيس التزامه بعدم ترشحه لفترة سادسة وتنتهى بانتهاء الفترة الرئاسية الحالية) لنائبه اللواء عمر سليمان.

على أن يقوم الأخير بإلغاء حالة الطوارئ وحل مجلسى الشعب والشورى، وهما نتاج انتخابات مزورة وفاقدة الشرعية، وتشكيل لجنة قانونية مستقلة للنظر فى تعديل الدستور والقوانين المقيدة للحريات السياسية وعرض التعديلات المقترحة على المواطنين فى استفتاء شعبى، على أن يشكل أيضا حكومة جديدة لإدارة العمل التنفيذى يخرج منها الحزب الوطنى الديمقراطى وتضم تكنوقراط مستقلين ذوى قبول شعبى.

وبكل تأكيد لن يتسنى إقناع جموع المواطنين المطالبين بالتغيير بجدية هذه الدعوة وقدرتها على دفع البلاد نحو تحول ديمقراطى آمن دون الالتزام الكامل بضمان أمن وسلامة المتظاهرين السلميين، ومحاسبة المسئولين عن جريمة «التحرير» تدبيرا وتمويلا وتنفيذا، والاستجابة السريعة والمباشرة لمطالبنا المحددة دون تحايل أو مماطلة.

عاشت ثورة المصريين.. وطن أفضل لنا جميعا.

 

الجزء الثاني - 6 شباط/فبراير 2011

لدى شباب ثورة المواطنين مخاوف مشروعة من ثلاثة أمور رئيسية ينبغى الالتفات الجاد والسريع لها، وهى عدم اتساق سلوك مؤسسات الدولة تجاههم، تعدد وتضارب المجموعات واللجان والقوى السياسية التى تبحث عن أفق سياسى للخروج من الأزمة الراهنة ولدفع البلاد نحو مرحلة انتقال ديمقراطى آمن، غياب تمثيل واضح ومنظم لشباب الثورة يعبر عن مطالبهم ويتحاور نيابة عنهم إن مع الدولة أو مع القوى الأخرى.

فالحركات الشبابية استمعت بوعى إلى حزمة الإصلاحات المقترحة من نائب رئيس الجمهورية والضمانات التى قدمها رئيس الوزراء بشأن سلامتهم الشخصية وأمنهم وحماية حقهم فى التعبير السلمى عن الرأى إن بالتظاهر أو الاعتصام أو غيرها. ولم يكد الشباب يبدأون فى الانفتاح على الإصلاحات والضمانات هذه حتى تم الاعتداء عليهم فى ميدان التحرير قتلا وضربا واعتقالا، وتوالت الحملات السياسية والإعلامية للتشكيك فى وطنيتهم والتشهير بهم، وظهرت بوادر مساعى لتفتيت مطلبيتهم والتحايل عليها. كل هذا يستدعى لدى الشباب تراث الشك وعدم الثقة فى وعود الدولة بإنجاز الإصلاح ويخيفهم من القريب القادم إن هم كفوا عن التظاهر والاعتصام. فى ظل هذا الوضع يصعب مطالبة الشباب بالرحيل عن التحرير أو غيره، وكنت قد اندفعت منذ ثلاثة أيام إيمانا بأن الأفق السياسى بات حاضرا بقوة لتبنى دعوة للشباب بالخروج الآمن من الميادين والعودة الآمنة لها حين يريدون. واليوم أقول أن البقاء فى الميادين، ودون تعويق لعودة الحياة إلى طبيعتها، هو شرط أساسى لحماية الثورة وضمانة لعدم الالتفاف عليها. 

كذلك تضاربت البيانات الصادرة عن المجموعات واللجان المختلفة التى تبحث عن أفق سياسى للأزمة على نحو أحدث بلبلة بين الشباب واستدعى أيضا تراث الشك بينهم تجاه بعض حركات المعارضة والنشطاء والمفكرين من كبار ومتوسطى العمر الذين قد يحاولون، وهذا تخوف مشروع، ركوب الموجة واختطاف ثورة المواطنين الرائعة مع تهميش الشباب. والحق أنه كان ينبغى على جميع المجموعات واللجان، ومن ضمنها اللجنة التى أنتمى لها والتى أصبح يشار إليها إعلاميا بلجنة الحكماء فى تسمية استعلائية لم تكن متعمدة من أعضائها، أن توضح بما لا يحتمل اللبس أن مهمتها هى الاجتهاد لصياغة خارطة طريق لإدارة المرحلة الانتقالية وطرحها للتداول بين جميع الأطراف من مؤسسات دولة وحركات شبابية وقوى سياسية، وليس ادعاء تمثيل أى من هؤلاء. والأصل فى اجتهاد المجموعات واللجان هنا هو البحث عن مقترحات عملية تحمى مطالب الثورة التى أسقطت النظام الحاكم وتتيح لها الترجمة الفعلية فى صيغة جديدة للنظام السياسى فى مصر دون التفاف. نعم ربما كنت أرى أنه يمكن استبدال المطالبة بتنحى رئيس الجمهورية بتفويض يعطيه لنائبه لإدارة المرحلة الانتقالية والشروع فى التعديلات والإصلاحات اللازمة لدمقرطة مصر. إلا أن مثل هذه المقترحات ينبغى أن تطرح للتداول ليس فقط مع مؤسسات الدولة وخبراء القانون الدستورى، بل أيضا مع الشباب وحركاتهم.

ويزيد من تعقيد الأمور ومن حالة الالتباس الراهنة غياب التمثيل الواضح للحركات الشبابية واقتصار الحوار بينها وبين مؤسسات الدولة وكذلك بينها وبين المجموعات واللجان المختلفة على حوارات فردية وغير منظمة. هنا مسئوليتان، مسئولية على الشباب للنظر فى كيفية تحديد إطار لتمثيلهم كقوة وليس كأفراد، ومسئولية ثانية ترتبط بضرورة أن تقبل مؤسسات الدولة بالحوار مع ممثلى الشباب بصورة جماعية.

