سيواجه الرئيس المصري الجديد عدداً لايحصى من التحديات السياسية والاقتصادية. عشيّة الإعلان عن نتائج الانتخابات الرئاسية، نظّم مركز كارنيغي للشرق الأوسط طاولة مستديرة لمناقشة الصعوبات التي تواجه الرئيس المقبل، ونتائج الأشهر القليلة الأولى لولايته على البلاد والمنطقة بأسرها. أدار النقاش يزيد صايغ من مركز كارنيغي.

توقّعات كبيرة

اتّفق المتحدّثون على أن التوقّعات والطموحات الكبيرة للسكان ربّما ستكون التحدّي الأكبر أمام الرئيس المصري. فالمرشّحان الرئاسيان (محمد مرسي وأحمد شفيق) قدّما في حملتيهما الانتخابيتين عدداً من وعود الإصلاح والتنمية التي قد لايتمكّنان من الوفاء بها. هذا ناهيك عن أن المجتمع المصري يعاني مجموعةً من الانقسامات الخطيرة التي يتعيّن على الرئيس المنتخب أن يتغلّب عليها. وأجمع المتحدّثون على أن نجاح الرئيس الجديد في مواجهة التحدّيات السياسية والاجتماعية في مصر سيتحدّد من خلال مدى فعالية التحالفات القوية التي يبنيها في الأسابيع القليلة الأولى له في منصبه.

التحدّيات السياسية

 تواصُل الثورة

اتّفق توفيق أكليمندوس، من "كوليج دو فرانس" Collège de France، وهالة مصطفى، من مجلة الديمقراطية "Democracy Review"، على أن استقالة حسني مبارك في شباط/فبراير الماضي لم تكن تعني نهاية الثورة. فتلك الاستقالة لم تؤدِّ سوى إلى نقل الثورة إلى مرحلة جديدة، حيث يتعيّن على الشعب أن ينتخب حكومة جديدة ويؤسّسها. تمرّ البلاد الآن في مرحلة حساسة، حيث تعكس أحكام المحكمة الدستورية العليا المثيرة للجدل ببطلان ثلث البرلمان، الذي انتخب قبل أيام فقط من الانتخابات الرئاسية، حالة عدم اليقين التي لاتزال مصر تواجهها.

السيناريوهات المحتملة

عرض عمر عاشور، من جامعة "إكستر" Exeter، ثلاثة نماذج تاريخية يمكن أن تتبعها مصر في هذه المرحلة من عملية الانتقال السياسي:

  1.  أسوأ سيناريو، الجزائر 1992: أدّت تعبئة القوى الإسلامية في الجزائر إلى صدامات دموية مع المؤسّسة العسكرية، وإلى حرب أهلية مدمّرة.
  2.  أفضل سيناريو، إسبانيا 1982: تولّى الحزب الاشتراكي السلطة سلمياً بعد أن فاز في الانتخابات العامة، وأشرف على تأكيد السيطرة المدنية التدريجية الكاملة على القوات المسلحة على مدى السنوات العشر التالية.
  3.  الطريق المعتدل، تركيا 1983: استولى الجيش على السلطة وأعاد صوغ الدستور في الفترة الممتدّة بين العامين 1980 و2003، إلا أنه أجرى أيضاً، وبنجاح، إصلاحات اقتصادية، وحافظ على الاستقرار نسبياً.

الاستقطاب

 وصفت وسائل الإعلام الدولية مصر على أنها مستقطَبَة بشكل خطير، في ظلّ انقسامات عميقة بين العلمانيين والإسلاميين، وبين النظام والثورة، وبين الجيش وجماعة الإخوان المسلمين. لكن عاشور حذّر من أن هذه الخلاصات التبسيطية للمشاكل التي تواجه مصر خطيرة وتنذر بتحويل البلاد إلى مسار العنف الذي شهدته الجزائر في تسعينيات القرن المنصرم. وافقه الرأي عمرو الشلقاني من جامعة القاهرة، مضيفاً أن العديد من الاختلافات بين المرشّحَين كانت سطحيّة تماماً ومن صنع وسائل الإعلام. وهكذا، في حين بدا أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بين رئيس وزراء مبارك السابق ومرشح الإخوان المسلمين، ترمز إلى أكثر من نصف قرن من السياسة المصرية الخلافيّة، اتّفق جميع المتحدثين على ضرورة أن يتجاوز الباحثون والسياسيون مثل هذا الخطاب، وإلا فإنهم يجازفون بتحويل أسطورة الاستقطاب إلى واقع ملموس.

