أطلق المتظاهرون في السليمانية، في شمال شرق كردستان العراق، على الساحة الرئيسة في المدينة مؤخراً اسم ساحة "آزادي" أي ساحة التحرير، بعد أن ألهمتهم الأحداث التي شهدتها مصر. 
 
وفي حين نادى المتظاهرون في باقي المناطق العراقية بمجموعة من المطالب، عبّر المتظاهرون في كردستان، وهم في معظمهم من الشباب، عن استيائهم من القيادة الكردستانية التقليدية، فأصبح مستقبل هؤلاء القادة متوقّفاً الآن على قدرتهم على استعادة شرعيّتهم بين الشباب.
 
هذه الاحتجاجات دقّت جرس إنذار لقيادة كردستان التي يتولاها كلٌّ من الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة محمود البرزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة جلال طلباني، منذ إنشاء حكومة إقليمية في العام 1992. وقد بنى الحزبان شرعيّتهما على الصراع مع نظام صدام حسين، وإنشاء إقليم كردستان. غير أن الكردستانيين الذين تتراوح أعمارهم ما بين الخامسة عشر والثلاثين عاماً، (وهم يشكّلون ما نسبته 40% تقريباً من السكان)، ترعرعوا في كردستان شبه مستقلّ أصلاً. ولذلك معظمهم لم يسمع عن الصراع مع النظام السابق إلا من أهله أو أجداده. 
 
لكن هؤلاء الشباب شهدوا الصراع المسلّح على السلطة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني وبين الاتحاد الوطني الكردستاني، من العام 1994 حتى العام 1997، وعاشوا في ظلّ حُكمِ حزبين يسيطران على التمثيل السياسي وإدارة الموارد والوظائف. كما أن سبل الاتصال بينهم وبين باقي العراق ضئيلة إن لم تكن معدومة، وهم يرتادون جامعات كردية ويجيدون اللغة الكردية أكثر من العربية، ويعتبرون أربيل مسؤولةً سياسياً أمام بغداد.
 
ويعتقد هؤلاء الشباب أيضاً أن الحزبين أمضيا الأعوام العشرين الماضية وهما يضعان المصالح الضيّقة قبل المصلحة الوطنية.
 
وقد بقي وزراء حكومة إقليم كردستان، حتى اندلاع الاحتجاجات، منقسمين ما بين الحزبين، بدون أن يكون لهم أي تواصل مع أحزاب أخرى، حتى أن التعاون في ما بينهم كان ضئيلاً. كما أن قوات البشمركة، التي لطالما اعتُبِرَت رمز المقاومة الوطنية ضدّ نظام صدام، منقسمة بدورها إلى فرعين لاتعاون بينهما: فرع يدين بولائه للحزب الديمقراطي الكردستاني، وآخر يناصر الاتحاد الوطني الكردستاني. 
 
وعلى الرغم من أن كردستان تتمتّع بأمن أفضل من باقي المناطق العراقية، والاستثمارات تتدفّق إليها منذ العام 2003، إلا أن 35% إلى 45% من الكردستانيين الشباب لازالوا عاطلين عن العمل أو يعملون في وظائف غير ملائمة، ناهيك عن أن الانتماء السياسي غالباً ما يحدّد مستوى التقدّم في الوظيفة.
 
صحيح أن التظاهرات انطلقت في شباط/فبراير، إلا أنها جاءت لتعبّر عن استياء قائم في كردستان منذ ما قبل اجتياح موجة التعبئة الشعبية منطقةَ الشرق الأوسط. فهي أظهرت مستوى النفور المتزايد حيال قيادة أسندت شرعيّتها إلى إنجازات سابقة، وعجزت عن تحقيق طموحات الشباب. وجدير بالذكر أن الانتخابات الإقليمية في العام 2009 كانت قد شهدت مشاركة حركة التغيير "غوران" التي حقّقت مكاسب هامةً على حساب الاتحاد الوطني الكردستاني بشكل خاص.
 
لذلك، ومع أن التظاهرات بقيت محدودةً بالسليمانية إجمالاً، إلا أنها أدّت إلى اضطراب الساحة السياسية الكردية برمّتها.
 
وإذ ازداد قادةُ حكومة إقليم كردستان ضعفاً، حاولوا في الشهر الماضي وقف سيل الاحتجاجات. وإلى جانب الوعود التي أطلقوها بإجراء إصلاحات ديمقراطية، وتغيير حكومي، وتشكيل لجان لمكافحة الفساد، عمدوا إلى الحدّ من التظاهرات بشكل عنيف، ناشرين قواتهم الأمنية وقامعين المحتجّين.
 
ويجد الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني نفسيهما اليوم عند الجانب عينه من صراع النفوذ، إذ أن بقاءهما يتوقّف على أحدهما الآخر في مواجهة المعارضة المتنامية. وأحزاب المعارضة، أي حركة التغيير "غوران" والجماعة الإسلامية في كردستان والاتحاد الإسلامي الكردستاني، سَعَت هي الأخرى إلى الالتئام في جبهة موحّدة. فمنذ اندلاع أولى التظاهرات، طالبت هذه الأحزاب باستقالة الحكومة وتطبيق الإصلاحات ومقاطعة جلسات البرلمان، في محاولة منها لكسب الشرعية بصفتها مدافعةً عن مطالب المتظاهرين. 
 
وإذا مافشلت المفاوضات، فقد يصطف القادة الحاليون وأحزاب المعارضة في كتلتين، ويسعون إما إلى إعادة التأكيد على الدعم الشعبي لهم، أو إلى كسب هذا الدعم. 
 
ومن المرجّح أن يواصل الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، في الفترة السابقة لانتخابات المحافظات في أيلول/سبتمبر المقبل، اللجوءَ إلى مجموعة من التدابير القمعية، وإلى إطلاق الوعود بالإصلاح، بهدف احتواء الاحتجاجات. وقد يحاولان الظهور على أنهما متّحدان في الدفاع عن المصلحة الكردية الوطنية في العراق، من خلال اعتماد المزيد من المناورات السياسية والعسكرية في كركوك، عند الحدود المُتنازَع عليها بين كردستان وباقي العراق. وإذا نجحا في تحقيق المكاسب هناك، فقد يسترجعان بعض الشرعية بصفتهما رافعي لواء كردستان. 
 
في غضون ذلك، قد تتمكّن أحزاب المعارضة من زيادة قاعدتها الشعبية، ولاسيما في السليمانية، بتقويضها القاعدة الانتخابية للاتحاد الوطني الكردستاني، إذا ما نجحت في ترسيخ نفسها على أنها المدافعة الشرعية والوحيدة لمطالب المتظاهرين. لكن بعض الشباب يرون هذه الأحزاب على أنها إما جزء من النظام السياسي الفاسد، وإما تقليدية للغاية وبالتالي لاتستطيع تمثيلهم. مع ذلك، قد لايجد هؤلاء الشباب أي وسيلة أخرى يعبّرون بواسطتها عن مطالبهم، نظراً إلى أنهم لم ينظّموا أنفسهم بعد ضمن حزب سياسي مناسب.
 
في كردستان كما في أرجاء أخرى من الشرق الأوسط، سيبقى التحدّي الأكبر أمام الشباب هو أن يحوّلوا موجة التعبئة إلى تغيير حقيقي، أي أن يقوِّضوا السلطة التي مارستها الأحزاب على المؤسسات والمجتمع منذ عقود، ويحرصوا على أن تتحقّق مطالبهم وتؤدّي إلى إصلاح الأرضية السياسية. عندئذ فقط تكون ساحة التحرير جديرةً باسمها.