وقناعتى أن الحل، وكما فعلت مجتمعات أخرى مرت بمراحل انتقالية مشابهة لمرحلتنا الحالية، هو فى مأسسة الحوار الدائر اليوم وتحويله إلى مؤتمر وطنى عام أو دائرة مستديرة وطنية يمثل بجانب مؤسسات الدولة الشباب والقوى السياسية وشخصيات وطنية مستقلة ويكون له صلاحيات وتوقيتات محددة للعمل على إنتاج صيغة ديمقراطية للنظام السياسى فى مصر بالتعاون مع نائب الرئيس والسلطة التنفيذية. ويحتاج ذلك إلى ضمانات سياسية لحماية التحول الآمن نحو الديمقراطية لا تملك الآن إلا المؤسسة العسكرية القدرة على تقديمها.

 

الجزء الثالث - 8 شباط/فبراير 2011

 الحزب الوطنى سقط بصورة كاملة فى 25 يناير ولن ينقذه التغيير فى الأشخاص، الذى أعلن أمس الأول، مع كامل احترامى للدكتور حسام بدراوى. فالتغيير المطلوب هو الفصل بين رئاسة الحزب الوطنى ورئاسة الجمهورية، والفصل بين عضوية الحزب وبين الحقائب الوزارية باستقالة وزراء الحكومة الحالية من الحزب، والفصل بين الحزب وبين مؤسسات الدولة، التى تداخل معها على نحو جعل منه حزب الدولة فى الصيغة السلطوية، التى حكمت بها مصر طوال العقود الماضية.

كذلك، إن صدقت النية لدفع البلاد نحو مرحلة انتقال ديمقراطى آمن وأنا لست بواثق من هذا بعد، لابد من الشروع فورا فى إجراءات حقيقية لتطهير الحزب الوطنى إن أريد له أن يقبل من بقية أطراف وقوى الحياة السياسية المصرية كمشارك فى المرحلة الانتقالية. فلابد من إبعاد مسئولى وأعضاء الحزب من رجال الأعمال الفاسدين، وبعضهم تورط فى تدبير وتمويل جريمة الاعتداء النكراء على المتظاهرين المسالمين، ومحاسبتهم علنيا. كما أن استمرار مسئولين ارتبطوا بسيناريو التوريث وروجوا له طوال السنوات الماضية فى مواقع قيادية بالحزب لا يطمئن لا الرأى العام ولا القوى السياسية على أن هذا السيناريو قد مات فعلا ودفن تحت أقدام الشباب الثائر ولن يعود.

الأخطر من ذلك هو أن التغيير فى الأشخاص الذى حدث بالحزب الوطنى يعبر تماما عن المنهج، الذى ما زال مسيطرا على تعامل مؤسسات الدولة فى ثورة 25 يناير، وهو التعامل الجزئى والمفتت للمطالب المشروعة للثورة. فالمواطنون أسقطوا الحزب الوطنى كحزب حاكم سلطوى والدولة تحاول الحفاظ عليه دون إصلاحات جوهرية وهيكلية. أشك كثيرا أن الوطنى سيستمر فى الوجود إن استقال رئيس الجمهورية من رئاسته وأكاد أجزم بأن مرشحيه لن يحصلوا على الكثير من الأصوات فى انتخابات حرة رئاسية كانت أو برلمانية. وذات المنهج الجزئى والتفتيتى يسم أيضا تعامل الدولة مع بقية مطالب الإصلاح الدستورى والقانونى والسياسى التى تنادى بها الثورة. نطالب بحل البرلمان فاقد الشرعية فيتحدثون عن الطعون وأن محكمة النقض ستنظر بها. ندعو إلى أن يفوض رئيس الجمهورية نائب الرئيس لإدارة مهام المرحلة الانتقالية كحل وسط يحمى هيبة الرئاسة ويحول دون الفراغ الدستورى، فيرفضون ذلك. نطالب بتغيير الدستور بصورة جادة تضمن التأسيس لتحول ديمقراطى، فيختزل الأمر فى المادتين 76 و77 وربما 88. إن كانت مؤسسات الدولة جادة فى العمل مع القوى السياسية والحركات الشبابية لدفع مصر نحو الديمقراطية، فإن مثل هذه الإصلاحات والاستجابات الجزئية لا تكفى بل تخيف.

 

الجزء الرابع - 9 شباط/فبراير 2011

أوضح البيان الأخير لنائب رئيس الجمهورية السقف الحقيقى وغير المطمئن للحوار الجارى الآن بين النظام والمعارضة الرسمية وغير الرسمية وبمشاركة شخصيات مستقلة لا تدعى تمثيلها لأى طرف وبعض الشباب. فالنظام يرفض أن يفوض الرئيس صلاحياته لنائبه بعد أن يطلب تعديل الدستور ويقرر حل البرلمان المزور ودون أن يعنى ذلك فراغا دستوريا، على ما اقترحه أستاذنا طارق البشرى. يتحايل النظام أيضا باستجابات جزئية على مطالب حل البرلمان وإنهاء حالة الطوارئ وتغيير موقع الحزب الوطنى فى السياسة المصرية بفصله عن الدولة رئيسا ومؤسسات.
 
