نيل بارتريك، محرر ومساهم أساسي في كتاب "السياسة الخارجية السعودية: النزاع والتعاون" Saudi Arabia Foreign Policy: Conflict and Cooperation (IB Tauris, 2016).

قطعت السعودية عهداً، من خلال الحرب التي تشنّها في اليمن، بإعادة الحوثيين إلى معقلهم شمال محافظة صعدة، وتثبيت حليفها، الرئيس عبد ربه منصور هادي، من جديد في السلطة في صنعاء – هذا مع العلم بأن السعوديين تعاملوا مع علي عبدالله صالح، حليف الحوثيين الحالي، لفترة طويلة وسعوا سابقاً إلى التوصل سلمياً إلى ترتيبات مع الحوثيين حول الأمن الحدودي بعد فشلهم في إلحاق الهزيمة بهم في الحرب البرية في 2009-2010.

ليس مفاجئاً أنه سرعان ما بلغت حرب السعوديين الثانية ضد الحوثيين حائطاً مسدوداً. في أيلول/سبتمبر 2015، عاد هادي إلى البلاد التي كان ظاهرياً حاكمها الشرعي، ولو أنه عاد إلى عدن فقط، لكنه غادرها لاحقاً من جديد. وقد واجه هادي، منذ عودته إلى عدن في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، صعوبة في الاحتفاظ بموطئ قدم هناك، على الرغم من الجهود التي يبذلها بعض الجنود اليمنيين "النظاميين" الذين يُفترَض أنهم موالون له وبعض القوات الخاصة الإماراتية. يعمل الانفصاليون الجنوبيون على تثبيت وجودهم من جديد في عاصمتهم الجنوبية القديمة. بعد عام من القصف الجوي المتواصل إلى حد ما، يبدو أن الأمير محمد بن سلمان الذي يُعتبَر القائد الفعلي للقوات المسلحة السعودية، استنتج أن النزاع عصيّ على التسوية. لم يُبدِ عدد كافٍ من المقاتلين من أبناء العشائر السنّية اليمنية استعدادهم للقتال إلى جانب السعودية، ولم يُرد بن سلمان ارتكاب الخطأ نفسه الذي وقع فيه الأمير خالد قبل خمس سنوات عبر نشر قوات سعودية، كما أن الحكومتَين السودانية والإريترية لن ترسلا عدداً كافياً من المقاتلين لينجزوا المهمة بأنفسهم. نتيجةً لذلك، قررت السعودية أن تتكلم مع الحوثيين من جديد.

في آذار/مارس 2016، زار وفد من الحوثيين جدة لإجراء مباحثات لجس النبض حول الخطوط العريضة لتسوية داخلية في اليمن. كانت قوات الحوثي-صالح في موقع قوة، ولم تكن مهتمة بإلقاء سلاحها وتسليم السلطة من جديد إلى هادي. لا تزال آلية المباحثات الرسمية في الكويت تضم مختلف الأفرقاء اليمنيين الأساسيين ما عدا تنظيم القاعدة، وتعرض أيضاً على الحوثيين خروجاً عن طريق التفاوض من المدن الأساسية التي يسيطرون عليها، بما في ذلك صنعاء. لا يحتاج الحوثيون إلى الإيرانيين، حلفائهم البعيدين، لإقناعهم بأن العودة إلى الوضع السابق ليست فكرة جيدة، ولا تستحق بالتالي عناء الاستسلام من أجلها، فهم يدركون ذلك تماماً.

تقترح الولايات المتحدة الآن حصول كل من الحوثيين وقوات صالح على ثلث المقاعد في حكومة تتخذ من صنعاء مقراً لها، مع حصول أنصار هادي على الثلث المتبقّي – الأمر الذي سيجد السعوديون صعوبة كبيرة في تقبّله. فهل من سبب ليتخلى الحوثيون أو صالح عن السيطرة على السلاح التي أتاحت لهم انتزاع هذا التنازل عنوةً؟ في مختلف الأحوال، ما زال صالح يحتفظ بالسيطرة على جزء كبير من القوات المسلحة. ينتمي صالح إلى المذهب الشيعي الزيدي، شأنه في ذلك شأن الحوثيين، وهو بالتالي جزء من هذه التعدّدية اليمنية، لكن الأهم من ذلك أنه يستخدم الثروات المادية والفكر العشائري كي يبقى داخل اللعبة. لقد جاء التقارب السعودي مع الإخوان المسلمين في اليمن (حزب الإصلاح) بعد انطلاقة الحملة الجوية السعودية، متأخراً جداً بالنسبة إلى قيادة الإصلاح التي لم تعد تملك الوقت الكافي لإعادة تجنيد مقاتليها السابقين من أبناء العشائر. لقد وافق علي محسن الأحمر، قائد الجيش سابقاً في عهد صالح، على التعاون مع السعوديين وحقّق بعض المكاسب على حساب الحوثيين، لكن حتى هو لا يستطيع هزم الحوثيين في صنعاء.

أصبح الكيان الذي يتمتع باستقلال ذاتي بحكم الأمر الواقع في جنوب اليمن عرضةً من جديد لتأثير النفوذ السعودي والخليجي، بما في ذلك محافظة حضرموت التي تجمعها روابط قوية بالمملكة، في حين يمتلئ باقي الجنوب بمقاتلي القاعدة الذين بدأت السعودية متأخرةً في إبداء اهتمام بمحاربتهم. غير أن الخطوط العريضة لاتفاق غير رسمي حول الأراضي في اليمن قد وُضِعت. غالب الظن أن الشمال سيبقى إقطاعية صعبة المراس بأيدي الحوثيين وصالح. لقد ساهم السلفيون في الشمال الذين كانوا أصدقاء للسعودية في ما مضى، في دفع الحوثيين نحو التوسع أولاً، وضعضعة الشرطة الحدودية اليمنية-السعودية. لذلك من الأجدى بالسعوديين أن يسعوا إلى تسوية مؤقتة مع الكيان الجديد في شمال اليمن، تماماً كما فعلوا هم، والإماراتيون أيضاً، في الجنوب. واقع الحال هو أن السعوديين كانوا يستمتعون بتأليب جنوب اليمن على شماله من خلال حلفائهم في البلدَين. لكن من شأن القبول رسمياً بالواقع السياسي الذي يفرضه انقسام اليمن من جديد أن يشكّل خسارة صعبة لماء الوجه، ويبدو، للأسف، أن القائد السعودي الفعلي ليس مستعداً بعد لدفع هذا الثمن. يمكننا أن نتوقّع مزيداً من المواجهات الحربية التي ستترافق مع مزيد من النقاشات والمداولات، فالسعوديون لن يقبلوا عملياً بتقاسمٍ للسلطة في اليمن إلا إذا سيطر حلفاؤهم المحليون على الجزء الأكبر من الأسلحة.

 

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.