في 28 نيسان/أبريل الماضي، صوّت مجلس الأمن الدولي على القرار 2351 المتعلق بالتمديد السنوي لتفويض بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، وتضمن القرار أيضاً دعوة إلى إعادة إطلاق المفاوضات. على الرغم من أن لغة القرار ليست جديدة تماماً، إلا أنه يكشف عن التزام متجدد بالعمل على التوصل إلى تسوية سياسية. لقد شهد العام المنصرم تشنجات شديدة بين المغرب والأمم المتحدة إبان التصريحات التي صدرت عن أمين عام الأمم المتحدة السابق، بان كي مون خلال زيارة مثيرة للجدل قام بها إلى مخيمات اللاجئين الصحراويين، والتي دفعت بالمغرب إلى طرد الجزء الأكبر من العناصر الدوليين في بعثة مينورسو. وقد سلّط المأزق الديبلوماسي الذي تسبّبت به هذه الواقعة، الضوء على الحاجة إلى إعادة تفعيل البحث عن تسوية سياسية داخل دوائر الأمم المتحدة. حتى إذا لم تؤتِ عملية الأمم المتحدة بثمارها، لا تزال الإجراءات القانونية في محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي تمنح بوادر أمل لانطلاق مرحلة جديدة في المفاوضات.

سعى القرار 2351 أيضاً إلى معالجة تأزّم الوضع الأمني بين المغرب والبوليساريو في منطقة الكركرات النائية عند الحدود مع موريتانيا. لقد بلغ منسوب التشنج مستويات خطيرة مع تقلّص المسافة الفاصلة بين القوات المغربية وقوات البوليساريو داخل المنطقة العازلة جنوب الكركرات، حيث لم تكن بعثة مينورسو تسيّر سوى دوريات متقطّعة فضلاً عن الاكتفاء بعمليات مراقبة محدودة من حين لآخر. انطلقت شرارة الأحداث في أواخر آب/أغسطس 2016، عندما بدأ المغرب تنفيذ أشغال لصيانة الطرقات وعمليات لمكافحة التهريب، بحسب زعمه، داخل المنطقة العازلة، بموافقة الأمم المتحدة كما أُفيد. وقد دفعت هذه الخطوة بجبهة البوليساريو إلى نشر قواتها في المنطقة بعد أربعة أشهر.

بعدما ناشد الأمين العام الجديد للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، القوات المغربية وقوات البوليساريو الانسحاب في 25 شباط/فبراير الماضي، بادر المغرب إلى سحب قواته في اليوم التالي. بيد أن جبهة البوليساريو فرضت شروطاً مسبقة – منها تطبيق خطة التسوية التي وضعتها الأمم المتحدة لإجراء استفتاء حول تقرير المصير – قبل أن تعود وتنسحب في اللحظة الأخيرة (بطلب من الجزائر كما يُعتقَد)، فاستعرضت بذلك قوتها إنما تجنّبت في الوقت نفسه التعرض لإدانة قاسية من الأمم المتحدة. أياً تكن الأفكار الأولية أو الدوافع الخفية خلف إرسال الرباط قواتها إلى الحدود الجنوبية الغربية مع موريتانيا – أو خلف التصعيد المتأخر إنما الفعال الذي لجأت إليه البوليساريو – ربما ولّد ذلك لدى بعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة شعوراً بضرورة المبادرة بصورة ملحّة إلى إطلاق المحادثات من جديد.

عرض التقرير الذي نشره غيتيريس في العاشر من نيسان/أبريل الماضي، تقويماً صريحاً للمأزق الراهن، وأرسى أسس المفاوضات المباشرة بين المغرب وجبهة البوليساريو. على وجه التحديد، تشير الفقرة 55 في التقرير إلى "التفسيرات المتباينة إلى حد كبير" التي يعطيها الأفرقاء لتفويض بعثة مينورسو، وتدعو الفقرة 83 الدولتَين المجاورتين، الجزائر وموريتانيا، إلى المساهمة في العملية التفاوضية التي يقتصر دورهما فيها راهناً على المراقبة – مع العلم بأنه لطالما زعم المغرب أن الجزائر طرف مباشر في النزاع. وقد وجدت هذه المندرجات أصداء داعمة داخل مجلس الأمن الدولي.