بل الأسوأ من ذلك هو الصورة التى يدار بها الحوار بين النظام والأطراف الأخرى وتلك بالغة السلطوية. يستدعى ممثلو الأحزاب وجماعة الإخوان المسلمين والمستقلين وبعض الشباب للاجتماع بنائب الرئيس ويجلس عن يمينه الأمين العام الجديد للحزب الوطنى الذى سقط (أى الحزب) وجودا ودورا فى 25 يناير ولم يبدأ بعد إصلاحا حقيقيا. يستمع السيد النائب إلى عرائض المطالب التى يقدمها محاوروه ثم يعلن وبدون توقيتات زمنية محددة عن نية اتخاذ بعض الإجراءات وتشكيل عدد من اللجان التى لا تعبر مجتمعة عن القاسم المشترك بين قوى المعارضة الرسمية وغير الرسمية، على الأقل إذا ما قورنت بخطابها المعلن. 
 
كما أن النظام، ممثلا فى شخص نائب الرئيس ورئيس الوزراء، مازال يهيمن بمفرده على تحديد قواعد الحوار والأسس التى تتخذ وفقا لها الإجراءات وتشكل بها اللجان، والمعارضة والمستقلون لا يمانعون فى قبول هذا الجوهر السلطوى.
 
أشك فى أن تقوى المعارضة على قلب قواعد الحوار الدائر اليوم، بل ربما كانت ولحسابات شديدة الضيق والأنانية ومع غياب وجودها الحقيقى فى الشارع على استعداد لأن تساير النظام وتطيل فى عمره ولا يقلقها أن تقوض بذلك ثورة المواطنين وتحول بينها وبين دفع مصر نحو انتقال ديمقراطى آمن. الأمل معقود إذا على الحركات الشبابية الفاعلة بحق على الأرض فى التحرير وبقية ساحات الاحتجاج التى رفضت كائتلاف شباب ثورة الغضب الحوار مع النظام فى أن تنظم صفوفها وتجيب على سؤال «من يمثل من وبأية صلاحيات» وتؤسس هى لحوار وطنى ديمقراطى يتجاوز لعبة النظام السلطوية ويحدد الشباب قواعده وإجراءاته ويفصل فى كيفية إدارة انتقال آمن نحو الديمقراطية فى مصر. نريد حوارا وطنيا آخر، ليس كبديل لما يديره النظام، بل كبداية لصياغة مصر الجديدة التى عبرت عنها ثورة 25 يناير.
 

الجزء الخامس - 10 شباط/فبراير 2011

يدرك كل من ذهب إلى التحرير خلال الأيام الماضية مدى التنوع فى الخفليات الاجتماعية والعمرية للمعتصمين فى الميدان. نعم أشعل شباب الشرائح الوسطى شرارة ثورة المواطنين فى 25 يناير وشكلوا الجسم الرئيسى للفاعلين فى التنظيمات والشبكات التى دعت لها. إلا أن جموع المتظاهرين ثم المعتصمين تجاوزت منذ 28 يناير البداية الشبابية ووسعت بحق تمثيل مختلف الشرائح المجتمعية والعمرية.
 
أما المبهر فى الأمر فهو استمرار توافق هذه الشرائح على المطالب الكبرى للثورة، التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية.
 
الكثيرون ممن تلاقيهم فى ميدان التحرير من موظفى القطاع العام والهيئات الحكومية والعمال، وهؤلاء ينتمون فى أحسن الأحوال إلى الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، انضموا للمتظاهرين والمعتصمين بهمهم الاجتماعى ورغبتهم فى الإسهام فى صناعة مصر جديدة تتيح لهم ولأسرهم حياة كريمة. آخرون، كبار وصغار، يشكون من إهدار كرامتهم وممارسات ظالمة تعرضوا لها على يد جهاز الشرطة أو فى تعاملاتهم مع «الحكومة» ويشعرون بأن مصر ديمقراطية ستحميهم وتضمن لهم حقوقهم. البعض من كبار السن، من المدن والمناطق الريفية، يثير بلغته ومفرداته قضايا العدالة الاجتماعية وضرورة ضمان الفرص المتكافئة لكل المواطنين بغض النظر عن مراكزهم ونفوذهم وثرواتهم.
 
أوقفنى رجل ستينى فى الميدان وبكى وهو يحكى لى عن بطولاته فى حرب أكتوبر 1973 المجيدة وإعاقته عن العمل بعدها وكيف أن معاشه أبدا لم يمكنه من إعاشة وتربية أولاده بصورة كريمة وكيف أن أولاده وبعد سنوات من إنهائهم للدراسة الجامعية لم يجدوا عملا إلى اليوم. شباب الميدان لا يجمعهم فقط المطالبة بإسقاط النظام وبالديمقراطية، بل توحدهم الرغبة فى معالجة المظالم الاجتماعية التى راكمتها عقود الفساد ومحاباة الأغنياء وحكومات رجال الأعمال والتخلص من المعاملة غير الكريمة للمصريين بتحريرهم من القمع والعوز والجهل.
 
الحالة الثورية فى مصر أشمل وأكبر من أن تختزل إلى حركات شبابية ومطالب طبقة وسطى. 
 
الرائع وائل غنيم عبر بصدق عن رؤية الطبقة الوسطى التى تبحث عن مصر ديمقراطية لإيمانها بأن الديمقراطية والحرية أفضل لها وللبلاد. 
 
الشرائح الأخرى، إن دون الطبقة الوسطى أو فوقها، لها أيضا مداخلها للمطلبية الديمقراطية إما عبر استعادة كرامة المواطن المهدرة وتأمين العيش الكريم وتكافؤ الفرص للجميع بالتوزيع العادل لثروات المجتمع والقضاء على الفساد أو بصناعة مجتمع عصرى ومتقدم يحقق لمصر المكانة التى تستحقها بين الأمم. هذه ثورة المصريين جميعا وتستحق أن ننتصر لها دون خوف ودون تراجع.
 
كلمة أخيرة، بعض الشعوب ثار لسنوات إلى أن أسقط بالكامل ديكتاتوريات حاكمة وأزاح الظلم والطغيان.
 

