مع ارتفاع حصيلة القتلى في سوريا إلى أكثر من 10 آلاف قتيل، ومع تزايد أعداد الجرحى والمعتقلين، لاتبدو الأزمة أقرب إلى الحلّ. فمع أن النظام فَقَدَ سيطرته على أجزاء عدة من البلاد، لايزال قوياً وقادراً على البقاء لأشهر عدة إضافية، وربما لسنين حتى. ومع أن الثورة واسعة النطاق ومتواصلة، تبقى المعارضة منقسمة ومتضعضعة.

صحيح أن الدول العربية وتركيا والغرب تمارس ضغطاً سياسياً واقتصادياً على نظام الأسد، إلا أنها تجنّبت التدخّل العسكري. في المقابل، دعمت جامعة الدول العربية والأمم المتحدة خطة كوفي أنان للوساطة، التي تهدف إلى وقف القتال وجلب الأطراف كافة إلى طاولة المفاوضات.

بول سالم
بول سالم هو مدير "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" السابق. تتناول أبحاثه ومنشوراته العلاقات الإقليمية والدولية للشرق الأوسط، إضافةً إلى قضايا التطور السياسي والدمقرطة في العالم العربي.
More >

صحيح أن الخطة تبوء بالفشل، إلا أنها تحوي المزيج الصحيح من الضغط والسياسة؛ مزيج يتطلّب دعماً وتعزيزات على المدى الطويل، بغية إجبار النظام على تقديم التنازلات وحماية سوريا من الانحدار التام إلى وهدة الدمار والحرب الأهلية.

في غياب ضغط متواصل وتصاعدي، لن يقدِّم النظام أي تنازلات، ومن دون ضمانات سياسية لقادته، سيواصلون التقاتل حتى الموت جارّين البلاد معهم إلى الهاوية. أما مفتاح ممارسة ضغط متزايد على نظام الأسد، فيكمن في إقناع روسيا والصين بأن إخراج الأسد والمقرّبين منه من السلطة هو السبيل الوحيد للحؤول دون انهيار سوريا وإنقاذ الدولة من الخراب. فتماماً كما فهمت واشنطن أن إبعاد حسني مبارك كان أساسياً لخلاص حليفتها، الدولة المصرية، يجب أن تُحَثَّ روسيا على الإدراك أن المحافظة على حلفها مع سوريا يتطلّب ممارسة الضغوط لإحداث تغييرات في النظام.

إن إطلاق خطة أنان وفشلها المرجّح ضروريان لإقناع موسكو وبكين بأن دمشق تبدي سوء نية. وهما أيضاً مهمّان لحثّ مجلس الأمن على تعديل الضغط الذي يمارسه على نظام الأسد، بحيث يشتمل على عقوبات اقتصادية وسياسية أشدّ قسوة، ناهيك عن ضرورة التفكير في إمكانية إقامة ممرّ آمن محدود أو منطقة حظر جوي في شمال سوريا. لن تبدأ سوريا بأخذ الحاجة إلى التفاوض وتقديم التنازلات على محمل الجدّ، إلا إذا وصلتها رسالة أوضح وذات لهجة أقوى من مجتمع دولي موحَّد. وفي حال واصل نظام الأسد انغامسه في العزلة والمتاعب انغماساً أعمق، فقد تقتنع إيران هي الأخرى بأن إنقاذ حليفتها من الانهيار التام يتطلّب منها تشجيع القيادة السورية على تغيير مسارها وإبرام اتفاق سياسي جديد مع خصومها المحليين.

وهكذا، لابد أن يشتمل أيّ اتفاق يُتفاوَض عليه في سوريا على العناصر التالية: رحيل الرئيس الأسد وعائلته والمقرّبين منه؛ تعيين رئيس جديد مؤقّت؛ إعطاء الطائفة العلوية والقيادة العسكرية ضمانات بأن مكانهما محفوظ في سوريا الجديدة؛ تشكيل حكومة انتقالية تضمّ المعارضة إضافةً إلى حزب العبث؛ صياغة دستور ديمقراطي جديد للبلاد؛ وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية حرة وشفّافة.

قد تكون فرص تقديم التنازلات وتحقيق مخارج آمنة للأزمة في سوريا ضئيلة، غير أن البديل سيكون تطوّراً كارثياً يخلِّف وراءه دولة فاشلة وحرباً أهلية. لذا، لابد أن يواصل المجتمع الدولي دعمه لخطة أنان، وينتقل إلى تشديد العقوبات في حال فشلت، وهي ستفشل حتماً. كما عليه أن يغري قادةَ النظام بمخرج آمن، مقدِّماً في الوقت نفسه للدولة والمعارضة الفرصةَ للتفاوض على اتفاق جديد للانتقال إلى سوريا جديدة.