إيلي جيرانمايه | زميلة بارزة في السياسات العامة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية

تعهّدت أوروبا وإيران بالشروع في مفاوضات مكثّفة لإنقاذ الاتفاق النووي، نظراً إلى أن أوروبا من الأطراف المعنية الأساسية في الاتفاق، وبالتالي ترتبط محاولات صونه بشكلٍ أساسي بهمومها الأمنية الاستراتيجية وبالحفاظ على سيادتها وموقعها العالمي في السياسة الخارجية.

تعتزم إدارة ترامب في الأشهر المقبلة فرض عقوبات أميركية ثانوية كان قد تم تخفيفها في إطار الاتفاق. لكن السؤال المطروح هو الآتي: إلى أي حد ستذهب الولايات المتحدة في تطبيق هذه العقوبات لمنع الشركات الأوروبية من التعامل مع إيران؟ تأمل الدول الأوروبية أن تتوصّل، من خلال مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، بالحصول على إعفاءات وتنازلات تصبّ في مصلحة شركاتها.

من المستبعد أن تتحقّق هذه الإعفاءات، لكن الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بإمكانها، إن رغبت في ذلك، الضغط سياسياً وقانونياً لتقليص التأثير المؤذي للعقوبات الثانوية على الشركات الأوروبية إلى حدّه الأدنى. ومن جملة الإجراءات الأخرى، بإمكان الاتحاد الأوروبي أن يُعيد العمل بـ"نظام المنع" ليشمل العقوبات الأميركية الثانوية التي أُعيد فرضها على إيران؛ وبإمكانه أيضاً إنشاء صندوق تعويضات تستطيع الشركات الأوروبية من خلاله استعادة الرسوم والغرامات التي تفرضها الهيئات الناظمة الأميركية على الأنشطة مع إيران المسموح بها بموجب قانون الاتحاد الأوروبي؛ ويمكن أن يمنح الهيئات الناظمة في الاتحاد صلاحيات الإشراف على أنشطة وزارة الخزانة الأميركية والتدقيق فيها في إطار تنفيذها للعقوبات الثانوية ضد الشركات الأوروبية وأصولها الواقعة ضمن نطاق السلطة القضائية الأميركية.

قد يصمد الاتفاق إذا قدّمت الإجراءات التي ستتخذها أوروبا ضمانات كافية لطهران بأن حاجاتها الاقتصادية والأمنية يمكن أن تُلبّى. ومع أن أوروبا قد لا تتمكن من إنقاذ الاتفاق، يجدر بها أن تحاول القيام بذلك وأن تُبدي استعدادها السياسي من خلال خطوات تشكّل سابقة للمجتمع الدولي. اما خلاف ذلك فسيؤدّي سريعاً إلى عواقب كارثية في الشرق الأوسط، ويحدّ إلى درجة كبيرة من مكانة أوروبا وتأثيرها في الأمن العالمي.


 

ريتشارد غولدبرغ | مستشار بارز في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات

ما يقوله الدبلوماسيون الأوروبيون وما تفعله الشركات والأعمال الأوروبية مسألتان مختلفتان. قد يزعم القادة الأوروبيون أنهم ملتزمون بالاتفاق النووي مع إيران، إنما لن يجرؤ أي مصرف أو شركة تأمين أو شركة أوروبية بكامل صوابها، على تخطّي العقوبات الأميركية. فخطر الطرد من المنظومة المصرفية الأميركية يفوق بأشواط أي منفعة محتملة يمكن تحقيقها من التجارة مع إيران. يجب أن يتذكّر الأوروبيون أن إيران تبقى الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم – وهي تتحمّل مسؤولية هجوم إرهابي دموي وقعَ على الأراضي الأوروبية خلال العقد الراهن. من جهة أخرى، تبقى الولايات المتحدة الحليف العسكري الأهم لأوروبا. دولنا هي ديمقراطيات منفتحة؛ في حين أن إيران هي نظام ديني قمعي. قد لا يحبّ الأوروبيون دونالد ترامب، وقد يعترضون على قراره، إنما الوقوف إلى جانب دولة راعية للإرهاب في مواجهة الحليف الاستراتيجي الأكثر وفاء، سيكون خطوة غير مسؤولة على الإطلاق.


 

ديفيد غاردنر | كاتب عمود في صحيفة "فايننشال تايمز"، مقيم في بيروت، ومؤلف "الفرصة الأخيرة: الشرق الأوسط في الميزان" (2009) Last Chance: The Middle East in the Balance

قالت فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إنها تعتبر أن القرار الذي صادق مجلس الأمن الدولي بموجبه على الاتفاق النووي مع إيران في العام 2015، ملزِم قانونياً، وإنها تنوي مواصلة التقيّد به. غير أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب يهددّ حلفاء بلاده وخصومها أيضاً بفرض عقوبات عليهم إذا لم تتوقف شركاتهم عن التعامل مع إيران في غضون ستة أشهر. يقول الاتحاد الأوروبي إنه سيتحرّك لحماية أعماله.

