استخدمت روسيا والصين في 28 شباط/فبراير حق النقض (الفيتو) ضدّ أول قرار لمجلس الأمن الدولي خلال إدارة ترامب، ضاربةً بذلك عرض الحائط بالجهود المبذولة بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا لفرض عقوبات على استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية. غير أن قرار طرح القرار على التصويت، على الرغم من تهديد روسيا باستخدام الفيتو، لا يكشف العقبات العملية التي تقف في وجه توسيع نطاق التعاون مع روسيا بشأن سورية وحسب، بل أيضاً التحديات التي تحول دون تطبيق المساءلة حيال مواصلة النظام السوري هجماته بالأسلحة الكيميائية.

منذ أن كشفت آلية التحقيق المشتركة، التي شكّلتها الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، عن مسؤولية القوات المسلحة السورية عن ثلاث هجمات بالأسلحة الكيميائية (وتنظيم الدولة الإسلامية عن هجوم واحد) في تقريرين اثنين خلال العام الماضي، دعا الكثيرون عن حق إلى تحميل الأطراف المتورطة المسؤولية. لابدّ من الإشارة هنا إلى أن قرار مجلس الأمن المقترح (وثيقة الأمم المتحدة الرقم S/2017/172) كان ليشكّل قفزة نوعية في الاتجاه الصحيح، من خلال فرض عقوبات على 21 طرفاً تابعاً للنظام السوري من أفراد وكيانات ارتبط اسمها باستخدام الأسلحة الكيميائية، بمن فيهم قائد اللواء 63 لطائرات الهليكوبتر في سورية ونائبه. وكانت آلية التحقيق المشتركة قد ربطت هذا اللواء بالقواعد الجوية التي تمّ إطلاق الضربات الكيميائية منها. وإن أردنا أن نكون أكثر دقة، نقول إن القرار كان سيُلزم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة كافة تجميد أصول الأطراف المستهدفة، ومنع تحويل الأصول إليهم في المستقبل، وحظر دخولهم إلى أراضيها، وهي العقوبات نفسها المفروضة أساساً على تنظيم الدولة الإسلامية.

لو تمّ تبني القرار لكان هذا بعث رسالة أقوى حتى من العقوبات نفسها: وهي أن استخدام الأسلحة الكيميائية تجاوز حتى الآن الحدود إلى درجة بات يمكن معها توحيد الدول الأعضاء في مجلس الأمن حتى وهي منقسمة بشدّة حول سورية. لكن التصويت، نتيجة استخدام الفيتو، قد يخاطر بإطلاق رسالة معاكسة تتمثّل في أن حليفاً من بين الدول الأعضاء الخمس الدائمة في مجلس الأمن يمكن أن يضمن الإفلات من العقاب، حتى حين يستخدم الأسلحة الكيميائية.

إذن، هل عزّز تصويت مجلس الأمن هذا المساءلة أو الإفلات من العقاب؟ أقلّه لايمكن أن تظلّ الأطراف المُتهمة مجهولة الهوية. وعلى حد قول مندوبة الولايات المتحدة الدائمة السابقة لدى الأمم المتحدة سامنثا باورن، إنهم باتوا الآن سيئي السمعة. بيد أن إمكانية مواجهتهم عواقب ملموسة بشكل أكبر تتوقف على ما سيحدث خلال المرحلة المقبلة.

إذا كان قرار مجلس الأمن تمهيداً لإقدام مروحة من الدول على فرض عقوبات وطنية على الأطراف المستهدفة نفسها، فالإجابة على سؤالنا ستكون: المساءلة. يشار هنا إلى أن الولايات المتحدة سبق أن فرضت عقوبات على كلّ الأطراف الذين شملهم القرار؛ كما أن معظمهم مدرجون أساساً على قائمة عقوبات الاتحاد الأوروبي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: هل ستُبادر دول أخرى، تضطلع بدور أساسي في مجال منع انتشار أسلحة الدمار الشامل،- على غرار اليابان وجمهورية كوريا وماليزيا وأوكرانيا ودول الخليج- إلى فرض عقوباتها الخاصة؟ وماذا عن وجهات السفر المحتملة وملاذات الأصول مثل سويسرا، والنروج، وكندا، والمكسيك، وأستراليا، ونيوزيلندا؟

من شأن إقدام هذه الدول على تحديد عقوبات أن يبعث رسالة شديدة اللهجة، مفادها أن الدول الأعضاء المسؤولة في المجتمع الدولي لن تسمح باستخدام الفيتو لضمان الإفلات من العقاب. في المقابل، سيكون لصمت المجتمع الدولي صدى بالقوة نفسها لكن بالاتجاه المعاكس.

لكن إدراج أسماء الأشخاص المستهدفين على القائمة السوداء لإنزال العقوبات بهم، يتطلب بالطبع إطاراً قانونياً وإرادة سياسية. بالنسبة إلى الدول التي تفتقر إلى إطار قانوني لفرض العقوبات، يميط هذا التصويت اللثام عن مدى أهمية أن تنكبّ مسبقاً على بناء هذا الإطار – كما يُظهر أهمية أن تبادر الدول التي تملك نظماً متطورة لفرض العقوبات، مثل الولايات المتحدة، إلى تشجيع ومساعدة سائر الدول كي تتمكن من تحقيق ذلك.

