ما هي وجهة نظركم من عقد ثالث للرئيس عبد العزيز بوتفليقة المتوقع في الانتخابات المقرر إجراؤها في أبريل/نيسان المقبل؟
الانتخابات في الجزائر ليست سوى شكليات ويفهم الجميع أن اللعبة السياسية باتت مغلقة إطلاقا. الجميع يدرك أن عبد العزيز بوتفليقة باق في السلطة بإرادة أصحاب القرار، وليس بإرادة الشعب الجزائري. الحقيقة أنه مند عام1999–عندما عين بوتفليقة ولم ينتخب-كانت للنظام إرادة قوية لإبقائه في السلطة. وفي عام 2004 استمرت المسرحية السياسية نفسها والتي استعملت لتدجين القوى السياسية المعارضة، ولإقناع الخارج وخاصة الرأي العام الأجنبي بأن العملية السياسية على استمرار. وللأسف ما يحدث في عام 2009 هو استمرار للوضع نفسه. لقد وصل النظام الجزائري إلى مستوى عال من الفساد والتزوير السياسي وليس لإرادة الشعب علاقة بالمعادلة السياسية.

أما على المستوى الاقتصادي تسيّر الحكومة أمور الدولة خارج كل المعايير وكل القوانين العالمية، فالجزائر معروفة بانعدام الشفافية حيث تعالج الأمور المالية والاقتصادية عن طريق الرشوة والأكاذيب. نحن في الجزائر نعيش ما يسمى بعلامات الساعة الكبرى، فبينما يعترف الرئيس أمام الناخبين بفشل السياسات الاقتصادية التي انتهجها منذ عشر سنوات، يتحدث مسئول آخر في الإتلاف الرئاسي عن إنجازات النظام ويطمئن الموظف الجزائري العادي أن فترة رئاسية ثالثة ستكون فترة لتحسين وضعه. فهذا يدل على تناقضات سياسية داخل الهيئات المساندة لهذا الرئيس. للجزائر عائدات ونفط وإمكانية بناء بيئة اقتصادية قوية، ولكن لا يمكن تحقيق ذلك في غياب سياسة شفافة وديمقراطية ومشاركة شعبية. أعتقد أن فترة ثالثة لهذا الرئيس—الذي لم ينتخب عام 1999 أو في 2004 والكل يعلم أنه لن ينتخب في 2009—لن تقدم أي تغييرات.

قاطع حزب جبهة القوى الاشتراكية الانتخابات التشريعية عام 2002 والانتخابات البرلمانية عام 2007، وستقاطعون الانتخابات الرئاسية المقبلة، ماهي المكاسب أو الخسائر التي يشهدها الحزب نتيجة ذلك؟
بمقاطعة الانتخابات أوصلنا رسالة هامة للشعب وهي أننا نقاطع هذا النظام الفاسد ونرفض المشاركة في لعبته السياسية مما يزودنا بشعبية ومصداقية كبرى. أما فيما يخص الخسائر، فجبهة القوى الاشتراكية فقدت اي تمثيل برلماني قد يمثلها في إدارات الدولة. ولكن لا يمكن استخدام كلمة خسارة في هذا السياق فالجميع يعتبرنا حزب سياسي شجاع ولا يخضع للإغراءات. فقد نخسر مقعد في البرلمان أو المجلس البلدي ولكننا كسبنا مصداقيتنا لدى الشعب. ففي عامي 2002 و2007 قمنا بمقاطعة الانتخابات البرلمانية والتشريعية لقناعتنا إنه طالما الشعب الجزائري لن يكون هو المنتخِب الحقيقي فعلينا الاختيار بين الفوز بمقاعد في الانتخابات أو البقاء بعيدا والفوز باحترام الشعب، وحتى إذا لم يكن لنا تمثيل في الهيئات الرسمية فلدينا ثقة ومصداقية في الأوساط الشعبية. وربما عندما يكون بإمكاننا استخدام الأدوات الديمقراطية الحقيقية وضوابط التغيير وتحديث إرادة التغيير ربما سيحصد الحزب ما زرعه من ثقة ومصداقية في الأوساط الشعبية.

ولكن كيف سيحدث التغيير وأنتم ترفضون الدخول في اللعبة السياسية؟
في بعض الدول تقام انقلابات لإحداث التغيير، ولكننا ضد سياسة الانقلابات وضد سياسة العنف، لأن التغيير السياسي يأتي بوعي المجتمع وقد يتم ذلك في شهور أو سنة أو عشرات السنوات. هذا هو منطلقنا. أما أن نصبح جزءا من الهيئات الرسمية للنظام فيعتبر ذلك مؤشر رئيسي لفقدان المصداقية في الجزائر. فكلما يدخل حزب في اللعبة السياسية يفقد كل مصداقيته. فحزب العمال مثلا، عندما كانت رئيسته لويزة حنون جزءا من المعارضة أعجب الناس بشجاعتها وأسلوبها، وهي المرة الأولى التي رأى فيها الشعب الجزائري امرأة لديها شجاعة وتتحدث بأفكار ومشاعر الشعب واحتياجاته. ولكن عندما دخلت بيت الطاعة وأصبحت جزءا من ديكور النظام فقدت كل مصداقيتها. حزب جبهة القوى الاشتراكية يقوم بما نسميه بالاستثمار المستديم في السياسة، حيث نوسع وجودنا كحزب ونحاول تجنيد أكبر عدد من الشباب. عندما قررنا مقاطعة الانتخابات في عام 2004، انتقدنا الجميع ولكن اليوم لم نعد الوحيدين في مقاطعة الانتخابات. إن فكرنا السياسي يؤمن بأن تغيير النظام والعودة إلى الحياة الديمقراطية هو الحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة.