قبل أكثر من عشرين عاماً، تصدّى الاتحاد الأوروبي بنجاح للمحاولات الأميركية الهادفة إلى معاقبة الشركات الأوروبية بموجب قانون العقوبات على إيران وليبيا. حدث ذلك في عهد الرئيس بيل كلينتون، لكننا الآن في عهد ترامب. تهديد الطرد من السوق الأميركية والمنظومة المصرفية الأميركية من خلال امتداد وزارة الخزانة في الخارج، سيؤدّي إلى إغلاق معظم الأنشطة التجارية والاستثمارية. سيكون من الصعب على أوروبا أن تدفع بإيران إلى الحفاظ على التزامها وعلى تقيّدها بالاتفاق النووي، إلا إذا استطاعت تقديم المنافع الاقتصادية التي كان من المفترض أن تحصل عليها إيران مقابل تعليق برنامجها النووي.


 

فرانسوا دالانسون | مراسل الشؤون الخارجية في صحيفة "لاكروا" في باريس

"الأمر شائك، ومن غير المرجّح أن ينجح في شكل كامل، لكنه ممكن"، وفق ما جاء على لسان رئيس الوزراء السويدي السابق، كارل بيلدت. يجب أن تنصبّ الجهود الأوروبية على السبل التي تتيح إبقاء إيران في الاتفاق النووي عبر الحرص على استمرار طهران في التقيّد به، مع إفادتها من بعض المنافع الاقتصادية الموعودة بموجب الاتفاق. يقتضي الاتفاق النووي، بعد انسحاب الولايات المتحدة منه، التزاماً سياسياً واقتصادياً قوياً من الجانب الأوروبي، من أجل التصدّي للعقوبات الثانوية التي فرضتها إدارة ترامب، والشروع في حوار رفيع المستوى مع إيران. يُشكّل التنسيق الشديد بين الشركاء الأوروبيين – لا سيما، إنما ليس حصراً، بين فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا – والاستخدام الواسع للسياسة الخارجية والأدوات التجارية الخاصة بالاتحاد الأوروبي، شرطاً مسبقاً للنجاح.

ينبغي على أوروبا أن تقول للولايات المتحدة بوضوح إنه لا يمكن التفاوض على "اتفاق جديد" من دون التزامٍ من جانب الخزانة الأميركية بتقليص تأثيرات العقوبات الثانوية على الشركات الأوروبية التي تتعامل مع إيران إلى حدّها الأدنى. ففي حال لم تُقدِّم واشنطن إعفاءات، يجب أن يعوّض الاتحاد الأوروبي عن أي غرامات أميركية قد تسدّدها شركاته التي تتعامل تجارياً مع إيران، وأن يضع رزمة متكاملة، بما في ذلك تنظيمات أوروبية منقّحة، لتعطيل العقوبات الثانوية الأميركية. إذا امتنعت إيران عن القيام بخطوات استفزازية، يجب ألا يُسارع الاتحاد الأوروبي إلى تبنّي عقوبات جديدة مرتبطة ببرنامج إيران الصاروخي أو سياستها الإقليمية، أو الاثنَين معاً، قبل الشروع في حوار دائم مع طهران حول المسألتَين.


 

جاريت بلان | زميل بارز في برنامج الجغرافيا الاقتصادية والاستراتيجية في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي

الجواب المختصر هو: ربما. مع انطلاق سلسلة من الاجتماعات على مستوى وزراء الخارجية، من الواضح أن إيران وأوروبا وروسيا سوف تحاول الإبقاء على الاتفاق. الجزء الأكبر من المنافع التي حصلت عليها إيران بموجب الاتفاق النووي يقوم على رفع العقوبات الأميركية. مع انسحاب الولايات المتحدة، يتعيّن على أوروبا تقديم تنازلات جديدة – اقتصادية بشكل أساسي – كي يبقى الاتفاق جديراً بالعناء بالنسبة إلى إيران. هذا ممكن. العقوبات الثانوية الأميركية أداةٌ قوية، إنما لم يتم وضعها على محك الاختبار قط في مواجهة تصميم جدّي من جانب الحكومات الأوروبية. فعبر التحلّي بالعزيمة، يمكن الحفاظ على بعض المنافع الاقتصادية للاتفاق واستبدال منافع بأخرى. فنحصل في نهاية المطاف على نسخة معدَّلة إلى حد كبير من الاتفاق النووي، إنما تصب، على ما يُفترَض، في إطار الهدف الجوهري المتمثّل في كبح البرنامج النووي المدني الإيراني وإخضاعه إلى التفتيش.

ليس هذا الأمر مرتبطاً بالجانب الاقتصادي بالنسبة إلى أوروبا. فإيران ليست سوقاً مهمّة بما يكفي للمجازفة بحدوث احتكاك في العلاقة عبر الأطلسي. في حال قررت البلدان الأوروبية المجازفة، فلأنها تعتبر أن الاتفاق النووي مهم لأمنها القومي، وكذلك لأنها تخشى أن واشنطن لم تعد تأخذ مصالح حلفائها على محمل الجد.