لكن، بشكلٍ أعم، تعكس هذه الحالة في آن فوائد وعيوب العقوبات التي تستهدف أفراداً معينين، باعتبارها أداة لمحاسبة ومساءلة الأشخاص المسؤولين عن شنّ الهجمات الكيميائية. كانت العقوبات التي اقترحتها الأمم المتحدة، والتي تضمّنت حظر سفر الأشخاص المعنيين وتجميد أصولهم، عبارة عن إجراءات مؤقتة منطقية – تهدف إلى تسليط الضوء على الأشخاص المتورطين في الهجمات وتحميلهم مسؤولية أفعالهم، لردع آخرين عن شنّ هجمات مماثلة، ولمنع مرتكبي هذه الجريمة من تنفيذ هجمات أخرى في المستقبل، عبر تقويض قدرتهم على العمل في الخارج. لذلك، شكّلت المساعي الرامية إلى فرض هذه العقوبات عبر هيئة سياسية مثل مجلس الأمن خطوة مسؤولة ومحقة، وإن كانت تفتقر إلى الحماية القضائية التي توفّرها المحاكمات الجنائية وإلى المراجعة القضائية (التي ترافق عملية إدراج أسماء الأشخاص الذين ستُفرض عقوبات بحقّهم في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي).

في المدى القصير، ترتدي الحاجة الملحّة إلى منع وقوع المزيد من الهجمات أهمية أكبر من الفوائد المترتبة على إطلاق عملية قضائية. لهذا السبب لم تكن أثيوبيا مقنِعة حين جادلت، في معرض دفاعها عن سبب امتناعها عن التصويت على قرار فرض العقوبات خلال الجلسة النقاشية في مجلس الأمن، بأن آلية التحقيق المشتركة لم تستند إلى أدلّة دامغة (بل "ما يكفي من المعلومات للتوصل إلى خلاصة") – وهذه نقطة مهمّة ينبغي التوقف عندها في إطار المحاكمات الجزائية (فقانون أصول المحاكمات الجزائية الأميركي ينصّ على ضرورة توفير أدلّة دامغة لاتقبل الشك)، لكن ليس في إطار جلسة لفرض العقوبات، حيث جلّ ما ينبغي النظر إليه هو ما إذا كانت الأسس المنطقية المتوفرة كافية للاعتقاد بأن الأشخاص المستهدفين متورّطون في الهجمات.

لكن على المدى الطويل، وفي مايتعلق بجرائم حرب كهذه، لايمكن أن تشكّل العقوبات التي تستهدف أشخاصاً معيّنين بديلاً عن التحقيقات الجنائية الفعلية وغير المنحازة – ذلك أن محاسبة مرتكبي الهجمات، وتوفير العدالة للضحايا، إنما يتطلّبان إطلاق عملية قضائية من شأنها فرض عقوبات تتناسب مع جسامة الجريمة. لكن، للأسف، وعلى الرغم من دراسة هذه المسألة بشكل معمّق، قليلةٌ هي الآفاق الواقعية لفتح مثل هذه التحقيقات في الوقت الراهن – ففي العام 2014، لجأت كلٌّ من روسيا والصين إلى حق النقض لإسقاط مشروع إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، وسيكون من السذاجة، لا بل من المضحك بمكان، أن يثق المجتمع الدولي بأن الحكومة السورية الراهنة ستفتح تحقيقاً حول ممارساتها. ومن بين الخيارات التي لاتزال مطروحة على بساط البحث إنشاء محكمة دولية خاصة بسورية، أو إقرار الولاية القضائية خارج حدود سورية، أو الانتظار ريثما يتم تشكيل حكومة سورية جديدة تتولى مهمة فتح تحقيق حول هذه المسألة في المستقبل. (وقد اتّخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة خطوات بنّاءة لدعم هذه الجهود في كانون الأول/ديسمبر 2016، حين قرّرت تشكيل فريق عمل للمساعدة في المحاكمات المتعلقة بجرائم الحرب في سورية، على أن يتولّى جمع الأدلة وتحليلها والحفاظ عليها).

في حال أفضى تصويت الثلاثاء الفائت إلى عقوبات متعدّدة الأطراف وواسعة النطاق، بانتظار فتح تحقيق جنائي في نهاية المطاف، سيكون المجتمع الدولي قد خطا خطوة مهمة نحو إرساء أسس المساءلة والمحاسبة. أما إذا مرّت الأيام من دون أن تلوح في الأفق أي تدابير مرتقبة، فقد يمسي هذا التصويت تجسيداً لثقافة الإفلات من العقاب.

*تعبّر وجهات النظر الواردة في هذا المقال عن آراء كاتبها (وهو راهناً في إجازة من عمله في وزارة الخارجية)، ولاتعكس بالضرورة موقف الولايات المتحدة أو وزارة الخارجية الأميركية.