لم يخلُ الحراك السياسي الذي حدث بصور مختلفة في العالم العربي خلال الآونة الأخيرة من بعض الآثار والتداعيات الهامة. فقد أضحت الساحة السياسية في عدد من الدول العربية أكثر انفتاحاً، وذلك على مستويات أربعة يتمثّل أولها في تنوّع القوى الفاعلة. فلم تعد النخب الحاكمة تحتكر بمفردها الممارسة المشروعة للسياسة، بل أضحت الأحزاب والحركات الإسلامية تزاحمها، فضلاً عن أدوار متفاوتة الأهمية تلعبها التيارات العلمانية، من ليبرالية ويسارية.
 
كذلك، برزت ثانياً حركات مطلبية ديموقراطية جديدة تبلورت لديها أدوات عمل كالحركات والفعاليات الاحتجاجية التي تجمع بين السياسي والمدني على امتداد العالم العربي. ويشكّل استقرار أشكال متنوعة، وإن كانت غير مكتملة، من الممارسات الديموقراطية، جوهر المستوى الثاني من الانفتاح. فتكرر المشهد الانتخابي الرئاسي والتشريعي والمحلي بانتظام من المغرب إلى المشرق، أدى إلى نتائج غير متوقّعة. وبرزت ثالثاً وعلى نحو تدرجي ثقافة محاسبة شعبية للنخب الحاكمة دفعتها في بعض الحالات إلى تبرير سياستها في سياق خطابات رسمية ديموقراطية الملامح وفي صياغة برامج إصلاحية حكومية. أما المستوى الرابع والأخير للانفتاح السياسي في العالم العربي فيرتبط بإعادة اكتشاف القوى السياسية للشارع ولديناميكية التعبئة الجماهيرية.
 
بيد أن كل هذا لا يعني أننا أمام مشهد تحوّل ديموقراطي، ببساطة لأن معادلة السلطة لا زالت في يد النخب الحاكمة التي تحول، بمزيج من القمع والاحتواء عبر التعددية المُقيّدة والرعوية، دون تداولها. وتتداخل تكوينات النخب بكثافة مع مؤسسات الدولة على نحو يكرّس الإدارة السلطوية للمجتمع ويتلاشى معها عملياً الخط الفاصل بين ما هو سياسي، أي نخبة الحكم، وبين ما هو تنفيذي، أي الدولة بمؤسساتها السيادية وأدواتها البيروقراطية. ويغيب المشهد الديموقراطي العربي أيضا لأن الوضعية الهشة والهامشية لأحزاب المعارضة لم تتغيّر.