عدتُ مؤخرًا من زيارة إلى رام الله، حيث تسنّى لي لقاء مجموعة كبيرة من الفلسطينيين، بمن فيهم مسؤولين بارزين في السلطة الفلسطينية. وكزائر من واشنطن، كنت أتوقّع أن ينهمر عليّ وابل من الأسئلة حول "صفقة القرن"، ألا وهي خطة السلام التي قد يكشف الرئيس دونالد ترامب وفريقه النقاب عنها بعد الانتخابات النيابية التي ستشهدها إسرائيل في 9 نيسان/أبريل. لكني دُهشت حين لم يُبدِ المحاورون معي أي اهتمام تقريباً بهذه الخطة. إذ طرحوا بضعة أسئلة فقط عما قد تحمله أو كيف سيتمّ إطلاقها.

طرح الذين التقيت بهم الكثير من الأسئلة حول السياسة الأميركية. ما الدور الذي سيلعبه الكونغرس الجديد في السياسة الخارجية؟ ما الأثر الذي ستخلّفه التحقيقات في أنشطة ترامب؟ كيف ترتسم معالم الانتخابات الرئاسية للعام 2020؟ أما استنتاجي الخاص المستخلص من هذه التفاعلات، فكان أن القيادة الفلسطينية فقدت الأمل من إدارة ترامب، ولا تتوقّع أن يحمل لها اتفاق السلام المحتمل أي شيء إيجابي.

القيادة الفلسطينية في رام الله لها نظرة دونية تجاه ترامب، وتَعتقد أنه في ما يخص القضية الفلسطينية-الإسرائيلية مسيّر من قبل مجموعة مستشارين تتبنى آراءً متوائمة مع اليمين الإسرائيلي. ويبدو أن المسؤولين في رام الله اعتادوا "رفض" كل طرح صادر عن فريق ترامب، مُفضّلين التريّث إلى حين حدوث أي تغيير في نهج واشنطن، قبل أن يتعاونوا مجددًا بطريقة مفيدة مع الإدارة الأميركية.

كذلك، أشار الفلسطينيون إلى أنهم يتابعون عن كثب الحملة الانتخابية الجارية حاليًا في إسرائيل. وتمامًا كما في السابق، يعلّق الفلسطينيون الآمال على أن تفرز الانتخابات حكومة تحبّذ بشكل أكبر التفاوض بشأن حل الدولتين. فبعدما خاب أملهم في الماضي، بات الفلسطينيون واقعيين حيال سياسة إسرائيل، لكنهم بدوا مستعدين لانطلاقة جديدة مع حكومة مختلفة في حال سنحت لهم الفرصة.

عدا إستراتيجية انتظار حدوث تغيير سياسي في الولايات المتحدة وإسرائيل، أشار الذين تحدثت إليهم أيضًا إلى أنهم لازالوا مُصمّمين على الحفاظ على الاستقرار في الضفة الغربية وكذلك على عناصر الوضع الراهن التي يعتبرون أنها تصبّ في مصلحتهم –وهي هيكلية حوكمة السلطة الفلسطينية، والاعتراف المتبادل بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، وهدف حل الدولتين. وفي ما يتعلق بالاستقرار في الضفة الغربية، أكّد مسؤولون بارزون في السلطة الفلسطينية أنهم واصلوا التنسيق على الصعيد الأمني مع الوكالات الإسرائيلية وحافظوا لهذا الغرض على بعض خطوط التواصل مع الولايات المتحدة عبر قنوات أمنية.

أما على صعيد السياسة الفلسطينية الداخلية، فكانت القيادة في رام الله مُنشغلة خلال تواجدي هناك باختيار رئيس وزراء جديد للسلطة الفلسطينية. فقد سمّى الرئيس محمود عباس محمد اشتية لتولي هذا المنصب بُعيد زيارتي. ويجسّد تعيين اشتية عزم عباس وحركة فتح على تعزيز قبضتهما على السلطة الفلسطينية ونسف أي احتمال مصالحة مع حماس. صحيح أن الوضع في غزة يخضع إلى مراقبة مكثّفة، لكنني شعرت أن القيادة في الضفة الغربية تركّز على مشاكلها الخاصة ومستعدة لترك حركة حماس وإسرائيل تتنازعان على الأرض.

ثم: يبدو أن موضوع الانتخابات الجديدة للمجلس التشريعي الفلسطيني، الذي استقطب اهتمامًا كبيرًا قبل أشهر قليلة خلت، تبدّد. مبدئيًا، واصل المسؤولون الفلسطينيون دعم فكرة إجراء انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، لكنهم لفتوا إلى المشاكل التي قد تتسبّب بها حماس وتطال عملية التصويت في غزة، وتلك التي قد تفتعلها إسرائيل وتهدّد التصويت في القدس الشرقية. وبدا أنهم مستعدون للمضي قدمًا على رغم اعتراضات حماس، لكنهم أصرّوا جميعهم على استحالة إجراء انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني ما لم تسمح إسرائيل بإجراء الاقتراع في القدس الشرقية على الأساس نفسه المعتمد في الانتخابات السابقة. وقد أدرك الفلسطينيون أنه يجب إرجاء هذه المسألة إلى ما بعد الانتخابات الإسرائيلية وتشكيل حكومة جديدة في تل أبيب.

يسلّط الجو السائد في رام الله الضوء على الصعوبة التي ستواجهها إدارة ترامب عندما تمضي قدمًا في مسعاها لترويج اتفاق السلام الذي تقترح. وحتى في حال ضمنت الإدارة "قبولًا" مشروطًا من جانب إسرائيل وبعض عبارات التأييد العامة من دول عربية، يبدو أن الفلسطينيين عازمون على إبداء "الرفض" بشكل قاطع. وفريق ترامب يدرك بالطبع أن ردّ فعل الفلسطينيين سيكون على هذا النحو، لكنهم ماضون في مسعاهم على أي حال.

يعزّز ذلك وجهة النظر القائلة بأن الإدارة ليست مهتمّة بإطلاق عملية تفاوض أو حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بقدر اهتمامها بإعادة صياغة شروط النقاش للمستقبل. ويبدو أن الأميركيين يسعون إلى استبدال هدف حل الدولتين المقبول دوليًا بآخر يقوم على منح الفلسطينيين حكم ذاتي محدود ضمن دولة إسرائيلية موسّعة. وتدعم وجهة النظر هذه ملاحظات السفير الأميركي إلى إسرائيل ديفيد فريدمان في الآونة الأخيرة، حين أتى على ذكر الحكم الذاتي في معرض تعليقاته حول خطة السلام.

أما بالنسبة إلى القيادة الفلسطينية، فالخيارات المتاحة غير جيّدة. لقد اختار القادة الاحتماء والتريث محتفظين بما لديهم من سلطة في الضفة الغربية، ومحافظين على الاستقرار قدر الإمكان، بانتظار أن تحلّ أيام أفضل. وفي حين أن هذه المقاربة لاتحمل كثيراً من الأمل، إلا أنها قد تكون الاستراتيجية المعقولة الوحيدة المتاحة أمامهم في ظل الظروف الصعبة التي يواجهون اليوم.

وفي هكذا وضع، قد يكون من الحكمة للفلسطينيين أن يعزّزوا اتصالاتهم مع العالم العربي وأوروبا، وأيضًا مع أولئك في الولايات المتحدة الذين يعتبرون نهج إدارة ترامب مضللًا، وقد يُلحق الضرر، لا الخير، بآفاق التفاوض على تسوية بين إسرائيل والفلسطينيين.