الجزء السادس - 11 شباط/فبراير 2011

يبدو أننا فى طريقنا إلى صدام طويل المدى بين ثورة المواطنين المصريين ومطالبها المشروعة والإرادة السلطوية للنظام الحاكم. لسنا فى وارد حلحلة سريعة للأزمة الراهنة مع استمرار اعتماد النظام على الاستجابات الجزئية واستراتيجيات تفتيت مطلبية المواطنين عوضا عن الإسراع فى إنجاز تحول ديمقراطى حقيقى.

لذلك قررت مجموعة من الكتاب والباحثين والناشطين، بينهم عمرو الشوبكى وعمار على حسن وكمال عباس وياسر عبدالعزيز وكاتب هذه السطور، الشروع فى صياغة إطار سياسى متكامل يوفر رؤى واضحة تضمن انتقالا آمنا إلى الديمقراطية بما يحفظ مكتسبات ثورة 25 يناير ويضمن استدامتها ويحول دون حدوث فراغ سياسى فى المرحلة الانتقالية.
 
نقطة البداية هنا هى تحديد مكونات وشروط الانتقال الآمن التى قطعا تتضمن إصلاحا دستوريا متكاملا يحقق التوازن المفقود بين السلطات التشرعيية والتنفيذية والقضائية ويحول دون تغول مؤسسة الرئاسة. مثل هذا الإصلاح الدستورى، وهو لن يتم فى أيام أو أسابيع، يتجاوز المواد المطروح تعديلها اليوم فى اللجنة القانونية التى شكلها قرار رئيس الجمهورية ويفتح المجال أمام التفكير المنظم فى ما إذا كانت مصر تستطيع الانتقال ديمقراطيا فى ظل نظام رئاسى أم أن النظام البرلمانى يمثل البديل الأفضل لنا.
 
كذلك لابد من البحث فى شروط الإصلاح السياسى لتطوير صيغة ديمقراطية تحكم علاقات الدولة بالمجتمع والمواطنين على المستويين الوطنى والمحلى. مجموعة القضايا التى نريد فى المجموعة أن نناقشها هنا ترتبط بقوانين مباشرة الحقوق السياسية وقوانين الأحزاب والمنظمات المدنية ونظم الانتخابات والكيفية التى توزع بها الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بين المجالس والهيئات على المستوى الوطنى (البرلمان والهيئات الحكومية) وعلى المستوى المحلى (المحافظات والمجالس المحلية وغيرها). لابد أيضا من النظر فى قضايا الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للمواطنين وإدارة تحول يبعدنا عن منطق «الدولة المانحة أو الواهبة» ويقارب بيننا وبين منظومات اقتصادية واجتماعية تحمى المواطن الفرد كصاحب حق وتضمن الحق العام فى تكافؤ الفرص والعدالة الاجتماعية.
 
كما أن النظر فى مكونات وضمانات الانتقال الديمقراطى فى مصر يقتضى إثارة قضية المؤسسة العسكرية ودورها المجتمعى والسياسى. والديمقراطية ستقتضى الخلاص من هيمنة العسكر التى أنشأتها ثورة يوليو 1952 وإبعادهم عن الحياة السياسية بتحييد دورهم مستقبليا وحصره فى حماية مؤسسات الدولة واستقرار المجتمع. أما فى المرحلة الانتقالية فلا بديل عن أن تضمن المؤسسة العسكرية سلمية وديمقراطية الانتقال كالقوة الرئيسية بين مؤسسات الدولة المصرية.
 

الجزء السابع - 14 شباط/فبراير 2011

فى مكان خاص للغاية ستخلد ذاكرتنا جميعا ليلة الجمعة، ليلة نجاح الثورة فى إسقاط مبارك وتفجر ينابيع الفرح والتفاؤل والثقة فى غد أفضل لنا جميعا. شاهدت وشعرت بأجمل ما فى المصريين ليلة الجمعة، حالة فريدة من العشق لمصر والتوحد فيها ومعها تاريخ عظيم ومجتمع يريد الحرية وانتماء لمحيطنا العربى وللحضارة الإنسانية.
 
أمضيت الساعات التى أعقبت تنحى مبارك فى ميدان التحرير وحوله مع الأصدقاء عمار على حسن وعمرو الشوبكى وعدد غفير من المصريات والمصريين، وتحلقنا للرقص والغناء وبلغت هتافاتنا الناطقة بعشق مصر عنان السماء. 
 
مجرد النظر إلى وجوه الشباب والكبار والنساء والرجال ورؤية ملامح فخر وتفاؤل لم نرها من قبل أو مجرد ترديد هتاف «ارفع رأسك أنت مصرى» كانا يكفيان للتأكد من الطاقة الشعبية الهائلة التى فجرتها الثورة والتى بالقطع ستبنى مصر الديمقراطية والمدنية والعادلة.
 
ليلة جمعة خالدة أعقبها يوم سبت خالد، يوم حجت جموع المصريين إلى ميدان التحرير والشوارع المحيطة به لتنظيفها وتجميلها وإعادتها أحسن مما كانت عليه قبل الثورة. 
 
أبكانى فرحا رؤية الأطفال وهم يكنسون الشوارع والشباب والكبار وهم يصلحون الأرصفة التى خربت ويجمعون القمامة ويعيدون الرونق لميدان التحرير سابقا وميدان ثورة 25 يناير لاحقا. 
 
المصريون قاموا بثورة سلمية ألهمت العالم العربى والعالم بأسره ثم قدموا، بجانب سلمية ثورتهم، مثلا إضافيا رائعا على تحضرهم ورقيهم بقيامهم جماعيا بتجميل وجه ميدان الثورة الذى بات رمزيا يشير إلى وطننا الجديد الحر.
 
