باسم الشاب نائب في البرلمان اللبناني، وعضو لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات. الشاب وصل الى البرلمان للمرة الأولى في العام 2005، وهو نائب عن مقعد البروتستانت في الدائرة الثالثة في بيروت وانتُخب على لائحة سعد الحريري. وهو مراقِب من كثب لمسائل الدفاع، ويتابع النقاش الدائر راهناً في واشنطن حول لبنان والمساعدة الأميركية العسكرية المقدَّمة له. التقت "ديوان" الشاب في مطلع شباط/فبراير للوقوف على آرائه حول الجيش اللبناني، ونظرة حزب الله إليه، والتعاون بين الجيش والولايات المتحدة.

مايكل يونغ: لماذا تعاظمت الدعوات في الولايات المتحدة إلى قطع التمويل عن الجيش اللبناني؟

باسم الشاب: لطالما كانت هناك مجموعة من المشكّكين في واشنطن تعارض مساعدة القوات المسلحة اللبنانية، مُتذرّعةً بما تقول أنه تواطؤ بين الدولة اللبنانية وبين حزب الله، وتستند كذلك إلى تصريحات لمسؤولين لبنانيين رفيعي المستوى وصفوا حزب الله بكونه لاعباً مشروعاً وجزءاً لايتجزأ من السياسة الدفاعية في لبنان. لقد التزمت إدارة أوباما السابقة سياسة وفاق مع إيران، فوازنت وكبحت ميل الكونغرس إلى تقليص المساعدات المقدَّمة إلى القوات المسلّحة اللبنانية. واليوم، تتصدر مواجهة إيران أولويات إدارة ترامب، وهو توجُّه تعزّز مع مشروع موازنة البيت الأبيض للعام 2018، الذي ألغى التمويل العسكري للبنان، قبل أن يرفعه البنتاغون إلى 85 مليون دولار.

يونغ: هل تشعر بأن تقليص المساعدة العسكرية الأميركية المقدَّمة إلى لبنان قد يؤثّر سلبياً على حزب الله؟

الشاب: كلا، فحزب الله يدرك تماماً أن تفوّق القوات المسلّحة اللبنانية يقوّض دالة الحزب العسكرية كما السياسية. ويُظهر انتصارُ القوات المسلّحة الكاسح على الدولة الإسلامية العام الماضي، من غير لبس دقةَ قوة الجيش النارية وقدرات المراقبة الإلكترونية المتطوّرة وتفوّقهما على قدرات حزب الله. وفي الواقع، أصرّ حزب الله على ادّعاء التعاون مع القوات المسلّحة اللبنانية لتقويض صدقية الجيش في عين داعمه الأبرز، الولايات المتحدة. إلى ذلك، يتمتّع العسكر بتأييد واسع في صفوف اللبنانيين، فيما تدخّل حزب الله في النزاع السوري رسّخ صورته كقوة طائفية في العمق. ولذا، كان تقليص المساعدات العسكرية الأميركية أفضل ما قد يتمنّاه حزب الله وإيران.

خلال أعوام النفوذ السوري في لبنان في التسعينيات، أُهمل عمداً تسليح الجيش اللبناني وتدريبه. ومن دون الدعم الأميركي، سرعان ما ستتدهور القوات المسلّحة اللبنانية إلى ما كانت عليه في تلك السنوات. وحينها قد يتعذّر تجاوز المصاعب الحالية المتعلّقة بصيانة المعدات العسكرية والنقص في قطع الغيار. يعود الفضل في تعاظم نفوذ الحكومة المركزية إلى الجيش القوي.

فالأفواج الحدودية صارت تنتشر على كامل الحدود اللبنانية– السورية، وهذا يقلق حزب الله. ونظراً الى الديناميكيات الطائفية الداخلية في لبنان، ليس في الإمكان تصوّر نشوب مواجهة مباشرة مع حزب الله، لكن ثمة مؤشرات قوية عن ميل الكفة ببطء إلى الحكومة اللبنانية؛ ويعود الفضل في ذلك، إلى حد كبير، الى القوات المسلحة. ولذا، قطع المساعدات عن الجيش اللبناني يصب في مصلحة حزب الله.

يونغ: المملكة العربية السعودية علّقت تمويل الجيش اللبناني قبل سنوات. لكن، هل هذا التعليق نموذج لما قد ينجم عن تقليص التمويل الاميركي، وإذا كان الأمر كذلك، فإلى ماذا يُشير؟

الشاب: القرار السعودي بتعليق مساعدة القوات المسلّحة مؤسف، وفاقت مضاعفاته السياسية على السعودية النتائج العسكرية على القوات المسلّحة اللبنانية. النتيجة الأبرز الناجمة عن هذه السياسة كانت تقويض النفوذ السعودي في لبنان. إذ أبعد تعليق مساعدات القوات المسلّحة (والتي كانت مدخلاً الى التأثير السياسي)، السعودية عن طاولة القرار اللبناني.

