حاز وزير الخارجية الاميركية منذ العام 1997على  سلطة تصنيف مجموعات بكونها "تنظيمات أجنبية ارهابية" وإنزال مروحة من  العقوبات والجزاءات عليها. الآلية البيروقراطية لإقرار مثل هذه التصنفيات بالغة التعقيد. وقد بادر أعضاء في الكونغرس غير مرة في السنوات الاخيرة الى اقتراح تشريعات على وزارة الخارجية تطالب بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين تنظيماً ارهابياً أجنبيا، لكن هذه المساعي تعثّرت ولم تتجاوز مرحلة البحث في اللجان الى مرحلة التصويت عليها، كما لم ترحب ادارة اوباما بها.  

والآن، ثمة جهود جديدة تبذلها إدارة اوباما، وكذلك الكونغرس، لتبنّي وسم جماعة الأخوان بالإرهاب. وذُكِرَ أن الرئيس ترامب يدرس إصدار أمر تنفيذي إلى وزير الخارجية (الذي حتى لم يتسلّم منصبه بعد) للإشراف على هذه العملية. وسبق  لمستشار الأمن القومي مايك فلين  والوزير المعيّن  لوزارة الخارجية  ريكس تيلرسون أن أوحيا بأنهما يتخذان موقفاً مماثلا ضد الجماعة . علاوة على ذلك، تدعو مشاريع قوانين اقترحها أخيراً كلٌ من السناتور تيد كروز والنائب ماريو دياز- بالارت وزارة الخارجية  إلى الرد خلال 60 يوماً على هذه المسألة. لكن، منذ اليوم، تُطرح على نواب في الكونغرس وشخصيات بارزة في السلطة التنفيذية أسئلة من نوع: هل ثمة تنظيم يُسمى "الاخوان المسلمين" يصح فيه تعريف القانون الاميركي للتنظيم الاجنبي الارهابي؟ وهل ترتجى فائدة من التصنيف في مكافحة الارهاب في الولايات المتحدة وخارجها؟

;قلب عبء الإثبات

لا شك في أن مشروع القانون الذي تقدم به كروز مقتضب للغاية، لكن الغموض لا يلف نواياه، كما ان شطراً راجحا من دواعيه واضح. فهو يعكس شعور يعمّ الكونغرس بأن "الاخوان المسلمين" تنظيم أجنبي ارهابي، ويدعو الإدارة الى الموافقة على التصنيف أو إثبات خلافه. ووفق الاجراءات المعتمدة، يوكل الى عدد من أجهزة الحكومة الاميركية البحث في اقتراح إدراج تنظيم على لائحة التنظيمات الارهابية، ثم يُترك للكونغرس أمر الاعتراض. ويعود الى هذا الأخير المبادرة الى بحث مشروع القانون، وحمل الادارة على موافقته الرأي، وإن لم تفعل، ستضطر الى مناقشة مسألة "الاخوان المسلمين" في العلن- وهذا على الاغلب ما لا تتمناه ادارة ترامب. فحينها، وعلى رغم دور الاجهزة البيروقراطية، ترجح كفة السياسة على خلاف ما كانت عليه في مشاريع سابقة.

