في تموز/يوليو الماضي، نظّم الحزب الإسلامي التركستاني، الذي يضم آلاف المقاتلين الأويغور من إقليم شينجيانغ الغربي الصيني، مواكب سيّارة في جسر الشغور، وهي بلدة سورية استراتيجية في محافظة إدلب.

وقد حلّقت طائرة "فانتوم" دون طيار فوق السيارات المسرِعة لتصوير الموكب، في مشهد أثار ذهول السكان المحليين. سارت عشرات الآليات العسكرية في الشارع الرئيس في البلدة فيما كان المقاتلون يلوّحون بالأعلام، ويطلقون النيران من رشاشاتهم، ويهتفون "لبيك يا الله" باللغة العربية. قاد استعراض القوة هذا كثيرين في وسائل إعلام عربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي إلى نشر أخبار عن سيطرة الحزب على جسر الشغور وانسحاب هيئة تحرير الشام بقيادة جبهة فتح الشام (المعروفة سابقاً بجبهة النصرة)، التي يسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب.

غير أن سكان البلدة نفوا أن يكون الاستعراض دليلاً على سيطرة الحزب عليها. بيد أن للحزب الإسلامي التركستاني وجوداً عسكرياً في جسر الشغور منذ العام 2015، ويستمر في العمل عن كثب مع "هيئة تحرير الشام". واقع الحال هو أن هذه الأخيرة دعمت التنظيم وقدّمت له الإرشاد والتوجيه لدى وصوله إلى إدلب، وساعدته على الاستقرار في بلدات مسيحية وعلوية فرّ سكّانها.

بحسب سكّان جسر الشغور، بنى الأويغور المعروفون محلياً بإسم "التركستان" سُمعة طيبة بامتناعهم عن التدخل في شؤون الناس. فعلى عكس بقية القوى الاسلامية، لا يفرض الحزب الاسلامي التركستاني الشريعة الإسلامية، ولا يُجبي الضرائب من الناس. وفقاً لأحد سكّان إدلب، فإن التركستان "معروف عنهم أنهم يهتمون فقط بشؤونهم الخاصة"، لافتاً إلى أن هذا الأمر جعلهم "موضع قبول أكبر من قبل السكان المحليين بالمقارنة مع الجهاديين القادمين من شمال أفريقيا" والذين يشتهرون بأساليبهم الصارمة والمتشددة في التعامل مع المدنيين.

اقتصر تفاعل "الحزب الإسلامي التركستاني" مع المدنيين على توزيع مجلة الحزب "تركستان الإسلامية" الصادرة باللغة العربية. الهدف الأساسي للمطبوعة هو تسليط الضوء على القمع الصيني للمعارضين الأويغور في إقليم شينجيانغ وخارجه، فضلاً عن فرض سياسات الاندماج الثقافي والديني عليهم. أُطلِقت المجلة في العام 2008 وصدر منها 21 عدداً حتى الآن.

إلى جانب قصص "شهداء" الحزب الإسلامي التركستاني والمقالات الجهادية، تُركّز المجلة في شكل أساسي على إقليم شينجيانغ، المسمّى "تركستان الشرقية" في مصطلحات الحزب. تتطرق المقالات إلى تاريخ المنطقة والأخبار الراهنة عن نضال التركستان ضد الحكومة الصينية. هذا الالتزام على صعيدَي الأرض والانتماء الإثني يُميّز الحزب الإسلامي التركستاني عن هيئة تحرير الشام، فالأويغور لايُشاركون تنظيمَي القاعدة والدولة الإسلامية سياساتهم  التكفيرية المُثيرة للفرقة الداخلية، ولا ازدراءهما للسياسة والتاريخ القوميين الحديثين لشعوبهم. حتى مشاركتهم في القتال ضد النظام السوري تؤطَّر في معظم الأحيان في شكل تدخل موجَّه ضد نظام حليف للصين في المنطقة. شعارهم، كما يرد في مجلة "تركستان الإسلامية"، هو: "نحن جماعة من العاملين للإسلام والمجاهدين في سبيل الله من أجل تحرير تركستان الشرقية".

من السمات الأخرى للتنظيم التي لاحظها السكان المحليون "طابعه التركي". لقد أثار انتشار الحزب الإسلامي التركستاني في المناطق الحدودية شكوكاً بوجود شكل من أشكال التعاون مع تركيا. الحجة الأساسية التي يسوقها سكان المنطقة هي أن الأويغور دخلوا سورية بعدما فرضت تركيا قيوداً وضوابط على الحدود. إلا أن من الصعب تأكيد ذلك.

