تبرز منطقة عبر الصحراء باعتبارها مرتعاً لعدم الاستقرار وانعدام الأمن. إذ يثير تقاطع مجموعة من العوامل، من الثورات في شمال أفريقيا وانتشار الأسلحة، إلى تهريب السلع غير المشروعة العابر للحدود الوطنية والأنشطة الإرهابية التي يقودها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، اهتماماً شديداً بهذا الجزء من العالم.

واجهت الدول في هذه المنطقة، والتي ظهرت إلى الوجود وهي في حالة من الفقر المُدقع وبإحساس ضعيف بالهويّة المشتركة، تحدّيات تنموية هائلة. فالحكومات ضعيفة بصورة مزمنة وتعاني من وجود مؤسّسات سياسية متضعضعة، وتوترات عرقية - سياسية حادة، ونقص في الخدمات الأساسية والسلع العامة وفساد مستوطن. وفي سياق صراعها مع الاضطرابات الداخلية، تبدي هذه الدول قدرة محدودة على مراقبة حدودها والحفاظ على احتكار الاستخدام المشروع للقوة، حيث تتدخّل الجريمة المنظّمة لملء الفراغ.

تجسّد موريتانيا المخاطر التي تطرحها هذه الدول غير المستقرّة، والتي تتمتّع بقدرات ضعيفة، على الأمن الإقليمي والدولي. وثمّة ثلاثة ضغوط تبرز بوصفها حاسمة بالنسبة إلى وضع موريتانيا الحالي من عدم الاستقرار: ضعف وفساد مؤسّسات الدولة؛ التوتّرات الاجتماعية والسياسية المتجذّرة في الهياكل القبليّة القديمة والانقسامات العرقيّة والعنصرية التاريخية، وتنامي التشدّد في أوساط الشباب الموريتاني. وتتفاقم مشكلة التطرّف الداخلي بسبب ترابطها مع القوى العابرة للحدود الوطنية مثل عمليات التهريب غير المشروعة والشبكات الإرهابية الإقليمية. هذه العوامل يعزّز بعضها بعضاً، وتخلق حلقة مفرغة يجب كسرها من أجل استعادة شيء من الاستقرار.

لكي تكسر موريتانيا هذه الحلقة، تحتاج الحكومة إلى دعم مبادرات مكافحة الفساد، وإضفاء الطابع المهني على أجهزتها الأمنية، وتعزيز العدالة الاجتماعية، وتحسين وضع من هم في أسفل الهرم الاجتماعي والاقتصادي. وثمّة حاجة أيضاً إلى تحسين وتيرة الاندماج السياسي للمواطنين وحصولهم على الحقوق الثقافية، حيث لم يمثّل منح ترخيص في العام 2007 للحزب الإسلامي المعتدل، تواصل، سوى خطوة واحدة باتجاه تشجيع الانخراط وتوسيع نظام المشاركة. وفي حين يؤثّر انعدام الفرص في الحصول على التعليم الجيد بشكل غير متناسب على المواطنين الذين هم بالفعل فقراء ومهمّشون، مايفاقم مشاعر غضبهم على النظام ويمكن أن يؤدّي الى التطرّف، فإن ثمّة حاجة ماسّة إلى إجراء إصلاحات في هذا القطاع. وينبغي على الأطراف الدولية الفاعلة دعم جهود الحكومة في إصلاح التعليم.

إن تعزيز الحكم الرشيد وتعزيز قدرة الدولة، أمر بالغ الأهمية لتحسين الظروف الاقتصادية وبناء ثقة الشعب في المؤسسات الوطنية في موريتانيا. بيد أن تغيير العقد بين الدولة والمجتمع لن يكون سهلاً أو سريعاً. فمثل هذا التحوّل المؤسسي يتطلّب قيادة وطنية مسؤولة، بالإضافة إلى جهات دولية مانحة لديها العزيمة ومستعدة لربط المساعدة الاقتصادية بتحسّن الأمن الشخصي. وقد أعلن الرئيس محمد ولد عبد العزيز التزامه بتحسين الإدارة العامة وتعميق الديمقراطية. ومن الإنصاف أن تحمله الولايات المتحدة وأوروبا على الالتزام بوعوده.