بالفعل، يدعو القرار 2351، بلغة واضحة، إلى استنئاف العملية السياسية بالاستناد إلى الصيغة الآتية التي تتكرر إليها الإشارة ثلاث مرات في نص القرار: "التوصل إلى حل سياسي مقبول من الجانبَين يكفل حق تقرير المصير لسكان الصحراء الغربية في سياق ترتيبات تنسجم مع مبادئ شرعة الأمم المتحدة وأهدافها"، وجدّد القرار دعوة الدول المجاورة إلى التعاون في شكل كامل مع المبعوث الخاص للأمين العام حول الصحراء الغربية. يُتوقَّع أن يقوم غيتيريس بتعيين هورست كوهلر، رئيس ألمانيا سابقاً والعضو المنتدب في صندوق النقد الدولي – وهو من الخبراء البارزين في شؤون التنمية الأفريقية – مبعوثه الخاص لتسهيل المفاوضات بين المغرب والبوليساريو. قد يضيف تعيين كوهلر ثقلاً سياسياً وديبلوماسياً – وبروزاً أكبر – إلى عملية البحث عن حل للنزاع عن طريق التفاوض، بعدما كان معظم الأشخاص الذين عُيِّنوا في هذا المنصب خلفاً لجيمس بيكر اعتباراً من العام 2004، ديبلوماسيين متوسّطي الرتبة.

حتى بوجود مبعوث مثل كوهلر، تبقى إعادة إطلاق المفاوضات عن طريق الديبلوماسية المكوكية والمحادثات غير المباشرة، مهمة عسيرة. ففي حين أن جبهة البوليساريو بحاجة ماسّة إلى انطلاق مباحثات جديدة من أجل تسليط ضوء أكبر على مطالباتها بإجراء استفتاء حول تقرير المصير، بإمكان المغرب أن يُبقي على عرضه المتمثّل بمنح الصحراء الغربية حكماً ذاتياً، وذلك من دون اللجوء إلى المفاوضات، وأن يلغي تدريجاً البعد الدولي للنزاع. غير أن جبهة البوليساريو تنجح في تحدّي توقعات الرباط التي كانت تترقّب موافقة المجتمع الدولي على ضم الصحراء الغربية بحكم الأمر الواقع إلى الأراضي الوطنية المغربية – بالاستناد إلى اندماجها الاقتصادي واستخراج مواردها الطبيعية – وهو ما كانت الرباط تأمل بأن يُفضي في نهاية المطاف إلى تهميش مسألة السيادة ووضعها جانباً. غير أن حكماً صادراً عن محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي في كانون الأول/ديسمبر 2016 جدّد التأكيد على وضع الصحراء الغربية كأراضٍ غير خاضعة للحكم الذاتي، ما يترتب عنه بطبيعة الحال انتفاء الموافقة القانونية على السيادة المغربية. قد يُنظَر إلى ذلك، ولو بطريقة غير مباشرة، بأنه يساهم في تعزيز مزاعم البوليساريو عن أنها المؤسسة الوحيدة التي يستطيع الصحراويون إعطاء موافقتهم من خلالها لاستغلال الموارد الطبيعية في أراضيهم.