;على رغم وضوح ما يقترحه، يلوذ مشروع القانون بالصمت حيال مسألة يترتب عليها اكثر نتائجه سلبيةً وضرراً. وهو إغفال يُنذر بالسوء. إذ إنه يعلن أن "الاخوان المسلمين" تنظيم ارهابي، لكنه لايُحدد من هي هذه الجماعة. والواقع أن مثل هذا التحديد عسير. فتسمية "الاخوان الملسمين" لا يقصد بها شيء واحد، بل هي تُطلق على مجموعة من التنظيمات والحركات والاحزاب والجمعيات والمجموعات غير الرسمية التي تعمل بهدي مباشر أو غير مباشر من الحركة الأم التي أُسِّست في مصر العام 1928 ، وتعتمد على النصوص التي تركها مؤسسها. والحركات التي تستلهم "الاخوان" خلصت، قبل ردح طويل من الزمن، الى أن الظروف يوم تأسيسها كانت مُختلفة، وقرر كل منها سلك طريق يلائم مجتمعها (وهذه نقطة تناولها مارك لينش في بحث نشر أخيراً في كارنيغي). وعلى رغم أن شطراً كبيراً من التنظيمات أُنشئ بمشاركة اعضاء من "الاخوان" – على تباين مستويات مشاركتهم-، فإن صلاتهم بهذا التنظيم غير رسمية ومتباينة وغير متجانسة. وليس توسّلهم كلهم العنف أو انتهاجه- وهذا عامل بارز في تصنيفها مجموعات ارهابية- مُعطى مثبت، حتى ولو أُدرج فرع من فروع "الاخوان المسلمين"، وهي حركة حماس الفلسطينية، في لوائح الارهاب الاميركية في 1997 ولجأ الى العنف في السنوات الاخيرة.

;لاتقتصر المسألة على "حماس". فثمة أحزاب سياسية مشروعة في اندونيسيا وباكستان والمغرب وتونس والاردن والعراق والكويت واليمن، وحتى في اسرائيل،  جذورها ضاربة في جماعة "الاخوان الملسمين"، وشطر كبير من هذه الاحزاب يتعاون مع الولايات المتحدة بأشكال مختلفة. وفي الكويت، دعم حزب متحدّر من "الاخوان المسلمين" تحالف بلاده مع الولايات المتحدة؛ وفي العراق، تعاون حزب يستوحي مبادئ "الاخوان الملسمين" مع الاحتلال الاميركي في البلاد. وفي المغرب وتونس تشارك احزاب تحاكي "الاخوان" في المجالس التمثيلية التي تتعاون من كثب مع الولايات المتحدة- وهي أشد المدافعين عن حقهم في السعي الى مشاريعهم من طريق السياسات الانتخابية. وفي سورية، دعمت واشنطن مجموعات ثوار تتحدر كذلك من "الاخوان". لكن أياً من هذه الاحزاب أو المجموعات لايصح فيها تصنيف التنظيم الأجنبي الارهابي.

;الى هذه المسائل، استقبل حلفاء للولايات المتحدة، مثل تركيا والمملكة المتحدة، لاجئين ينتسبون الى "الاخوان المسلمين". ثم أن قطر لاتحتضن مقر القيادة الاميركية المركزية وحسب، بل هي تستضيف كذلك بعض قيادات التنظيم، وتحديداً المصريين منهم. كما لا يُستخف بواقع ان عدداً من قيادات الحزب الحاكم في تركيا، (العدالة والتنمية) والعديد من أعضائه مقرّبون من مسؤولي ادارة ترامب- لطالما اعتبروا أنهم على قرابة عقائدية مع "الاخوان المسلمين"، وفي العقد الماضي على اقل تقدير، انفتحوا على احزاب متحدرة من التنظيم هذا بناء على هذه القرابة. ولكن هل يجوز اليوم اعتبار هؤلاء الحلفاء راعين للارهاب؟ 