في ماخلا خسارة مشروع الدعم الكبير الذي كان مخطّطاً للقوات البحرية، لم يكن أثر القرار السعودي على القوات المسلّحة اللبنانية فادحاً الى حد بعيد، مع توفّر أنظمة تسلّح مشابهة من الولايات المتحدة، ومنها القاذفات المدفعية وناقلات الجند من طراز برادلي. وفي الواقع، في وسع المرء القول إن ضخ عدد صغير من معدّات جديدة، تموّلها السعودية، كان ليخلّف أثراً سلبياً بسبب ارتفاع كلفة صيانة العتاد هذا وقيود موازنة الجيش اللبناني.

الاختلاف الأبرز بين الدعم الأميركي ونظيره السعودي هو في مجال تأهيل الضباط وتدريب وحدات النخب في القوات المسلّحة اللبنانية. وأثر إنهاء البرامج الأميركية هذه، إذا ما طُويت صفحتها، على قدرات الجيش يفوق أثر رفض مدّه بالعتاد. والحال أن وضع الجيش اليوم هو نتيجة جهد أميركي متّسق لتسليحه وتدريبه طوال أكثر من عقد.

يونغ: هل في وسع الجيش اللبناني بذل المزيد لطمأنة المموّلين الأميركيين؟ وإذا كان الجواب نعم، فما السبل إلى ذلك؟

الشاب: لاشك في وجوب أن يقدم لبنان على مزيد من الخطوات للحفاظ على علاقة تكافل مع الولايات المتحدة. ولا غنى عن إعداد سردية مضادة تجبه دعوات قطع المساعدات الأميركية، في وقت تتعاظم التوترات الأميركية- الإيرانية. وهنا يدفع الشعور السائد في بعض الدوائر اللبنانية المدنية والعسكرية بأنها تستحق الدعم أو تستأهله، إلى القلق. فهذا الموقف كان أكثر يسراً في إدارة أوباما السابقة حين كان لبنان شريك الولايات المتحدة في قتال الدولة الاسلامية وكان يستقبل أكثر من مليون لاجئ سوري. أما الادارة الاميركية الحالية فهي مهتمة أكثر بجبه النفوذ الإيراني.

لم يغفل كبار المسؤولين الأميركيين وأعضاء الكونغرس تصريحات الرئيس اللبناني التي تصف حزب الله بالقوة الشرعية، ولا تصريحات نارية أطلقها مسؤولون لبنانيون ضد الولايات المتحدة. وأدى هذا الشعور باستحقاق الدعم إلى دحض الحاجة إلى الضغط على الإدارة الأميركية والكونغرس. وقد عزّزت زيارات مسؤولين عسكريين أميركيين رفيعي المستوى الشعور هذا بالرضا عن النفس. كما أثار حُكم المحكمة العسكرية مؤخراً على حنين غدار من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ربما بدوافع سياسية محلية، مضاعفات سلبية على القوات المسلّحة اللبنانية، فلم تعد المساعدة الأميركية مضمونة في ظل الأجواء السائدة حالياً في واشنطن. حريٌّ بالحكومة اللبنانية والجيش إدراك هذا الواقع الجديد.

يونغ: إذا كان الجيش مستهدفاً، فالحكومة فعلياً مستهدفة كذلك، لكن ما هي أوجه الخطر في هذه المسألة؟

الشاب: لاشك في أن إضعاف القوات المسلّحة يعيق كثيراً قدرة الحكومة اللبنانية على بسط سلطتها ومراقبة حدودها. والاستقرار في البلد هو في يد هذه السلطة التي تمثّل الطوائف والأطياف كلّها. ويخلّف رجحان كفة قوة طائفية مثل حزب الله آثاراً خطيرة، وتحديداً آثاراً اقتصادية، مع تحوّل لبنان إلى دولة منبوذة. وثمة احتمال أن يلي خطوة قطع المساعدات تقليص تمويل أميركا لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل)، واللاجئين السوريين. علاوةً على ذلك، قد تفاقم العقوبات المالية على حزب الله ضعضعة الاقتصاد اللبناني عن طريق تقويض صلاته الحيوية بالنظام المالي العالمي. وفي الواقع، مثل هذه الخطوة قد تجعل الانهيار الاقتصادي والسياسي أكثر احتمالاً.