ذكرنى المشهد بطقوس التطهر الجماعى التى تمارسها بعض الشعوب والجماعات فى المناطق التى تسكنها اعترافا بأخطاء حدثت واعتذارا عنها وأملا فى غفران عظيم (يأتى من الأرض التى يعيشون عليها) ليفتح باب البدايات الجديدة.
 
نعم كنا يوم السبت نعترف ونعتذر ونأمل. نعترف بأننا أخطأنا بقبولنا الحكم السلطوى الفاسد طوال العقود الماضية ولم نفعل الكثير لمواجهته إلى أن كسر الشباب حاجر الخوف وتبعهم الشعب بمختلف طوائفه.
 
نعتذر من الشهداء الطاهرين الذين قتلهم نظام مبارك وأعوانه، ومن الوطن عن الفاسدين والمجرمين الذين تسلطوا عليه وأزهقوا أرواح شباب طاهر أراد إسقاط النظام وبناء مصر جديدة. نأمل فى غد أجمل وأفضل لنا جميعا، بدأناه بتجميل الميدان الذى حمى الثورة وشهد انتصارها.
 
طوال الأيام الماضية ومنذ أن بدأت الثورة وطيف صديق ووجه صديق آخر لا يفارقاني. طيف الصديق الدكتور محمد السيد سعيد رحمه الله، عاشق تراب هذا الوطن الذى وثق دوما بقدرته على النهوض والتغيير وإزالة الطغيان، ووجه الصديق محمد المغازى المصرى الجميل المغترب فى ألمانيا منذ عقود طويلة والباكى كل ليلة على ما آل إليه حال الوطن.
 
فسلام ونور عليك يا صديقى الدكتور محمد، وابتسامة أخالها ارتسمت على وجهك عمى محمد بعد كل هذه السنوات.
 
عاشت مصر.
 

الجزء الثامن - 15 شباط/فبراير 2011

تواصلت معى خلال الأيام الماضية مجموعات من المواطنات والمواطنين الذين شاركوا فى ثورة 25 يناير وساهموا فى انتصارها ليعبروا عن شعورهم بالقلق من أمرين الأمر الأول هو غياب التنظيم الواضح للحركات الشبابية التى أشعلت الثورة وتعدد الأسماء التى باتت تسعى للحديث باسم الشباب.
 
أما الأمر الثانى فهو محاولات الكثيرين من رموز وشخصيات نظام مبارك البائد القفز على الثورة وتبنى مبادئها بعد أن أسقط الرئيس السابق الذى دافع عنه هؤلاء دفاعا مستميتا ولم يتورعوا عن تشويه الثوار وكيل الاتهامات لهم. 
 
والحقيقة أن الأمرين لا يقلقانى على الإطلاق فغياب التنظيم الواضح للشباب وهو ما يستتبع، فى حالة السيولة السياسية والإعلامية التى نعيشها الآن ظهور العديد من الشخصيات التى تدعى ــ حقا أو باطلا ــ تمثيل شباب الثورة، هو ظاهرة متوقعة وحتما ستنحسر بعد فترة وجيزة. كما أن بعض الحركات الشبابية بدأ وقبل النجاح فى اسقاط مبارك فى تنظيم أنفسها فى شكل ائتلافات تنتخب ممثليها ديمقراطيا وتجمع بداخلها عضوية حركات وعضوية ممثلين عن الشباب فى المدن والأقاليم. 
 
الإشارة هنا على سبيل المثال إلى ائتلاف شباب 25 يناير والذى يطور شكله التنظيمى الآن ويسعى من خلال الشكل الجديد للانفتاح على القوى الوطنية والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى حوار وطنى ذى شكل توسعى.
 
أما ما يسمى بـ«فئران السفينة» كما يسميهم الصديق عمار على حسن، أى الباحثين اليوم عن طوق نجاة من نظام مبارك الذى سقط ويفعلون ذلك بطرق شديدة الابتذال، فقناعتى أن المصريين لفظوهم إلى خارج الحياة العامة ولا عودة لهم إليها مهما غيروا من مواقفهم.
 
رؤساء مجالس إدارات ورؤساء تحرير الصحف المملوكة للدولة، مديرو المؤسسات الإعلامية الرسمية والمساعدون الرئيسيون، نواب الحزب الوطنى فى مجلسى الشعب والشورى المنحلين، كل هؤلاء وبعد أن ساموا المصريين العذاب وروجوا الزيف بدفاعهم المستميت عن النظام البائد وسلطويته وهجومهم المستمر على دعاة التغيير والديمقراطية لا مستقبل لهم فى الحياة العامة. من وصف إجرام البلطجية بالثورة المضادة، ومن جعل من القنوات الحكومية المصرية أداة لتزييف الوعى العام وتكريس الاستعلاء السلطوى، ومن وصف الشباب الرائع الذى فجر الثورة بأصحاب الأجندات الخاصة والمضللين حتما سيغيب عن الحياة العامة والسياسية قريبا.
 
أما المؤسسات الصحفية والإعلامية الرسمية، وهى أنشأت ومولت بأموال المصريين، فهى ملك لنا جميعا وينبغى استعادتها لخدمة الوطن والمواطنين بتطهيرها من المنافقين وخدمة النظام البائد ومروجى التوريث وعصابة المال والسلطة، وكذلك بمحاصرة الفساد والفاسدين بداخلها. هذه مهمة وطنية وواجب وطنى علينا جميعا الإسهام به.
 

الجزء التاسع - 16 شباط/فبراير 2011

تطمئن بيانات المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصريين على أن مطالبهم المشروعة لن يتم الالتفاف عليها وأن الخطوات الأولى لبناء نظام ديمقراطى ومدنى حر تنفذ بمسئولية وبوعى. 
 