لطالما كان التضامن مع نضال الأويغور ضد سياسات الاندماج الصينية، جزءاً من السياسة التركية الداخلية. وهذا يفسّر وجود عدد كبير من الأويغور في تركيا حيث تُقدَّر أعدادهم بنحو خمسين ألف شخص. لكن إبان وفاة عيسى يوسف ألتبكين في العام 1995، وهو معارض أويغوري مرموق كان يعيش آنذاك في تركيا، تراجع هذا الدعم مع تحسّن العلاقات الصينية-التركية. وتحوّلت ألمانيا إلى الوجهة الأساسية للنشطاء الأويغور. في العام 1995، شدّدت شخصية صاعدة في السياسة التركية على التزامها المطلق بالقضية الأويغورية. فقد أقدم رجب طيب أردوغان، الذي كان آنذاك عمدة اسطنبول، على إطلاق اسم ألبتكين على أحد الأقسام في جامع السلطان أحمد في المدينة، معلناً: 

ليست تركستان الشرقية موطن التُرك وحسب، إنما أيضاً مهد التاريخ والحضارة والثقافة الخاصة بالشعوب التركية. تَناسي هذا الأمر يؤدّي إلى جهل تاريخنا وحضارتنا وثقافتنا... شهداء تركستان الشرقية هم شهداؤنا... اليوم يجري العمل بصورة منهجية على فرض الطابع الصيني على ثقافة أبناء تركستان الشرقية.

أصبح تعاطف أردوغان مع القوميين الأويغور أكثر حذراً خلال رئاسته للوزراء، مع سعيه إلى توطيد العلاقات الاقتصادية مع بيجينغ. إلا أنه تبيّن أنه من الصعب الحفاظ على هذا التوازن. فقد بدا أردوغان أكثر استعداداً لقمع القوميين الأويغور العلمانيين بالمقارنة مع التنظيمات الدينية. هذا ماحدث عندما أقدمت تركيا على اعتقال عبد القادر يبتشان من مؤتمر الأويغور العالمي. انتقدت زعيمة المؤتمر وإحدى رموز النضال التركستاني، ربيعة قدير، الخطوة التركية وأعربت عن قلقها من أن أنقرة ربما تتخلى عن التزامها حماية الأويغور منذ قرن من الزمن.

بيد أن ذلك لاينطبق على آلاف المقاتلين التابعين للحزب الإسلامي التركستاني. فانتشارهم على مقربة من الحدود التركية-السورية يشي بحصولهم على المساعدة اللوجستية من الجانب التركي، أقلّه على مستوى المجنّدين الجدد، الذين يحتاج إليهم الحزب في ضوء الخسائر الفادحة التي تكبّدها على امتداد عامَين من القتال. ليس واضحاً ماذا يخبّئ المستقبل للتنظيم ومقاتليه الذين يتمتعون بدرجة عالية من التدريب، على الرغم من أن تورّط الحزب المزعوم في تفجير السفارة الصينية في بيشكيك، عاصمة قيرغيزستان، العام الماضي، ربما يؤشر إلى مسار محتمل قد يسلكه الحزب في المستقبل.

أما في الداخل السوري، فالنازحون إلى البلدات الصغيرة الواقعة على مقربة من جسر الشغور يلمسون بشدّة الطابع التركي لهؤلاء الجهاديين الذين يُحجمون عن التدخل في شؤون تلك البلدات. بين هؤلاء النازحين أرمن ومسيحيون أرثوذكس وكاثوليك لاتين، وعدد كبير منهم يعتزّ بالتراث البيزنطي لبلداتهم، على غرار الأشخاص الذين يتحدّرون من بلدة الغسانية الخاضعة حالياً لسيطرة الحزب الاسلامي التركستاني. في نظرهم، يحمل وجود الحزب الإسلامي التركستاني في بلداتهم وقراهم، رمزية شديدة. أحد أبناء هذه البلدات ممن تحدثوا معي، قال لي: "يريد العثمانيون العودة". غير أن سلوك الأويغور يشي بأن تطلعاتهم تبقى متجذّرة بقوة في إقليم شينجيانغ.