;دفع إخوان مصر الى التطرُّف

منذ اطاحته سلفه محمد مرسي المُنتمي إلى  "الاخوان" في العام 2013، ينشط الرئيس عبدالفتاح السيسي لحث الحلفاء على تصنيف "الاخوان المسلمين" تنظيماً ارهابياً. والى حين كتابة هذه السطور، يدور نزاع في صفوف هذا التنظيم حول سُبل التعامل مع مأزقهم متباين الأوجه، ومنها سجن آلاف اعضاء التنظيم،وكل قادته البارزين تقريباً ومقتل اكثر من الف شخص خلال الفض العنيف للاعتصامات التي تلت انقلاب 2013، ومصادرة أصول قادته وأعمالهم، وحل أكثر من 500 جمعية غير حكومية تابعة له، ونزع الشرعية عن الحزب السياسي للاخوان  وحظر وسائله الاعلامية. واليوم، يدور نقاش في أوساط شباب "الاخوان" تحديداً، حول التخلّي، في ظل الظروف الحالية، عن النهج السلمي والنابذ للعنف الذي جرى الالتزام به منذ مطلع الستينيات، وتتصاعد نبرة خطاب عدد من "الإخوان" منذ بعض الوقت. ففي الاسابيع الاخيرة، حثّ بعضهم قيادة التنظيم على ترك النهج السلمي. وتشير تقارير الى ضلوع شبان من "الاخوان" في هجمات شنتها مجموعات صغيرة على مقرات الشرطة المصرية وبناها التحتية.

;لكن والحق يقال لا مؤشرات، الى اليوم، على أن  قادة كبار في "الاخوان الملسمين" هم الذين أمروا بالقيام بمثل أعمال العنف هذه أو أنهم غضوا الطرف عنها، أو الى وقوف هذا التنظيم وراء هجمات ارهابية بارزة عصفت بالبلاد، مثل تفجير الكنيسة في القاهرة في كانون الاول/ ديسمبر 2016، أو إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الاول/ أوكتوبر 2015، أوالهجمات المسلحة على جنود مصريين في سيناء. هذه الهجمات تبناها ما يُعرف بـفصيل "أنصار بيت المقدس" (صنّفته الولايات المتحدة في 2014 إرهابياً)، الذي أعلن الولاء "للدولة الاسلامية" ويعتبر نفسه خصماً ايديولوجياً لـ "الاخوان". وإذا احتسبت هذه المسائل كلها، برز سؤال: هل من الحكمة تصنيف حركة "الاخوان المسلمين" المصرية حركة إرهابية، وحمل قادتها على الانزلاق الى الارهاب عبر سد كل المنافذ السياسية والقانونية في وجهها؟

;يخالف الإجراء الكاسح الرامي اليوم الى تصنيف "الاخوان المسلمين" تنظيماً أجنبياً ارهابياً الوقائع، ويقوّض الغاية المرجوة منه، وقد ينجم عنه أضرار جانبية تهدِّد أهداف السياسات الاميركية الأخرى. ولعل أبرز الاضرار هذه في عالم الديبلوماسية، إثر تصوير مجموعات "الاخوان الملسمين" كلها بـالارهابية، هو شعور المسلمين في اصقاع المعمورة أن القانون هو في مثابة اعلان حرب على نشطاء الاسلام السياسي لا بل على الدين الاسلامي نفسه.

;علاوة على ذلك، قد تؤدي هذه الخطوة الى آثار داخلية لايستخف بها (على رغم أنها جسيمة)، في وقت لم يُخفِ مَن يسعون الى وسم "الاخوان الملسمين" بالارهاب أنهم يعتبرون التنظيمات الاسلامية الاميركية البارزة، "إخوانية" الهوى.  لكن وزارة العدل قالت إن العديد من هذه المجموعات غير مُشتبه بها باشتراكها في التآمر في القضية الجرمية المرفوعة ضد مؤسسة الأرض المقدسة في تكساس بسبب دعمها المزعوم لحركة حماس. ومن الواضح بالنسبة إلى  بعض قادة الأميركيين المسلمين، وأيضاً لبعض منتقديهم الصاخبين، أن الرأي بأنهم يدعمون الإرهاب هو بمثابة سيف ديموقليس مُسلّط عليهم وعلى نشاطاتهم. والحال أن العديد من الاميركيين المسلمين يخشون أن يكون الهدف الفعلي من تصنيف "الاخوان المسلمين" تنظيماً ارهابياً هو استهداف تنظيماتهم الدينية، وأن يكون القانون بهذا الشأن خطوة ترمي الى كم افواه المعارضة الداخلية أكثر مما هو إجراء لحماية المواطنين الاميركيين من العنف.