حسنا فعل المجلس الأعلى بحل البرلمان المزور بمجلسيه وبتعيين لجنة مستقلة للنظر فى تعديلات دستور 1971 بعد تعطيل العمل به. كذلك أجاد المجلس بالتحديد الأولى لمدة المرحلة الانتقالية الزمنية مع ترك هامش من المرونة الزمنية حملته صياغة «6 أشهر أو إلى حين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية»، وبالتأكيد فى كل بياناته على القيم الديمقراطية الحاكمة للثورة المصرية.
 
إلا أن الاطمئنان لفعل وبيانات المجلس الأعلى لا يعنى إبعاد النظر عن أمور أخرى تثير مخاوف وهواجس ولابد من ثم من الالتفات السريع لها. الأمر الأول هو استمرار غياب حوار منظم ومؤسسى يجمع إلى جانب المجلس الأعلى القوى الوطنية والحركات الشبابية والنقابات العمالية والمهنية والمجتمع المدنى وشخصيات وطنية مشهود لها بالنزاهة لكى يسهموا جميعا فى إدارة مهام المرحلة الانتقالية وتطوير الصياغات الملائمة للتعامل مع تحدياتها الكبرى التى لا ينبغى التعامل معها فقط بصيغة البيانات العسكرية ولا تقتصر بأى حال من الأحوال على تعديل الدستور وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.
 
ولإعطاء مثالين واضحين:
 
1ـ يحتاج المجلس الأعلى وبجانب عمل اللجنة الدستورية إلى مناقشة إصلاح الإطار القانونى الناظم لتأسيس الأحزاب والنظام الانتخابى والإشراف على الانتخابات وقوانين مباشرة الحقوق السياسية مع القوى الوطنية حزبية وغير حزبية. 
 
2ـ سيكون من المفيد للمصلحة الوطنية وفى ما خص إجراءات مكافحة الفساد وتعقب الفاسدين من قمة هرم النظام السابق أن يصار إلى تشكيل لجان تحقيق تجمع بين تمثيل مؤسسات الدولة كمكتب النائب العام وتمثيل مؤسسات المجتمع المدنى المعنية برصد الفساد ومكافحته. فالدمج بين الأدوات الحكومية والخبرات غير الحكومية من شأنه أن يطمئن الرأى العام ويشرعن لعمل لجان التحقيق التى حتما لن تنتهى مهماتها سريعا.
 
أما الأمر الثانى الذى يقلقنى فهو غياب التفكير المنظم فى الآليات والتدابير التفصيلية التى تحتاجها مصر لاجتياز المرحلة الانتقالية على نحو يسمح بالبناء الديمقراطى. لا ألمح إلى اليوم بدايات نقاش مفصل عن الآليات اللازمة لإصلاح مؤسسات الدولة التى خربها الحكم السلطوى الأمنى والفساد، والإشارة هنا إلى المؤسسات التعليمية والجامعات والإعلام الرسمى ومجالس النقابات المهنية والعمالية.
 
فما نراه اليوم من محاولات داخل هذه المؤسسات من قبل بعض أعضائها لإزاحة الفاسدين وخدمة نظام مبارك لا ترقى جميعها إلى مستوى صناعة التغيير الديمقراطى داخلها، فمثل هذه الصناعة تحتاج إلى انتخابات مجالس مؤقتة بديلة لإدارة شئون المؤسسات المعنية وتكوين لجان تحقيق حكومية ـ غير حكومية مع الفاسدين وليس فقط الاحتجاج والاعتصام والتظاهر.
 
هناك أيضا مهمة إصلاح المؤسسة الأمنية لبناء أجهزة أمنية تحترم حقوق المواطنين وتعمل بصورة نزيهة وديمقراطية، وتلك أيضا مهمة شائكة للغاية لا تكفى بها المحاولات الفردية من وزير الداخلية الحالى أو نداءات القوات المسلحة للأجهزة الأمنية بالعودة إلى شعارهم الشرطة فى خدمة الشعب، بل تحتاج إلى شراكة من أطراف حكومية وأطراف غير حكومية (منظمات حقوق الإنسان) لإداراتها الفعالة.
 
وهناك أمور أخرى تثير القلق سأتابع عرضها بالغد.

 

الجزء العاشر - 17 شباط/فبراير 2011

كتبت بالأمس عن بعض هواجسى فى المرحلة الانتقالية التى نمر بها الآن فى مصر، وأضيف اليوم البعض الآخر.
 
يقلقنى كثيرا اليوم تكالب بعض ممثلى الشباب، الذى فجر ثورة 25 يناير على ادعاء أنهم هم أبطال الثورة الحقيقيين وتعجلهم البالغ فى تشكيل جبهات لحماية الثورة أو مجالس لأمناء الثورة تفتقد فى عضويتها لمعايير الاختيار الواضحة.
 
مشكلة مثل هذه الجبهات والمجالس هى أنها تصنع طبقتين من مجمل الحركات الشبابية والشباب الذين ساهموا فى إنجاز الثورة، طبقة الأعضاء فى الجبهات والمجالس وطبقة غير الأعضاء. وقد كان يمكن تفادى هذه المشكلة أن كنا أمام آليات اختيار وآليات تمثيل ذات طبيعة ديمقراطية ومع التأسيس بوضوح لإمكانات دمج مجموعات من الشباب غير المنظم إلى الآن. وربما كان ائتلاف شباب ثورة 25 يناير هو الوحيد اليوم الذى حدد آليات الاختيار والتمثيل بوضوح.
 
