قبيل انسحاب القوات الأميركية من العراق في نهاية العام 2011، تركّز الكثير من النقاش على القدرة الفنية للجيش العراقي لتأمين بلده. ولكن سواء كان الأمر مقصوداً أم لا، فقد تركت الولايات المتحدة الجيش العراقي في يد رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي. وبذلك، وفّرت له رصيداً في سياق جهوده الرامية إلى ترسيخ الزعامة على العراق وهزيمة منافسه السياسي الرئيس، ائتلاف العراقية.

إن قرار اصدار مذكرة توقيف بحق عضو ائتلاف العراقية ونائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي هو مثال جديدعلى هذا الصراع الداخلي المستمر على السلطة. لكن الأمر لن ينتهي عند هذا الحدّ.

على مدى السنوات السبع الماضية، تم تدريب فرق الجيش الأربع عشرة لمواجهة التمرّد داخل حدود العراق. وقد تطوّر الجيش بوصفه قوة أمن داخلي تتوسع أنشطة فرقه لتشمل مختلف المحافظات العراقية.

اليوم يمتلك الجيش العراقي القدرة على التغلغل في جميع أنحاء البلاد. وتمثّل السيطرة على الجيش ووزارة الدفاع مفاتيح السيد المالكي لإطلاق عملية السيطرة على كل العراق.

من خلال وزارة الدفاع، أخذ رئيس الوزراء بزمام الجيش عبر تعيين ضباط موالين له كقادة للفرق الرئيسة، والعمل من خلال وحدات تابعة للجيش في أنحاء البلاد لممارسة سيطرته على المستوى الوطني. وعلى رغم أن ضباط الجيش ليس لهم أي دور رسمي في الحياة السياسية العراقية، فهم الآن في الطليعة كمنفذين للأجندات السياسية.

لقد تم تكريس قيادة ضباط الجيش التابعة للمالكي على مدى السنوات العديدة الماضية. ففي سياق العملية التي بدأت في العام 2007 وبلغت ذروتها هذا العام، أحاط رئيس الوزراء نفسه بدائرة من ضباط الجيش السابقين. وفي مقابل ولائهم، استعاد هؤلاء الضباط الرتب التي خسروها في السابق في ظل سياسات الولايات المتحدة لاجتثاث البعث، وجرى إسناد مناصب رئيسة لهم داخل وحدات الجيش.

ملأ الجيش الثغرات التي لم يصل إلها النفوذ السياسي لرئيس الوزراء. فطوال العام 2011، تم نشر فرق عسكرية بأكملها في المحافظات الشمالية حيث معقل ائتلاف العراقية: الأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى. وقد تدهورت الأوضاع الامنية في هذه المحافظات. وكلما ازداد تدهور الموقف الأمني، كلما أصبح بوسع الجيش زيادة وجوده وتوسيع سيطرته على كلٍ من هذه المحافظات.

كما تم شلّ القيادة الأمنية والسياسية لائتلاف العراقية عبر سلسلة من الاغتيالات التي استهدفت كبار المسؤولين. واضطر المسؤولون المحليون لاستبدال قادة الشرطة في مناطقهم وفقاً لتعليمات وزارة الداخلية. بلغت هذه العملية ذروتها في تشرين الأول/أكتوبر، عندما ألقي القبض على ضباط رفيعي المستوى من الجيش في هذه المحافظات بسبب ارتباطهم المزعوم بالشبكات الإرهابية والبعثية.

يثبت البرلمان العراقي بالفعل أنه غير فعّال في منع توطيد السلطة العسكرية والسياسية لرئيس الوزراء. وربما يأتي قرار ائتلاف العراقية الأخير بمقاطعة مجلس الوزراء والبرلمان بنتائج عكسية. ورغم فوزه بغالبية المقاعد في انتخابات العام 2010، أصبح ائتلاف العراقية الآن بلا ركيزة في المحافظات وبلا موقف موحّد في بغداد.

بدلاً من ذلك، ربما يستخدم المالكي البرلمان لسحب الثقة من أعضاء ائتلاف العراقية، لاستمالة البعض للانضمام إلى دائرته. وقد أعربت كتلة العراقية البيضاء بالفعل - وهي مجموعة انشقت في آذار/مارس الماضي عن الكتلة الرئيسة - عن دعمها لحكومة المالكي بعد انسحاب العراقية.

كما أثبت الدستور أيضاً أنه ضعيف. إذ لجأت محافظتا صلاح الدين وديالى اللتان تركتا من دون تمثيل وسلطة، إلى المادة 119 من الدستور، وأعلنتا استقلالهما الاقتصادي والإداري عن بغداد.

وعلى رغم ذلك، لم تتم الموافقة في بغداد على تلك البيانات. بدلاً من ذلك، فإن رئيس الوزراء يتصور تعديلاً للدستور قد يقلّل من سلطة المحافظات ويعيد صياغة الإطار المؤسسي في العراق لصالحه.

وكما هو الحال الآن، فإن التحالف الكردي وحده يمتلك القدرة على مواجهة السياسات التوسعية لرئيس الوزراء، ويحتفظ بمناصب رئيسة في الجيش العراقي وقيادة الشرطة، فضلاً عن قوات البيشمركة الخاصة به.

قد تستفيد الأحزاب الكردية أيضاً من الوساطة بين السيد المالكي وبين ائتلاف العراقية، لتحصل على تنازلات من كلا الجانبين وتزيد من وجود القوات الأمنية التابعة لها في أجزاء من المحافظات الشمالية التي طالما أكّدت تبعيتها لها.

وفي هذا الصراع الذي يتم عن طريق قوات الأمن، لايزال تحقيق الأمن يعتمد على الاتفاقات المبرمة بين المالكي وبين بقيّة معارضيه. ويجري الآن اختبار هذا التوازن؛ حيث أثارت سلسلة من التفجيرات الفتّاكة في بغداد في الأيام الأخيرة شبح تجدّد القتال الطائفي.

لن يساعد بناء القدرات الفنية لقوات الأمن على إعادة توجيه الجيش الذي يعمل ضمن إطار مؤسسي ضعيف. فقد اتّخذ الجيش العراقي منعطفاً خطيراً، وأصبح تابعاً لمناخ سياسي عنيف بدل أن يصبح مؤسسة تعمل على الحفاظ على الأمن في كل أنحاء العراق.

لقد شهد العام 2011 توطيد المالكي لسلطته كأبرز زعيم في العراق. وفيما تتعزّز سيطرته على الجيش العراقي، فإن العام 2012 يمكن أن يقوده إلى صدارة التطورات الإقليمية. 

تمّ نشر هذا المقال بالإنكليزية في جريدة ناشيونال.