الإصلاح الأمني

أكّد أكليمندوس أن قوات الشرطة المصرية محبَطَة ومرتبكة إلى حدّ كبير، إذ تعتقد أنها كانت في الجانب الخاسر لثورة 2011. وأضاف أن على جماعة الإخوان المسلمين والمجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يقلِّلا من تركيزهما على التقاتل حول مَن سيفوز بالسلطة، ويركّزا عوضاً عن ذلك على مايحتاجه البلد. فلايزال ثمة ظروف داخل المجتمع يمكن أن تتفاقم لتتحوّل إلى انتفاضات شعبية أخرى. على سبيل المثال، لن يظلّ الشباب العاطلون عن العمل، الذين اضطلعوا بدور كبير في الاحتجاجات، صامتين إذا لم تُلبَّ احتياجاتهم. وأضاف أكليمندوس أن ثمة تدفقاً حراً للأسلحة من الدول المجاورة إلى مصر، يؤدّي إلى تسلّح السكان بكثافة.

التحدّيات الاقتصادية

 خمسة عشر شهراً من التراجع

أكد إبراهيم سيف، من مركز كارنيغي، أن المشكلة الأكثر إلحاحاً التي تواجه الرئيس الجديد من الناحية الاقتصادية هي استمرار تدهور الوضع المالي للبلاد منذ بداية الثورة في كانون الثاني/يناير الماضي. فاحتياطيات البنك المركزي آخذة في التناقص بمعدل 1.4 مليار دولار في الشهر، وقد وصلت الآن إلى مايقدر بنحو 40 في المئة من قيمتها التي كانت عليها في كانون الثاني/يناير 2011. ومع أن الديون الداخلية والخارجية لاتزال منخفضة نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي، أكّد سيف أنه لايمكن للحكومة أن تبالغ في الإعجاب بهذه النقطة الاقتصادية المضيئة وتتجاهل العديد من المشاكل المتفاقمة.

انعدام الشفافية

اعتبر سيف أنه بسبب عدم الاتفاق بعد على البنية السياسية الجديدة للبلاد، لم تضع مصر إلى الآن الأساس اللازم لخطة أو توجّه اقتصادي جديد. وعرض المتحدّثون أوجه القصور الهامة للعديد من الأنظمة السابقة التي ينبغي على الرئيس الجديد معالجتها بسرعة:

  1. النظام الضريبي: أوضح سامر سليمان، من الجامعة الأميركية في القاهرة، أن مبارك حكم من خلال تجنّب التدابير الضريبية التي لاتحظى بشعبية لمدة عشرين عاماً. وهذا ماسمح له بضمان ولاء الطبقات الغنية في الوقت الذي أدّى إلى تدهور الخدمات والمؤسّسات العامة. وأضافت زينب أبو المجد، من الجامعة الأميركية في القاهرة، أن هذا التدهور في البنية التحتية دفع الثوار إلى المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة الاقتصادية في كانون الثاني/يناير 2011. وأشار سليمان إلى أنه من الضروري زيادة أموال الدولة من عائدات الضرائب للاستجابة لمطالب الجمهور وتنفيذ مشاريع التنمية الضرورية.
     
  2.  انعدام الثقة: أوضح سيف أن عزوف المجتمع الدولي عن منح قروض ميسّرة لمصر يمثّل مشكلة كبيرة بالنسبة إلى الرئيس الجديد. فقد أدّت القرارات الصادرة عن صندوق النقد الدولي والبنك الدولي (ومنظمات أخرى) بتأجيل منح قروض ميسّرة لمصر، إلى تقلّص الثقة الدولية في الاقتصاد المصري أكثر، مايجعل مهمة جذب المستثمرين الأجانب المستقلّين صعبة على نحو مضاعف.
     
  3.  قوة الجيش الاقتصادية: أكّد سليمان أن الجهاز العسكري الثري للغاية في مصر هو بالفعل دولة داخل الدولة. وأضافت أبو المجد أن القوات المسلحة لاتتلقّى تمويلاً حكومياً وحسب، بل تنتج أيضاً مجموعة واسعة من المنتجات غير العسكرية، مثل اللحوم والزيوت والإسمنت والمواد الكيميائية والمعكرونة. فاقترحت ضرورة أن ينسحب الجيش من الاقتصاد المدني لتشجيع خلق فرص العمل، وهي خطوة أقرّ سليمان بأنها يمكن أن تعزّز كفاءة الجيش في جهوده العسكرية في المستقبل.
     
  4. نموذج اقتصادي جديد: اعتبرت أبو المجد أنه بإبعاد الجيش عن الإنتاج المدني، يمكن للقطاع الخاص في مصر أن يتوسّع ويتطوّر، مايساهم في إيجاد فرص العمل لملايين المواطنين العاطلين عن العمل. ويمكن لهذا التحوّل أن يخدم غرضين في آن، ألا وهما إثراء القطاع الخاص غير المحدّد بشكل واضح في مصر، وترسيخ البلاد كمُنتِج للسلع المتنوعة التي تتميّز بالجودة، في مايشبه نموذج التنمية التركي الناجح في ثمانينيات القرن المنصرم.