مشكلة ثانية فى الجبهات والمجالس تتمثل فى عدم قدرتها على الإسهام الفعال فى إدارة المرحلة الانتقالية بعيدا عن صيغة تقديم عرائض المطالب. فالجبهات والمجالس هى فى المبدأ تجميعية، ومن ثم لا تمتلك القدرة على طرح رؤى وتصورات مفصلة للآليات والإجراءات والتدابير اللازمة للمرحلة الانتقالية. من هنا ما زالت هذه الجبهات والمجالس واقفة فى ذات المكان الذى كانت به قبل يوم الجمعة الماضى، إصدار بيانات صحيفة تحمل عرائض مطالب عامة. لن يطول عمر الجبهات والمجالس، ولابد أن يحل محلها بدايات لكيانات حزبية ومنظمات مجتمع مدنى جديدة لديها القدرة التنظيمية والفكرية على التعامل مع الآليات والإجراءات والتدابير الحاكمة للمرحلة الانتقالية.
 
مشكلة ثالثة فى الجبهات والمجالس هى محاولة بعض ممثليها صناعة صورة نمطية عن ثورة 25 يناير جوهرها أنها ثورة الشباب، وتحديدا شباب الطبقة الوسطى المصرية. والحقيقة هى أن الشباب نعم فجر الثورة، إلا أنه لم يكن المشارك الوحيد بها بل شاركت كل القطاعات العمرية وبفاعلية فائقة.
 
كذلك لم تكن ثورة 25 يناير ثورة الطبقة الوسطى الراغبة فى الديمقراطية، بل كانت ثورة كل المصريين وأسهم بها محدودو الدخل والعمال والمهنيون وممثلو الفئات المجتمعية دون الطبقة الوسطى والذين جمعت مطلبيتهم بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية.
 
لا ينبغى إذن أن نهمش فى حديثنا عن الثورة وعن تفسير القوى التى أسهمت ساهمت بها القطاعات العمرية والمجتمعية الأخرى، غير الشباب والطبقة الوسطى. ففى هذا ظلم كبير وتأسيس لإقصاء من نوع آخر فى لحظة نحاول بها التخلص من الإقصاء السلطوى وإرثه.
 

الجزء الحادي عشر - 18 شباط/فبراير 2011

 
 أين المجتمع المدنى بمنظماته العاملة فى مجال حقوق الإنسان ومكافحة وتعقب الفساد وقضايا المرأة وحقوق المواطنة المتساوية بين المسلمين والأقباط مما يحدث الآن فى مصر وما الدور الذى يمكن أن يضطلعوا به فى المرحلة الانتقالية؟ فى مؤتمر صحفى عقدته مجموعة الانتقال الديمقراطى منذ يومين أثارت ناشطة السؤال هذا متعجبة من خفوت صوت المجتمع المدنى هذه الأيام. 
 
وأضم صوتى لصوت الناشطة العزيزة مسجلا قلقى من الخفوت هذا، وأوجه السؤال بدورى إلى منظمات المجتمع المدنى داعيا إياها إلى التحرك بسرعة والتنسيق فيما بينها للتعامل مع تحديات المرحلة الانتقالية وما بعدها. فبجانب قضايا الإصلاح الدستورى والقانونى والسياسى، وتلك تدار من قبل اللجنة التى شكلها المجلس الأعلى للقوات المسلحة ولم يحدث إلى اليوم حوار حولها مع القوى الوطنية المختلفة، نحتاج للمجتمع المدنى للشروع فى التعامل مع قضايا مركزية أخرى. 
 
طوال السنوات الماضية عملت المنظمات الحقوقية على إعداد رؤى وبرامج محددة لمكافحة انتهاكات حقوق الإنسان والحد منها ومعاقبة المتورطين بها وما يستدعيه كل هذا من إصلاح فى القوانين والممارسات ومن آليات وضمانات قانونية وسياسية. ينبغى الآن على هذه المنظمات أن تخبر الرأى العام، بجانب مخاطبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بالمراد تحقيقه وتتحرك كجماعة ضغط للتعبئة من أجله. وربما تشكل مطالبة المنظمات الحقوقية بالمشاركة كطرف أصيل فى اللجان، التى أعلن المجلس الأعلى عن قرب تكوينها للتحقيق فى انتهاكات حقوق الإنسان خلال أيام الثورة المصرية خطوة أولى جيدة على هذا الطريق. 
 
نحتاج أيضا إلى المجتمع المدنى للتعامل بجدية مع ملفات الفساد وتعقب الفاسدين. فقد عمل العديد من المنظمات على قضايا الفساد طويلا ولديها القدرة على الإسهام فى لجان التحقيق المزمع تشكيلها على نحو يضمن شراكة حقيقية بين المكون الحكومى وغير الحكومى ويحمى اللجان أيضا من ثم من محاولات تحايل واحتواء قد تتورط بها بعض الأجهزة الحكومية. 
 
ثم هناك المنظمات الجمعيات العاملة فى مجال الانتخابات، نظما وقوانينا ورقابة وتوعية وهى جميعا ينبغى أن تكون أطرافا فاعلة فى المداولات، التى تجريها الآن اللجنة الدستورية حول مواد الدستور المراد تعديلها والقوانين المكملة ومن بينها تلك المتعلقة بالانتخابات. لدى المجتمع المدنى إدراك عميق للإصلاحات، التى لابد أن نجريها على النظم الانتخابية لضمان النزاهة والتعددية والمشاركة الفعالة من قبل المواطنين. 
 
كذلك هناك عقدة كبرى تواجهها كل الدول التى تمر بمرحلة انتقالية بعد انهيار الصيغة السلطوية القمعية الحاكمة، ألا وهى كيفية إصلاح الأجهزة الأمنية. البعض من المنظمات المدنية فى مصر طور خطط وبرامج لإصلاح الأمن مستفيدا من خبرات دول أوروبا الشرقية وأمريكا اللاتينية خلال السنوات الماضية ويستطيع أن يوظف ذلك فى سياق لجان قد تشكل الآن أو بعد المرحلة الانتقالية بهدف إعادة بناء الأجهزة الأمنية بصورة تفعل قيم الشفافية واحترام حقوق الإنسان والمساءلة والمحاسبة. دون ذلك سيظل هدف إستعادة الشرطة لخدمة الوطن والمواطن وتخليصها من عقيدة خدمة النظام الحاكم، وهو ما تريده الأغلبية الساحقة من رجال الشرطة الشرفاء، هدفا بعيد المنال. 
 
