قبل اندلاع الثورات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط، كانت العلاقة بين المانحين الغربيين والجهات الفاعلة الإقليمية تقوم على المبالغة في تقييم دور الدولة والتقليل من شأن المجتمعات العربية بصفتها شريكاً ممكناً في عملية الإصلاح. وفي ضوء الانتفاضات العربية على مدى العامين الماضيين، يجب أن تدرك الجهات المانحة الغربية أن الانتقال من الديكتاتورية المطلقة إلى الديمقراطية يتطلّب قدراً كبيراً من الصبر والكفاءة. عندئذ فقط ستكون هذه الجهات قادرة على التأثير بصورة إيجابية في الديناميكيات السياسية المتغيّرة في الشرق الأوسط.

في إطار السعي إلى فهم أفضل للدور الذي يمكن أن يضطلع به المانحون الغربيون في الشرق الأوسط الجديد، استضاف مركز كارنيغي للشرق الأوسط كلاً من كاوا حسن، منسّق برنامج المعارف الخاص بالمجتمع المدني في غرب أفريقيا، في "المعهد الإنساني للتعاون" Hivos، ورامي خوري، مدير معهد عصام فارس للسياسات العامة والشؤون الدولية، في الجامعة الأميركية في بيروت. أدار النقاش إبراهيم سيف من مؤسسة كارنيغي.

النقاش

  • إنها ثورة وليست ربيعاً عربياً: شدّد حسن على أهمية المصطلحات المستخدمة عند مناقشة السياسة العربية، وقال إن مصطلح "ثورة" أكثر دقّة من "الربيع العربي" لأنه يعكس الآثار الكاملة للتطورات الإقليمية. كما أكّد أن دور المجتمع المدني اقتصر، قبل اندلاع ثورات الكرامة، على تشجيع عملية التغيير الاجتماعي، وهو أحد الأسباب الرئيسة في أن الانتفاضات العربية أخذت الكثيرين على حين غرّة.
     
  • الفشل في التنبّؤ بالثورات: أشار حسن إلى أن عاملين رئيسين يفسّران سبب عجز المانحين الغربيين عن توقّع الاضطرابات التي اجتاحت العالم العربي في كانون الأول/ ديسمبر 2011. أولاً، بالغ المانحون في تقدير قدرة الحكام المستبدّين من العرب على الحفاظ على الوضع القائم. وثانياً، استخفّوا بقدرة الجهات الفاعلة المدنية على إحداث ثورة في العلاقات بين الدولة والمجتمع وعلى التصدّي لثقافة الخوف.

السبيل أمام المانحين الغربيين لإحراز تقدّم

شدّد حسن على ضرورة أن ينخرط المانحون الغربيون في إجراء تغييرات جذرية في الأنماط، بما في ذلك الانتقال من فرض تعزيز الديمقراطية في العالم العربي إلى دعم التحوّلات الجارية. وقد سلّط الضوء على ثلاثة مبادئ قال إن على الجهات المانحة الغربية أن تسترشد بها:

  1. إنتاج المعرفة: دعا حسن المانحين الغربيين إلى العمل على قدم المساواة مع مراكز الأبحاث العربية للمساهمة في بناء القدرات الإقليمية.
     
  2. تحليل السياق: أكد حسن أن تحليل البيانات ينبغي أن يتم من جانب باحثين لديهم تفسير مباشر للتطوّرات الإقليمي
  3. التحلّي بالصبر والإصغاء: قال حسن إن التحلّي بالصبر والإصغاء إلى الجهات الفاعلة المحلية أساسيان في تحقيق نتائج ناجحة، لأن عمليات الانتقال إلى الديمقراطية يمكن أن تكون صعبة وشاقّة.

"ثورات الكرامة"

استهلّ خوري مداخلته بالثناء على دراسة حسن واختياره للمصطلحات، بما في ذلك مصطلح "ثورات الكرامة" الذي قال خوري إنه يعكس بصورة أكثر دقة الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت العالم العربي على مدى العامين الماضيين.

  • دراسة حسن: سلّط خوري الضوء على أربعة جوانب رئيسة في دراسة حسن:
  1. تحويل المجتمعات العربية إلى منظمات غير حكومية: رحّبت دول المنطقة بمشاركة المنظمات غير الحكومية في التخفيف من ضغوط إجراءاتها الإدارية. وبسبب حضورها الكثيف في المجتمعات العربية، دعا خوري إلى إجراء دراسة شاملة للمنظمات غير الحكومية في العالم العربي.
     
  2.  أثر المساعدات الخارجية: قال حسن في سياق مداخلته إنه غالباً مايُنظَر إلى المساعدات الخارجية على أنها تدخّل سياسي وتلاعب ثقافي. وكرّر خوري الدعوة التي أطلقها حسن إلى إجراء دراسة منفصلة لبحث المشاركة الأجنبية في الدول العربية، داخل المنطقة وخارجها.
     
  3.  مقاربات الحكومات العربية تجاه المانحين الغربيين: أكّد خوري على الحاجة إلى إجراء مزيد من البحوث لاستكشاف العلاقة بين المنظمات غير الحكومية والحكومات العربية، ولاسيّما المآل الذي تنتهي إليه تدفقات رأس المال.
     
  4. التعاون مع الجهات المانحة الإسلامية: كرّر خوري وجهة نظر حسن القائلة بأن الانتفاضات في الشرق الأوسط كانت مؤشّراً على نهاية ماوُصِف بـ"الإسلام السياسي المدمج". ورأى أن على المانحين الغربيين أن يتعاونوا مع الأحزاب الإسلامية إذ أن نفوذها يتزايد.
  • الأنماط في ثورات الكرامة: استند خوري إلى نمطين اثنين لتفسير ثورات الكرامة في العالم العربي:
  1. الحوكمة غير المستدامة: قال خوري إن ما يزيد عن خمسة وعشرين عاماً من الإحباط في صفوف الناشطين في مجال حقوق الإنسان والنقابات العمالية والمجموعات النسائية والقوميين العرب، أدّى إلى غياب الشرعية الشعبية في العديد من الدول العربية. وبعد أن لاحظ الناس مدى هشاشة العديد من هذه الحكومات، أخذت الثورات تجتاح العالم العربي.
     
  2. سوء الأوضاع الاجتماعية: قال خوري إن فشل العديد من الدول في تلبية احتياجات مواطنيها الأساسية، بما في ذلك الغذاء والتعليم وحرية التعبير وحرية التجمع، أدّى إلى اندلاع ثورات الكرامة في العالم العربي.
  • المساعدات الغربية والحكام المستبدّون: تطرّق خوري أيضاً إلى الآثار المترتّبة على دعم المانحين الغربيين للحكام المستبدّين في الشرق الأوسط، إضافة إلى تحالفهم مع الحكومة الإسرائيلية. وتناول على وجه التحديد التناقض في تعزيز المجتمعات المدنية من خلال مختلف المنظمات غير الحكومية، وفي الوقت نفسه حماية الأنظمة الاستبدادية التي استخدمت الأجهزة الأمنية لسحق المعارضة الداخلية.

ختم خوري الندوة بالإعراب عن تفاؤله بالقدرة العربية المحلية على فهم قضايا المنطقة المعقّدة وحلّها. وشدّد على أن هذه العملية بدأت بالفعل، وأن الكرامة والاحترام والشرعية والعدالة الاجتماعية أساسية لضمان أن يتمكن المانحون الغربيون من المساعدة في بناء مستقبل عربي سليم ومستقل.