وقد جاء الحكم المذكور رداً على استئناف تقدّم به المغرب ضد الحكم الصادر عن محكمة العدل في كانون الأول/ديسمبر 2015 والذي قضى بإبطال اتفاق تحرير اقتصادي (يُسمّى أحياناً اتفاقية الصيد البحري) جرى توقيعه بين المغرب والاتحاد الأوروبي وينطبق أيضاً على أجزاء من الصحراء الغربية. وقد ذكرت محكمة العدل الأوروبية، في الحكم الصادر عنها في دعوى الاستئناف – من جملة ما ذكرته – أن إدراج الصحراء الغربية في أي علاقات بين الأمم المتحدة والمغرب (الفقرة 107) يتعارض مع القانون الدولي ويتنافى مع مبدأ تقرير المصير. علاوةً على ذلك، اعتبرت المحكمة أنه يتعيّن على الصحراويين، بصفتهم طرفاً ثالثاً يتأثر بالاتفاق، إعطاء موافقتهم قبل تطبيق أي اتفاق شراكة (الفقرة 106). بيد أن المحكمة لم تذكر أنه يتعين استشارة جبهة البوليساريو، باعتبارها ممثّلة الصحراويين، في أي علاقات بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تكون الصحراء الغربية جزءاً منها، مع أنه جاء على ذكر التوصية الواردة في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 34/37، والتي تعتبر أنه يجب إشراك البوليساريو في أي بحث عن حل سياسي لمسألة الصحراء الغربية (الفقرة 105). وإذ أشارت المحكمة إلى الحكم السابق الصادر في كانون الأول/ديسمبر 2015، والذي هو موضوع الاستئناف، حدّدت أيضاً أن الاتحاد الأوروبي وجد نفسه مضطراً إلى اتخاذ تدابير حرصاً على أن تتم عملية إنتاج السلع المصدَّرة من الصحراء الغربية إلى الاتحاد الأوروبي "بطريقة لا تلحق الأذى بسكان تلك الأراضي، ولا تترتب عنها تجاوزات للحقوق الأساسية للأشخاص المعنيين" (الفقرة 47).

عبر الإشارة بطريقة غير مباشرة إلى البوليساريو باعتبارها ممثّلة الصحراويين، يذهب الحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية أبعد من الرأي القانوني الصادر عن الأمم المتحدة في 29 كانون الثاني/يناير 2002 – الذي لا يأتي الحكم على ذكره – في التشكيك بقانونية قيام المغرب بمنح الشركات الأجنبية عقوداً للتنقيب عن الموارد المعدنية في الصحراء الغربية. ورد في الرأي القانوني لعام 2002 أن استخراج الموارد في الأراضي غير الخاضعة للحكم الذاتي (مثل الصحراء الغربية) يجب أن يتم لمصلحة سكان تلك الأراضي، وأن تجاهل مصالح الصحراويين وتطلعاتهم يشكّل انتهاكاً للمبادئ المرعية الإجراء في القانون الدولي.

حتى لو لم تكن عملية الأمم المتحدة تقدّم أساساً كافياً للسير بالمفاوضات قدماً، فإن الحكم الصادر عن المحكمة الأوروبية يؤمّن هذا الأساس. إنه يشكّل قاعدة راسخة بإمكان جبهة البوليساريو والمغرب الاستناد إليها للذهاب أبعد من مواقفهما الثابتة والمعهودة عند الجلوس إلى طاولة المفاوضات. على سبيل المثال، بإمكان المغرب أن ينظر في خيارات أخرى غير الحكم الذاتي، مثل السيادة المشتركة التي يمكن أن تشمل الإدارة المشتركة لموارد الصحراء الغربية إلى جانب السكان الأصليين والبوليساريو – وربما تحت إشراف إقليمي أو دولي. ويمكن أن تقبل جبهة البوليساريو بمرحلة انتقالية تفضي إلى إرجاء مؤقت للاستفتاء حول تقرير المصير. ويمكن أن تتطرق المفاوضات إلى الآليات المحتملة التي من شأنها أن تفرض على المغرب استشارة الصحراويين، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر جبهة البوليساريو، عند استخراج الموارد الطبيعية في الصحراء الغربية والمتاجرة بها. قد لا يكون المغرب ولا البوليساريو مستعدَّين لتسوية شاملة حول السيادة وتقرير المصير، لكن من شأن اتفاقات تدريجية مستندة إلى كل مسألة على حدة وتلقائية التنفيذ، أن تساهم في تعزيز الثقة بالعملية التفاوضية وترسي مرتكزات باتجاه التوصل إلى تسوية شاملة ودائمة.

* تُرجم هذا المقال من اللغة الإنكليزية.

جاك روسيلييه أستاذ العلاقات الدولية في الجامعة العسكرية الأميركية، شارك في تحرير كتاب "آفاق حول الصحراء الغربية: الأساطير والقومية والجيوسياسة" Perspectives on Western Sahara: Myths, Nationalism and Geopolitics (رومان أند ليتلفيلد: نيويورك، 2014).