مثل هذه الإسهامات للمجتمع المدنى من شأنها إن مكن لها أن تضمن شراكة حقيقية بين مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدنى وتنزل من ثم المبدأ والممارسة الديمقراطية من السياقات الدستورية والقانونية والسياسية العليا إلى مناحى الفعل المجتمعى العام.
 

الجزء الثاني عشر - 19 شباط/فبراير 2011

الثورات الديمقراطية لا تنتقم، بل تتسامح. الثورات الديمقراطية لا تضيع طاقتها العظيمة فى التطهر من الماضى، بل توظفها لبناء المجتمع الجديد لضمان عدم عودة الماضى الكريه بظلمه وسلطويته وقمعه.
 
أكتب هذا ونحن فى مصر نمر اليوم بمرحلة انتقالية دقيقة للغاية تحدد بها أسس وملامح النظام السياسى الجديد بعد إسقاط مبارك، ونحتاج بها للكثير من العمل الجماعى والتفصيلى لبناء مصر الديمقراطية المدنية، مصر العدالة الاجتماعية. لا أريد لنا أن نضيع طاقة الثورة فى إعداد قوائم سوداء بأسماء الفاسدين والمنافقين والمنتفعين ومنتهكى حقوق الإنسان أو فى تعقب هؤلاء فى مقار عملهم وترويعهم وتهديد أمنهم الشخصى. فالتعقب الشخصى ليس من أخلاق ثورتنا السلمية العظيمة، كما أنه يبعدنا عن الترجمة المؤسسية للمطلب الشعبى المشروع القاضى بتشكيل لجان تحقيق حكومية ــ غير حكومية لمحاسبة الفاسدين واستعادة ما سرقوه من أموال الشعب (بقدر الإمكان) ومحاسبة المجرمين الذين تورطوا فى أعمال القتل والعنف ضد المصريين وإنزال العقاب القانونى بهم على ما ارتكبوه. 
 
لا تفيد كثيرا المطاردة الشخصية لشلة منتفعى ومنافقى النظام البائد إن فى المصالح الحكومية والنقابات المهنية والاتحادات العمالية أو فى مؤسسات الإعلام الرسمى، بل الأهم هو استبدالهم مؤسسيا بقيادات جديدة نزيهة ووطنية، إن بانعقاد جمعيات عمومية طارئة لانتخاب مجالس إدارات مؤقتة بالمصالح الحكومية وبالنقابات والاتحادات (خاصة بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية قانون النقابات) أو بتوجيه المطالب الجماعية والسلمية بتغيير المنافقين والفاسدين بمؤسسات الإعلام الرسمى للجهات الحكومية المسئولة والمتابعة معها إلى أن يصار للتغيير. أريد لنا جميعا وبعد أن أفسدتنا الصيغة السلطوية بانفراديتها واستعلائها أن نعول على الآليات المؤسسية للعمل العام، فهى فقط القادرة على صناعة الديمقراطية وضمان حكم القانون.
 
ذات الفكرة المؤسسية والتركيز على بناء مصر الجديدة ينبغى أيضا إعطاؤهما الأولوية حين النظر إلى قوى المعارضة الحزبية وغير الحزبية وتقييم دورها فى المرحلة الانتقالية الراهنة.
 
يعلم القطاع الأكبر من المصريين أن معظم هذه القوى تم دمجها فى صيغة نظام مبارك السلطوية وأنها تكالبت على مكاسب محدودة وتخلت عن التبنى الفعال للمطالب الوطنية، أحيانا لحسابات قياداتها الشخصية. على الرغم من ذلك، لا يمكن بناء ديمقراطية مدنية دون أحزاب وكيانات منظمة، ومن ثم لابد من تفعيل وتنشيط القائم منها وتطويره بإيجابية من الداخل.
 
يستطيع شباب الوفد والتجمع وشباب الإخوان أن يحدثوا تغييرات حقيقية بكياناتهم إن على مستوى العمل المؤسسى وبناء الديمقراطية الداخلية وتدوير النخب، أو فى ما خص الانفتاح على بعضهم البعض دون حواجز أيديولوجية.
 
كذلك ينبغى على المجموعات المختلفة من حركات شبابية ومنظمات مدنية وتجمعات لمواطنات ومواطنين من مختلف القطاعات العمرية والاجتماعية العمل وبسرعة على الانتظام فى كيانات جديدة يمكن أن تشكل بدايات لأحزاب سياسية، وتعطى بذلك ثورة المواطنين التعبير المؤسسى عنها فى الحياة السياسية. إن نجحنا فى المهمتين؛ أى إصلاح الأحزاب القائمة وتكوين أحزاب جديدة، سنكون بعد المرحلة الانتقالية أمام حياة سياسية تعددية تتنافس بها كيانات متنوعة ولا يحتكرها فصيل بعينه.
 
لذا أرجو أن يقرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبسرعة إطلاق حرية تكوين الأحزاب والمنظمات المدنية وإلغاء قوانين الأحزاب سيئة السمعة، ثم إلغاء حالة الطوارئ قبل الانتخابات بوقت يكفى لأن تنشط الأحزاب، قديمها وجديدها، لبناء قواعدها الشعبية والتواصل مع المواطنين حول برامجها ومقترحات السياسات العامة التى تتبناها.