كيف يمكن بناء الدعم الشعبي في ظل الظروف الراهنة؟
أكدنا للشعب الجزائري أن الحزب خبرته اشتراكية ويتحتم عليه الآن التفتح السياسي وبناء تحالفات سياسية مع الحركات السياسية الأخرى وباقي القوى السياسية النزيهة في الجزائر. من المهم أن أشير إلى تغيير أعمق وهو أن جبهة القوى الاشتراكية كانت تؤمن بأنها هي الحل، ولكننا اليوم على يقين بأننا لسنا الحل وإنما عنصر من عناصره، والحل يبنى مع الشركاء السياسيين والاجتماعيين والثقافيين والنقابيين. لقد ساعدت هذه التغيرات وغيرها الحزب في ربح مصداقية أكبر وأصبح أكثر موضوعية في الخطاب وأكثر تواجدا في الميدان السياسي.

هناك من ينتقد الحزب لافتقاره إلى ممارسة ديمقراطية، كيف تردون على هذه الانتقادات؟
هذا الشيء طبيعي في بلاد تنعدم فيها بالمطلق الممارسة الديمقراطية؛ فهناك تناقضات وتتجلى التناقضات الموجودة في المجتمع بصفة عامة داخل الحزب. ولكني أوافق انه يجب على الحزب أن ينتهج الطريقة الديمقراطية. في الماضي وصلت بعض الأحزاب السياسية ومنها حزبنا إلى درجة أن تحولت سياستها إلى مجرد شعارات، ولكن اليوم فهم الناس أن السياسة ليست مجرد شعارات، وإنما هي تطبيق لهذه الشعارات وهذا ما دفعنا إلى التقييم ومحاولة الإصلاح والتجديد. والآن هناك نقاش سياسي ونشاطات وهيئات تنظيمية وقوانين داخل الحزب. وتطرح كل الآراء في إطار الهيئات الرسمية داخل الحزب وتناقش كل المواضيع على مستوى المجلس الوطني. أما من ناحية المسؤولية وتولي المهام فهناك انتخابات داخلية وبعض التعيينات التي تقام على أساس القانون الداخلي للحزب وفي إطار القوانين التي تتعامل بها الهيئات التنظيمية.

كيف يمكن إذا تشجيع الشباب وجذبهم إلى الحزب وخاصة في وقت يسوده الإحباط في الحياة السياسية؟
نحاول خلق وعي شعبي من خلال بناء ثقة جديدة مع المواطنين وخاصة الشباب، وقد حققنا ذلك عن طريق الامتناع عن المشاركة في الانتخابات. ونشجع مشاركة أكبر عدد ممكن من الشباب عبر تنظيم عدد من البرامج التأسيسية من بينها تشييد مدرسة الإنشاء السياسي للشباب، خاصة الشباب الجامعيين. إن حزب القوى الاشتراكية هو من بين الأحزاب القليلة الذي مكّن الشباب من تولي أدوار قيادية داخل الحزب. فمثلا تم تعييني أمين عام أول للحزب، وتمكنت من الوصول لهذه الدرجة من المسؤولية السياسية.

كيف يمكن مقارنة حركة النشاط السياسي للشباب في الجزائر بمثيلاتها في البلدان العربية؟
الجزائر يسودها القمع السياسي، في ظل النظام البوليسي وفي ظل حالة الطوارئ وانعدام المساحات السياسية للنقاش والحوار والإدلاء بآراء معينة، لا يمكن الحديث عن نشاط سياسي بالمفهوم العام. كما أن الشباب الجزائري بات على يقين بأن الانتخابات ليس لها معنى وليس هناك أي تمثيل حقيقي في الهيئات والمؤسسات الرسمية، مما أدى إلى تراجع تدريجي حتى وصل درجة الامتناع عن المشاركة السياسية. ولكن هناك بعض الاحتجاجات التي ينظمها الشباب في الجامعات وفي القرى والمدن وفي الحقيقة كل هذه الاحتجاجات يتم تجاهلها، رغم أنها تقتصر في معظم الأحيان على الوضع الاقتصادي والاجتماعي. هذا المشهد عام في كل الدول العربية ولكن بنسب مختلفة. فمثلا في مصر هناك حركة احتجاجية سياسية يقوم بها القضاة والمحامون وغيرهم، وفي المغرب حركة جمعية مناضلي حقوق الإنسان والنقابيين أكثر استعدادا وتنظيما. أما الأنظمة القمعية البوليسية، مثل النظام الجزائري والنظام التونسي والنظام السوري، فإنها لا تسمح بوجود أي نشاط سياسي. وفي مثل هذه الأنظمة تحاول الأحزاب المعارضة قدر الإمكان تجنب أي أزمات أو كوارث سياسية قد تؤدي إلى انغلاق سياسي أكبر ويبقى الخيار الوحيد هو أن تتبنى دورًا أكبر في المجتمع.

انتصار فقير أجرت المقابلة.